تصاعد التوترات الجيوسياسية وتراجع واردات القناة وعجز الميزان التجارى عوامل تضغط على العملة المحلية
ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه بنحو %57.68 منذ تحرير سعر الصرف يوم الأحد 6 مارس الماضى، وترك العملة تتحدد وفقًا لآليات السوق وقوى العرض والطلب.
كان سعر الدولار قد استقر لفترة طويلة عند مستوى الـ 30 جنيها، ثم قررت لجنة السياسة النقدية فى اجتماع استثنائى رفع أسعار الفائدة بواقع 600 نقطة أساس وتحرير العملة المحلية، وعلى إثر ذلك قفز سعر شراء الدولار من 30.48 جنيه عشية قرار التعويم إلى 49.47 جنيه، بحسب بيانات البنك المركزى.
ثم غلب على العملة الخضراء حالة من التذبذب خلال الفترة التالية لذلك، فمع يوم 11 مارس الماضى هبط الدولار إلى 48 جنيها، بعدما كان فى مستوى الـ 49 ثم هبط من جديد إلى مستوى الـ 47 خلال الفترة من 14 إلى 19 مارس الماضى.
وتراجع إلى مستوى الـ 46 جنيها خلال الفترة من 20 إلى 24 مارس الماضى ليستقر بعدها لعدة أيام عند مستوى الـ 47 جنيها.
وظل على هذه الحال من التأرجح هبوطا وصعودًا طيلة الأشهر الماضية، دون حدوث أى تغيير كبير أو جوهرى، وهو ما يتسق ربما مع تحرير سعر الصرف، باستثناء الفترة الأخيرة، فابتداءً من 17 يوليو الماضى اتخذت العملة الأمريكية وتيرة متصاعدة، مسجلة نحو 48.17 جنيه للشراء و48.27 للبيع.
وشهد سعر الدولار حراكا ملحوظا خلال الأسبوعين الماضيين، ليسجل واحدة من أعلى قفزاته خلال الفترة الأخيرة، لينهى تعاملات 1 أغسطس الجارى عند مستوى نحو 48.63 جنيه للشراء و48.73 للبيع.
ورجح ثلاثة خبراء تحدثت إليهم «المال» أن يشهد سعر الدولار نوعا من الارتفاع التدريجى أمام الجنيه، مدعوما بالعديد من العوامل أبرزها تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية، وتراجع واردات قناة السويس، ناهيك عن عجز الميزان التجارى، والفجوة التمويلية، وأضافوا أن صعود وهبوط العملة الأجنبية أمراً طبيعياً إذ يحدد وفق آليات العرض والطلب وذلك منذ قرارات المركزى الذى اتخذها فى 6 مارس الماضى وتوحيد سعر الصرف.
عجز الميزان التجارى والضغط على العملة المحلية
وقال هانى توفيق، الخبير الاقتصادى، إن ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه سيستمر لفترة، خاصة فى ظل عجز الميزان التجارى، وارتفاع فاتورة الاستيراد.
واتسع عجز الميزان التجارى خلال أول 9 أشهر من العام المالى الماضى (2023/ 2024) مسجلا نحو 28.8 مليار دولار مقابل 23.55 مليار خلال الفترة المقابلة من العام المالى الماضى، بحسب تقرير ميزان المدفوعات الصادر عن البنك المركزى.
جاء ذلك مدفوعا بتراجع إجمالى الصادرات بنحو %22.3 خلال أول 9 أشهر من العام المالى الماضى مقتصرة على نحو 24.12 مليار دولار مقارنة مع 23.55 مليار للفترة ذاتها من العام الماضى.
وأشار «توفيق» إلى أن هناك العديد من التحديات التى تضغط على العملة المحلية أبرزها تراجع عائدات قناة السويس ومتحصلات السياحة كذلك، وهو ما يدفع باتجاه المزيد من ارتفاع الدولار أمام الجنيه.
كان الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء كشف، فى مؤتمر صحفى عقد مؤخرا، أن قناة السويس تتكبد خسائر تتراوح من 500 إلى 550 مليون دولار شهريا، نتيجة الاضطرابات الجيوسياسية التى تشهدها المنطقة.
وأكد هانى توفيق الخبير الاقتصادى أن تفاقم عجز الموازنة بالعملة المحلية يشكل أحد جوانب الضغط على العملة المحلية ومن ثم قد نشهد تخفيضا لقيمتها بشكل تدريجى ومتكرر.
التوترات الجيوسياسية
من جانبها، قالت آية زهير، رئيس قسم البحوث بشركة “زيلا كابيتال» للاستشارات المالية، إن حدوث الحراك فى سوق العملات صعودًا وهبوطًا أمر طبيعى طالما أن البنك المركزى قد اعتمد، منذ 6 مارس الماضى، تحرير سعر الصرف، وترك قيمة الجنيه تتحدد وفقًا لآليات السوق وقوى العرض والطلب.
وأضافت أن هناك بعض العوامل التى قد تؤثر سلبًا على العملة المحلية، أبرزها التوترات الجيوسياسية، ناهيك عن تصاعد التوترات فى لبنان وغزة، والحراك الحادث فى سعر المعدن النفيس.
وأوضحت أن كل هذه العوامل ربما تؤثر سلبًا على العملة المحلية نظرًا لكونها مرتبطة فى الأساس بالدولار.
وذهب هانى أبو الفتوح، الخبير المصرفى ورئيس مجلس إدارة شركة الراية للاستشارات المالية،إلى أنه من المتوقع استمرار ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه لبعض الوقت.
وأضاف أن هناك عددًا من بنوك الاستثمارات قد توقعت فى تقارير لها وصول سعر الدولار إلى 49 جنيها بنهاية العام الجارى، فيما توقعت بنوك استثمار أخرى أن يتراوح سعر بين 55 إلى 60 جنيها خلال 2025.
الفجوة التمويلية والالتزامات الخارجية
وأشار إلى أن الفجوة التمويلية لا زالت أحد العوامل الضاغطة على العملة المحلية، ناهيك عن الالتزامات الأخرى المتمثلة فى الفوائد والأقساط التى يتوجب على مصر سدادها خلال الأعوام المقبلة.
وتصل الالتزامات المستحقة للسداد (فوائد وأقساط) إلى 19.434 مليار دولار، مقسمة إلى نحو 11.155 مليار خلال النصف الأول من 2025، وحوالى 8.28 مليار خلال النصف الثانى من العام نفسه.
وخلال عام 2026، ستصل قيمة الأقساط والفوائد المستحقة للسداد 22.94 مليار دولار، مقسمة إلى 11.458 مليار فى النصف الأول من العام، و11.482 مليار خلال النصف الثانى من 2026.
كان البنك المركزى قد سدد، بحسب بيانات صادرة عنه، مستحقات ديون خارجية بنحو 8.168 مليار دولار خلال الربع الأول من العام المالى 2024/2023، مقابل 7.645 مليار بنهاية الربع الأخير من العام المالى السابق عليه.
وأشار «أبو الفتوح» إلى أنه على الرغم من حدة المخاطر المحيطة بالعملة المحلية فإن هناك عدة عوامل قد تمكن الجنيه من الصمود فى وجه هذه التحديات أبرزها إعادة بناء احتياطى النقد الأجنبى وكذلك العمل الدءوب على خفض الدين الخارجى، موضحا أن أحد أهداف احتياطى النقد الأجنبى هو الدفاع عن العملة والعمل على مواجهة المخاطر والصدمات.
وتراجع الدين الخارجى لمصر إلى 153.86 مليار دولار بنهاية مايو الماضى، مقابل 168.03 مليار بنهاية ديسمبر 2023، بانخفاض قدره 14.17 مليار بنسبة تقدر بحوالى %8.43.
وارتفع احتياطى النقد الأجنبى لمصر إلى 46.383 مليار دولار بنهاية يونيو الماضى، مقابل 46.125 مليار بنهاية مايو 2024، بزيادة قدرها 258 مليونا.
