شهدت البورصة المصرية فى الفترة الأخيرة ظاهرة واضحة من انتقال شركات بورصة النيل إلى المقصورة الرئيسية عقب تعاظم حجمها ورؤوس أموالها، الأمر الذى يدل على أن بورصة النيل، التى تأسست لتكون منصة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، أصبحت تمثل مرحلة انتقالية مهمة للشركات الناشئة الساعية للتوسع والنمو.
العديد من الشركات التى بدأت مشوارها فى بورصة النيل أصبحت تسعى للانتقال إلى السوق الرئيسية، الذى يوفر فرصًا أكبر للنمو والوصول إلى قاعدة أوسع من المستثمرين، فى الفترة الأخيرة انتقلت عدة شركات إلى السوق الرئيسية، وهما إم بى للهندسة والمقاولات ولوتس للتنمية والاستثمار الزراعى.
ولكن كيف يتحقق هذا الهدف؟ تقوم الهيئة العامة للرقابة المالية والبورصة المصرية بدراسة تعديل قواعد انضمام الشركات التى ستطرح أسهمها فى البورصة، ومن بين هذه التعديلات، أصبح من الضرورى أن تضع الشركات خطة للطرح فى السوق الرئيسية خلال فترة تتراوح من سنة إلى سنتين، هذا الإجراء يهدف إلى ضمان أن تكون الشركات المؤهلة للطرح قادرة على تلبية المتطلبات المالية والإدارية للسوق الرئيسية، ما يعزز من كفاءة واستقرار السوق.
يرى الخبراء أن بورصة النيل شهدت تحولًا ملحوظًا فى الفترة الأخيرة، بفضل جهود تطويرية تمت بالتعاون مع مؤسسات مالية دولية وتعديلات فى اللوائح التنظيمية،وهذا التحول يهدف إلى جعل بورصة النيل محطة انتقالية فعالة للشركات الصغيرة والمتوسطة نحو السوق الرئيسية، ما يساهم فى تحفيز نمو الشركات، وتعزيز جاذبية السوق.
كما رأوا تزايد عدد الشركات التى تنتقل من بورصة النيل إلى السوق الرئيسية يعكس رغبة هذه الشركات فى الاستفادة من السيولة الأكبر والمتطلبات الأقل صرامة للمشاركة فى السوق الرئيسية، وهذا التحول يعزز من قوة البورصة المصرية، ويزيد من قدرتها على جذب المزيد من رؤوس الأموال.
وفى النصف الأول من العام الحالي، تم إدراج ثلاث شركاتللبورصة المصرية، وهي، إم بى للهندسة، وشركة لوتس للتنمية والاستثمار الزراعي، وشركة ديجيتايز للاستثمار والتقنية.
وكانتشركة إم بى للهندسة، قدزادت رأسمالها من 56.27 مليون جنيه إلى 101.5 مليون جنيه، وسجلت صافى ربح قدره 42.4 مليون جنيه فى 2023، وحققت نموًا فى المبيعات بنسبة 43، بينما قامتشركة لوتس للتنمية والاستثمار الزراعى بزيادة رأس المال من 56 مليون جنيه إلى 105 ملايين جنيه،فيما رفعتشركة ديجيتايز للاستثمار والتقنية،رأس مالها من 12 مليون جنيه إلى 108 ملايين جنيه، وسجلت أرباحًا بقيمة 5.75 مليون جنيه فى 2023، بزيادة %77.
قال الدكتور ياسر عمارة، رئيس مجلس إدارة شركة إيجل للاستشارات المالية، إن بورصة النيل بقيت فترة طويلة فى حالة من الركود، إلا أن رئيس البورصة السابق، الدكتور محمد فريد، عمل على تطويرهامن خلال اتفاقيات مع البنك الأوروبى لإعادة الإعمار، وهذه الاتفاقيات هدفت إلى إعادة هيكلة العمليات الاستشارية المطلوبة لبورصة النيل.
وأضاف عمارة أن الاهتمام ببورصة النيل ازداد بعد تصنيفها كسوق نشط “تميز”، ومن ذلك الحين، بدأت الأمور تتنظم، وتم تفعيل دور الراعى المعتمد وفقًا لقرار 918 لسنة 2020، ما زاد الاهتمام ببورصة النيل، والهدف الأساسى أصبح تحويل بورصة النيل إلى محطة انتقالية للسوق الرئيسية، مع ضرورة تقديم خطط مستقبلية أثناء القيد لمعرفة مدى جدية الانتقال للسوق الرئيسية.
وأشار عمارة إلى أن هذا التوجه أدى إلى وضع خطط تستهدف الانتقال للسوق الرئيسية فى فترة تتراوح بين سنة إلى ثلاث سنوات، من خلال زيادة رؤوس الأموال والتوسعات، مضيفًا أن بعض الشركات قد تحولت بالفعل من بورصة النيل إلى السوق الرئيسية مثل “ديجيتايز” و”أم بي”، بعد زيادة رؤوس أموالها إلى أكثر من 100 مليون جنيه، مؤكدًا أن التسجيل فى السوق الرئيسية مباشرةً قد يكون صعبًا بسبب الشروط، فى حين أن بورصة النيل تسهل الانضمام للسوق الرئيسية.
وأوضح عمارة أن وجود الشركات فى بورصة النيل يشجعها على زيادة رؤوس أموالها والعمل بجدية على تنفيذ خططها المستقبلية، ما يجعلها جاهزة للانضمام للسوق الرئيسي، مشيرًا إلى أن العديد من الشركات التى تمتلك رؤوس أموال كبيرة تصل إلى 100 مليون جنيه تواجه معوقات فى التسجيل بالسوق الرئيسية، لذلك يُفضل أن تبدأ فى بورصة النيل قبل الانتقال للسوق الرئيسية، على سبيل المثال، ذكر شركة المشروعات الصناعية والهندسية برأس مال 97.5 مليون جنيه، التى لا تزال مدرجة فى بورصة النيل.
وبالنسبة للشركات التى تمتلك رؤوس أموال أقل، مثل 5 أو 6 ملايين جنيه، أكد عمارة أهمية منحها الفرصة والوقت لتطوير نفسها، وعن زيادة رؤوس الأموال إلى 25 مليون جنيه لشركات بورصة النيل، أوضح عمارة أنه عند صدور مثل هذا القرار يجب أن يكون هناك فترة انتقالية لتوفيق الأوضاع، تتراوح من 6 أشهر إلى عام، حسب ظروف كل شركة، وإذا لم تستطع الشركة توفيق أوضاعها، سيتم نقلها إلى جدول “د” غير النشط داخل بورصة النيل، مؤكدًا أن تعديل الحد الأدنى لرؤوس الأموال إلى 25 مليون جنيه يعتبر خطوة إيجابية للسوق؛ لأنه يدفع الشركات لزيادة رؤوس أموالها بسرعة أكبر.
من جانبه، قال إيهاب رشاد، نائب رئيس مجلس إدارة شركة مباشر كابيتال هولدنج للاستثمارات المالية، إن الهدف الرئيسى لبورصة النيل إعطاء فرصة للشركات الصغيرة لزيادة رأسمالها والتوسع بصورة أكبر، وعن الغرض الثانى فهو الانتقال من البورصة الصغيرة إلى السوق الكبير، ورأينا خلال الفترة الماضية قيام عدة شركات وأظهرت نجاحًا كبيرًا.
وأضاف رشاد أن هذه نافذة لزيادة رؤوس أموال الشركة وزيادة كفاءتها، وفى الوقت نفسه تعطى فرصة للسوق لكى يستقبل شركات جديدة وتكون قادرة على التطور من خلاله، مضيفًا أن البورصةمن أفضل الوسائل التى تعطى دفعة للشركات الصغيرة من خلال الدعم، بدلًا من الاقتراض لأن هناك بعض الشركات غير قادرة على الاقتراض بسبب مركزها المالي، أو تاريخها المالى صغير، وينعكس هذا الدعم على الشركة والمساهمين والبورصة عن طريق وجود بضاعة جيدة تجعل المستثمر قادر على الاستثمار فيها.
وعن تعديل قواعد انضمام الشركات التى ستطرح فى البورصة لكى يكون هناك خطة للطرح فى السوق الرئيسية خلال عام أو اثنين، أشار رشاد أن هذا التعديل سيؤدى إلى الضغط على الشركات لكى تركز على نفسها لتزيد من رأس مالها وتسرع من عملية انتقالها للسوق الرئيسية؛ لأن وجودها لسنوات طويلة أمر سلبي، وكلما كانت فترة الوجود فى البورصة الصغيرة قصيرة كان أفضل، ويرى أن الحد الأقصى للوجود فى هذا السوق ثلاث سنوات.
وأضاف رشاد أن لكل شركة قصتها الخاصة، فهناك شركات منذ إدراجها فى بورصة النيل لم تحقق أى تقدم، ومنهم من ساءت أوضاعها، وهناك من كان لديه خطة طموحة وانتقل للسوق الرئيسية، والشركات التى لم تطور من نفسها سيأتى الوقت وسيتم شطبها نهائيًا.
وأضاف تامر حسين، نائب رئيس مجلس الإدارة شركة «إيليت» للاستشارات المالية، أن مؤشر دخول الشركات للسوق الرئيسى دليل على أن الشركات تكبر بعد الدخول للبورصة، إذ وجدت مصادر تمويل جيدة جعلتها قادرة على التوسع فى أنشطتها.
واستكمل حسين أن هناك بعض الشركات يجب أن تأخذ البورصة معهم قررات صارمة؛ لأنها لا تعمل على تطوير نفسها وزيادة نشاطها، وتلك الشركات مدرجة فى البورصة منذ أعوام، لذلك يجب توفيق أوضاع تلك الشركات بمدد زمنية معينة.
وقال سيف عوني، نائب رئيس مجلس إدارة والعضو المنتدب لشركة “إيليت للاستشارات المالية”، إن تزايد عدد الشركات المنتقلة للسوق الرئيسية دليل على زيادة رؤوس أموالها، ومقدرتها على القيام بأداء أفضل، ولكن الأمر مرهون بعد دخولهم للسوق الرئيسية بعام أو اثنين، لكى نحكم عليهم، وأن الأمر ليس فكرة زيادة رأس مال فقط بل العمل على تطوير نفسها والتوسع وزيادة مكاسبها.
وأضاف عونى تعليقًا على زيادة رأس المال إلى 25 مليون جنيه خلال ثلاث سنوات، أن الأمر صعب فى الوقت الحالى لكن إذا زادت عدد السنوات مع التزامات أعلى للشركات سيكون الأمر أفضل، لكى تثبت أن المدرج بالسوق سيكون جادى فى التعامل مع السوق، مضيفًا أن هذا الأمر لن يزيد من عدد الشركات بصورة كبيرة، ولكن سيكون مرهونًا بمدى جدية الشركة.
واقترح عونى أن يتم تقسيم بورصة النيل إلى أسواق صغيرة واحدة للشركات الصغيرة وأخرى للمتوسطة وأخرى للشركات الكبيرة، مضيفًا أن الشركات التى لن تزيد من رأسمالها على البورصة إدراجها فى القائمة “ د”.
عمارة: تعديل شرط الحد الأدنى لرأس المال خطوة ايجابية
رشاد: البقاء فى «النايلكس» لسنوات طويلة أمر سلبي
حسين: يجب اتخاذ قرارات صارمة تجاه الكيانات التى لا تطور نفسها
عوني: دليل على تحسن الأداء
