باتت السوق المصرية على موعد متكرر من تزايد مخاوف الخبراء من حديث فقاعة عقارية تؤدى لانخفاض المبيعات وتباطؤ دوران رأس المال فى الوحدات المختلفة، وهو أمر يستبعده الخبراء من فترة لأخرى، نتيجة ارتفاع معدلات الطلب من جانب المواطنين، ولكن التخوف الأهم يتركز فى زيادة المعروض من وحدات لا تتناسب تماماً مع القوة الشرائية التى تسيطر على النسبة الأكبر من العملاء.
والفقاعة العقارية كابوس يخشاه المطور والمستهلك للعقار على حد سواء، وتعنى فى القاموس الاقتصادى ارتفاعا مفاجئا فى أسعار العقارات إلى مستويات غير مسبوقة نتيجة الطلب والمضاربة مع قلة المعروض منها، حيث يلجأ المطور لزيادة أسعار العقار بمعدلات قياسية؛ نظراً للطلب المتزايد، فى حين يعجز المستهلك بدوره عن السداد، فتحدث حالة من الجمود فى السوق، فهل هناك ما يدعو للقلق من احتمالية تعرض السوق لهذه الظاهرة فى الفترة المقبلة؟
«المال» تواصلت مع مجموعة من الخبراء والمطورين العقاريين، والذين أوضحوا أن السوق العقارية المصرية صلبة، لكن بها تحديات متجددة، كما حدث فى العام الماضى من ارتفاع مفاجئ لسعر الدولار، وعلى أثره زيادة أسعار مواد البناء والأراضى والتكاليف، وبالتالى فرار المستثمرين للعقار كملاذ آمن لمدخراتهم، فنشطت الحركة البيعية، ما أدى إلى تضخم حجم المبيعات، لكن مع بداية الربع الثانى من عامنا الحالى، استقر سعر الصرف، وترتب عليه هدوء فى حركة المبيعات أوعودتها لطبيعتها وهو ما دعى للقلق من احتمالية حدوث ظاهرة الفقاعة العقارية فى السوق المصرية.
بداية حذر “هانى توفيق” الخبير الاقتصادى فى تدوينة على حسابه الخاص على أحد مواقع التواصل الاجتماعى، من حدوث فقاعة عقارية غير مسبوقة، وأن القطاع العقارى حاليًا يُقاد بطريقة “تلبيس الطواقي”، قائلاً: الدورة تبدأ بالمطور الذى يفتح باب الاكتتاب للمرحلة الأولى من المشروع بشيكات آجلة مسحوبة عليه لمالك الأرض، ومن ثم ويقوم المطور بتوريق أو “توريط” البنوك ويخصم شيكات العملاء المستقبلية للحصول على نقدية يستكمل بها سداد أقساط ثمن الأرض.
وأضاف هانى عندما يبدأ المطور التنفيذ، ترتفع تكلفة البناء، فيفتح باب الاكتتاب للمرحلة الثانية ليستكمل تنفيذ المرحلة الاولى، ما يقوده إلى العديد من المشكلات.
وأشار إلى هذه المشكلات ومنها، عملاء محبطون لعدم الاستلام أو حتى البدء فى تنفيذ وحداتهم رغم صرف شيكاتهم الآجلة، وأزمات مع البنوك تتمثل فى “بنوك معاها شيكات نصفها مشكوك فى تحصيلها” حسب قوله، ولجوء صاحب الأرض للقطاء للحصول على باقى أمواله، فيضطر المطور للبحث عن فريسة أخرى فى مكان آخر.
وأوضح أن حائزى الوحدات يُعانون أيضًا فى السوق العقارية فى الوقت الحالى، نتيجة عدم بيع العقار بنظام الكاش بسهولة؛ وذلك بسبب لمنافسة البيع بالتقسيط على 5 أو 5 سنوات، فيصيب الإحباط الجميع بلا استثناء، حسب قوله.
وقدم نصيحة للمطورين من خلال تدوينته قائلًا “أرجو الحذر وربط صرف الشيكات الآجلة عند التعاقد، بل وفى صلب العقد، بالإتمام الجزئى لتنفيذ الوحدة المتعاقد عليها، سبق وطلبت من الحكومة باشتراط وضع الشيكات فى “أسكرو أكونت” بالبنوك ولا يتم الصرف منه إلا بموجب مستخلصات من المقاولين لضمان ربط السداد بالتنفيذ.
واختتم تدوينته بنصيحة للمشترين وقال “يرجى عدم الشراء إلا من مطور حسن السمعة ، وله سابقة أعمال محترمة”.
ارتفاعات مستمرة
بينما قال المهندس أحمد صبور، رئيس مجلس إدارة شركة الأهلى صبور أن الحديث عن ظهور الفقاعة العقارية فى السوق المحلية غير وارد على الاطلاق، لافتاً إلى أنه يستمع إلى تحذيرات من هذه الظاهرة على مدار السنوات الماضية ولكنها لم تحدث على الإطلاق.
وأكد أن السوق المحلية بها عجز فى الوحدات العقارية يصل إلى 4 ملايين وحدة سكنية على جميع المستويات السكنية المختلفة، وبالتالى هناك طلب متجدد على العقارات، ولكن الحديث قد يتجه إلى تزايد الوحدات التى تتجاوز فى اسعارها الطبقة المتوسطة.
وذكر أن نسبة الزيادة المتوقعة لأسعار العقارات فى مصر ستتراوح بين 20 إلى %25 وذلك فى المناطق التقليدية فى غرب وشرق القاهرة، أما فى الساحل الشمالى فالزيادة قد تدور حول %50 قبل نهاية العام الحالى.
وضرب مثالاً أنه عند مراجعة القوائم المالية النصف سنوية لمجموعة الأهلى صبور، فتم ملاحظة أن نسبة التحصيلات من العملاء سجلت نحو %95 وهو ما يؤكد التزام العملاء بسداد الاقساط والخوف من فقدان الوحدة عن التقاعس عن سداد الالتزامات الدورية.
وقال الدكتور جون سعد، خبير الاستثمار العقارى إن الفترة الحالية تتطلب مشاركة بين الحكومة والمطورين لإطلاق مشروعات تتضمن وحدات سكنية تتناسب مع القوة الشرائية للمطورين، ومنها على سبيل المثال توفير أراض بالمدن الجديدة بتسهيلات فى السداد، مع إمكانية تنفيذ وحدات اسكان منخفض التكاليف.
واعتبر أن التباطؤ الحالى فى المبيعات العقارية من ناحية كمية الأمتار التى تم بيعها يحمل الكثير من التخوفات حول مستقبل السوق العقارية، وتحديداً لدى شريحة من العملاء ممن يشترون العقار بغرض الاستثمار وليس السكن.
ملاذ آمن
وقال المهندس محمد البستانى، رئيس جمعية مطورى القاهرة الجديدة والعاصمة الادارية، إن ارتفاع سعر الدولار بشكل مبالغ فيه العام الماضى، وحدوث ذعر لدى المواطنين من انخفاض قيمة أموالهم، لجأوا على أثره إلى العقار كملاذ آمن لمدخراتهم، فنشطت المبيعات بطريقة غير معتادة، وبالتالى فالسوق العقارية تشبع وأخذت من حصة عام 2024، خصوصًا من بداية شهر أكتوبر من 2023 حتى مارس 2024.
وأضاف البستانى، ستعود حركة المبيعات لنشاطها مرة أخرى من بداية شهر أغسطس، خصوصًا مع بداية عودة العاملين بالخارج، ودائمًا فى شهر يوليو وأغسطس يكون الاتجاه نحو الساحل الشمالى، والمشترين منتظرين معرض “سيتى سكيب” للحصول على عروض مميزة.
وأشار البستانى إلى أن السوق العقارية المصرية ليست بصدد حدوث فقاعة عقارية أو ما شابه، والفقاعة العقارية هى “احتكار لشيء معين، وعرضة بسعر غير حقيقي” وهذا لن يحدث فى العقار، لأن العقار يتكون من جزأين، الجزء الأول وهو الأرض وتمتلكها الدولة، فلا يوجد بها مضاربة بالأسعار، ومواد البناء، وهى مرتبطة بسعر الصرف.
وأوضح أن فكرة الفقاعة العقارية مرتبطة بالتمويلات العقارية كما حدث فى عام 2008 فى الولايات المتحدة الأمريكية، لكن فى السوق العقارية المصرية تكاد تكون التمويلات البنكية منعدمة، فلا يوجد فقاعة عقارية بمصر، ولا ينطبق مفهومها على السوق العقارية.
تباطؤ وليست فقاعة
وقال الخبير الاقتصادى مصطفى بدرة، إن تباطؤ حركة المبيعات فى ربع السنة الأول من المحتمل أن يرجع إلى عدة عوامل منها تحرير سعر الصرف، ونشاط سوق التضارب على العملة عن سوق الاستثمار، وتحجيم المطورين العقاريين للسوق؛ نظراً لعدم القدرة على تقييم سعر الوحدة فى الفترة الأخيرة، وارتفاع أسعار مواد البناء.
وأوضح أنه ما زال أمامنا المزيد من الوقت للحكم بشكل نهائى على حركة البيع فى السوق العقارية لهذا العام، وذلك لأن تحرير سعر الصرف الأخير كان منذ 3 أشهر فقط، ويرى أن التقييم على أساس ربع سنوى لن يكون كافياً، لأن السوق العقارية ليست كسوق الذهب أو تداول الأسهم، والتضارب على الوحدات السكنية لا يتم بشكل يومى كونها شيء قابل للاكتناز، فالسوق العقارى – من وجهة نظره - يسير بوتيرة بطيئة لكنه يحقق نجاحات فى النهاية، هذا ويأمل أن تتضح النتائج الأولية فى الربع الحالى من العام.
وتعليقاً على الجدل الدائر حول ظاهرة “الفقاعة العقارية”، أوضح بدرة أن حركة المبيعات فى السوق العقارية تختلف من منطقة إلى أخرى، فلا يمكن الجزم بحدوث الفقاعة فى الشريط الساحلى لمصر وهو قبلة %10 فقط من المجتمع المصرى، بينما يلاحظ استمرار حركة البيع بحالة جيدة فى المحافظات الأكثر اكتظاظاً بالسكان والتى تعد الوجهة الأساسية لشريحة واسعة من المجتمع المصرى، وهو الأمر الذى يدعو إلى التحرى بدقة عند تقييم حركة المبيعات للسوق العقارى طبقاً لمنطقة الوحدات المطروحة ونسبة العملاء المستهدفين.
مستهدفات قياسية بالمبيعات
وقال المهندس أحمد أهاب، المدير التنفيذى لـ«مدار للتطوير العقارى»، إن الشركات بعد تحقيق أرقام هائلة العام الماضى، استهدفت تحقيق إيرادات كبيرة لهذا العام، وهذا فخ، لكن شركة «مدار» لم تقع به، فالسنة الماضية كانت سنة استثنائية، حيث الإقبال على الشراء تزايد بشكل مبالغ فيه، لكنه لم يكن هناك طلب حقيقى، إنما رغبة من المستثمرين فى الحفاظ على قيمة أموالهم خوفًا من التعويم.
وأضاف أهاب، أن هناك تحديات عديدة تواجه السوق العقارية، ومخاوف تعرض السوق لأزمة كبيرة بسبب تأخر الشركات عن تنفيذ مشروعاتها بسبب الارتفاعات الكبيرة فى تكلفة تنفيذ المشروعات وارتفاع أسعار مزاد البناء ومستلزمات التشييد.
كما أن السوق العقارية واجهت عدة تحديات فى الآونة الأخيرة، منها أزمة الدولار وارتفاع أسعاره مقارنة بالجنيه، التى رغم كونها أزمة عالمية فإنها أسهمت نسبيًا فى هدوء عمليات البيع والشراء وطرح وتنفيذ وحدات جديدة فى السوق، وذلك الهدوء عادة ما تشهده السوق إبان فترات ارتفاع الدولار، ويستمر لفترة إلى حين الاستقرار واتزان السوق مجددًا.
ويرى أهاب، أن مؤسسات الدولة المختلفة تعمل جاهدة على تذليل التحديات الاقتصادية والمالية والتشريعية التى تواجه القطاع العقارى فى مصر، والعمل على خلق مناخ جيد للاستثمار.
وأوضح أن السوق العقارية المصرية قوية وصلبة، وأثبتت أنها ملاذ آمن للاستثمار ومخزن آمن للقيمة، وهو ما تأكد خلال الفترة الأخيرة والتى شهدت فيها أسعار العقارات ارتفاعًا حقق أرباحًا لأصحابها، كما أنه فى ظل ارتفاع معدلات الطلب مقابل عدد الوحدات فإن ما يثار من مخاوف بحدوث فقاعة عقارية فى مصر هو أمر بعيد كل البعد عن الواقع، ولا صحة أو احتمالية لحدوثه.
الأزمة فى «الريسيل»
قال محمود جاد، رئيس البحوث بشركة العربى الأفريقى الدولى لتداول الأوراق المالية، إنه من أجل تحليل حركة المبيعات بصورة أدق فى السوق العقارية، يتم الأخذ فى الاعتبار التفرقة بين السوق الأولى وسوق إعادة البيع، فالسوق الأولى يعتمد على البيع بالتقسيط لوحدات لم يتم البدء فيها، فى حين أن سوق إعادة البيع يعتمد على الدفع بالكاش أو البيع النقدى، وبالتالى تتجه الأنظار إلى سوق إعادة البيع لتحليل مجريات السوق بشكل عام من حيث حركة الأسعار وتدفق السيولة.
بينما يعود تحليل السوق الأولى إلى حالة كل مطور، حيث إن الطروحات الأولية لبعض المشاريع نجحت فى تحقيق مستهدفاتها الأولية وبجدارة، وأخرى تم تأجيلها تخوفاً من الظروف الاستثنائية.
وأشار إلى ظهور تباطؤ ملحوظ فى سوق إعادة البيع يرجع إلى انخفاض القوة الشرائية للمستهلكين، وارتفاع معدلات سعر الفائدة الذى يوجه المستثمرين نحو الأوعية الادخارية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العقارات، وكل ذلك يعد بمثابة تحديات للسوق العقارية.
وتعليقاً على ما إذا كان السوق تشهد ظاهرة الفقاعة العقارية المثيرة للجدل، مشيرا إلى التفرقة بين الفقاعة العقارية فى حقيقتها وبين ما يجرى بالسوق من “تصحيح للأوضاع” - على حد وصفه - فى ظل الظروف الاستثنائية التى نمر بها، وهو ما يراه أمرا صحيا.
وأضاف: “منذ 10 سنوات ارتفع سعر المتر من 3000 إلى 7000 جنيه، وظهر من يصف ما يحدث بالفقاعة فى السوق العقارى، واليوم تعود هذه النظرية المثيرة للجدل للواجهة من جديد وسعر المتر للوحدة ذاتها يصل إلى 50.000 جنيه.
وأوضح أن ارتفاع الأسعار فى الفقاعة العقارية ينتج عن الطلب المتزايد على العقار مما يؤدى إلى ارتفاع أسعاره بصورة مبالغ فيها وغير حقيقية مقارنة بالتكاليف، وهى عوامل لا تمت بصلة لما نحن فيه الآن، حيث يرى أن المطورين واجهوا خلال العامين الماضيين حالة من عدم التأكد بشأن أسعار مواد البناء وتكاليف الإنشاء ما أحدث خلل فى التسعير لدى الكثيرين.
طبيعة خاصة للسوق
قال المهندس علاء فكرى، رئيس مجلس إدارة شركة بيتا إيجيبت للتنمية العمرانية ونائب أول رئيس لجنة التطوير العقارى بجمعية رجال الأعمال المصريين ، أن السوق العقارية المصرية ذات طبيعة خاصة وبعيدة عن حدوث سيناريو الفقاعة العقارية، نظراً للطلب المتنامى وزيادة دوافع الشراء بغرض الاستثمار .
وأشار إلى أن أحاديث الفقاعة العقارية تقارن بين السوق المصرية وعدد من الاسواق العالمية وهو أمر أثبت عدم صحته على مدار السنوات الماضية فلم تشهد العقارات فى مصر تراجعاً سعرياً أو جموداً تاماً فى المبيعات حتى فى أشد التحديات الاقتصادية التى مرت بها السوق المصرية والعالم ككل .
ولفت إلى أن الاربعة أعوام الماضية مع ارتفاع معدلات التضخم وتراجع العملة زاد الطلب على العقار بغرض الاستثمار حيث حرص أصحاب المدخرات على شراء العقارات للحفاظ على قيمة العملة وتحقيق عوائد استثمارية، وبالتالى أصبح هناك شراء للعقارات للاستثمار ولسد الاحتياج الفعلى للسكن .
وأوضح أن الشركات العقارية حققت خلال السنوات الأخيرة مبيعات كبرى كما أن تضاعف الاسعار يعكس الطلب المستمر وما زال هناك احتياج لمزيد من الوحدات السكنية لسد الطلب الحقيقى فى ظل الكثافات السكانية المتزايدة.
وتابع: هناك بالفعل معروض كبير بالسوق العقارى حالياً ولكن بتحليل السوق نجد أن أغلب المعروض يرتكز فى مناطق محددة وهى العاصمة والقاهرة الجديدة والشيخ زايد وزايد الجديدة والساحل الشمالى وهى وحدات تخاطب شريحة واحدة من العملاء وليس الشريحة الاكبر وما زال الاحتياج أكبر من المعروض.
بدرة: القطاع بطيء لكنه يحقق نجاحات فى النهاية على الأجل الطويل
توفيق: «الأسكرو أكونت» حل مثالى لتجنب تعطل المشروعات
جاد: يمكن وصف المشهد الحالى بالتصحيح فى ظل الظروف الاستثنائية
فكرى: أستبعد انخفاض السعر.. والمعروض يخاطب شريحة واحدة
البستانى: البيع سيعود لحالته المعتادة مجدداً مع بداية عودة العاملين بالخارج
سعد: على الدولة إتاحة مساحات بنظم سداد ميسرة واستهداف الإسكان المتوسط
