شهدت الشركات الناشئة فى مصر تراجعًا ملحوظًا فى حجم التمويلات بين عامى 2023 و2024، ففى العام الماضي، حصلت على تمويلات تقدر بـ640 مليون دولار، بينما فى النصف الأول من عام 2024، انخفضت التمويلات إلى 101 مليون دولار فقط، وفقا لإحصائيات صادرة عن مؤسسة «أفريكا ذا بيج ديل» المعنية برصد حركة الاستثمار فى الشركات الناشئة فى أسواق أفريقيا و هو ما أرجعه الخبراء إلى عدة أسباب أبرزها حركة سعر الصرف وارتفاع الفائدة.
هذا التراجع ليس مجرد تغير موسمي، بل يشير إلى انخفاضكبيرعند مقارنته بالعام السابق، حيث كان إجمالى التمويلات فى النصف الأول من 2023 يقدر بـ289 مليون دولار.
كما يلاحظ أن التمويلات التى حصلت عليها الشركات الناشئة فى الربع الأول من 2024 بلغت 53 مليون دولار، بينما انخفضت إلى 48 مليون دولار فى الربع الثاني، مما يعزز من صورة التراجع المستمر.
وقال مالك سلطان، الشريك المؤسس فى صندوق «ديستربتك» لرأس المال المخاطر، إن تراجع تمويل الشركات الناشئة خلال الفترة الأخيرة له أسباب معروفة ومتعددة، أبرزها الارتفاع الكبير فى أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة الأمريكية وسحب الاستثمارات من الأسواق ذات المخاطر العالية.
وأوضح «سلطان» أن أفريقيا تُعتبر سوقًا عالية المخاطر بالنسبة للمستثمرين، إذ شهدت العديد من دول القارة أزمات اقتصادية حادة، مثل الأزمة الشديدة فى عملة نيجيريا وغانا، والمشكلات المتوسطة التى تعانى منها مصر.
وأشار إلى أن هذه الأزمات الاقتصادية قد ساهمت فى تقليص إقبال المستثمرين على تمويل الشركات الناشئة فى المنطقة، مما أثر سلبًا على حركة الاستثمار فى هذا القطاع.
وأكد أن الاستثمار فى الشركات الناشئة فى جوهره استثمار طويل الأجل يتطلب الصبر والقدرة على التكيف مع تقلبات السوق.
وفى سياق حديثه عن أهمية اختيار الشركات المناسبة للاستثمار، أشار «سلطان» إلى مثال تاريخى مهم وهو انهيار أسهم شركة «أمازون» خلال فقاعة الدوت كوم فى عام 2000، فقد شهدت تلك الفترة تراجعًا حادًا فى أسعار أسهم أمازون، لكن المستثمرين الذين امتلكوا أسهم الشركة فى ذلك الوقت حققوا عوائد استثمارية ضخمة وصلت إلى حوالى 2300 ضعف.
وأكد أن العبرة فى الاستثمار فى الشركات الناشئة تكمن فى اختيار الشركات التى تمتلك نماذج عمل قوية وإدارات قادرة على مواجهة التحديات والصعوبات التى لا بد من مواجهتها على مدار الوقت.
وأضاف «سلطان» أن النجاح فى هذا النوع من الاستثمار لا يأتى من مجرد التنبؤ بالاتجاهات السوقية القصيرة الأجل، بل يعتمد على القدرة على التعرف على الشركات ذات الإمكانيات الكبيرة والفرق القوية التى يمكنها الصمود والنمو رغم الصعوبات الاقتصادية.
من جانبه، أوضح خالد إسماعيل، مؤسس صندوق «himangel» أن هناك سببين رئيسيين وراء تراجع الاستثمار فى رأس المال المخاطر، الأول له علاقة بالوضع العالمي، والثانى يتعلق بالظروف المحلية فى مصر.
ومن الناحية العالمية، يشير «إسماعيل» إلى أن الفائدة أصبحت تقارب الصفر، وهو ما أدى إلى انخفاض كبير فى قيمة النقود، متابعا : فى الماضى كان المستثمرون يفضلون وضع أموالهم فى رأس المال المخاطر بسبب ضعف العوائد من البنوك ولكن مع تراجع الفوائد، أصبح رأس المال المخاطر أقل جاذبية مقارنةً مع الفرص الأخرى.
أما بالنسبة للجانب المحلي، فإن تذبذب سعر الصرف كان له تأثير كبير على الاستثمار فى مصر فقد استقر سعر الصرف فقط منذ شهرين، مما تسبب فى عدم استقرار اقتصادى أثر على جذب الاستثمارات، وعادةً ما تأتى الاستثمارات بالدولار وتتحول إلى الجنيه، ومع تقلبات سعر الصرف، يجد المستثمرون صعوبة فى تحديد قيمة استثماراتهم بالدولار عند الدخول والخروج، مما يجعل من الأسهل بالنسبة لهم تأجيل أو إيقاف استثماراتهم حتى تستقر الأوضاع.
وأشار «إسماعيل» إلى أن بعض الشركات توقعت تحقيق نجاحات كبيرة لكنها لم تحقق تلك التوقعات، مما أثر سلبًا على قرارات المتعاملين فى السوق، كما يبرز نقص الابتكار كعامل آخر يؤثر على جاذبية السوق، حيث نحتاج إلى المزيد من الأفكار الجديدة والتكنولوجيا غير التقليدية لتعزيز ثقة المستثمرين فى السوق.
وأضاف أن رأس المال الذكى يبحث دائمًا عن أفضل العوائد الممكنة، ومع وجود عائدات مرتفعة تصل إلى حوالى %28 على الودائع بالجنيه فى البنوك حاليًا، تصبح الشركات الناشئة غير قادرة على المنافسة فى تقديم عوائد مشابهة ولكنه يرى أن هذه الأوضاع هى ظروف مؤقتة، ومن المتوقع أن تشهد حركة بطيئة فى استثمارات رأس المال المخاطر خلال النصف الحالى من العام.
