تباينت آراء عدد من خبراء الإعلام الرقمى حول اتجاه الملياردير الأمريكى إيلون ماسك إلى طرح مجموعة من المزايا الحصرية لمشتركى منصة إكس (تويتر سابقًا) وآخرها خاصية البث المباشر.
ففى حين رأى البعض أنها خطوة مبتكرة من نوعها، ولن تؤثر على شعبية نماذج أعمال باقى منصات التواصل الاجتماعى الأخرى أجمع البعض الآخر أن نجاح هذه الخطوة فى جنى إيرادات إضافية قد يدفع باقى المنصات الإلكترونية إلى محاكاتها وتطبيقها، خاصة أن الفضاء الإلكترونى يشهد حاليًا منافسة قوية بين مختلف مواقع السوشيال ميديا فى جذب المزيد من المستخدمين الجدد.
وكان إيلون ماسك، رئيس شركة سبيس إكس ومالك منصة إكس أعلن منذ أيام عن إجراء تغييرات جذرية على الأخيرة تهدف إلى زيادة إيراداتها وتحسين تجربة المستخدمين المدفوعة، وتقديم بعض المزايا الحصرية المدفوعة مسبقًا للمشتركين، ومنها إمكانية نشر منشورات أطول وبجودة أغلى للصور والفيديوهات، مع حق تعديل التغريدات بعد النشرة، والحصول على إشارة التوثيق الزرقاء.
فى المقابل، قام ماسك بتقليص بعض المزايا المجانية الأخرى، ومنها تحديد عدد التغريدات التى يمكن قراءتها يوميًا، فضلًا عن تقييد إمكانية مشاهدة بعض المحتويات الحصرية، زيادة عدد الإعلانات المعروضة، تأخير ظهور التغريدات فى الصفحة الرئيسية مقارنة بالمشتركين.
أكدأحمد صبرى، مدير معهد الحكومات الاجتماعية،أن خطوة ماسك فى تقديم مزايا حصرية للمشتركين على منصة إكس ستكون علامة فارقة فى مستقبل وسائل التواصل الاجتماعى، متوقعًا اتجاه باقى المنصات الاجتماعية الأخرى لمحاكاتها وإتاحة خدمات باشتراكات سنوية أو شهرية على غرار علامة التوثيق الزرقاء على فيسبوك.
ورأى “صبري” أن السبب وراء تقديم خدمات مدفوعة مسبقة على منصة “إكس” يرجع إلى محدودية أعداد مشتركيها الذى لا يتجاوز الـ800 مليون، مقارنة بباقى وسائل التواصل الاجتماعى، فعلى سبيل المثال يستخدام فيسبوك نحو 4 مليارات مشترك مقابل 3 مليارات لـ”تيك توك”.
وأشار إلى أن “إكس” هى المنصة الوحيدة التى تنمو بالسالب سنويًا فى عدد مستخدميها، وبالتالى جاءت فكرة الاشتراكات لإنعاش مواردها المالية المحدودة وإيراداتها التى تتقلص سنويًا.
وأشار إلى أن استحواذ “ماسك” على تويتر بمبلغ 44 مليار دولار وضع ضغطًا كبيرًا عليه لتحقيق عائد مالى سريع، لذا فإن التحول نحو نموذج الاشتراكات يمكن اعتباره محاولة لتسريع عملية استرداد الاستثمار وتعويض خسائر الإعلانات بعد انسحاب العديد من المعلنين على خلفية اتهامات بمعاداة السامية، معتبرًا أن نموذج الاشتراكات يمكن أن يعوض جزءًا من هذه الخسائر، كما يوفر أيضًا مصدر دخل أكثر استقرارًا مقارنة بالإعلانات فقط.
وأضاف أن نجاح هذا النموذج سيعتمد على قدرة المنصات على تحقيق توازن دقيق بين تلبية احتياجات المستخدمين المدفوعين وعدم إهمال القاعدة الأوسع من المستخدمين المجانيين، كما سيكون من المهم مراقبة كيفية تأثير هذه التغييرات على ديناميكيات التواصل الاجتماعى والمشهد الرقمى ككل.
واستثنى “صبري” منصة “تيك توك” من نماذج الدفع مقابل الخدمات المميزة، مرجعًا السبب لدعم الحكومة الصينية المباشر لها، إضافة إلى مستهدفاتها فى الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين وإحداث تأثير بدلًا من تعظيم الإيرادات.
ورجح تحول تيك توك إلى كونها المنصة الأولى عالميا خلال المرحلة المقبلة بنسبة نمو سنوى فى أعداد مستخدميها تقترب من %35 ، بينما لا تتعدى %5 لفيسبوك، منوها بأن تيك توك تسببت فعليًا فى تقليص أعداد مستخدمى منصة “إنستجرام” النشطين .
وتابع أن الفيصل حاليًا بين مختلف منصات التواصل الاجتماعى مثل “إكس” وفيسبوك وغيرهما هو حجم الإيرادات، ما يؤدى إلى تنافس شرس بين المنصات الكبرى مثل فيسبوك، إنستجرام، “إكس”، تيك توك، وسناب شات على جذب أكبر قدر من الإعلانات لتحقيق إيرادات ضخمة.
واعتبر أن “فقاعة الاستثمار فى السوشيال ميديا” بدأت تختفى بشدة خلال الآونة الأخيرة، مشيرًا إلى أنها كانت فى فترة ما موضة وشارفت على الانتهاء.
ورأى أن منصة “إكس” تحت قيادة إيلون ماسك ستتغير للأفضل مع زيادة فى أعداد المستخدمين والمعلنين، خاصة مع إضافة مزايا جديدة وطرح تحسينات مستمرة تجعل “إكس” تطبيقًا جاذبًا لشريحة أوسع.
واختتم حديثه بأن تطبيق “إكس” يختلف عن غيره من المنصات لأنه يضم حسابات لكل صانعى القرار فى العالم وكل الشخصيات الشهيرة والمؤثرة فى الرأى العام العالمى، ما يمنحه ثقلاً رغم قلة عدد مستخدميه نسبيًا مقارنة بباقى المنصات.
بينما رأىمصطفى أبو جمرة، العضو المنتدب لشركة ميديا ساى ومؤسس منصة (Big Brother Analytics)، أن اتجاه منصة “إكس” (تويتر سابقًا) تحت قيادة إيلون ماسك إلى تقديم نموذج اشتراكات مدفوعة يمكن أن يكون قرارًا غير ناجح وقد لا يجذب سوى فئة قليلة من المستخدمين، ما يجعله غير مربح للشركة على المدى الطويل، مرجعًا السبب وراء ذلك أن غالبية مستخدمى منصات التواصل الاجتماعى معتادون على الحصول على المحتوى بالمجان، وهذا الاعتماد الكبير على المحتوى المجانى يجعل من الصعب إقناع المستخدمين بالدفع مقابل ميزات إضافية، خاصة إذا لم تكن تلك الميزات تعتبر ضرورية أو محسنة بشكل كبير لتجربتهم.
وأرجع سبب لجوء منصات مثل “إكس” لنموذج الاشتراكات إلى رغبتها فى تحقيق استقرار مالى أكبر وتنويع مصادر الإيرادات، خاصة فى ظل تراجع عوائد الإعلانات نتيجة انسحاب المعلنين، مما يجعل الاعتماد على الاشتراكات وسيلة لضمان دخل مستدام، ويقلل من التبعية لإيرادات الإعلانات، خاصة أن الاشتراكات توفر دخلًا ثابتًا يمكن الاعتماد عليه حتى فى الأوقات التى تتراجع فيها المصادر غير الثانية للمدخولات.
وأوضح أن المنصات الأخرى مثل فيسبوك وانستجرام لن تقلد نمط إيلون ماسك الخاص بتقديم حزمة مزايا نظير مقابل مالى، لافتا إلى أن تويتر منذ بداياته، حتى قبل أن يتحول إلى “إكس”، كان يعانى تحديات كبيرة فى تحقيق إيرادات إعلانية مستقرة. رغم كونه كان يمتلك قاعدة مستخدمين نشطة وقوية، إلا أن إيراداته من الإعلانات كانت متواضعة مقارنة بمنصات أخرى مثل فيسبوك وجوجل، لأن الاعتماد على النصوص القصيرة والتغريدات السريعة جعل من الصعب على تويتر تقديم إعلانات جذابة ومؤثرة بنفس الكفاءة.
وأشار إلى أنه مع انتقال تويتر إلى “إكس” تحت قيادة إيلون ماسك، ازداد سقف الحرية بشكل كبير، فمع عدم وجود قيود كافية انتشر المحتوى الضار، مثل خطاب الكراهية، المعلومات المضللة، والتحرش، موضحًا أن هذا النوع من المحتوى يمكن أن يخلق بيئة سلبية وغير آمنة للمستخدمين الأمر الذى أدى إلى تراجع شعبية موثوقية المنصة ككل، ما دفع العديد من المعلنين إلى إعادة النظر فى استراتيجياتهم الإعلانية على إكس.
وتابع أن “إكس” تواجه منافسة شديدة من منصات أخرى تقدم خدماتها بشكل مجانى أو بأسعار أقل، مدللًا على ذلك بـ فيسبوك، انستجرام، وتيك توك التى توفر ميزات متقدمة وتجربة مستخدم مميزة دون الحاجة إلى اشتراكات مدفوعة. وهذا يجعل من الصعب على “إكس” جذب المستخدمين للاشتراك فى خدماتها المدفوعة.
وأوضح أنه إذا تحول جزء كبير من المحتوى إلى نموذج الاشتراكات المدفوعة، فقد يفقد المعلنون اهتمامهم بالمنصة نظرًا لتقليل الوصول المجانى إلى قاعدة كبيرة من المستخدمين. وهذا يمكن أن يؤدى إلى تراجع إيرادات الإعلانات، ما يزيد من صعوبة تحقيق توازن مالى مستدام.
وأكدتامر أحمد، خبير تكنولوجيا المعلومات أن نموذج الاشتراكات المدفوعة يمثل سلاحًا ذا حدين، فرغم الفوائد المتعددة التى يوفرها، لكنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بتأثيره على حجم المحتوى الرقمى المتاح وقدرته على جذب المعلنين.
وأوضح أحمد أن من أكبر التحديات يتمثل فى تقليص حجم المحتوى الرقمى المجانى، حيث إن المستخدمين الذين لا يستطيعون أو لا يرغبون فى الدفع قد يقللون من مشاركاتهم وتفاعلاتهم على المنصة.
ومع تقليل المحتوى، تتناقص الفرص المتاحة لعرض الإعلانات، مما يؤثر سلبًا على الإيرادات من هذا القطاع الحيوى. بالإضافة إلى ذلك، قد ينتقل بعض المستخدمين إلى منصات أخرى تقدم خدماتها مجانًا، مما يؤدى إلى تقليل التفاعل والمشاركة على المنصة وبالتالى يؤثر على جاذبيتها للمعلنين.
واستبعد تامر احتمال تبنى منصات مثل فيسبوك وإنستجرام لنموذج اشتراكات “ماسك”، خاصة وأنهما حققتا نجاحًا كبيرًا فى جذب المعلنين وتحقيق إيرادات هائلة من الإعلانات بفضل قاعدة المستخدمين الضخمة والمتنوعة. هذا النجاح يعود إلى أدوات الاستهداف الدقيقة والفعالة التى توفرها هذه المنصات للمعلنين، مما يقلل الحاجة إلى البحث عن مصادر إيرادات بديلة مثل الاشتراكات.
وشدد على ضرورة تحقيق توازن بين نموذج الاشتراكات والإعلانات من خلال تقديم محتوى مجانى جذاب وتحفيز المستخدمين على الاشتراك، إضافة إلى ذلك، يجب تحسين تجربة الإعلانات وبناء علاقات قوية مع المعلنين. فقط من خلال هذا التوازن يمكن للمنصات الاجتماعية الاستفادة الكاملة من نموذج الاشتراكات وتحقيق النجاح المستدام.
وأكد أن من أكبر نقاط القوة فى فيسبوك وانستجرام هى قاعدة المستخدمين الضخمة والمتنوعة، التى توفر فرصًا هائلة للمعلنين للوصول إلى جمهور واسع ومتنوع. فى المقابل، الانتقال إلى نموذج الاشتراكات قد يحد من حجم قاعدة المستخدمين إذا قرر الكثيرون عدم الدفع للوصول إلى الميزات الكاملة، مما يؤثر سلبًا على جاذبية المنصة للمعلنين.
وصرّحأحمد البندارى، استشارى الإعلام الرقمى فى وكالة renew agency ،بأن الشبكات الاجتماعية التابعة لشركة “ميتا”، مثل فيسبوك وانستجرام، لن تتبع خطى “إكس” فى تبنى نموذج الاشتراكات، نظرًا للاختلاف الكبير فى الفئات المستهدفة والجمهور الذى تخدمه كل منها.
وأوضح البندارى أن فيسبوك وانستجرام تركزان بشكل كبير على مفهوم التفاعل الاجتماعى بين الأصدقاء والعائلة، والمستخدمين الأكبر سناً، إضافة إلى مشاركة اللحظات اليومية للحفاظ على التواصل ، معتبرا أن هذا النوع يعتمد بشكل كبير على إتاحة خدمات المنصات الاجتماعية بالمجان لضمان وجود مشاركة واسعة من جميع المستخدمين.
ولفت إلى أن إكس تعتمد بشكل أكبر على التفاعل حول الموضوعات العامة والأحداث الجارية، مستهدفة بذلك استقطاب جمهور واسع من المستخدمين الشباب الذين يفضلون التعبير عن آرائهم بحرية، كما تعتبر “إكس” أيضًا منصة رسمية ونخبوية أكثر بسبب تواجد المؤسسات والهيئات الحكومية والشخصيات العامة عليها، ما يجعل نموذج الاشتراكات أكثر ملاءمة لها.
وأشار البندارى إلى أن تيك توك تعد واحدة من أكبر المنافسين لفيسبوك وإنستجرام، حيث نجحت فى جذب ملايين المستخدمين حول العالم بفضل تقديم تجربة مستخدم مجانية وممتعة، بالتالى للحفاظ على تنافسيتها مع تيك توك، تحتاج فيسبوك وانستجرام إلى الاستمرار فى تقديم خدمات مجانية لضمان عدم انتقال المستخدمين إلى منصات أخرى، وتبنى نموذج الاشتراكات قد يدفع المستخدمين إلى تفضيل تيك توك التى توفر تجربة مماثلة بدون رسوم.
وأكد “البنداري” أهمية الترتيب السنوى للمنصات الاجتماعية، الذى يقدم رؤية شاملة عن أداء وشعبية هذه القنوات، هذه البيانات أساسية للشركات والمعلنين، إذ تُعتبر بمثابة البوصلة التى توجههم حول أين يجب استثمار ميزانياتهم الإعلانية، مشيرا إلى أن شبكات ميتا دائماً ما تحتل مراكز متقدمة مقارنة بـ”إكس” الذى يأتى دائماً فى المركز الخامس أو السادس.
من جانبها، قالتمنار قدرى، خبيرة كتابة المحتوى الرقمى، إن فرض رسوم اشتراك على منصةإكسخطوة جريئة ومثيرة للاهتمام، لكنها تأتى ضمن خطة إيلون ماسك الاستثمارية منذ استحواذه على المنصة. يتضمن هذا النظام مميزات حصرية للمشتركين مثل توثيق الحسابات، ميزات إضافية للتغريدات، وتقليل الإعلانات، وهى تمثل تحولًا استراتيجيًا فى كيفية تحقيق الإيرادات للمنصة، بعيدًا عن الاعتماد التقليدى على الإعلانات.
وأضافت أن تخفيض الإعلانات على المنصة جاء جزءًا من استراتيجية تحسين تجربة المستخدمين الذين يسعون لتجربة أكثر نقاءً وأقل إزعاجًا، موضحة أنه يمكن أن يكون هذا التوجه نموذجًا يُحتذى به من قبل منصات أخرى إذا أثبت نجاحه، كما أنه من المتوقع أن تحاول هذه المنصات استكشاف إمكانيات جديدة لزيادة الدخل وتحسين تجربة المستخدمين. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا النموذج مرهونًا بمدى قبول المستخدمين للدفع مقابل المزايا الإضافية ومدى التحسينات التى يمكن أن تقدمها هذه الخدمات.
وتابعت: يبدو أن ماسك يراهن على استعداد المستخدمين لدفع رسوم مقابل تحسين تجربتهم على المنصة، وهو رهان قد يكون مربحًا إذا تم تنفيذه بشكل جيد. من جهة أخرى، يمكن أن تقوم ميتا بتطبيق نظام مشابه على منصاتها مثل فيسبوك وإنستجرام، إذا رأت أن نموذج الاشتراكات يجلب إيرادات إضافية ويعزز من تجربة المستخدمين، الأمر يعتمد بشكل كبير على ردود فعل المستخدمين ورغبتهم فى الدفع مقابل الحصول على ميزات إضافية.
واختتمت حديثها قائلة إنه فى نهاية المطاف، تبقى هذه الخطوة محفوفة بالتحديات، لكنها قد تفتح آفاقًا جديدة لكيفية تحقيق المنصات الرقمية للإيرادات فى المستقبل.
