أعلنت الحكومة عن برنامج للطروحات منذ فترة بهدف جذب الاستثمارات وتنشيط سوق المال، إلا أن التنفيذ لم يكن على ذات مستوى التوقعات والآمال؛ ما تسبب فى إثارة عدة تساؤلات حول مدى الجدية، وما إذا كان التشكيل الوزارى الجديد يعد قبلة الحياة لتلك الطموحات من عدمه.
وتعانى سوق المال من تأثيرات سلبية ناتجة عن التأخير فى تنفيذ الطروحات الحكومية، منها عدم اليقين بين المستثمرين وتراجع الثقة؛ ما يؤدى إلى تراجع فى حجم التداولات.
ويأتى ذلك فى الوقت الذى تشهد فيه المنطقة المحيطة تحركات جادة من حكومات الدول المجاورة لتنفيذ عدة طروحات ناجحة؛ ما أدى إلى تحفيز الاستثمارات، وتعزيز النشاط الاقتصادي.
ورصدت “المال” البيانات الآتية التى توضح مقارنة بين الطروحات الأولية فى مصر التى غابت عنها تلك النوعية من العمليات فى العامين الماضيين، وبين كل من الإمارات والسعودية، إذ شهدت الأولى نحو 8 عمليات بقيمة 22.4 مليار درهم، منها 6 فى “سوق أبوظبي”، و 2 فى “دبى المالي”.
وعلى صعيد السوق السعودية، فقد شهدت المملكة تنفيذ نحو 7 طروحات أولية بقيمة 11 مليار ريال فى 2023، وبحصيلة بلغت 37 مليارًا فى 2022.
وتواجه حكومة “مدبولي” فى ثوبها الجديد مجموعة من التحديات الاقتصادية المهمة التى تتطلب خطة واضحة للتعامل معها، من بينها كبح التضخم وإدارة أعباء خدمة الدين الداخلى والخارجي، وزيادة موارد الدولة من العملات الأجنبية، وجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وتعزيز دور القطاع الخاص فى الاقتصاد على حساب دور الدولة.
وكان وزير المالية السابق، الدكتور محمد معيط، كان قد أعلن عن عوائد تصل إلى 6.5 مليار دولار من برنامج الطروحات الحكومية بنهاية عام 2024.
ومنذ مارس 2023 وحتى الآن جمعت الحكومة المصرية 3.1 مليار دولار من برنامج الطروحات الحكومية، بعد أن جمعت 2.5 مليار دولار فى 2022.
وفى مارس 2023، قالت الحكومة إنها تستهدف طرح حصص فى حوالى 40 شركة وبنكا موزعة على 18 قطاعًا حتى مارس 2024، وتم تمديده لنهاية العام.
وأكد خبراء سوق المالأن الطروحات الحكومية تمثل فرصة استثمارية مهمة ستعزز من سيولة السوق وتنشيط التداول، مع تحسين الأداء الاقتصادي، وزيادة الشفافية فى البورصة.
وتوقعوا أن تجذب هذه الطروحات استثمارات أجنبية وتعزز الثقة بسوق المال؛ ما يسهم فى نمو رأس المال السوقي.
وأكدوا أنه رغم وجود بعض المخاطر والتقلبات فى السوق ومعدلات الاستجابة فإن التدابير الحكومية الجديدة ستحقق نجاحًا كبيرًا بما فيه الكفاية لجذب المستثمرين وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
وشددوا على ضرورة تسريع الإجراءات البيروقراطية، وتحسين الإطار القانوني، وتقديم حوافز للمستثمرين لضمان نجاح برنامج الطروحات الحكومية.
من جهته، قال ياسر عمارة، رئيس مجلس إدارة شركة إيجل للاستشارات، إن أحد أهم الأسباب وراء تباطؤ نشاط الطروحات الحكومية يتمثل فى تذبذب سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم وضبابية الرؤية فى الفترة السابقة فيما يتعلق بضمان التدفقات النقدية الأجنبية.
وأوضح أن البرنامج الأخير للطروحات الحكومية شهد إضافة 6 شركات من قطاعات مختلفة، ليصبح العدد الإجمالى نحو 30 شركة، مؤكدًا أن هذا من شأنه تشجيع جذب استثمارات أجنبية على غرار رأس الحكمة ورأس جميلة مستقبلًا؛ ما سيسهم فى زيادة التداول والسيولة بالبورصة.
وأشار إلى أن ما تقوم به بورصة الأوراق المالية السعودية من ترتيب طرح نسب من الشركات الحكومية يعد مثالًا جيدًا على هذا الاتجاه، لافتًا إلى أنه يجب خلق قصة نجاح عن طريق اختيار الشركات ذات الأداء القوى من البرنامج، ومنح المستثمرين نسبة خصم طفيفة عن القيمة العادلة لتشجيع الاستثمار بها وتحديدًا الأجانب.
وطالب عمارة، أن لا يزيد عدد الشركات التى يتم البدء فى طرحها عن خمس شركات، مشيرًا إلى أن القطاعات المفضلة هى الأسمدة والبتروكيماويات، والسياحة وتكنولوجيا المعلومات.
وفيما يخص المخاطر المحتملة، قال إنها ستكون محدودة وتتمثل فى احتمال ضخ سيولة جديدة قليلة، وأن الاكتتاب فى الشركات المطروحة سيكون ناتجًا من تصفية أسهم قائمة بالفعل وتبديلها بالأسهم الجديدة.
من جانبه، قال إيهاب رشاد، نائب رئيس مجلس إدارة شركة مباشر كابيتال، إن التأخر فى التنفيذ يعود إلى عدة عوامل أساسية، من بينها الظروف الاقتصادية والسياسية التى تؤثر سلبًا على الاستثمارات والتداولات.
كما أشار إلى أن الإجراءات البيروقراطية والتقييم المالى للشركات والتحديات القانونية والتنظيمية تعتبر أيضًا عوامل مؤثرة فى هذا السياق.
وشدد على ضرورة منح مزايا اضافية للمستثمرين عبر برنامج الطروحات، بهدف تطوير السوق المحلية، وزيادة الشفافية، وتحسين الأداء الاقتصادي، مطالبًا بتسريع الإجراءات البيروقراطية، تحسين الإطار القانوني، تعزيز الشفافية، وتقديم حوافز للمستثمرين.
وأشار إلى أن أبرز القطاعات المميزة هى البنوك والطاقة، والنقل، والصناعات الأساسية، محذرًا فى الوقت ذاته من مخاطر التقلبات فى السوق وعدم الاستجابة الكافية؛ ما يتطلب تحضير جيد للطروحات، وإجراء حملات توعية، وتحفيز القطاع الخاص.
ويرى محمد حسن، العضو المنتدب لشركة ألفا لإدارة الاستثمارات المالية، أن تأخر الطروحات الحكومية يرجع إلى عدم تجهيز بعض الشركات لذلك، بينما كانت تغيرات سعر الصرف عائقًا للشركات الجاهزة.
وأضاف أن السوق يترقب من الحكومة الجديدة تنفيذ سريع للإجراءات وعمليات البيع، وإتمام بعض الاتفاقيات التى ستتيح لجهات مختلفة الحصول على حصص استثمار مباشرة فى الشركات التى سيتم طرحها، بجانب الطروحات فى البورصة.
ورجح بزوغ نجم الشركات التى ستباع مباشرةً والأكثر اهتمامًا خلال هذه الفترة، إذ توجد اتفاقيات مع جهات دولية للحصول على حصص منها.
ويرى حسن أن القطاع العقاري، خاصة الجانب السياحى منه، يعد أحد أهم القطاعات لجذب الاستثمارات، كون مصر دولة سياحية من الطراز الأول، لافتًا إلى اهتمام كبير من المستثمرين بهذا النشاط.
وأكد حسن أن الطروحات الحكومية ستؤثر بشكل كبير على سيولة السوق وتنشط التداول، إذ ستزيد من عدد المستثمرين وتجذب المشترين، فكلما زادت الطروحات، زاد عدد المستثمرين وتأثيرهم الكبير.
واختتم حسن بأن المخاطر التى تواجه السوق حاليًا تتعلق باستقرار العملة واستمرار تدفق السيولة النقدية، وهو ما سيؤدى إلى نجاح الطروحات بشكل كبير، مشيرًا أنه يتعين على الحكومة ضمان استقرار سعر الصرف وضخ السيولة الدولارية بشكل كبير من خلال التصدير وزيادة عدد السائحين وقناة السويس، لضمان الحفاظ على السيولة المتاحة.
وقالت رانيا يعقوب، رئيس مجلس ادارة شركة “ثرى واي” لتداول الأوراق المالية، إن الحكومات كانت تعلن باستمرار عن برامج الطروحات الحكومية على مدار السنوات الماضية، ولكن التحديات الاقتصادية دفعتها للبحث عن حلول أسرع لتوفير السيولة، مثل الاستعانة بالمستثمر الاستراتيجى لتأمين سيولة نقدية سريعة بالعملة الأجنبية.
وأضافت أن الإجراءات الأخيرة التى اتخذها البنك المركزى فى مارس الماضي، وتشمل قرار توحيد سعر الصرف تمثل فرصة كبيرة للحكومة للبدء فى برنامج الطروحات، مما يؤكد التزام الدولة بتنفيذ تعهداتها فى وثيقة ملكية الدولة وخاصة بند التخارج من النشاط الاقتصادي.
وأوضحت أن هناك ضرورة للإعلان عن جدول زمنى محدد للشركات والقطاعات التى سيتم طرحها، بدلا من عرضها بشكل شامل، وذلك من خلال مؤتمر صحفى عالمى موجه للمستثمرين والصناديق السيادية خاصة فى ظل التحديات العالمية.
وأشارت الى ضرورة شمول الجدول الزمنى للطروحات على تفاصيل دقيقة بالتوقيتات وعدد الشركات والقطاعات، ونسب التخارج من كل شركة؛ ما يعزز الشفافية، ويتيح للمستثمرين الاستعداد والترويج لهذه الطروحات.
وترى يعقوب أن أكثر القطاعات نشاطًا فى الفترة الماضية كانت البتروكيماويات، والعقارات، البنية التحتية، المواد الغذائية، والصحة، إذ كانت أغلب عروض الاستحواذ ترتبط بهذه القطاعات.
