الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات «ملاذ» شركات التأمين لمواجهة عمليات احتيال العملاء

Ad

بيّن خبراء أن الاحتيال فى التأمين من أكبر التحديات التى تواجه الصناعة عالميا، وخاصة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما تتسبب الأنشطة الاحتيالية فى خسائر مالية ضخمة للشركات، وتؤدى إلى زيادة الأقساط على العملاء.

وأوضحوا لـ”المال” أن الكشف عن الاحتيال والتعامل معه أصبح أمرا بالغ الأهمية لضمان استدامة الصناعة، ونصحوا بإنشاء منصة مركزية لمكافحة الاحتيال فى التأمين، عبر تعاون وثيق بين الشركات، باستخدام الأدوات التقنية المتقدمة والتوعية الشاملة للموظفين والعملاء، لتقليل الاحتيال بشكل كبير، لضمان نظام أكثر فعالية واستدامة.

وبيّنوا أن هناك علاقة بين حجم الخطر المعنوى (الغش) ونوع التأمين، إذ يوجد الخطر المعنوى بصورة أكبر فى فروع التأمين الطبى والسيارات بالمقارنة بالفروع الأخرى.

وأوصوا بضرورة إنشاء قاعدة بيانات للعملاء فى عمليات التسعير وتجديد الوثائق، للحد من الغش والاحتيال وتتبع مسار حالاته المشكوك فيها، بينما يسهم التحول الرقمى والإلكترونى فى عمليات الإصدار والتسعير والمطالبات بشركات التأمين فى مصر، لضبط المطالبات، والحد من حالات الغش والاحتيال.

“الطبي” أكثر الفروع تعرضًا للاحتيال

وأشارت أمانى الماحى، رئيس قطاع بشركة مصر للتأمين وعضو الاتحاد الأفروأسيوى للتحكيم الدولى، إلى أن بعض العملاء يعمدون إلى تقديم مطالبات وهمية أو المبالغة فى قيمة الأضرار، فقد يقوم الشخص، مثلًا، بادعاء وقوع حادث سيارة غير موجود أو زيادة تكاليف الإصلاح بشكل مبالغ فيه، وكذلك يمكن أن يقدم المؤمن عليه معلومات غير صحيحة أو مضللة عند التقدم للحصول على بوليصة تأمين، مثل تقديم بيانات صحية غير دقيقة للحصول على تأمين صحى بسعر أقل، فى حين يمكن أن يشمل الاحتيال الأطباء أو ورش الإصلاح، الذين يتواطئون مع المؤمن عليهم لتقديم فواتير مزورة أو مبالغ فيها.

وتابعت أن “الطبى” أكثر الفروع تعرضًا للاحتيال، نظرًا لتعدد وتنوع الخدمات الصحية وصعوبة التحقق من صحة كل مطالبة، وكذلك فإن أساليب التحايل فى “السيارات” تتنوع، بين الحوادث المفتعلة والمطالبات المبالغ فيها لإصلاح الأضرار، وكذلك فإن تأمينات الحياة يشملها الاحتيال، عبر تقديم معلومات غير صحيحة عن الحالة الصحية أو التزوير فى وثائق الوفاة.

وأشارت إلى أن عمليات الكشف عن الاحتيال والمطالبات الحقيقية والمزورة تتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، بينما يستخدم المحتالون الأساليب التكنولوجية المتقدمة لتزوير المستندات والتلاعب بالبيانات، فى ظل عدم وجود قوانين صارمة وآليات رقابية فعالة.

وأشارت إلى يعض حلول مبتكرة لمكافحة الاحتيال، كتحليل البيانات والذكاء الاصطناعى، إذ تساعد فى تحليل كميات كبيرة من البيانات للكشف عن الأنماط غير المعتادة، كتحليل سجلات المطالبات للكشف عن الأنماط المتكررة والمشتبه بها، بينما توفر تقنية البلوكشين (قاعدة البيانات) مستوى عالٍ من الأمان والشفافية فى التعاملات، ما يجعل من الصعب تزوير المستندات أو التلاعب بالبيانات، فى حين تتيح الأجهزة القابلة للارتداء وإنترنت الأشياء جمع بيانات دقيقة ومباشرة من المؤمن عليهم وتسهّل التحقق من صحة المطالبات.

وأوضحت أن شركات إعادة التأمين تلعب دورًا حيويًا فى كبح الاحتيال، من خلال توزيع المخاطر وتقليل الأثر المالى للمطالبات الاحتيالية، بينما تتعاون كيانات التأمين “المباشر” معها لتوفير حماية إضافية وضمان استقرار السوق.

وذكرت أن بعض شركات التأمين قامت بتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعى للكشف عن الاحتيال، ما أدى إلى انخفاض كبير فى المطالبات المزورة، فعلى سبيل المثال، تستخدم شركة “أكسا الخليج” أنظمة تحليل البيانات للكشف عن الأنماط المشتبه بها فى المطالبات، بينما يتم تطوير نظام مركزى لتبادل المعلومات بين شركات التأمين المصرية، لتحديد العملاء ذوى التاريخ الاحتيالى، لتحسين الكشف عن الاحتيال وتقليل احتمالات تكراره، وفى السعودية تم تطبيق تقنية البلوكشين لتحسين الشفافية والأمان فى معالجة المطالبات وساعد فى تقليل فرص الاحتيال.

واقترحت إنشاء منصة مركزية لمكافحة الاحتيال فى التأمين، عبر خطوات منهجية متكاملة تشمل جميع فروع التغطيات، بتحديد الأهداف الرئيسة للمنصة، مثل الكشف المبكر عن الاحتيال، وتوحيد البيانات، وتحسين التعاون بين الشركات التأمين، وتصميم هيكل المنصة ليكون قادرًا على استقبال وتخزين وتحليل البيانات من مختلف الفروع (الصحى، والسيارات، والحياة، وغيرها)، وتحديد بروتوكولات الأمان لضمان حماية البيانات الحساسة.

وركزت على أهمية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات لبناء أنظمة للكشف المبكر عن الأنماط المشبوهة، مع تطوير واجهات برمجية (APIs) لتسهيل التكامل مع أنظمة شركات التأمين المختلفة، وإنشاء آليات لتبادل المعلومات بين شركات التأمين والمؤسسات الحكومية لضمان تدفق البيانات بسلاسة، وتطوير قواعد بيانات مشتركة تشمل السجلات السابقة للمطالبات وتاريخ العملاء، مع ضرورة تشغيل النظام وإجراء اختبارات لضمان الكفاءة والدقة وتوفير دعم فنى وصيانة دورية لضمان استمرار عمل المنصة بكفاءة.

ونصحت باستخدام أدوات تحليل البيانات، مثل Hadoop وSpark، وتطبيق تقنيات التعلم الآلى (Machine Learning) للكشف عن الأنماط الاحتيالية وتقنيات البلوكشين لضمان شفافية وأمان العمليات لمنع التلاعب بالبيانات، مع دفع ذلك بقواعد بيانات متقدمة، مثل PostgreSQL وMongoDB لتخزين وإدارة البيانات الضخمة، واستخدام تقنيات التشفير (Encryption)وجدران الحماية (Firewalls) لحماية البيانات من الوصول غير المصرح به.

وشددت على أهمية تنظيم دورات تدريبية لموظفى القطاع حول أساليب الاحتيال وكيفية اكتشافها، مع تطوير سياسات داخلية بالشركات لمكافحة الاحتيال وتعزيز ثقافة النزاهة، وتشجيع استخدام الأنظمة المتقدمة للكشف عن الاحتيال، مثل الأنظمة المبنية على الذكاء الاصطناعى.

وأفادت بأهمية إجراء حملات توعوية للعملاء بأنواع الاحتيال وكيفية تجنبها، وتوزيع كتيبات أو نشرات تحتوى على نصائح حول كيفية حماية أنفسهم من الاحتيال واستخدام وسائل التواصل الاجتماعى والبريد الإلكترونى للتواصل المستمر مع العملاء وتحديثهم بأحدث المعلومات والنصائح والعمل مع الجهات الحكومية لوضع وتنفيذ قوانين صارمة لمكافحة الاحتيال وتنظيم حملات مشتركة بين القطاع والجهات المعنية لزيادة الوعى.

العمل على التحول الرقمى والإلكترونى

وأوصى هشام شقوير، خبير التأمين الاستشارى، بضرورة إنشاء إدارة أو وحدة متخصصة بكل شركة تأمين لاكتشاف ومكافحة الغش والاحتيال تكون تبعيتها لهيئة الرقابة المالية، مع استحداث نظام إلكترونى لربط معلومات عملاء شركات التأمين فى حساب واحد لكل عميل، وإنشاء قاعدة بيانات حتى تتمكن الشركات من تتبع مسار حالات الغش لمعروفة المعاملات المشكوك فيها.

وتابع أن ذلك يساعد فى عمليات التسعير وتجديد الوثائق، والحد من الغش والاحتيال وتتبع مسار حالات الغش المعروفة أو المشكوك فيها، مع ضرورة إنشاء قاعدة بيانات للعملاء عن طريق العمل على تصميم نظام السجلات التأمينية، عبر إنشاء حساب إلكترونى واحد لكل حامل وثيقة.

واقترح منح خصومات عند تجديد الوثيقة للعميل الذى يخلو سجله من المطالبات والحوادث، فضلًا عن ضرورة العمل على التحول الرقمى والإلكترونى فى عمليات الإصدار والتسعير والمطالبات بشركات التأمين فى مصر، بينما يمكن للأنظمة الرقمية والإلكترونية أن تساعد على ضبط المطالبات المتعلقة بتأمين السيارات.

وبيّن أهمية وضع لائحة تنظيمية لمكافحة الاحتيال فى شركات التأمين، ووضع الإطار التنفيذى لمكافحة الغش التأمينى، وتحديد الوسائل والإجراءات والمعايير التى يجب على شركات التأمين تطبيقها للحد من الاحتيال، شريطة التعاون والتنسيق الدائم بين هيئة الرقابة المالية والاتحاد المصرى للتأمين، عن طريق تنظيم ورش عمل متخصصة لمناقشة صور الغش والاحتيال فى قطاع التأمين، من خلال عرض بعض صور الغش والاحتيال والحالات التى كشفت عنها الأجهزة الرقابية بهدف الوقوف على الدروس المستفادة من تلك الحالات.

وذكر ضرورة اقتراح بعض التعديلات على التشريعات وتطويرها بما يساعد على تطوير وتفعيل ضوابط واجراءات وسياسات قمع وتقليل تلك الظاهرة السلبية المتكررة، مع اقتراح العقوبات المناسبة لردع مرتكبى الغش والاحتيال، أو إضافة نص ملزم لشركات التأمين بإمساك سجل خاص بحالات الغش والاحتيال التى تتعرض لها الشركات، من خلال ممارسة أنشطتها وتعاملها، سواء مع المؤمن عليهم أو وسطاء التأمين أو خبراء المعاينة وتقدير الأضرار أو أى أطراف أخرى.

ولفت إلى ضرورة قيام المستشفيات بتدريب موظفى الاستقبال والتأمين على اكتشاف حالات الاحتيال ودراسة الحالات التى تم اكتشافها للاستفادة منها فى تكوين خبرة تراكمية فى هذا المجال، وإلغاء مقدم الخدمة الذى يتعمد الاحتيال وشطب تراخيصه الصادرة من وزارة الصحة وهيئة الرقابة المالية وإيقاف وإلغاء رخصة الممارس الصحى المتعاون فى عمليات الاحتيال، وتطبيق مبدأ المشاركة فى الدفع، وتحمل المريض جزء من تكاليف العلاج فى كل مرة يقوم فيها بزيارة الطبيب.

تصل الخسائر لـ100 مليار دولار سنويا

وأوضح الدكتور محمد جودة، رئيس قسم التأمين والعلوم الإكتوارية بكلية التجارة بجامعة القاهرة، إن كل الأنشطة الاقتصادية، وخاصة القطاعات المالية، تتعرض لمحاولات الغش والاحتيال بصور مختلفة، بينما يعد التأمين أحد الأنشطة الاقتصادية المعرضة لمثل تلك المحاولات منذ فترة طويلة، ويطلق عليه الخطر المعنوى (hazard moral)، وقد أدى ذلك إلى قيام العديد من المنظمات والهيئات والمكاتب بتركيز جهودها على دراسة تلك الظاهرة ومراقبتها، ونظرا لطبيعته الخاصة فإنه من الصعب تحديد الخسائر الناجمة عن الغش والاحتيال فى التأمين بشكل دقيق.

وبيّن أن عمليات الغش والاحتيال فى التأمين العالمى قد تصل إلى 100 مليار دولار سنويا، بينما قدر مكتب جرائم التأمين القومى الأمريكى الخسائر الناتجة عن الاحتيال بـأكثر من 40 مليار دولار سنويا، إذ تعد ظاهرة الاحتيال إحدى المشكلات الرئيسة وذات أهمية بالغة فى صناعة التأمين فى أوربا، بينما قدرت جمعية المؤمنين البريطانيين أن سوق التأمين يتعرض لعمليات احتيالية بمختلف أنواعها، فى حين أن تلك العمليات تتسبب بخسائر لصناعة التأمين البريطانية إلى ما يقرب من 5 ماليين دولار سنويا.

وذكر أن شركات التأمين فى الهند تخسر أكثر من 6 مليارات دولار سنويا من جراء عمليات الغش، وتخسر بعض شركات التأمين نحو %20 من عوائدها بسبب عمليات تحايل المستفيدين والارتفاع المتزايد المفاجئ لعلاج العملاء أصحاب الخدمات الصحية، عبر سوء استخدام المستفيدين لمميزات التأمين فى المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة والأدوية.

وأوضح أن شركات التأمين فى الدول العربية لا تخلو من هذه المخاطر، بل ازدادت فى الفترة الأخيرة، بينما لا يقدم حامل وثيقة التأمين على الاحتيال بصورة فردية بل غالبا ما يتم التواطؤ مع جهة أخرى ذات علاقة لاكتمال حلقة الاحتيال، فقد يكون الشريك المحتمل للمؤمن له طبيبا أو محاميا أو وكيل تصليح سيارات أو موظفا لدى شركة التأمين، وأكثر هذه الحالات تظهر فى تأمين الطبى والسيارات.

وأكد أن ذلك الخطر المعنوى يؤثر على شركات التأمين سلبيا، إذ ارتفاع حجم الخسائر التى تتحملها شركات التأمين من جراء هذا الخطر، بينما وصلت تلك المخاطر فى بعض الدول إلى أكثر من %15 من إجمالى الخسائر، وما لذلك من تأثير سيئ على أرباح وعوائد وجودة الخدمات المقدمة من هذه الشركات وعلى أسعار الخدمات فى السوق المحلية وأيضا للعملاء.

الماحى: إنشاء منصة مركزية لمكافحته بمنهجية متكاملة تشمل جميع التغطيات

جودة:غالبًا ما يتم التواطؤ مع جهة أخرى ذات علاقة لاكتمال الخداع

شقوير:منح خصومات للعملاء الخالية سجلاتهم من المطالبات والحوادث