تعتقد بعض البلدان النامية أن منظمة التجارة العالمية لم يعد فى جعبتها الكثير لتقدمه لهذه الاقتصادات، لذا يرى مراقبون أنه حان الوقت لإحياء النظام المتعدد الأطراف، بحسب تقرير نشره موقع “دبلوماتيك كورير”.
وذكر التقرير أن النظام المتعدد الأطراف آخذ فى التراجع، إذ تواجه إحدى المؤسسات العالمية المتعددة الأطراف، وهى منظمة التجارة العالمية أزمة، لأن الولايات المتحدة كانت تمنع تعيينات جديدة فى هيئة الطعون التابعة لآلية تسوية المنازعات منذ عام 2018.
وخلال الفترة التى سبقت انعقاد الدورة الثالثة عشرة لمنظمة التجارة العالمية وفى المؤتمر الوزارى الذى عقد فى فبراير الماضى، أعرب بعض المتفائلين عن أملهم فى رؤية تقدم فى قضايا محددة، مثل الاتفاق على عدم فرض رسوم جمركية على التجارة الرقمية، إلا أن التوقعات كانت منخفضة.
وكان المتشائمون على حق إذ قادت الهند حملة ضد تمديد الوقف الاختيارى لتعريفات التجارة الإلكترونية، ولم ينجح سوى اتفاق فى اللحظة الأخيرة فى تمديد الوقف لمدة عامين آخرين، واحتفلت الهند وحلفاؤها بالنتيجة باعتبارها انتصارا، فللمرة الأولى منذ سنوات، لم تكن الولايات المتحدة هى المتسبب فى تقويض منظمة التجارة العالمية، بل البلدان النامية (ومنها إندونيسيا، وجنوب أفريقيا، والبرازيل، وغيرها).
وبحسب التقرير، فإن ما حدث مع التجارة الرقمية هو سمة من سمات الصراعات المعتادة التى تنشأ أثناء المفاوضات التجارية، فالتجارة الحرة تنتج دائما فائزين وخاسرين، فقد تكون التجارة الرقمية فى مصلحة الشركات فى الاقتصادات المتقدمة وكذلك المستهلكين والشركات فى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، إذ يدفع مستخدمو التطبيق أو اللعبة أو أى منتج برمجى آخر مصنوع فى بلد مختلف أسعارًا أقل فى حالة عدم وجود تعريفات جمركية. لكن المنتجين المحليين سوف يطالبون بالحماية من الواردات، وسوف ترى الحكومات فى التعريفات الجمركية وسيلة جيدة لزيادة الإيرادات.
ورغم أن هذه القضايا أساسية، وفقا للتقرير، فإن معارضة البلدان النامية للتجميد الموسع للضرائب الرقمية ترمز إلى مشكلة أعمق ألا وهى الانطباع المتزايد بأن منظمة التجارة العالمية لم يعد لديها ما تقدمه لهذه الاقتصادات، إذ ترى أنها تخدم مصالح الشركات الكبرى وليس الشخص العادى فى دولة منخفضة أو متوسطة الدخل.
و تظهر الأبحاث الحديثة أن الحد من الفقر فى العقود الثلاثة الماضية كان أكثر ترجيحا فى البلدان النامية التى اندمجت بشكل جيد فى نظام التجارة الدولى ، قياسا على عدد الاتفاقيات التجارية الموقعة والقدرة على الوصول إلى أسواق التصدير الكبيرة، وعلى ذلك، فإن النظام التجارى المتعدد الأطراف قد أفاد بالفعل العالم النامي.
وأوضح التقريرأن التكامل الدولى مهم بشكل خاص للاقتصادات الصغيرة، وخلافا للهند والصين، فإن دولاً مثل تايلاند وكينيا ورواندا لا تستطيع اللجوء إلى الأسواق المحلية الضخمة، لذا فليس من المستغرب أن تأتى المعارضة للاتفاقيات التجارية فى كثير من الأحيان من بلدان نامية أكبر مثل الهند، وإندونيسيا، والبرازيل التى يمكن أن تدير ظهورها للتجارة الدولية إذا لم تكن شروط الصفقة المقترحة مغرية بما فيه الكفاية.
لكن هذه البلدان تقدر الفوائد المترتبة على المشاركة فى التجارة العالمية، فقد استغلت الهند، على سبيل المثال، اختتام المؤتمر الوزارى لإعادة تأكيد التزامها بالتفاوض والنظام المتعدد الأطراف.
يعود استياء الدول النامية إلى عام 1995، عندما حلت منظمة التجارة العالمية محل الاتفاق العام للتعريفات الجمركية والتجارة، و فى ذلك الوقت، شعرت البلدان النامية أنها تعرضت لضغوط لحملها على التوقيع على اتفاقية حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة (تريبس) والتى من شأنها أن تنتج فوائد كبيرة للشركات المتعددة الجنسيات دون تقديم العديد من الفوائد لشعوبها.
ووفقا للتقرير، هناك مصدر آخر للتوتر وهو الزراعة، إذ تتمتع البلدان النامية تقليديا بميزة نسبية، ولا تزال الاتفاقيات التجارية القائمة تسمح للبلدان ذات الدخل المرتفع بدعم المنتجين المحليين وفرض الرسوم الجمركية على الواردات.
على سبيل المثال، يُسمح بإعانات صيد الأسماك (وهو مجال آخر محل خلاف كبير) فى ظل ظروف معينة، لكن مراقبة مصايد الأسماك لإثبات تلبية هذه الشروط أمر باهظ التكلفة بالنسبة لأغلب البلدان النامية، ولذلك فإن لديها أسبابا وجيهة للشكوى من أن قواعد التجارة الدولية متحيزة ضدهم.
وبالنظر إلى المستقبل، هناك قضية محتملة تتعلق بالجهود التى تبذلها الاقتصادات المتقدمة لربط الاتفاقيات التجارية بمعايير العمل والبيئة، مثل آلية تعديل نسب الكربون التى يقترحها الاتحاد الأوروبي، ورغم حسن النية، يتعين على الاقتصادات المتقدمة أن تدرك أن جهودها الرامية إلى معالجة قضايا المناخ والعمل من الممكن أن تخلف عواقب خطيرة، وربما تأتى على حساب العديد من البلدان النامية.
وهذا ينطبق بشكل خاص على تغير المناخ، وربما تكون البلدان ذات الدخل المنخفض هى الخاسر الأكبر من التداعيات المترتبة على تغير المناخ، بحسب التقرير.
