تقنيات النمذجة وتحليل البيانات تقلص خسائر إعادة تأمين الكوارث الطبيعية

Ad

تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحديات متزايدة بسبب التغير المناخى والأخطار الطبيعية، مما يشكل مخاطر كبيرة على صناعة إعادة التأمين، بينما تعد مصر شديدة التأثر بتغير المناخ، فى ظل الزيادة المتوقعة فى موجات الحر والعواصف الترابية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط والظواهر الجوية الشديدة.

وحسب مكتب منظمة اليونسيف فى مصر فقد تم توثيق أكبر ارتفاع حرارى على مدار الـ30 عاما الماضية، مع زيادة متوسط درجات الحرارة السنوية بمقدار 0.53 درجة مئوية لكل عقد، فى إشارة إلى أن مخاطر المناخ فى البلاد ستؤثر على الأجيال الشابة اليوم وغدا.

وذكر تقرير لمكتب اليونسيف فى القاهرة أن الوعى بأهمية العمل بشأن تغير المناخ على الصعيدين المحلى والعالمى يتزايد بسرعة فى مصر، بينما تعهدت رؤية 2030 بإستراتيجية التنمية المستدامة وإدماج تغير المناخ فى سياسات التنمية الوطنية و”تخضير” ميزانيتها تدريجيا عبر القطاعات.

وأشار خبراء تأمينيون إلى أن هناك ضرورة ملحة لمواجهة تحديات خسائر المناخ والأخطار الطبيعية فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لصناعة إعادة التأمين فى 2024/2023.

وأوضحوا لـ”المال” أن مصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتعرض لمجموعة متنوعة من الأخطار الطبيعية، بما فى ذلك الجفاف وموجات الحر والفيضانات والعواصف الرملية والزلازل، بينما تتفاقم تلك الأخطار بسبب الظروف المناخية الجافة فى المنطقة وهشاشتها الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعلها واحدة من أكثر المناطق حساسية للتغير المناخى على مستوى العالم.

وأكدوا أن تعرض مصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للتغير المناخى والأخطار الطبيعية يمثل تحديات كبيرة لصناعة إعادة التأمين، بينما من خلال فهم المخاطر المحددة وتأثيراتها الاقتصادية، يمكن تطوير إستراتيجيات فعالة لإدارة تلك المخاطر، مع التأكيد على ضرورة التعاون بين الحكومات والشركات ومؤسسات إعادة التأمين لتخفيف تأثيرات التغير المناخى وضمان النمو الاقتصادى المستدام فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

توقعات بخسائر تتعدى 10 مليارات دولار لـ2024

وأوضحت أمانى الماحى، رئيس قطاع بشركة مصر للتأمين وعضو الاتحاد الأفروآسيوى للتحكيم الدولى، أن التغير المناخى يستمر فى التأثير بشكل كبير على اقتصادات مصر ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ففى عام 2023، قُدرت الخسائر الاقتصادية المباشرة الناجمة عن الأحداث المتعلقة بالمناخ بـ10 مليارات دولار، مع توقعات لعام 2024 تشير إلى خسائر مماثلة أو أعلى.

وأضافت أن القطاع الزراعى، وهو عنصر حيوى فى اقتصادات مصر والعديد من دول المنطقة، عانى من خسائر كبيرة، بينما قدر البنك الدولى انخفاض إنتاج المحاصيل بنسبة %20 بحلول عام 2050، فى حين بلغت خسائر عام 2023 حوالى 3 مليارات دولار بسبب الطقس القاسى.

وأشارت إلى أن ندرة المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار أثّر على سكان المدن والمناطق الريفية، وبلغت الخسائر المرتبطة بالمياه 1.5 مليار دولار بانتهاء العام الماضى.

وذكرت أن تكرارية وشدة الجفاف زادت فى عام 2023، حيث عانت المغرب على سبيل المثال، من أسوأ جفاف منذ 4 عقود، مما أدى إلى خسائر زراعية بقيمة مليارى دولار، ولا يزال الجفاف ضاغطا على الاقتصادات، فقد أفاد الأردن بخسائر بلغت 500 مليون دولار بسبب ندرة المياه خلال العام الماضى، بينما شهد عام 2023 موجات حر غير مسبوقة، حيث تجاوزت درجات الحرارة فى العراق والكويت، مثلا، 55 درجة مئوية، مما أدى إلى تعطيل الحياة اليومية والأنشطة الاقتصادية، إذ تسببت موجات الحر فى مخاطر صحية جسيمة وقللت من الإنتاجية، وتقدر منظمة العمل الدولية (ILO) انخفاض ساعات العمل بنسبة %2.5 فى مصر والمنطقة فى 2023 بسبب الإجهاد الحرارى، بخسائر بلغت تكلفتها 1.8 مليار دولار.

وأفادت بأن الفيضانات أصبحت أكثر شيوعا، خاصة فى الدول ذات البنية التحتية غير الكافية، فعلى سبيل المثال، تسببت فيضانات 2023 فى إيران بأضرار تجاوزت مليارى دولار، وفى ليبيا بأضرار كبيرة للبنية التحتية وخسائر اقتصادية تقدر بـ1.3 مليار دولار، بينما لا تزال دول مثل إيران وتركيا عرضة بشدة للزلازل، حيث قتل زلزال فبراير 2023 فى تركيا أكثر من ألف شخص بخسائر بلغت 7 مليارات دولار، فى حين أصبحت العواصف الرملية أكثر تكرارا، مما يؤثر على جودة الهواء والصحة، إذ تسببت العواصف الرملية الشديدة فى السعودية بخسائر اقتصادية تجاوزت 500 مليون دولار بسبب تعطيل النقل والتأثيرات الصحية خلال العام الماضى.

وأكدت أن زيادة تكرار وشدة الأحداث المتعلقة بالمناخ ذات آثار عميقة على صناعة إعادة التأمين، فهناك زيادة كبيرة فى المطالبات التأمينية المتعلقة بالأخطار الطبيعية، مما يؤثر على ربحية شركات التأمين وإعادة التأمين، بينما تعد نماذج تقييم المخاطر الدقيقة ضرورية للتنبؤ بالخسائر وتخفيفها، مع الاستثمار فى التقنيات المتقدمة للنمذجة وتحليل البيانات أمر حاسم، وعلى شركات إعادة التأمين تعديل الأقساط لتعكس المخاطر المتزايدة وتطوير منتجات تأمين جديدة مصممة خصيصا لتلبية احتياجات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وأوصت، لتخفيف المخاطر المرتبطة بالتغير المناخى والأخطار الطبيعية، بتعزيز مرونة البنية التحتية لتحمل الأحداث المناخية القاسية، وتشجيع الممارسات الزراعية وإدارة المياه المستدامة، وتنفيذ وتحسين أنظمة الإنذار المبكر لتوفير معلومات عن الكوارث الوشيكة، وتعزيز الأطر التنظيمية لدعم التكيف مع المناخ وجهود الحد من المخاطر.

الاستثمار فى تقنيات الاستشعار عن بعد

وقال إيهاب خضر، عضو مجلس الإدارة المعتمد ووسيط التأمين، إن التغيرات المناخية تستلزم إنشاء إدارة للكوارث الطبيعية فى شركات التأمين المصرية فى ظل احتمالية وقوع الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات والعواصف الرملية والجفاف، وهذا النوع من الإدارات يلعب دورا حيويا فى تقليل تأثير الكوارث على الأفراد والمجتمع، وتعزيز قدرة الشركات على التعامل مع المخاطر بشكل فعال.

وأوضح أن إدارة الكوارث الطبيعية تعمل على تقليل الخسائر المالية الناتجة عن الكوارث الطبيعية، من خلال تحليل وتقييم المخاطر وتطوير خطط تأمين مناسبة، ومن ثم، وضع خطط استجابة فعالة وتدريب الموظفين والعملاء على كيفية التعامل مع الكوارث، حيث يمكن تقليل الأضرار وزيادة سرعة التعافى.

وأكد أن وجود إدارة مختصة بالكوارث بكل شركة يعزز ثقة العملاء بشركات التأمين، إذ يشعرون بأن أموالهم واستثماراتهم مؤمنة بشكل جيد ضد المخاطر الطبيعية، بينما يساعد ذلك فى الالتزام باللوائح والقوانين المحلية والدولية المتعلقة بإدارة الكوارث والتأمين ضدها.

وأفاد بأن هناك متطلبات أساسية لإنشاء إدارة فعالة للكوارث الطبيعية بالشركات المصرية، منها تحليل وتقييم المخاطر، واستخدام التكنولوجيا، عبر تطبيقات تحليل البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعى لتقييم وتحديد المناطق الأكثر عرضة للكوارث، والدراسات الجيولوجية والمناخية، والتعاون مع مراكز الأبحاث والجامعات للحصول على بيانات دقيقة وحديثة.

وعزز أهمية تطوير خطط للطوارئ والاستجابة بشكل واضح ومفصل تشمل جميع السيناريوهات المحتملة، مع إجراء تدريبات دورية ومناورات للتأكد من جاهزية الفرق والأنظمة للتعامل مع الكوارث، وتدريب الموظفين والعملاء، عبر تنظيم ورش عمل وتدريبات مستمرة لهم لزيادة الوعى والمعرفة حول كيفية التصرف أثناء الكوارث، إضافة إلى إطلاق حملات توعية عبر وسائل الإعلام المختلفة لنشر ثقافة التأمين وأهمية الاستعداد للكوارث.

وشدد على أهمية التعاون مع الجهات الحكومية، من خلال التنسيق مع الوزارات والهيئات الحكومية، مثل وزارة البيئة والدفاع المدنى، لتحقيق استجابة فعالة، إضافة إلى الشراكات مع المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدنى، للحصول على دعم إضافى وخبرات متخصصة، مع تصميم منتجات تأمينية تلبى احتياجات السوق المتغيرة وتحمى من أنواع متعددة من الكوارث الطبيعية، وتقديم سياسات تأمين مرنة وقابلة للتعديل بناء على تغيرات المناخ والمخاطر المحتملة.

وطالب باستحداث نظم إدارة الكوارث، عبر إنشاء وتحديث نظم تشمل قواعد بيانات حديثة وتطبيقات لرصد وتحليل الكوارث، والاستثمار فى التكنولوجيا، عبر الاستثمار فى تقنيات الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية (GIS) لتحسين القدرة على التنبؤ والتعامل مع الكوارث، مما سيؤدى إلى تعزيز قدرة الشركات على التعامل مع التغيرات المناخية المتلاحقة وحماية الأفراد والمجتمع من الآثار المدمرة لها.

خسائر 20 مليار دولار فى 30 عاما

وقال الدكتور علاء العسكرى، أستاذ التأمين بكلية التجارة بجامعة الأزهر، إن ازياد شدة الكوارث الطبيعية والأضرار التى تسببها حول العالم تضاعف منذ الثمانينيات، وفقا لتقرير تقييم المخاطر العالمية الذى أصدره مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR) حيث ما يقرب من 350 إلى 500 كارثة متوسطة إلى كبيرة الحجم فى العام الماضى، كما توقع التقرير أن يرتفع عدد الكوارث الطبيعية إلى حوالى 560 بحلول 2030، بناء على المسار الحالى.

وأضاف أن الكوارث الطبيعية تؤثر بشكل غير متناسب على الدول النامية، ومنها مصر، حيث تفقد %1 من ناتجها المحلى الإجمالى سنويا بسبب الكوارث، مقارنة مع 0.1 - %0.3 بالبلدان المتقدمة، بينما تفتقر أيضا إلى تغطية التأمين للمساعدة فى تحسين جهود التعافى وإعادة الإعمار، فمنذ عام 1980 تم تأمين %40 فقط من خسائر الكوارث بالدول المتقدمة، بينما كانت معدلات تغطية التأمين فى الدول النامية أقل من %10 وفى بعض الأحيان تقترب من الصفر، حيث إن معظم تلك الدول غير قادرة على الوصول إلى أسواق التأمين وإعادة التأمين الدولية لتغطية الالتزامات المحتملة.

وأوضح أن معظم أنشطة التأمين وإعادة التأمين تتركز فى الاقتصادات المتقدمة، بينما تشهد الأسواق الناشئة معدلات نمو أعلى، ويعزى هذا الاتجاه إلى التركيز المتزايد على مخاطر الكوارث، التى ترتبط بطبيعتها أكثر بالأسواق الناشئة، ومنها مصر.

وأشار إلى أنه فى إطار انتشار ثقافة التأمين بالبلدان النامية، المنظمات التنموية العالمية تتجه إلى دعم التأمين الصغير «micro- insurance» الذى تم استهدافه كأحد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة كمدخل تنموى حديث، بينما تُقدر شركة إعادة التأمين السويسرية «Swiss Re» أن سوق التأمين الصغير ومتناهى الصغر يمكن أن يغطى 4 مليارات شخص فى جميع أنحاء العالم.

وتابع أن مصر باعتبارها جزءا من منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق سخونة وجفافا على مستوى العالم، حيث تواجه بعضا من أسوأ آثار تغير المناخ مثل الجفاف إلى جانب الكوارث المتعلقة بالزلازل والسيول والفيضانات بالبلدان المجاورة، الأمر الذى يترتب عليه خسائر مالية ضخمة، خاصة بالنسبة للبلدان التى تعانى بالفعل من انعدام الأمن الاقتصادى، فقد تضرر أكثر من 40 مليون شخص بتكلفة أكثر من 20 مليار دولار على مدار الـ 30 عاما الماضية، وفقا للبنك الدولى، بينما تم تسجيل خلال السنوات الـ5 الماضية وحدها 120 كارثة بالمنطقة نتج عنها متوسط مليار دولار سنويا من الأضرار والخسائر.

ولفت إلى الهزات الأرضية التى شهدتها تركيا وسوريا أخيرا، بينما صرحت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتمانى بأن معظم مدفوعات التأمين بسبب الزلزال ستتحملها شركات إعادة التأمين العالمية، التى قدرتها بأنها تتجاوز مليارى دولار ويمكن أن تصل إلى 4 مليارات أو أكثر.

وتابع إن مصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد تراجعا كبيرا فى معدلات التأمين،إذ لم تتجاوز نسبة عمق التأمين (نسبة الأقساط التأمينية إلى الناتج المحلى الإجمالي) نحو %1.9 فى الدول العربية مجتمعة، فى عام 2020، بينما تمثل الحصة السوقية لقطاع التأمين فى الدول جميعها ما نسبته %0.75 من السوق العالمية للتأمين، وهى حصة متواضعة للغاية، كما يتفاوت أداء القطاع بين دول المنطقة، وتأتى مصر فى مرتبة تالية لدول الخليج والمغرب.

الماحى: توقعات بانخفاض إنتاج المحاصيل %20 بحلول 2050

خضر: التنسيق مع «البيئة» لتصميم منتجات تلبى احتياجات السوق

العسكرى: الدول النامية تفقد %1 من ناتجها الإجمالى سنويا