Ad

لقد باتت مصر على حدود المسافة “صفر” من اقتحام واحد من أبرز المجالات طلبًا على مستوى العالم، وهو صناعة أشباه الموصلات، خاصة أنها تمتلك سابقة أعمال جيدة فى مجال تصميم الدوائر الإلكترونية بدأتها منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي.

واتفق عدد من العاملين والخبراء فى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على أن مصر لديها فرصة واعدة للمنافسة فى سوق أشباه الموصلات خلال المرحلة المقبلة، مرجعين ذلك لما تمتلكه الدولة من كوادر قادرة على تصدير منتجاتها للخارج.

وأضافوا أن الخيار الأمثل لمصر هو العمل على دراسة الأسواق المجاورة خلال المرحلة المقبلة، والسعى لدعم الشركات المحلية العاملة فى مجال تصميم الدوائر الإلكترونية وأشباه الموصلات بهدف تصديرها وجلب العملة الصعبة.

وكانت كوريا الجنوبية أعلنت منذ أيام نيتها إنشاء صندوق لدعم صناعة الرقائق بقيمة تريليون وون (730 مليون دولار) لمساعدة شركات تصميم الرقائق، فضلًا عن إنشاء شبكة البنية التحتية اللازمة لمشروعات البحث والتطوير لصالح الكيانات الصغيرة ومتوسطة الحجم.

وقال الرئيس الكورى، يون سيوك يول، -فى تصريحات صحفية- إن بلاده ستقدم حزمة دعم لصناعة الرقائق الإلكترونية بقيمة 26 تريليون وون، لتعزيز الصناعة المهمة، وسط احتدام المنافسة العالمية.

وتتضمن الحزمة برامج مالية ومبادرات للبحث والتطوير ودعم البنية التحتية للشركات المصنّعة للرقائق والمورِّدة للمواد والشركات غير المصنعة المتخصصة فى تصميم الرقائق.

أوضحت الدكتورة عايدة الصبان، عضو مجلس إدارة شعبة الاقتصاد الرقمى والتكنولوجيا بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن صناعة أشباه الموصلات تحتاج إلى استثمارات ضخمة تقدر بمليارات الدولارات، إضافة إلى تنفيذ مشروعات مستمرة فى مجال البحث والتطوير الدائم بهدف مواكبة المتغيرات العالمية.

وأشارت الصبان إلى أن أشباه الموصلات تتسم بكونها من الصناعات عالية الربحية، لا سيما أن عدد اللاعبين فيها ما زال محدودا.

ولفتت إلى أنه فى حال رغبة مصر خوض المنافسة فى مجال تصنيع أشباه الموصلات، فإنه ينبغى على الحكومة صياغة عدد من التشريعات القانونية اللازمة لجذب المستثمرين فى هذه الصناعة، وعلى رأسها تقديم إعفاءات جمركية على مكونات الإنتاج.

واقترحت أن يتم تخصيص منطقة حرة تسهم فى احتضان الشركات العاملة فى تلك الصناعة، مشددة على أهمية دراسة احتياجات السوق بشكل موسع وتحديد حجم الطلب حال رغبة الدولة المصرية توطينها.

وطالبت الصبان بأن تعمل الدولة المصرية على مشاركة القطاع الخاص فى تدشين صناعة أشباه الموصلات خلال المرحلة المقبلة، بجانب العمل على عقد شركات وحلقات تشبيكية مع اللاعبين الكبار فى الصناعة عالميًا، فضلًا عن تخصيص لجنة علمية تمتلك خبرة كبيرة فى الصناعة بهدف الوقوف على آخر المستجدات، والاطلاع على التجارب العالمية للنهوض بالصناعة.

ورجحت عايدة الصبان أن تتجه مصر خلال الفترة المقبلة للعمل على اقتحام مجال تصميم الدوائر الإلكترونية وأشباه الموصلات، لا سيما أن الدولة باتت تضع على عاتقها الاهتمام بتلك الصناعة وتخصيص الحوافز اللازمة للشركات العاملة فى تصميم أشباه الموصلات.

ولفت الدكتور ماجد غنيمة، مدير الشراكات والتسويق بصندوق دعم المبتكرين والنوابغ فى وزارة التعليم العالى والبحث العلمي، إلى قيام أمريكا فى وقت سابق بدخول ماراثون السباق فى صناعة أشباه الموصلات، وإعلان إسبانيا منذ فترة رغبتها المنافسة فى الصناعة.

وأشار إلى أن هناك عددًا كبيرًا من الدول يولى اهتمامًا بالغًا بتلك الصناعة، لما لها من استخدامات متعددة فى مجالات حيوية، إذ تفضل قوى معينة الابتعاد عن الصراعات الدائرة بين قطبيها، وهما الصين وتايوان، والاتجاه نحو توطينها محليًا.

ولفت إلى أن هناك عددًا من اللاعبين البارزين فى هذه الصناعة أولهما TSMC التايوانية، تليها “سامسونج” فى المرتبة الثانية فى تصنيع الرقائق الذكية للغير، فيما تعمل شركة إنتل على استخدام المخزون للتصنيع الذاتى الخاص بعمليات الإنتاج والتشغيل.

ولفت إلى أن مصر لديها سابقة أعمال جيدة فى تصميم أشباه الموصلات، بدأتها منذ أواخر التسعينيات، معتبرًا أن السوق المصرية تضم عددًا من الشركات العاملة فى مجال تصميم أشباه الموصلات من خلال التصنيع للغير أو ذاتيًا.

ورأى “غنيمة” أن اتجاه مصر نحو تصنيع أشباه الموصلات قد يبدو أمرًا صعبًا – على حد قوله- خاصة أنها صناعة تحتاج إلى استثمارات ضخمة، موضحًا أن المسار الأمثل هو الدخول فى تصنيع الأنظمة الإلكتروميكانيكية التى سيتم استخدامها فى صناعة أجهزة الحساسات، لاسيما أنها ما زالت فى مراحل مبكرة.

وشدد على أهمية دعم الشركات العاملة فى مجال تصميم الإلكترونيات، متسائلًا عن السبب وراء عدم تنفيذ الإستراتيجية التى تمت صياغتها منذ 7 أعوام بهدف النهوض بمجال تصميم الإلكترونيات فى مصر، وتعزيز الشراكات وتنظيم حلقات تدريبية لتوطين مجال صناعة الإلكترونيات، وإتاحة أماكن بهدف اختبارات المنتجات المصنعة محليًا.

وقال نشأت فودة، مدير مركز بيانات راية، إن مجال صناعة أشباه الموصلات يعد من أبرز المجالات التى تتسم بارتفاع العوائد، إذ باتت تمثل جوهر أى صناعة، ولكنها تحتاج إلى رأسمال ضخم.

ورأى “فودة” أن السيناريو الأقرب لمصر هو عقد اتفاقيات مشتركة بينها وبين الدول صاحبة الريادة فى تلك المجالات، ويتوقف نجاح التجربة على حجم الطلب ودراسة السوق والمنافسين بشكل موسع، مفضلًا اتجاه مصر للعمل على تطوير مجال تصميم أشباه الموصلات، لا سيما أن السوق المحلية تزخر بالعديد من الكوادر التى يمكنها العمل على تقديم منتجات عالمية فى هذا الصدد.

وفى سياق متصل، أكد الدكتور محمود كامل، رئيس مجلس إدارة شركة المعالم الدولية للحلول الرقمية والتكنولوجية، أن تصنيع أشباه الموصلات يحتاج إلى استثمارات ضخمة طويلة الأجل، لافتا إلى وجود عدد من الدول تستحوذ على النصيب الأكبر من كعكة الصناعة عالميا وعلى رأسها تايوان، وهو ما يجعل فرص مصر ضئيلة فى الدخول لهذا المجال.

وشدد “كامل” على أهمية اتجاه الدولة المصرية بكل أجهزتها على صياغة إستراتيجية وطنية متكاملة الأطراف للعمل على النهوض بمجال تصميم أشباه الموصلات خلال المرحلة المقبلة، فضلًا عن توفير المعامل والأجهزة ومكونات الإنتاج اللازمة لتوطين هذه الصناعة بالسوق المحلية.

ورجح أن تكون السبيل الأقرب لمصر هو العمل على استقطاب شركات عالمية لديها سابقة أعمال جيدة للعمل فى هذا المجال، وتخصيص جزء من الإنتاج للسوق الأفريقية والبلدان المجاورة.

ومن المتوقع أن تنمو صناعة أشباه الموصلات من 72 تريليون دولار بنهاية 2024 إلى 121 تريليونًا بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوى مركب تبلغ نسبته 10.86 %، وفقًا لإحصائيات عالمية. ومن المرجح أن تشهد صناعة أشباه الموصلات نموًا قويًا فى المستقبل المنظور؛ لأنها تلبى الحاجة المتزايدة لمواد أشباه الموصلات فى التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعى (AI)، والقيادة الذاتية، وإنترنت الأشياء، و5G، ويغذى هذا النمو المنافسة الشديدة بين اللاعبين الرئيسيين والاستثمار المستمر فى البحث والتطوير.

الصبان: يجب صياغة قوانين محفزة.. وتخصيص منطقة حرة لاحتضان العاملين بها

فودة: الأفضل عقد شراكات مع الدول صاحبة الريادة

غنيمة: النشاط يحتاج لاستثمارات ضخمة.. والأنسب تطوير الأنظمة الإلكتروميكانيكية

كامل: ضرورة وضع إستراتيجية وطنية متكاملة للنهوض بها