Ad

أجمع عدد من خبراء ومسئولى قطاع الاتصالات والتكنولوجيا أن مصر أمامها فرصة واعدة للتحول إلى وجهة استثمارية فى صناعة مراكز البيانات وتقديم خدمات الحوسبة السحابية الحكومية بالمنطقة، بشرط توافر مجموعة عوامل منها وضع إطار تنظيمى لاستقطاب مستثمرين جدد، علاوة على تهيئة البيئة التشريعية والقانونية اللازمة لذلك، وعلى رأسها سرعة الانتهاء من إصدار اللائحة التنفيذية لقانون حماية البيانات الشخصية.

وقالوا إن الحكومة بحاجة إلى التعاقد مع بيت خبرة عالمى للترويج لمصر كمقصد واعد على الخريطة العالمية فى الصناعة بدعم من مقوماتها الطبيعية، وعلى رأسها الموقع الجغرافى المتميز ومرور أكثر من %90 من كابلات الإنترنت البحرية عبر أراضيها.

ويعد مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية (P1) فى طريق العين السخنة أول داتا سنتر يقدم خدمات تحليل ومعالجة البيانات الضخمة باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى فى مصـر وشمال أفريقيا طبقًا لأحدث التقنيات العالمية، وشاركت فى تنفيذه أكثر من 15 شركة محلية وعالمية.

ويمتد المركز على مساحة 23500 متر مربع، تنقسم إلى 10000 متر مربع مخصصة للبنية التحتية الحالية، وباقى المساحة للتوسعات المستقبلية.

وقال الرئيس عبد الفتاح السيسى -فى تصريحات صحفية على هامش افتتاحه المركز الجديد منذ أيام - إن كل وزارة فى السابق كانت تمتلك خادم بيانات خاصًا بها، ولم تتمكن أى وزارة من ضمان تأمين هذه الأجهزة والتفاعل مع باقى الوزارات؛ ولكن بعد إنشاء مركز البيانات ستُضمن جميع الوزارات فى المركز الرئيسى للبيانات.

وأكد السيسى أن الشبكة مؤمنة بشدة، مستدلًا على ذلك بعدم إمكانية الوصول إلى القاعات التى تحوى الخوادم ومراكز البيانات، حتى من قِبل الموظفين المسؤولين عن إدارتها.

رافد للنقد الأجنبي

قال عقيل بشير، رئيس مجلس الإدارة الأسبق للشركة المصرية للاتصالات، إن صناعة مراكز البيانات هى إحدى روافد النقد الأجنبي، موضحًا أن مصر لديها سابقة أعمال جيدة فى تلك الصناعة، إذ تعد المصرية للتصالات من أوائل الشركات التى قامت بتدشين مركز داتا سنتر وتوظيفه فى تخزين بيانات العملاء والشركات الاخرى.

وشدد «بشير» على أهمية قيام الحكومة بصياغة الأطر والتشريعات القانونية اللازمة لضمان حماية بيانات العملاء، معتبرًا أن ازدهار هذه الصناعة بالسوق المحلية أمر مرهون بضمان أمان وسلامة البيانات على حد قوله.

ولفت إلى أن مركز بيانات P1 يعد بمثابة خطوة إيجابية تجاه الصناعة، ويجب تكرار نفس نموذج النجاح بدعم من الموقع الجغرافى المثالي.

وتابع قائلا: يجب على الحكومة أيضًا متابعة أحدث المستجدات فى صناعة مراكز البيانات بجميع أحجامها وأنواعها، بهدف تقديم أنماط متعددة منها بما يتوافق مع متطلبات كل شركة عالمية على حدة.

وأشار إلى أن الهند تعد مثالًا يحتذى به فى صناعة مراكز البيانات، إذ قامت مبكرًا باستطلاع آفاق الفرص الاستثمارية فى تلك الصناعة، وبناء أشكال متنوعة من مراكز الداتا سنتر بمختلف أنواعها.

بشير: «واعدة».. ويجب الإسراع فى تطويرها لاستقطاب العملة الأجنبية

وأكد أن مصر ما زالت لديها فرصة سانحة لخوض التجربة واستقطاب استثمارات دولارية فى صناعة مراكز البيانات خلال الفترة المقبلة، لا سيما فى الوقت الذى باتت فيه الدولة تسير على قدم وساق لاستكمال خارطة التحول الرقمي.

وفى سياق متصل، أرجع مصدر مسئول فى قطاع الاتصالات -فضل عدم ذكر اسمه- نجاح صناعة الداتا سنتر فى مصر بتوافر مجموعة عوامل، على رأسها سرعة إصدار القوانين اللازمة، والتى من شأنها حماية بيانات الشركات العالمية الراغبة فى الاستثمار بالصناعة، فضلًا عن توفير بيئة عمل ملائمة لاستقطاب مستثمرين جدد للصناعة، ومن ثم تعزيز دور مصر الإقليمى فى الصناعة، لاسيما أنها من الصناعات صاحبة الاستثمار طويل الأمد.

لائحة قانون حماية البيانات كلمة السر

ورأى عمرو محفوظ، الرئيس التنفيذى السابق لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا) أن إقرار اللائحة التنفيذية لقانون حماية البيانات الشخصية شرط أساسى للنهوض بهذه الصناعة فى مصر، إذ تضع الشركات الأجنبية حماية البيانات الخاصة بعملائها على رأس أولوياتها.

محفوظ: تعاقد الحكومة مع بيت خبرة عالمى لترويج مقوماتها

وأوضح «محفوظ» أنه ينبغى على الحكومة المصرية التعاقد مع بيت خبرة عالمى لتنشيط دور مصر الإقليمى فى صناعة مراكز البيانات خلال المرحلة المقبلة، خاصة أنها تمتلك فرصة جيدة للمنافسة على الخريطة العالمية.

وأشار إلى أن مصر لديها مجموعة من عوامل الجذب التى تعزز مكانتها الإقليمية للمنافسة فى صناعة مراكز البيانات، ومنها الموقع الجغرافى الملائم، إذ تقع فى وسط القارة، علاوة على جودة المناخ اللازم لتشغيل الداتا سنتر، لاسيما أن طبيعة عمل مراكز البيانات تجعلها تحتاج إلى درجات تبريد مرتفعة.

وقال إن الحكومة بحاجة لاستضافة بيانات عملاء إحدى الشركات العالمية فى مركز P1 الجديد للتأكيد على رؤيتها الطموحة نحو تطوير وتنمية هذه الصناعة الواعدة .

الأسرع نموًّا

وأكد الدكتور محمد حجازي، استشارى تشريعات التحول الرقمى والابتكار والملكية الفكرية، إن صناعة مراكز البيانات تعد من أسرع الأنشطة الاقتصادية نموًا فى العالم، وهناك عدة محفزات تسهم فى نهوضها منها الزيادة الكبيرة فى حجم البيانات المنتجة والمستهلكة، وهذا يتطلب مساحة تخزين كبيرة ومراكز بيانات فعالة لمعالجة وتخزين هذه البيانات.

وتابع أنه مع زيادة استخدام التكنولوجيات الناشئة، مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، تظهر الحاجة إلى مراكز بيانات قادرة على التعامل مع هذا الحجم الهائل من البيانات، كما تعد الحاجة إلى توفير خدمات الحوسبة السحابية التى يعتمد عليها العديد من الأفراد والشركات لتخزين البيانات وتشغيل التطبيقات وتوفير البنية التحتية للتكنولوجيا أمرًا حيويًا، إذ تعد مراكز البيانات الكبرى أساسا لتوفير هذه الخدمات وضمان استدامتها وأمانها.

وأضاف أن السياسات والقوانين والأطر التنظيمية تلعب دورا مهما فى دفع صناعة مراكز البيانات، معتبرا أن الامتثال للمعايير القانونية والتنظيمية للحفاظ على خصوصية والأمان وحماية المستهلكين، يعزز الاعتمادية والثقة فى خدمات مراكز البيانات.

واستطرد قائلًا إن جذب استثمارات أجنبية وشركات عالمية لإنشاء مراكز فى مصر، يلزمه توفير بيئة تنظيمية واستثمارية ملائمة تشتمل على سياسات تسعير وقوانين تشجع الاستثمار الأجنبى على التواجد وتعمل على تبسيط الإجراءات الإدارية وتقليل البيروقراطية لجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب.

حجازى: ينبغى وضع سياسات لتصنيف البيانات

ورأى أن مصر تحتاج حزمة من السياسات والتشريعات لضمان وجود بيئة تشريعية وتنظيمية مشجعة، ومنها ضرورة وجود سياسات لتصنيف البيانات لتحديد مستويات السرية والتداول، وسياسة للحوسبة السحابية.

وشدد على أهمية تفعيل بنود قانون حماية البيانات الشخصية، وإصدار قانون لحرية تداول والنفاذ للمعلومات، إضافة إلى التأكيد على زيادة فاعلية قوانين الاستثمار، والمناطق الحرة والملكية الفكرية، إلى جانب ضمان تطبيق تلك القوانين بآليات أكثر جودة وفاعلية لضمان تهيئة المناخ التشريعي، بما يحفز على جذب صناعة مراكز البيانات فى مصر.

وأشار إلى أنه يجب توفير بنية تحتية قوية ومتطورة لدعم مراكز البيانات ويشمل ذلك الاتصالات السريعة والموثوقة، وتوفير الكهرباء المستدامة والاحتياطية، وإتاحة الأراضى والأماكن الملائمة لبناء مراكز البيانات العملاقة.

وأكد أهمية توفير القوى العاملة المدربة والماهرة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز التعليم التقنى والتدريب المهنى فى مجالات ذات صلة وتوفير برامج لتطوير المهارات اللازمة، لافتًا إلى أن الاستقرار السياسى والأمنى عامل مهم لجذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير بيئة آمنة ومستقرة للشركات العالمية.

وأشار إلى أن الشراكات الاستراتيجية مع شركات تكنولوجيا المعلومات العالمية علاوة على إتاحة الحوافز والتسهيلات لهذه الشركات للعمل فى مصر تعزز الصورة الإيجابية لمصر كوجهة استثمارية، لا سيما مع الحملات الترويجية والتسويقية للتعريف بمزايا مصر وفرص الاستثمار فيها، والاستفادة من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الموقعة بين مصر والدول الأخرى لجذب الاستثمارات.

مركز إقليمي

الغمرى: إتاحة تسهيلات وإعفاءات جمركية.. وتبسيط إجراءات التأسيس

من جانبه، قال الدكتور محمد الغمري، رئيس مجلس إدارة شركة إيجيبت سات لحلول الاتصالات، إن الحكومة المصرية بحاجة إلى تقديم تسهيلات استثمارية لاستقطاب الكيانات العالمية مثل مايكروسوفت وأمازون لإنشاء مراكز بيانات لها، موضحًا أن من أهم هذه التيسيرات الإعفاءات الضريبية والجمركية وسهولة إجراءات التأسيس وبدء عمليات التشغيل.

وأضاف «الغمري» أنه لكى تصبح مصر مركزًا إقليميًا لمراكز الداتا سنتر وتكنولوجيا الحوسبة السحابية، لا بدّ من توافر بعض العوامل الأساسية، أهمها إتاحة خدمات انترنت بأسعار تنافسية، إذ تعد من أهم العوامل التى تُؤثر على قرارات الشركات العالمية مثل جوجل لإنشاء مراكز بياناتها.

وتابع قائلا: كلما كانت أسعار الإنترنت أرخص، زادت جاذبية الاستثمار فى صناعة مراكز البيانات.

واكد أن مصر لديها ميزة تنافسية تتمثل فى امتلاكها كفاءات بشرية ماهرة فى قطاع التكنولوجيا والاتصالات، لافتا إلى أن الحكومة تعمل باستمرار على تطوير مهارات الشباب من خلال مبادرات قومية.

وراى أن مصر واحدة من الأسواق الناشئة التى تتميز عن غيرها بانخفاض تكلفة العمالة مقارنة بالبلدان المجاورة ما يجعلها قبلة مفضلة للاستثمار من قبل شركات التكنولوجيا العالمية، لأنها تسهم فى تقليل تكاليف الإنتاج وتحسين تنافسيتها فى السوق العالمية.

وشدد على ضرورة توفير الخدمات المساعدة الخاصة بالبنية التحتية والتجهيزات الفنية مثل مصادر طاقة كهربائية ذات موثوقية، ونظم تبريد وتهوية مناسبة، إضافة إلى منظومة معتمدة لإطفاء الحرائق، والأمن الفيزيائى واللوجستيات، بأسعار تنافسية.

نقاط إنزال الكابلات البحرية

بينما أشار الدكتور خالد نجم، وزير الاتصالات الأسبق، إلى أن وجود بنية تحتية رقمية متطورة تعد من أهم ركائز صناعة مراكز البيانات، تتضمن مد شبكة واسعة من كابلات الألياف الضوئية، ما يُتيح سرعات إنترنت عالية وموثوقية فى الأداء.

ورأى أن الحكومة تعمل باستمرار على تطوير شبكة البنية التحتية الرقمية، من خلال مشروعات كبرى منها «مصر الرقمية» و«الشبكة القومية للمعلومات».

وأضاف أن مصر يمكنها الاستفادة من موقعها الجغرافى المتميز، خاصة عند نقاط إنزال الكابلات البحرية، معتبرًا أن نقاط التبادل الدولية للإنترنت (IXPs)، هى مواقع مادية تجمع فيها شبكات اتصالات متعددة وتتبادل فيما بينها حركة مرور الإنترنت، وتعد البوابة الملكية للعالم الرقمى - على حد وصفه.

وتابع أن الشركة المصرية للاتصالات لديها إمكانيات فنية لجذب الاستثمار الأجنبى فى هذه الصناعة التى تضمن لها تكرار تجربة GPX العالمية، التى تُقدم مجموعة واسعة من خدمات الإنترنت، بما فى ذلك الإنترنت الأرضى واللاسلكى وحلول الاتصال عبر الأقمار الصناعية.

‏GPX تجربة ناجحة

وأكد أحمد عبد اللطيف، عضو مجلس إدارة جمعية إنترنت مصر، على ضرورة وضع إطار تنظيمى يتسم بالوضوح والشفافية، كعامل أساسى لجذب الاستثمارات الأجنبية.

وأوضح «عبد اللطيف» أن هذا الإطار يجب أن يكون هادفا إلى تشجيع الشركات العالمية على الدخول إلى السوق المصرية والاستفادة من المزايا التفضيلية المقدمة، ما يُسهم فى تحويل مصر إلى وجهة استثمارية واعدة فى نشاط مراكز البيانات.

وقال إن وضوح معايير الإطار التنظيمى سيمكن المستثمرين الأجانب من تقييم الفرص المتاحة بالسوق المحلية بشكل دقيق، بشرط تزويدهم بكل المعلومات اللازمة للمستثمرين.

وتابع قائلا يجب أن يُحقق الإطار التنظيمى أيضًا توازنًا بين مصالح المستثمرين والاقتصاد المصرى بشكل عام.

عبد اللطيف: ضرورة خلق بيئة عمل مواتية بدلًا من سياسة «الجزر المنعزلة»

وسلط الضوء على أهمية تبسيط الإجراءات، الأمر الذى وصفه بأنه مفتاح جذب الاستثمار الأجنبى لأنه يخلق بيئة استثمارية مواتية، بدلًا من العمل فى جزر منعزلة.

وأكد أن التنسيق بين مختلف الجهات وجعلها وجهة واحدة يتعامل معها المستثمر هو المسار الصحيح لتوفير بيئة استثمارية آمنة وفعالة، تؤدى إلى زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية.

وأكد أن مصر تبذل جهودا كبيرا لتبسيط الإجراءات وتخفيف القيود البيروقراطية أمام المستثمرين، من خلال تطوير منظومة الخدمات الإلكترونية وتحسين بيئة الأعمال بشكلٍ عام، ما يُسهل عملية الاستثمار ويُشجّع على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

ورأى أن الهيئة العامة للاستثمار (GAFI) تلعب دورًا محوريًا فى جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر إلا أن باقى الجهات المعنية يجب أن تسير على نفس النهج، لافتًا إلى أن مراكز الداتا سنتر الموجودة فى مصر البالغ عددها 16 كلها محلية باستثناء التابعة لـ GPX العالمية.

ولفت إلى الدور المحورى لمراكز البيانات فى تعزيز نمو الاقتصاد الرقمي، كما تعد كذلك بوابة تصدير الخدمات الرقمية، إذ تُمكن الشركات من تقديم خدماتها الرقمية للعملاء فى جميع أنحاء العالم، الأمر الذى يسهل تدفق العملة الأجنبية للبلاد.