يُعارض عدد من خبراء سوق المال فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية، خوفًا من تأثيرها السلبى على جاذبية سوق الأوراق المالية، فيما أكدوا أن العودة إلى استخدام الدمغة الثابتة أو إلغاء الضرائب عن البورصة بشكل كلى يعدان البديل الأفضل.
وسادت حالة من الهدوء فى أوساط سوق المال فى أعقاب قرار مجلس الوزراء بشأن تأجيل تحصيل ضريبة الأرباح حتى الموسم الضريبى 2025، اذ تكبدت البورصة خسائر كبيرة نتيجة الأنباء حول بدء تحصيلها خلال شهرين، وهو ما نفته وزارة المالية لاحقًا.
وضريبة الأرباح الرأسمالية تخضع لوعاء ضريبة الدخل، ويتم تحديدها على أساس قيمة صافى الأرباح الرأسمالية لمحفظة الأوراق المالية المحققة فى نهاية السنة الضريبية على أساس الفرق بين سعر بيع او استبدال أو أية صورة من صور التصرف فى الأوراق المالية، وبين تكلفة اقتنائها، بعد خصم عمولة الوساطة.
وأعلنت الحكومة مطلع مايو الحالى عن بدء تحصيل ضريبة الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التصرف فى الأوراق المالية المقيدة بالبورصة المصرية، بداية من الموسم الضريبى مارس/ أبريل 2025، عبر شركة مصر للمقاصة عن عام 2024.
وأضافت فى بيان لرئاسة مجلس الوزراء، أنه تم تكليف وزارة المالية باتخاذ الإجراءات القانونية للتجاوز عن تحصيل الضريبة المستحقة من تاريخ صدور القانون رقم 30 لسنة 2023 حتى انتهاء السنة الميلادية فى 31 ديسمبر 2023.
ويرى الخبراء أن فرض تلك الضريبة سيكون عبئًا إضافيًا على المستثمرين، ما قد يُثبط عزيمتهم عن الاستثمار، إذ من المتوقع أن تؤدى إلى هروب المستثمرين من السوق، ليترتب عليه انخفاض فى قيم الأسهم وتراجع السيولة فى السوق، مجتمعين على أن العودة إلى ضريبة الدمغة يمثل الخيار الأقل ضررًا.
زيادة البيروقراطية وتعقيد الإجراءات
فى البداية، قال عونى عبدالعزيز، رئيس شعبة الأوراق المالية باتحاد الغرف التجارية، إن قرار ضريبة الأرباح سينتج عنه زيادة البيروقراطية وتعقيد الإجراءات الضريبية، لافتًا إلى أن ذلك سيؤدى إلى إبعاد المستثمرين عن الدخول فى السوق.
وتابع أن ضريبة الدمغة تُعد البديل الأنسب، إذ تُفرض على كل عملية بيع وشراء للأوراق المالية نسبة ثابتة، موضحًا أهمية الاتفاق على تلك النسبة والوصول إلى قرار يرضى جميع الأطراف.
وكانت مصر قد فرضت ضريبة دمغة على البائع والمشترى فى معاملات البورصة فى مايو 2013 وجمعت أكثر من 350 مليون جنيه، قبل أن توقف العمل بها وتفرض ضريبة بنسبة عشرة بالمائة على التوزيعات النقدية والأرباح الرأسمالية فى يوليو 2014.
جدير بالذكر أنه قد تم التشريع فى تنفيذ ضريبة الأرباح الرأسمالية للبورصة منذ 2015، وتم تأجيلها لمدة أكثر من 7 سنوات، نتيجة تعثر تطبيقها وتأثيرها سلبا على تعاملات المستثمرين الأجانب بالبورصة.
كما أوضح وزير المالية دكتور محمد معيط فى تصريحات سابقة لـ”المال” إنه ليس هناك مستهدف محدد لحصيلة الضريبة، إذ إنها تطبق على من يحقق ربحًا فقط بخلاف ضريبة الدمغة التى تطبق على جميع المعاملات، وحينها تحفظ مسئول بمصلحة الضرائب المصرية عن الإفصاح عن الحصيلة المتوقعة لضريبة الأرباح الرأسمالية فى أول عام للتطبيق.
إلغاء الضرائب خيار جيد
من جانبها، أوضحت رانيا يعقوب، رئيس شركة ثرى واى لتداول الأوراق المالية، أن أى ضريبة تعد وسيلة طاردة للمستثمرين، لافتة إلى أن ذلك القرار يتنافى مع سعى الدولة لجذب الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة.
وأضافت أن تكرار الأخبار الشائعة غير الحقيقية فيما يتعلق بقرار الضريبة على البورصة، يترتب عليه تأثيرات سلبية كبيرة فى المعاملات اليومية.
وأوضحت رئيس شركة ثرى واى لتداول الأوراق المالية، أن إلغاء الضرائب على معاملات الأوراق المالية خيار آخر جيد، مشيرة إلى أن هذا سيُسهم فى زيادة جاذبية السوق للمستثمرين، ما قد يؤدى إلى تنشيط التداول وارتفاع قيم الأسهم.
وأوضحت رانيا يعقوب ترجيحها إلغاء الضرائب بشكل كامل عن معاملات البورصة، مؤكدة أنه بالمقارنة مع الأسواق المناظرة للبورصة المصرية نلاحظ عدم وجود مثل تلك الرسوم.
وأشارت إلى أنه فى حالة ضرورة الاختيار بين الضريبتين، فإنها تفضل ضريبة الدمغة عن نظيرتها على الأرباح، إذ تخضع الضريبة الرأسمالية لوعاء ضريبة الدخل، وتطبق على المستثمر المقيم فقط، سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا.
وبعد اعتراضات قوية من المستثمرين والقائمين على السوق جمدت الحكومة فى مايو 2015 العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية لمدة عامين حتى مايو 2017، وقرر المجلس الأعلى للاستثمار لاحقا تمديد العمل بالتجميد حتى مايو 2020.
وكانت هيئة الرقابة المالية قد أوضحت فى بداية 2020، اعتماد رئاسة الجمهورية تعديلات بعض أحكام ضريبة الدمغة، التى تم اتخاذها، وتشمل خفض ضريبة الدمغة على عمليات البيع والشراء بالبورصة المصرية إلى 0.5 فى الألف، مقابل 1.5 فى الألف سابقًا.
عدم وجود نظير لها فى الأسواق الأخرى
وفى سياق متصل، أوضح عادل عبدالفتاح، رئيس مجلس إدارة ثمار، العواقب السلبية الناتجة عن فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية فى البورصة المصرية، متمثلة فى صعوبة التطبيق، وعدم وجود نظير لها فى الأسواق الأخرى، إلى جانب احتياج القرار إلى عدد من العوامل للتنفيذ.
وأضاف “عبد الفتاح” أن ميزة ضريبة الدمغة تتمثل فى بساطتها وسهولة تطبيقها، مرجحة اللجوء إلى هذا النوع من الضريبة فى حالة صعوبة التغاضى عن استخدام أى رسوم داخل معاملات البورصة.
تعقيدات قوانين الضرائب تصعب عملية التحصيل
من جانبه، قال ياسر عمارة، رئيس مجلس إدارة شركة إيجل للاستشارات المالية، أن الأفضل استبدال الضريبة على الأرباح الرأسمالية بنظيرتها “الدمغة”، كخيار أقل ضررًا على معاملات الاستثمار فى السوق.
وأضاف “عمارة” أنه لا تزال ضريبة الأرباح الرأسمالية على الأوراق المالية موضوعًا مثيرًا للجدل فى مصر، لافتًا إلى أنه يؤثر على التعاملات الخاصة بسوق المال بالسلب.
وأوضح أنه فى حالة اللجوء إلى ضريبة الدمغة، فإنه ستكون هناك استجابة واضحة من قبل المستثمرين، مشيرًا إلى أن تحصيل ضريبة الأرباح الرأسمالية تمثل مشكلة بسبب تعقيدات القوانين الضريبية وصعوبة فهمها وتطبيقها بشكل صحيح.
وقال إنه يصعب تقدير قيمة الأرباح المحققة من الاستثمارات وتحديد الفترة الزمنية المناسبة لاحتساب الأرباح الرأسمالية، إلى جانب الاحتياج إلى تحصيل الضرائب والإجراءات الإدارية المعقدة مثل تقديم إقرارات ضريبية وتحويل المبالغ المستحقة إلى المصلحة الضريبية.
دراسات للسوق قبل فرض أى ضريبة
من جانبه، رفض كريم هلال، الرئيس التنفيذى لمجموعة “كونكورد إنترناشيونال” للاستثمارات، فرض ضرائب تؤدى الى تعقيد سير المعاملات داخل سوق التداول.
وأكد ضرورة إجراء دراسات معمقة لتقييم تأثير أى ضريبة على السوق قبل تطبيقها، وتحديد الخيار الأمثل لضمان استقرار السوق وجذب المزيد من الاستثمارات.
وأوضح “هلال” أن من مميزات عدم فرض الضرائب على البورصة، تحفيز الاستثمارات، إذ يزيد من نشاط السوق وتدفق رؤوس الأموال، إلى جانب تجنب التعقيدات الضريبية، حيث يمكن أن يقلل إلغاء الضرائب على المعاملات من التعقيدات الضريبية والمشاكل المحتملة المرتبطة بتحصيل الضرائب على الأرباح الرأسمالية.
تاريخ الضريبة
يُذكر أن مجلس الوزراء، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق، المهندس إبراهيم محلب، قرر فى يوليو 2014 فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة، وأخرى على التوزيعات النقدية بنسبة %10 لكل على حدة، ثم قرر إرجاء تطبيق الأولى فى مايو 2015 لمدة عامين، وتم تأجيلها للمرة الثانية فى مايو2017، لمدة 3 أعوام حتى مايو 2020.
وكانت البورصة المصرية معفاة تمامًا فى السابق من أى ضرائب على الأرباح المحققة نتيجة المعاملات أو التى توزع فى شكل نقدى أو مجانى على المساهمين بالشركات المقيدة.
وفى أكتوبر 2021، تم الاتفاق على تشكيل لجنة لبحث جدوى ضريبة الأرباح الرأسمالية عقب اجتماع لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشيوخ بممثلى سوق المال ووزير المالية، وذلك فى إطار متابعة مجلس لتداعيات ملف الضريبة على تعاملات البورصة.
وفى يناير 2022، عقد رئيس مجلس الوزراء دكتور مصطفى مدبولى اجتماعا لمناقشة التعديلات المقترحة لقانون “الضريبة على الأرباح الرأسمالية”.
واستعرض الدكتور محمد معيط، وزير المالية تعديلات القانون المقترحة الخاصة بالضريبة على الأرباح الرأسمالية، والتى تم التوافق عليها مع ممثلى المستثمرين.
ولفت إلى أنها تضمنت الملفات الضريبية، والتكاليف المعتمدة بما فى ذلك سعر اقتناء الأسهم عند التطبيق، والتكاليف الإلزامية، والتكلفة الإضافية للأشخاص الطبيعيين فقط، إضافة إلى الطروحات الأولية، والتى اشتملت على تكلفة الاقتناء للأسهم، والطرح الأولى لزيادة رأس المال، فضلًا عن عمليات مبادلة الأسهم.
وقام مجلس النواب بالموافقة على تلك التعديلات فى عام 2022، لتبدأ سلسلة اجتماعات ومناقشات حول سبل التحصيل وإعداد اللائحة النهائية لكيفية احتساب الضريبة على تعاملات الأسهم والسندات.
وتمثلت النقاط الخلافية فى ذلك الوقت، فى طريقة احتساب تكلفة الفرصة البديلة، وتكلفة التمويل، وأيضًا مصاريف ورسوم الخدمات المختلفة، والتى من ضمنها عمولات شركات السمسرة التى تتسم بالتفاوت وفقًا لاتفاق كل عميل مع شركة الوساطة فى الأوراق المالية.
«هلال»: ضرورة إجراء دراسات معمقة للتقييم قبل فرضها
«عبدالعزيز»: تؤدى لابتعاد المستثمرين
رانيا يعقوب»: الإلغاء يزيد من جاذبية السوق
«عمارة»: يصعب تقدير قيمة المكاسب المحققة من الاستثمارات
