تشهد السوق المصرية ظاهرة نقص بعض أصناف ألبان الأطفال وبالتزامن مع ارتفاعات كبيرة فى أسعارها، ليتجاوز سعر العبوة الواحدة فى بعض الأحيان الـ350 جنيها، ما يطرح التساؤل حول فرص توطين هذه الصناعة الحيوية فى السوق المحلية خلال الفترة المقبلة؟.
أرجع عدد من الخبراء أسباب ظاهرة نقص الألبان، لعدم وجود بديل محلى، علاوة على تحكم عدد من الشركات الأجنبية والمستوردين فى الكميات الواردة، بالإضافة لعدم خضوع الألبان للتسعير الجبرى.
“المال” حذرت منذ ديسمبر الماضي
فى ديسمبر من العام الماضى 2023، قلصت شركة «نوتريسيا» الفرنسية للأدوية الكميات الموردة من ألبان الأطفال لصالح شركات توزيع تلك المستحضرات مما تسبب فى عدم توافر المنتجات بالسوق المحلية.
وبحسب تقرير نشرته «المال» تعتبر «نوتريسيا» صاحبة الحصة الأكبر من مبيعات ألبان الأطفال فى السوق المصرية ، وتستحوذ على ما لا يقل عن %30 منها.
وتواصلت «المال» فى حينها مع عدد من ممثلى شركات توزيع الأدوية محليا، وأبرزها «المتحدة للصيادلة» والتى أرجع مصدر مسؤول بها سبب نقص ألبان الأطفال إلى ضعف الكميات الواردة من الشركات المصنعة لها، وتحديدا «نوتريسيا» وتوابعها، والتى تنتج ما يقرب من 33 صنفا.
وأضاف المصدر الذى فضل عدم ذكر اسمه أن هذه الخطوة دائما ما تلجأ إليها الشركات المصنعة، تمهيدا لزيادة أسعار منتجاتها.
وأكد المصدر أن اختفاء الأصناف قائم، ويستدعى تدخل هيئة الدواء ، خاصة وأن هناك سوقا سوداء فى هذا القطاع بدأت فى الظهور.
وبلغ إجمالى مبيعات شركة “نوتريسيا” الفرنسية من ألبان الأطفال ما يقرب من 1.1 مليار جنيه خلال أول تسعة أشهر من العام 2023، واحتل صنف “بيبيلاك 1” المرتبة الأولى بمبيعات بلغت 405 ملايين.
فيما سجل إجمالى مبيعات شركات الأدوية العاملة محليا من ألبان الأطفال بحسب تقرير صادر من مؤسسة “آى كيوفيا”، نحو 3.4 مليار جنيه، بإجمالى عبوات بلغ 18.8 مليون خلال الفترة الزمنية السابق ذكرها.
وتعتبر شركة “نوتريسيا” جزء من مجموعة “دانون” المتخصصة فى الغذاء العلاجى والتغذية الإكلينيكية، وتتراوح منتجاتها من حليب الأطفال إلى التغذية المتخصصة لذوى الاحتياجات المحددة والأمهات المرضعات.
اختفاء متكرر كل عام
من جانبه قال الدكتور حاتم البدوى أمين شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية إن ظاهرة نقص بعض أصناف ألبان الأطفال ليست بجديدة، فدائما ما يشهد السوق اختفاء للألبان كل عام.
وأضاف البدوى فى تصريحات لـ«المال» أن صناعة ألبان الأطفال هى من الصناعات المعقدة جدا، وتحتاج إلى تكنولوجيا متفوقة حتى تتمكن أى دولة من إنشاء مصنع لإنتاج ألبان الأطفال، مضيفا أنه حتى أن الألبان التى يتم الحصول عليها قبل خضوعها للتصنيع يتم حلبها من أبقار معينة تخضع لمعالجات كبيرة.
واعتبر أن ما يحدث خلال المرحلة الحالية يستدعى وجود تدخل حكومى خاصة وأن الشركات الموردة للألبان تقدمها للجمهور بالسعر الذى تحدده هى، حتى أن سعر العبوة الواحدة لبعض الأصناف تجاوز الـ 500 جنيه، مشيرا إلى أن أسعار ألبان الأطفال لا تخضع للتسعير الجبرى، باعتبار أن الألبان ليست أدوية بل مكملات غذائية.
وحول إمكانية وجود مصانع محلية لإنتاج ألبان الأطفال، أكد أمين شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية، وجود صعوبة فى إنشاء مصنع محلى، خاصة وأن العملية معقدة، وتحتاج إلى استثمارات ضخمة.
واستنكر عدم إخضاع ألبان الأطفال للتسعيرة الجبرية، وترك الأمر للشركات الموردة التى تحرك الأسعار حسب رغبتها، دون الرجوع لوزارة الصحة أو هيئة الدواء المصرية.
وأوضح أن ألبان الأطفال يجب أن تعامل معاملة الأدوية فيما يتعلق بالتسعير الجبرى لخلق نوع من الاستقرار وتضمن توافر الألبان خارج السوق السوداء.
وأكد البدوى أن بعض الأسر التى تحصل على الألبان المدعمة تذهب لبيعها فى السوق السوداء، وتقدم للرضع وجبات من الزبادى أو ألبان الجاموس والأبقار بعد تخفيفها بالمياه، فى ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تمر بها ملايين الأسر.
وردا على إعداد وزارة الصحة منظومة ميكنة عملية صرف الألبان المدعمة قال البدوى إنه لا يمكن أن تنجح هذه المنظومة دون إشراك الصيدليات الأهلية ، على أن تقوم كل واحدة منها بصرف الألبان للأسر المحيطة بها، خاصة وأن الصيدلى هو أكثر من يعرف ساكنى المناطق الشعبية.
وطالب بضرورة السير على خطى شركة إيبيكو للأدوية والتى تعمل فى الوقت الحالى على توطين عدد من الخامات الدوائية بغرض الاعتماد عليها فى التصنيع المحلى ومن ثم تصديرها للخارج، بعد أن اعتمدت فى هذا المجال على خبرات أجنبية.
محاولات توطين صناعة ألبان الأطفال
فى عام 2017، أعلنت الحكومة عن شراكة مع شركة لاكتو مصر، بغرض إنتاج ألبان الأطفال للسوق المحلية وكذلك للتصدير، بطاقة إنتاجية قيل حينها إنها ستفوق الـ 35 مليون عبوة ، لكن وبحسب محمود فؤاد رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء فإن التجربة تعرضت لعدة مشاكل ولم تكتمل.
تأسست «لاكتو مصر» فى يناير 2002، وطرحت إنتاجها فى السوق فى 2003، من خلال مصنعها فى المنطقة الصناعية بمدينة العاشر من رمضان على مساحة 31 ألف متر مربع.
وأوضح فؤاد فى تصريحات لـ«المال» أن الإحصائيات الصادرة مؤخرا تشير إلى أن الزيادة السكانية سنويا تقدر بـ 1.6 مليون نسمه، وأن %25 من هذه الزيادة تحتاج للألبان الصناعية، معتبرا أن هذه النسبة ليست قليلة وربما يكون مبالغ فيها فى ظل وجود العديد من الأمهات العاملات والتى لا تتمكن من تقديم رضاعة طبيعية لأبنائهن.
وأكد رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء أن المشكلة الكبرى تتمثل فيما وصفه بفساد عملية توزيع ألبان الأطفال على المستحقين، مؤكدا أن الطفل يحصل على 4 عبوات شهريا، وهو ما لا يحدث، وعلى أقصى تقدير يحصل الأغلبية من الأطفال على عبوتين فقط.
واستنكر فؤاد وجود شركات لا علاقة لها سواء بالمجال الطبى أو قطاع الأدوية تقوم دون غيرها باستيراد ألبان الأطفال، وكل ما يؤهلها أنها تمتلك وكالة من إحدى الشركات المنتجة.
وأكد أن العمليات الاحتكارية التى تمارسها الشركات دفعت حتى الصيادلة لرفض طلب توريد الألبان من المخازن أو الشركات الموردة، خاصة وأن أغلبها يرغب فى بيعها من خلال الصيدليات دون أى نسبة ربح للصيدلى.
وقالفؤاد إن نقص ألبان الأطفال تتعرض له مصر مع بداية شهر رجب كل عام، مرجعا السبب لقيام مصانع الحلويات بالحصول على كميات منه عبر السوق السوداء لاستخدامه فى عمليات تصنيع السوبيا والنسكافية وكريمات الحلويات.
وقال محمود فؤاد إن الحكومة عملت منذ فترة على إعداد دراسة بخصوص توطين الصناعة إلا أنها انتهت لرفض تنفيذ المشروع لعدم وجود جدوى اقتصادية ، كما أن عملية إنشاء مصنع ربما تحتاج لما يقرب من مليار جنيه، كما أن هناك صعوبات فى الحصول على موافقات تصدير لصالح دول أخرى.
وأشار إلى أن مصر تأتى ضمن قائمة الدول الأسوأ فى التغذية، وهو ما يتسبب فى إصابة الكثير من الأطفال بأمراض مثل التقزم، وأمراض أخرى، بعضها لا علاج له أو فاتورته مكلفة جدا.
واختتم رئيس المركز المصرى تصريحاته بمطالبة الحكومة بضرورة العمل للضغط على الشركات الـ 4 التى تسيطر على قطاع ألبان الأطفال.
تحركات برلمانية لاحتواء نقص الألبان
فى مطلع فبراير الماضى تقدمت النائبة ألفت المزلاوى عضو الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهورى، وأمين سر لجنة القوى العاملة بالبرلمان، بطلب إحاطة إلى المستشار الدكتور حنفى جبالى رئيس مجلس النواب، لتوجيهه إلى رئيس مجلس الوزراء وكل من وزيرى الزراعة والصناعة والتجارة، بشأن الارتفاع الكبير فى أسعار الألبان ومنتجاتها خلال الآونة الأخيرة.
وكشفت «المزلاوى» فى طلب الإحاطة أن سوق منتجات الألبان، شهدت ارتفاعًا فى الأسعار بنحو %40 فى 2023، لتزداد مرة أخرى فى يناير الماضى من العام الجديد إلى 40 جنيها لـ كيلو اللبن، و300 جنيه للبن الأطفال.
من جانبه قال الدكتور محمد عمرو الشريك المؤسس لشركة ماجيستك بايو فارما إن ظاهرة نقص ألبان الأطفال لا يمكن حلها بطلبات الإحاطة أو الاستجواب فقط، مشيرا إلى أنها جاءت بفعل عدم توافر الدولار خلال المرحلة الماضية، وهو ما كان له تأثير مباشر على الشركات المستوردة، خاصة وأن أكثر من 90% من ألبان الأطفال يتم استيرادها من الخارج.
وأضاف عمرو فى تصريحات لـ«المال» أن مصر ليست الوحيدة التى تأثرت بنقص الإمدادات من ألبان الأطفال، فما يعيشه العالم من نقص بفعل الأحداث العالمية.
وأوضح أن مصر كان لديها جهود لتأسيس مصنع لإنتاج ألبان الأطفال، لكن هذه الجهود لم تفلح ، مؤكدا على ضرورة قيام الحكومة بتوطين الصناعات المرتبطة بأمنها القومى كالإنسولين وألبان الأطفال.
وطالب الشريك المؤسس لشركة ماجيستك بايو فارما بضرورة تشكيل لجنة من وزارات الزراعة والتعليم العالى والصحة، للعمللتنفيذ مشروع إنتاج ألبان الأطفال، مؤكدا أن مصر لديها مراكز بحثية وخبرات بشرية يمكنها أن تحقق هذا الإنجاز.
واعتبر عمرو أنه لا سبيل أمام الحكومة سوى الدخول فى المنافسة على الأصناف والمنتجات الهامة، خاصة وأنها لا يمكنها أن تخضع ألبان الأطفال للتسعيرة الجبرية، باعتباره مكمل غذائى وليس دواء.
جدير بالذكر أن الشركات المعنية بتوريد ألبان الأطفال للسوق المصرية هى «نوتريسيا، وأبوت، كوباد، فاسكا، جيو-بولاند فارما، جلوبال نابى، هيرو، ولاكتو مصر، ليبتيس، تريسكوم».
محمد عمرو: الأزمة نتجت عن عدم توافر الدولار خلال المرحلة الماضية
محمود فؤاد: %25 من المواليد يحتاجون لها
