أجمع عدد من خبراء صناديق الاستثمار ورأسمال المخاطر على أن المرأة قطعت بالفعل شوطًا طويلًا في عالم ريادة الأعمال، لكنها ما زالت تعاني من محدودية الوصول إلى التمويل والموارد التي تمكنها من تحقيق كل أحلامها في هذا المجال، وتحد من قدرتها على الانطلاق والنجاح.
وقالوا إن الشركات الناشئة بقيادة رائدة الأعمال السيدات تحصل على جولات تمويلية أقل بكثير مقارنة بنظيراتها التى يقودها الذكور، مؤكدين في الوقت ذاته أن المشهد الاستثماري تغير خلال العامين الماضيين بطريقة تسهم في تمكين المرأة وخلق نظام بيئي داعم يعالج هذه الحواجز ويوفر الموارد والفرص اللازمة، من خلال إطلاق المبادرات المختلفة وإقامة فعاليات للتواصل مع مستثمرين والوصول إلى التمويل المصمم بشكل خاص لدعم الشركات الناشئة التي تقودها النساء.
أوضحتكريمة الحكيم، المدير الإقليمي لـ«بلاج آند بلاى» في مصر، أن رائدات الأعمال ما زلن يواجهن عقبات وتحديات ملموسة مقارنة بنظرائهم الذكور عالميا وليس علي مستوي مصر فقط، لاسيما فيما يتعلق بفرص الحصول على تمويل، مرجعة السبب وراء ذلك بعض تحفظات المستثمرين بشأن قدرة السيدات على قيادة الشركات الناشئة في التكنولوجيا وتحقيق مستهدفات النمو السريع، خاصة في ظل الصور النمطية القديمة التي تحد من قدراتها.
وسلطت كريمة الحكيم الضوء على الاختلافات بين الذكور والإناث فيما يتعلق بأسلوب العرض التقديمي للحصول على جولة تمويلية، ففي حين يكون الذكور أكثر جرأة في طرح المستهدفات، مثل الحصة السوقية والإيرادات وخطة العمل الموضوعة لزيادة الأرباح والعائدات المتوقعة للمشروع مع توضيح ذلك بالتفاصيل بالأرقام نجد أن السيدات أكثر تحوطاوتحفظا أثناء تقديمهن، وبالتالي يكون الانطباع الأول أقل جذبًا لمستثمري رأسمال المخاطر.
وأضافت أن بعض المستثمرين قد يتخوفون من طموحات المرأة فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي التي تعد بالنسبة له غير مفهومة، والتي يمكنها أن تنعكس بالسلب على تطوير مشاريعها ونمو شركتها، خاصة أن الحمض النووي لمستثمرين رأسمال المخاطر يركزون على نمو الشركات بأحجام غير طبيعية قد تصل إلى %100 شهريا.
وقالت إن “فجوة الثقة” بين رائدات الأعمال والمستثمرين تمثل تحديًا كبيرًا أمام السيدات، خاصة أن شركات رأسمال المخاطر غالبا ما تولي الاهتمام الأكبر والتركيز الأساسي على قدرة رائد الأعمال على التطوير المالي للشركة.
وأكدت أن ريادة الأعمال في قطاع التكنولوجيا ما زالت أقل جاذبية عن القطاعات الأخرى بالنسبة للسيدات، وأن معظم العاملين فيه من المبرمجين الذكور، مشيرة إلى أن معظم السيدات من رواد الأعمال يفضلن العمل في المشروعات التعليمية والاجتماعية أو الطبية ويبرعن فيها، ويجدن أنها الأنسب لطبيعتهن.
ورأت أن الاهتمام بدور المرأة في قطاع التكنولوجيا بدأت خلال العامين الماضيين، وأصبح هناك يوم المرأة في التكنولوجيا وتقوم عدة جهات معنية في الدولة، وعلى رأسها “إيتيدا” بتقديم برامج ومبادرات مهمة لتطوير مهارات السيدات التقنية والبرمجية، وهو الأمر الذي سيؤدي تلقائيًا إلى زيادة حصة رائدات الأعمال في هذا المجال.
وأشارت إلى أنه خلال السنوات الخمس الماضية تغيرت ملامح المشهد التمويلي للشركات الناشئة، لتكون في صالحتمكيندور السيدات من رائدات الأعمال ومساعدتهنعلى إطلاق العنان لقدراتهن وذلك من خلال وجود نظام بيئي داعم، خاصة أن المستثمرين حاليا أصبحوا يعطون الأولوية للربحية وليس حجم النمو المطرد كما كان سابقا، إضافة إلى دخول عامل “الحوكمة البيئية والاجتماعية” كمعيار رئيسي ضامن لاستثمارات مسئولة من الناحية الاجتماعية أكثر إنصافًا وشمولًا، وبالتالي أصبح الممول يأخذ بعين الاعتبار التوازن النوعي في محفظة استثماراته من خلال دعم مشاركة المرأة في ريادة الأعمال.
وأوضحهشام عبد الغفار، الشريك المؤسس لصندوق «مينا جوروس» لرأسمال المخاطر، أن اقتناص الجولات التمويلية ما زال مجالا يهيمن عليه الذكور بسبب قلة أعداد رائدات الأعمال في مصر، خاصة أن هناك العديد من التحديات تمنع النساء من تحقيق إمكاناتهن في مجال إدارة المشروعات بشكل كامل، على رأسها التوقعات المجتمعية والأدوار التقليدية لكلا للجنسين التي تشكل في أحيان كثيرة ضغوطًا إضافية على النساء.
ولفت “عبد الغفار” إلى أن رائد الأعمال في بداية تأسيس شركته يحتاج لأن يعمل لمدة لا تقل عن 12 ساعة يوميا لفترة تتراوح من 5 إلى 7 سنوات بحد أدنى.
وكشف أن معظم رائدات الأعمال أجبرتهن الظروف الحياتية على افتتاح مشاريعهن الخاصة، وذلك بسبب قلة فرص العمل والرواتب غير المجزية والموارد المالية التي لا تكفي احتياجاتهن أو أن الوظيفة التقليدية أقل من طموحاتهن وبالتالي تبدأ رحلتها في مجال ريادة الأعمال بافتتاح مشروعها الخاص.
وأكد أن مشهد ريادة الأعمال في مصر تغير خلال السنوات القليلة الماضية وأنهن بالفعل يغيرين مشهد عالم الأعمال اليوم بدرجة كبيرة، مستشهدًا بتجربته في تدريس وتدريب رائدات الأعمال، ضمن برنامجShe Canالذي تقدمه الجامعة الأمريكية.
وأوضح أن برنامج “هي تستطيع” بدأ منذ 3 سنوات وهدفه تحسين الوصول إلى التمويل والموارد، وإنشاء نظام بيئي داعم، وأنه خلال هذه الفترة شهد إقبال أعداد متزايدة من النساء، كما أن نوعية المشاريع المقدمة تطورت للأفضل خلال وقت قصير.
وأوضح أن الاستثمار في شركات التكنولوجيا هي الأكثر جذبًا لصناديق رأسمال المخاطر، لأن عوائدها المالية مضمونة وتعد صفقات رابحة، عكس تمويل مجالات التصنيع التي تحتاج لصبر ومجهود مضاعف، كما أنه مخاطره عالية نسبيا – علي حد تعبيره.
ولفت إلي أن المستثمرين في هذا المجال لا بد أن يكون لديهم خلفية فنية، على سبيل المثال المستثمر الذي يضخ أمواله لتصنيع دواء جديد غالبًا سيكون لديه نفس الخلفية التعليمية التي تمكنه من تقييم مدى قدرة المشروع توليد إيرادات وتلبية احتياجات حقيقة للسوق.
وقالت الدكتورةهبة زكي، مدير مركز مصر لريادة الأعمال والابتكار التابع للمعهد القومي للحوكمة والتنمية المستدامة بوزارة التخطيط، إن الفيصل الرئيسي في الحصول على جولات تمويلية من شركات رأسمال مخاطر هو مدى صلاحية فكرة المشروع والاستراتيجية المستقبلية وإمكانات النمو خاصة في المراحل الأولى.
وأوضحت أن معظم رائدات الأعمال لديهن فرصهن أقل في الحصول على جولات تمويلية بسبب تشكك يكون أحيانا غير مدروس من قبل بعض المستثمرين، إذ يتخوفون من مدى جديتها والتزامها بمشروعها، ولكن على الجانب الآخر هناك قطاع من المستثمرين المستنيرين الذين يحرصون على تنويع محفظتهم الاستثمارية، ويدعمون الشركات الناشئة تحت قيادة النساء.
وأكدت أن مركز مصر لريادة الأعمال والابتكار في المركز يقدم ورش العمل والتدريب والبرامج والدعم لكلا الطرفين من الشباب، للذكور والإناث، بالتساوي مع الاهتمام بتنمية مهاراتهم ومشاركتهم في الفاعليات المختلفة التي تكون ملتقى رواد الأعمال بالمستثمرين الذين يقومون بفحص أولي كي يحددوا ما إذا كانت تلاقي معايير استثماراتها.
وشددت على ضرورة أن تتحلى رائدة الأعمال بالثقة والجرأة والمشاركة المستمرة في العروض التقديمية أمام المستثمرين لعرض لمحة عامة عن الشركة أو الفكرة التي تقوم عليها والمنتجات والخدمات التي تقدمها، مع توضيح كيفية تلبيتها لحاجة محددة في السوق وملخص عن الوضع المالي، لافتة إلى أهمية أن تستمع رائدة الأعمال إلى وجهات نظر المستثمرين وهو ما يساعدهم على اقتناص حصص تمويلية أفضل مستقبلا.
وأكدت أن معظم رأس المال الجريء يفضل الاستثمار في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن غيره من المجالات بسبب سرعة الدورة الرأسمالية وبالتالي الحصول على الأرباح والعوائد يكون أسرع من باقي القطاعات التي تحتاج لمزيد من الجهد والصبر.
بينما قالت الدكتورةداليا إبراهيم، رئيس مجلس إدارة “نهضة مصر” إن رائدات الأعمال تحصلن على فرص تمويلية أقل عكس حظ أقرانهم من الذكور بسبب مجموعة عوامل مرتبطة ببنية النظام الاقتصادي والاجتماعي، منها التحيز على أساس النوع، حيث يواجهن تحديات في الوصول إلى شبكات العلاقات والموارد المالية، إضافة إلى التصورات النمطية والمفاهيم القائمة على النوع التي تؤثر على قرارات المستثمرين.
واستطردت: رغم ازدياد الاستثمارات في البيئة الريادية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا تزال فرص النساء في تأسيس الشركات الناشئة دون المستوى المطلوب، حيث تحصل السيدات على 2% فقط من إجمالي قيمة الاستثمارات وذلك وفقًا لأرقام عام 2022.
وأكدت أن هذه الاتجاهات تتشابه ما نشهده في مختلف أنحاء العالم، حيث تهيمن الشركات الناشئة التي يرأسها الرجال على الغالبية العظمى من قيمة الاستثمارات والصفقات، مستشهدة بدراسة حديثة تمت في الولايات المتحدة الأمريكية للعام 2023 أفادت بأنالفجوة بين الجنسين مستمرة في مجال ريادة الأعمال الصغيرة، حيث تشكل النساء %25 فقط من أصحاب الأعمال الصغيرة، بينما يُشكل الرجال %75 المتبقية.
وتابعت أنه على الرغم من هذا الاستثمار الضعيف لكن الدراسات والواقع يؤكدان كفاءة السيدات العالية كرائدات أعمال، فوفقا لدراسة نشرتها مجموعة بوسطن للاستشارات نجد أن الشركات الناشئة التى تقودها سيدات بتعمل بكفاءة أعلى بنحو %63 من الشركات التي تديرها رواد الأعمال، منوهة أن شركات السيدات تحقق عائدا استثماريا أكبر من تلك المدارة بواسطة الذكور بنسبة %35.
وتطرقت أيضا إلي دراسة أخري أجرتها مؤسسة هارفارد بيزنس تشير إلي أن السيدات يتفوقن على الرجال فيما يتعلق بالمهارات القيادية، مثل مهارات التواصل والعمل الجماعي وحل المشكلات.
وأكدت أن هذا ما تؤمن به مؤسسة «نهضة مصر» وتترجم إلى أفعال فمنذ إطلاقذراع نهضة مصر الاستثمارى «EdVentures» قامت الشركة بالاستثمار ودعم لأكثر من شركة رائدة تقودها سيدة مثل شركة “انتربرنيل” وهي منصة إلكترونية تعمل علي دعم السيدات عن طريق تقديم ورش عمل وبرامج تدريب فى مختلف المجالات تساعدهم في تنفيذ المشاريع الخاصة بهم، وقد دعمت هذة المنصة ما يقرب من 100 ألف شابة وسيدة على مدار السنوات الست الماضية.
وقالت إن شركتها قامت بدعم شركة أخرى تقودها سيدتان وهي “ممكن” والتي توفر فرص عمل للسيدات الذين يريدون دخول سوق العمل بعد سن الـ30.
ولم يتوقف دعمنا عند هذا الحد، بل واصلنا تقديم التمويل والدعم لعدد من الشركات الناشئة التي تضمّ في مؤسسيها سيدات، أن تنوع الفرق وإتاحة الفرص للجميع هو السبيل لخلق بيئة إبداعية وفعّالة، فنحن نسعى جاهدين لتمكين رائدات الأعمال.
وذكرت أنه على المستوى المؤسسي فإن %40 من المناصب العليا فى “نهضة مصر” تتقلدها سيدات، وذلك لأن الاختيار عندنا بالدرجة الأولى يعتمد على الكفاءة وليس على الجنس.
واختتمت كلامها قائلة: إن تحديث القوانين والسياسات لتعزيز التكافؤ بين الجنسين وزيادة الوعي وتثقيف المستثمرين والمجتمع بشأن أهمية تمويل المشاريع النسائية، يمكن أن يسهم في تقليل هذا الفجوة وتعزيز فرص نجاح النساء في مجال ريادة الأعمال، ويمكن التعامل مع هذا التحدي من خلال إنشاء صناديق وشركات استثمار مغامر تركز على تمويل الشركات التي تقودها سيدات، وضم المزيد من النساء إلى صناديق وشركات الاستثمار، وإنشاء برامج وحاضنات ومسرعات مخصصة لدعم المؤسسات التي تقودها سيدات.
هبة زكي: المشاركة فى الفعاليات والعروض التقديمية ضرورة
داليا إبراهيم: شركات السيدات تحقق عائد استثمارات أكبر بنسبة %35
كريمة الحكيم: الذكور أكثر جرأة فى طرح المستهدفات
«هشام عبد الغفار»: الظروف الحياتية أجبرتهن على افتتاح مشروعاتهن الخاصة
