ضغطت أزمة البحر الأحمر على كافة الدول المتأثرة منها بشكل مباشر، وأدى ذلك إلى استحداث طرق بديلة لتقليل تداعيات الأزمة على حركة التبادل التجارى بين الدول، واستمرار سلاسل الإمداد.
عملت الحكومة المصرية فور تصاعد وتيرة أزمة البحر الأحمر بداية العام الجاري، على تشغيل الخط الملاحى العربى القائم على إضافة مسارات جديدة لربط دول الخليج بمصر عن طريق الأردن والعراق، ثم تصدير السلع القادمة منها إلى أوروبا وأمريكا من خلال موانئ مصر على البحر المتوسط.
المسار العربى يمر بموانئ (العقبة الأردنى – ميناء نويبع المصري) ثم بعدد من الموانئ المصرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وهى (الإسكندرية وبورسعيد ودمياط )، وسيوفر وفقًا لبيانات وزارة النقل المصرية، عملية نقل الصادرات الأردنية المتجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
وقال مسؤول فى شركة الجسر العربى اللاعب الرئيسى فى تشغيل الخط، أن عددًا من الخطوط الملاحية يتفاوض حاليًا مع الشركة لنقل الحاويات من خلال ميناء العقبة، وصولا للموانئ البحرية المصرية، للنقل إلى للدول الأوروبية.
وطبقًا لبيانات وزارة النقل، فإن الخط العربي، يُعد جزءًا من خط تجارة عربى لوجستى متكامل ومتعدد الوسائط، برى وسككى ونهرى وبحري، إذ يجرى تنفيذ 7 ممرات لوجستية تنموية دولية تربط ميناءى نويبع وطابا على خليج العقبة بميناءى العريش وشرق بورسعيد، ومنها إلى كافة الموانئ المصرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
وقال عمرو بطة، رئيس مجلس إدارة شركة القبطان الملاحة بالبحر الأحمر، إن الخط العربى الجديد يخدم حركة نقل البضائع بين دول الخليج ومصر وأوروبا، بينما لا يخدم التجارة المنقولة من الصين وشرق آسيا إلى أوروبا.
وأشار «بطة» إلى أن هناك نوعًا من البضائع لا يمكن نقلها على الخط بريا مثل البترول والغاز، ولا يمكن أن تستوعب الشاحنات حجم الكميات المنقولة من البضائع والحاويات بأنواعها على متن السفن العابرة للقناة.
فى منتصف يناير الماضي، أرجأت قطر مؤقتًا إرسال ناقلات الغاز الطبيعى المسال عبر مضيق باب المندب بعدما أدت الغارات الجوية التى تقودها الولايات المتحدة على أهداف الحوثيين فى اليمن إلى زيادة المخاطر فى الممر المائى الحيوي.
من جانبه، كشف القبطان محمد أبو حشيش وكيل الخط الملاحى اليابانى، أن توترات باب المندب أدت إلى نقص شديد فى أعداد السفن وارتفاع نوالين الشحن بشكل غير مسبوق، كما أن كل الخطوط الملاحية العاملة بين شرق أسيا والخليج والسخنة صادر ووارد لا تعمل بكل طاقتها.
وكشف عن تراجع حجم الخدمات الملاحية وتأثر شركات الخدمات نظرًا لانخفاض سفن العبور، لافتًا إلى أن النقل البرى بين سفاجا - ضبا ونويبع - العقبة بجانب الطرق البحرية تعمل منذ زمن طويل، ولا تغنى عن قناة السويس.
كشف مصدر بالخط الملاحى CMA، أنه رغم أن أكثر الخطوط لا تعمل مع إسرائيل إلا أن تزايد المخاطر وارتفاع تكاليف التشغيل وسلامة البحارة دفعت الكثير منها للتعامل عبر المسار العربى الجديد كبديل مؤقت لنفاذ البضائع إلى أوروبا.
ويرى اللواء إيهاب البنان، رئيس مجلس إدارة شركة كلاركسون، أن المسار الجديد لن يفى باحتياجات وحجم البضائع المنقولة بين الأردن وأوروبا مرورًا بمصر، مشيرًا إلى أن النقل البحرى مازال الوسيلة الوحيدة الأقل تكلفة فى نقل البضائع.
وقال إن الخطوط الملاحية بصدد مراجعة قرارات تحولها لـ”الكيب تاون» وتقييم موقف الملاحة بالبحر الأحمر، نظرًا لارتفاع التكاليف وزيادة المدة الزمنية لوصول الرحلة لوجهتها الأخيرة، لافتًا إلى أن قناة السويس توفر 14 يومًا من زمن الرحلة لأوروبا، وهو ما يعنى توفير تكلفة الوقود التى تعد من أهم عناصر تكاليف تشغيل السفينة.
بدوره أوضح محمد كامل، مدير عمليات التشغيل بأحد الخطوط الملاحية، أن المحاولات لإيجاد بديل عن قناة السويس لا تؤتى ثمارها، بل أدت إلى ارتفاع تكلفة أسعار السلع المنقولة.
تشهد سلاسل الإمداد مزيدًا من الاضطرابات منذ أواخر ديسمبر الماضي، واضطرابات قوية بسبب تصاعد هجمات الحوثيين على حركة الشحن بالبحر الأحمر، حيث كشف تقرير صادر عن شركة Drewry –المتخصصة فى أبحاث الشحن البحري- أن العام الجارى سيؤدى إلى ازدحام الموانئ ونقص المعدات، مما يعرقل سلاسل التوريد العالمية.
وأشار التقرير إلى ارتفاع حركة العبور بطريق «رأس الرجاء الصالح» بنسبة 168% بعد تجنب الخطوط الملاحية المرور بـ”قناة السويس» علمًا أن المسافة من سنغافورة إلى روتردام عبر رأس الرجاء الصالح دون أى توقفات هى أطول بحوالى 3600 ميل بحرى مقارنة بالقناة.
وقال المهندس وائل قدور، عضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس الأسبق لـ«المال»، إن استمرار تجنب السفن لقناة السويس سيزيد تكاليف شحن الحاويات، مشيرا إلى أن هناك تخوفات من تكيف تلك السفن مع طريق رأس الرجاء الصالح، والاعتماد عليه كطريق رئيسي، رغم طول مدة الإبحار.
وتابع: أنه من الضرورى أن تمنح هيئة قناة السويس نسب تخفيض كبيرة للسفن العابرة كمساهمة لتقليل تداعيات أقساط تأمين مخاطر الحرب بمنطقة البحر الأحمر.
ومن ناحيته، قال محمود قطب، مدير إدارة المبيعات والتطوير سيفا لوجيستيكس مصر، إن أزمة البحر الأحمر رغم أنها تسببت فى زيادة التكاليف والأسعار فإن الخطوط الملاحية استغلت الاضطرابات ورفعت نوالين الشحن من 1800 دولار للحاوية 40 قدم إلى 8000 دولار من ميناء شنغهاى الصينى إلى روتردام الهولندي، على سبيل المثال.
وقال «قطب» إن اختيار مسار بديل لقناة السويس أطال زمن الإبحار 15 يومًا إضافية، خاصة أن كل المصنعين فى أوروبا فى حالة انتظار المواد الأولية والخامات، ومن ثم حدث ارتباك فى سلاسل الإمداد.
اقترحت شركة Drewry –المتخصصة فى أبحاث الشحن البحري، أن تزيد الخطوط الملاحية من سرعة السفن بأكثر من 5 عقدة عند عبور «رأس الرجاء « فى محاولة لتقليل مدة الإبحار، رغم أنه سيؤدى إلى تكاليف إضافية كبيرة، وزيادة بنسبة 21٪ فى إجمالى تكلفة الرحلة، متوقعة استمرار تلك الأزمة لأشهر قادمة.
وعن أكثر الخاسرين قال «قطب» إن شركات مرحلى البضائع أكثر تضررًا من تلك التوترات نتيجة تراجع حجم التجارة والنقل الأمر الذى ينتهى بخروج بعض الكيانات من القطاع.
وقال «قطب» أن قطاع السيارات من أبرز القطاعات تضررًا، خاصة أن معظم دول أوروبا لا تنتج قطع الغيار معتمدة على مصانعها فى الشرق الأقصى، وتأخير وصول السفن أثر سلبًا على كميات الطلب فى ظل قرب انتهاء المخزون، مشيرا إلى أن الأزمة خلقت حلولًا بديلة، ولكنها مكلفة للغاية وهى المسارات البرية بين دول الخليج ونقلها إلى الموانئ المصرية، ومنها إلى أوروبا.
كان رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، كشف عن أن معدل مرور السفن من قناة السويس انخفض فى يناير الماضى بنسبة %36 على أساس سنوي، وتراجعت الإيرادات بنسبة %46 إلى 428 مليون دولار بنهاية يناير الماضى مقارنة بإيرادات القناة فى نفس الشهر من عام 2023، والتى سجلت 802 مليون دولار.
ومن ناحيته، أوضح دكتور تامر أنور، مدير إدارة اللوجستيات بشركة كابسى ومستشار اللوجستيات وسلاسل الإمداد بالمنطقة الصناعية ببورسعيد، أن الأزمة الحالية فاقت مخاطر أزمة جائحة كورونا، خاصة أن الخطوط الملاحية المنتظمة توقفت عن العبور بمنطقة البحر الأحمر، مما تسبب فى ارتباك كبير فى جداول الإبحار مواعيد وصول البضائع.
وقال «أنور» إن الخطوط العاملة حاليًا بمنطقة البحر الأحمر هى السفن الجوالة -وهى سفن ليس لها مواعيد إبحار محددة، وتذهب حيث تكون شحنة البضائع مناسبة لها-، مشيرًا إلى أن السوق حاليًّا تواجه أزمة فى نقل الحاويات المبردة لارتفاع تكاليف الشحن، والتى تعد أعلى من قيمة البضائع.
وتوقع مدير إدارة اللوجستيات، حدوث أزمة توفير الحاويات فى السوق الملاحية، مع تضرر كبير للموانئ البحرية المطلة على البحر الأحمر بنهاية الربع الأول من العام الحالي.
أحد رؤساء شركات الحاويات الوطنية، أوضح أن الموانئ المصرية تواجه أزمة خلال الفترة الأخيرة، موضحًا أن بعض المحطات تستقبل سفينة حاويات كل أسبوع نتيجة نقص التجارة المتداول عالميًّا من ناحية، بالإضافة إلى زيادة حدة المنافسة محليًا وعالميًا من ناحية أخرى فى مناطق بعينها خاصة شرق البحر المتوسط.
وأضاف أن الأزمة الأخيرة بمنطقة باب المندب أدت إلى اضطرابات فى جداول الإبحار للخطوط الملاحية، بالإضافة إلى اضطراب فى باقى سلسلة التوريد، إذ أعلنت العديد من الخطوط الملاحية عن تعديلات فى جدول إبحارها من ناحية، وألغت بعض الخدمات من ناحية أخرى.
من جهته، قال الدكتور سعيد العرجاني، استشارى تصدير، إلى أن الأزمة الأخيرة بمنطقة باب المندب زاد تأثيرها بشكل غير مسبوق، وكان التأثير واضحًا فى أسعار النوالين، والتى زادت فى جميع الخطوط من 150 - %200.
وأكد أنه يمكن استغلال عدد من الدول القريبة من إفريقيا لإنشاء ما يُعرف بميناء محورى «HUB» لنقل البضائع المصرية إليه، ثم نقله إلى باقى الدول الأفريقية التى تستهدفها مصر.
من جهته، أوضح أحمد شوقي، رئيس لجنة الشحن والتفريغ بغرفة ملاحة الإسكندرية، أن الأزمة المستمرة فى منطقة باب المندب أثرت على أسعار الشحن بشكل كبير، وهو ما يقترب أو يزيد عن معدلات فترة كورونا، وهو ما سيكون له تأثيرات على أسعار السلع خلال الفترة القليلة المقبلة.
وتابع شوقي: وجود انخفاضات فى معدلات التداول بالعديد من الموانئ المصرية، وتداعيات ذلك ظهر فى تراجع أداء شركات الشركات المستوردة للحبوب.
مصدر حكومي: كيانات شحن كبرى تفاوض «الجسر العربي» لايصال الحاويات من العقبة الى موانئ البحر المتوسط
عاملون فى القطاع: استمرار أزمة البحر الأحمر ستؤدى إلى ازدحام مفاجئ للمرافئ ونقص المعدات
