يتحوط القطاع المصرفى فى الوقت الراهن عند منح الائتمان لقطاعات بعينها على رأسها قطاعى العقارات والأسمدة، نظرًا لكونهما الأكثر تأثرًا بتقلبات سعر الصرف، وهو ما يجعل تمويلها مسألة محفوفة بالمخاطر، بحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ «المال».
وأضافت المصادر أن صناعة الأسمدة لم يتم وقف الائتمان الممنوح لها من البنوك، وإنما صارت البنوك شديدة التحوط فيما يتعلق بتمويل تجارة الأسمدة وليس نشاط الصناعة ذاته، نظرًا لكونه واحدًا من مصادر النقد الأجنبى.
المكون الدولاري
وأكد محمد عبد العال الخبير المصرفى، أن القطاعات الأكثر خطورة من جهة منح الائتمان أو التى تتحوط البنوك عند اتخاذ قرار منحها هى تلك التى قد تحتاج إلى قروض بالعملة الأجنبية.
وأضاف أن القطاعات التى تستلزم استيراد قطع غيار من الخارج أو فيما يتعلق بمستلزمات الإنتاج كذلك.
وأوضح أن القطاعات الأكثر خطورة هى تلك التى تعانى بشكل أكبر من أزمة شح الدولار، فيما ستعمد البنوك إلى الإحجام عن تمويل المشروعات التى قد تحتاج فى مسيرة عملها إلى سيولة دولارية.
وأشار إلى أن القطاع وإن كان من بين هذه القطاعات الأكثر خطورة إلا أن المشروعات العقارية الكبرى، مثل مشروع رأس الحكمة على سبيل المثال، سيتم توفير السيولة الدولارية اللازمة لها عبر ضخ مباشر من المساهمين الأجانب.
وذكر «عبد العال» أنه من بين الأمور التى تجعل من قطاعات بعينها الأكثر خطورة بالنسبة للبنوك، كون تمويلها أو منح الائتمان لها سيضغط، فى نهاية المطاف، على الملاءة المالية لهذه البنوك، وهو ما يجبرها على وضع مخصصات عالية، وهو الأمر الذى سيضغط على أرباح هذه المصارف، ويؤثر عليها سلبًا.
وذكر أنه من أجل التعاطى مع هذه التحديات قد تلجأ البنوك إلى رفع رءوس أموالها، فى حال قيامها بمنح تسهيلات ائتمانية لهذه القطاعات عالية المخاطر فى الوقت الراهن، أو وقف منح الائتمان لها من الأساس.
وقالت سهر الدماطى الخبيرة المصرفية، عضو مجلس إدارة بنك التعمير والإسكان، إن القطاع المصرفى صار شديد التحوط فى كل القطاعات التى يتطلب منحها مكونًا دولاريًا، لا سيما فى ظل شح المعروض النقدى من العملة الصعبة.
وأضافت أن هناك بعض القطاعات يدخل فيها المكون الدولارى بنسبة تتخطى الـ %45 مثل: الحديد، الكابلات، والمصاعد، ومن ثم تتحوط البنوك عند منحها قروضًا سواءً بالعملتين المحلية أو الأجنبية.
التضخم ومخاطر التمويل الاستهلاكي
وإلى الرأى ذاته، ذهب محمد بدرة الخبير المصرفى وعضو مجلس إدارة أحد البنوك الخليجية، من حيث كون القطاعات التى يتطلب تمويلها مكونًا دولاريًا هى الأكثر خطورة، بيد أنه لفت إلى مسألة أخرى، وهى تلك المتعلقة بتمويلات الأفراد.
وأوضح أنه فى ظل جموح معدلات التضخم وانفلات الأسعار، وزيادة الأعباء المعيشية على الأفراد، قد يكون من العسير جدًا على هؤلاء الأفراد المقترضين – سواءً من البنوك أو شركات التمويل الاستهلاكى – الوفاء بالتزاماتهم المالية لدى البنوك أو الشركات سالفة الذكر.
وسجل الرقم القياسى العام لأسعار المستهلكين للحضر، الذى أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مطلع فبراير الحالى، معدلا شهريا بلغ %1.6 فى يناير الماضى مقابل %4.7 فى الشهر ذاته من العام السابق ومعدلا شهريا %1.4 فى ديسمبر الماضى.
فيما سجل الرقم القياسى الأساسى لأسعار المستهلكين، المعد من البنك المركزى، معدلا شهريا بلغ %2.2 فى يناير الماضى مقابل %6.3 فى للشهر ذاته من العام السابق و%1.3 فى ديسمبر 2023.
وعلى صعيد أرصدة التمويل الاستهلاكى، فقد ارتفعت أرصدته، بحسب تقرير الهيئة العامة للرقابة المالية، بنحو %61.4، مسجلًا 43.321 مليار جنيه خلال 11 شهرا المنتهية فى نوفمبر الماضى، مقابل 26.840 مليار بالفترة المناظرة.
فيما ارتفع إجمالى عدد العملاء بنسبة %22.8 إلى 3.128 ألف ، فى الفترة يناير – نوفمبر 2023، مقابل 2.546 ألف عميل بالفترة المقارنة، بحسب التقرير الشهرى الصادر عن «الرقابة المالية".
النمو الحقيقى لأرباح البنوك
من جانبه، أكد محمد بدرة الخبير المصرفى، أن التحوط فى منح الائتمان لقطاعات بعينها لن يؤدى، فى نهاية المطاف، إلى تقلص محافظ التسهيلات الائتمانية للبنوك، معللًا رأيه باستمرار وجود الحاجة إلى الاقتراض من الشركات والمؤسسات المالية العاملة فى السوق المحلية.
وأشار إلى أن تعاظم أحجام محافظ الائتمان لدى البنوك لن يعكس نموها الحقيقى، خاصة فى ظل تنامى معدلات التضخم وتقلبات سعر الصرف وخلافه، مبينًا أنه إذا أردنا الوقوف على معدل النمو الحقيقى لأرباح بنك من البنوك أو حتى محفظة من محافظه فلا بد أولًا من استبعاد تأثير التضخم وتقلب سعر الصرف.
وارتفعت أرصدة الإقراض بالبنوك - بخلاف البنك المركزي- إلى 5.101 تريليون جنيه بنهاية أكتوبر 2023، مقابل 5.018 تريليون بنهاية سبتمبر الماضى.
فيما سجلت قروض الحكومة 2.260 تريليون جنيه بنهاية أكتوبر الماضى، وسجل إجمالى القروض بالعملة المحلية نحو 1.223 تريليون، بينما سجلت 1.036 تريليون بالعملة الأجنبية.
وسجل إجمالى القروض الموجهة لغير الحكومة نحو 2.840 تريليون جنيه بنهاية أكتوبر الماضى، والقروض بالعملة المحلية 2.382 تريليون، فيما بلغت بالعملة الأجنبية 457.8 مليار.
وشهدت أرصدة التسهيلات الائتمانية، بحسب البنك المركزى، زيادة طفيفة لترتفع من 5.098 تريليون جنيه خلال سبتمبر إلى 5.179 تريليون فى أكتوبر الماضى.
وارتفعت أرصدة التسهيلات الائتمانية للحكومة إلى 2.31 تريليون جنيه فى أكتوبر مقابل 2.27 تريليون بنهاية سبتمبر الماضى، فيما سجلت أرصدة التسهيلات الائتمانية لغير الحكومة نحو 2.86 تريليون بنهاية أكتوبر مرتفعة من 2.82 تريليون بآخر سبتمبر الماضى.
أما محمد عبد المنعم الخبير المصرفى فيؤكد أن كل بنك يحدد القطاعات مرتفعة المخاطر بالنسبة له، وذلك عبر قطاع المخاطر لديه، وبالتالى يشرع فى تحجيم الائتمان الممنوح لها، كما يحدد القطاعات التى لا زالت آمنة أو قليلة المخاطر، ومن ثم يعمد إلى التوسع فى منح الائتمان لها.
