ينفق الاتحاد الأوروبى ثلث ميزانيته تقريبا على دعم المزارعين فى دول التكتل، لكن هذا لم يمنعهم من غزو شوارع أشهر مدن القارة بجرارتهم احتجاجا على ما يعتبرونه «حصارا فى نظام يسحقهم».
على مدار عدة أسابيع، وفى وتيرة تصاعدية، ضجت الميادين الرئيسية والشوارع الشهيرة فى مدن فرنسا وبلجيكا ورومانيا وألمانيا وإسبانيا واليونان وبولندا وهولندا ولاتفيا ودول أوروبية أخرى، بآلاف المزارعين الذين ألقوا السماد، وأشعلوا النار فى القش، ورشقوا الشرطة بالبيض.
يرى المزارعون أنهم يعملون بلا مقابل، إذ أن حزمة الدعم التى يتفاخر زعماء القارة بتخصيصها والبالغة 436 مليار دولار خلال الفترة (2021 - 2027) مربوطة بشروط مناخية صعبة ومعقدة، وهى أقرب من كبار ملاك الأراضى وشركات الصناعات الزراعية.
يشكو المزارعون سنوات من التهميش لحقيقة أوضاعهم، فى مقابل أجندات لامعة يتبادلها ساسة التكتل، وتضع الأولوية لدعم أوكرانيا وفتح الباب أمام منتجاتها الزراعية الرخيصة، وكبح التضخم لحماية المستهلكين فى المدن، وتشجيع اتفاقيات التجارة الحرة، وتقييد الممارسات الزراعية التقليدية التى ينتج عنها انبعاثات مضرة للبيئة.
يحدث هذا فى وقت تتزايد فيه مديونيات الفلاحين، وترتفع تكاليفهم بسبب الطاقة مرتفعة الثمن والأسمدة الأغلى، وسط أسعار متقلبة لمحاصيلهم وتشريعات مرهقة ومنافسة غير عادلة.
فاجأت شراسة الاحتجاجات، الحكومات الأوروبية، فقد هدد المزارعون بفرض حصار على باريس، وأغلقوا ميناء زيبروج فى بلجيكا وأغلقوا شوارع فى روما وميلانو فى إيطاليا.
ورغم أن العمال الزراعيين لا يشكلون سوى نحو %4 من السكان العاملين فى الاتحاد الأوروبى (يعملون فى 9.1 مليون مزرعة تستحوذ على %37.8 من مساحة أراضى التكتل)، إلا أن احتجاجاتهم لقيت رد فعل سريعا ــ وغير محسوب كما يقول النقاد ــ من الساسة فى بروكسل وخارجها.
تعطيل التجارة الحرة مع أمريكا اللاتينية
فى أبرز رد فعل يستهدف استرضاء المزارعين، قام الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بتصعيد معركته ضد اتفاقية التجارة الحرة التى تحاول بروكسل إبرامها مع كتلة ميركوسور فى أمريكا اللاتينية، مما أحبط حكومات الاتحاد الأوروبى الأخرى التى تدعم إنشاء منطقة تجارة حرة تضم ما يقرب من 800 مليون شخص.
ويرى تقرير لصحيفة “بوليتكو” أن أخذ السياسة التجارية للاتحاد الأوروبى رهينة فى محاولة لاسترضاء المزارعين الفرنسيين - المعترضين على الواردات المستقبلية من لحوم الأبقار البرازيلية - لا يجدى نفعاً فى عواصم الاتحاد الأوروبى الأخرى.
ويتناقض الموقف الفرنسى من الميركوسور مع الموقف الألمانى، إذ قال المستشار الألمانى أولاف شولتس: “أعتقد أننا جميعا متفقون على أننا بحاجة إلى مثل هذه الاتفاقات”.
وأعلن مكتب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أواخر يناير إنه أبلغ المفوضية الأوروبية أنه من المستحيل استكمال مفاوضات الاتفاق التجارى مع كتلة ميركوسور فى أمريكا الجنوبية، ويدرك أن الاتحاد الأوروبى قد وضع حدا للمحادثات، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
واعترض المزارعون الفرنسيون على وجه الخصوص على المحادثات الجارية بشأن اتفاق تجارى بين الاتحاد الأوروبى ودول ميركوسور، والذى يقولون إنه سيسمح بواردات غذائية رخيصة لا تلبى معايير الاتحاد الأوروبى الصارمة.
وأعربت فرنسا مرارا وتكرارا عن تحفظاتها بشأن اتفاق الاتحاد الأوروبى وميركوسور، الذى تم الاتفاق على نصه فى عام 2019 بعد 20 عاما من المفاوضات المتقطعة، ويؤيد العديد من أعضاء الاتحاد الأوروبى الآخرين الاتفاق.
واستؤنفت المحادثات بعد أن سعى الاتحاد الأوروبى للحصول على ضمانات بشأن تغير المناخ وإزالة الغابات من دول ميركوسور، وهو اتحاد جمركى شكلته البرازيل والأرجنتين وأوروجواى وباراجواى.
وفى البرازيل، قال دبلوماسيون إن ماكرون يتعرض لضغوط للدفاع عن القضايا الزراعية الفرنسية وإن وجهات نظره لا تمثل آراء المفوضية الأوروبية، ومن المتوقع أن تستمر المحادثات فى الأشهر المقبلة.
الاعتصام بالانتخابات.. تأثير فعال فى تحجيم السياسيين
يخشى صناع السياسات فى الاتحاد الأوروبى من أن التحرك المستمر أو الأكثر دراماتيكية من جانب المزارعين يمكن أن يصب فى مصلحة اليمين المتطرف، الذى من المتوقع بالفعل أن يحقق مكاسب كبيرة فى الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبى التى ستجرى فى يونيو.
وتشعر فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، فضلاً عن السياسيين الآخرين الذين يسعون إلى إعادة انتخابهم، بقلق متزايد من أن يتحول المزارعون إلى عدائيين فى صناديق الاقتراع ويصوتون فى أحزاب اليمين المتطرف، بدلاً من قوى يمين الوسط التى يدعمونها تقليدياً.
ويتنامى الشعور بأن القواعد البيئية التى تريدها بروكسل تغذى تصورا مفاده أن صناع السياسات فى المناطق الحضرية يتجاهلون المناطق الريفية، وهو الشعور الذى سعى اليمين المتطرف إلى الاستفادة منه بالفعل فى الفترة التى تسبق الانتخابات.
وقال عضو البرلمان الأوروبى الإسبانى جوردى كانياس من مجموعة تجديد أوروبا إن المفوضية والدول الأعضاء “تخفف أو تعدل السياسات الخضراء لسبب واحد: نحن على بعد بضعة أشهر من الانتخابات الأوروبية”.
وقال ألبرتو أليمانو، الأستاذ فى جامعة باريس للأعمال:” من المقرر أن تهيمن مسألة المزارعين على المنافسة الانتخابية قبل انتخابات البرلمان الأوروبى عام 2024، ومن المتوقع أن تصبح واحدة من القضايا الأوروبية القليلة التى ستتنافس عليها مختلف الأحزاب”.
وتابع:”إن الدورة السياسية المقبلة للاتحاد الأوروبى (2024 - 2029) ستكون بلا شك أقل التزاما بأهداف المناخ إلى حد التشكيك فى تنفيذ الصفقة الخضراء الجديدة [البرنامج الرائد فى أوروبا نحو حياد الكربون] وإبطاء فصولها التالية مثل تمديد الاستدامة، وقال أليمانو أيضا أن الاحتجاجات الأخيرة “مجرد مقدمة لمزيد من الاشتباكات المقبلة”.
تنازلات مؤلمة فى الأجندة المناخية
تهدف قواعد الاتحاد الأوروبى إلى جعل الزراعة أكثر صداقة للبيئة، ولكن يقول المزارعون إنها يتم تطبيقها بسرعة كبيرة جدًا ودون الدعم اللازم لضمان عدم التأثير على الإنتاج الزراعى.
ويطالب المزراعون “بوقف وعكس” المعايير البيئية الصارمة للاتحاد الأوروبى.
وبسبب الضغط، فاز المزارعون بأكبر امتياز لهم، حيث تخلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن أجزاء من قانون المناخ الخاص بالصفقة الخضراء.
وتقول صحيفة “بوليتيكو” إن فون دير لاين قررت إجهاض سنوات من العمل على أجندتها البيئية، إذ ألغت قواعد الزراعة الخضراء، وقيدت الواردات الغذائية من أوكرانيا، وأبطلت خطة لخفض استخدام المبيدات الحشرية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية، لم تجرؤ باريس ولا بروكسل على خوض معركة مع المزارعين المستعدين لإلقاء الطماطم الإسبانية على طرقات جنوب فرنسا أو شن غارة على مركز لوجستى للأغذية على مشارف العاصمة.
واعترف العديد من مسؤولى الاتحاد الأوروبى بأن بعض التغييرات نتجت بشكل مباشر عن احتجاجات المزارعين فى جميع أنحاء القارة.
واعترف رئيس الوزراء الفرنسى المعين حديثاً جابرييل أتال بالاستسلام لمطالب المزارعين فى محاولة “لتلبية توقعاتهم”، وأمر بوقف فرض حظر جديد على المبيدات الحشرية، والتراجع عن رفع أسعار وقود الجرارات، وتعهد بعدم الذهاب أبعد مما يتطلبه قانون الاتحاد الأوروبى بشأن القيود البيئية.
وأثارت التنازلات السريعة رد فعل عنيف من دعاة حماية البيئة، الذين يتساءلون عن مدى جدية فون دير لاين وماكرون فى التزاماتهما المناخية.
وقال ألبرتو أليمانو، أستاذ قانون الاتحاد الأوروبى فى كلية إدارة الأعمال: “من وجهة نظر ديمقراطية، من المقلق والإشكالى أن نرى كيف تمكن المزارعون، الذين يمثلون بالتأكيد فئتهم، من احتكار الاهتمام وحتى تغيير الاتجاه الذى تسلكه السياسة البيئية فى أوروبا”.
وحذر من أن هذه الخطوة كشفت عن “ضعف” أوراق اعتماد ماكرون الخضراء ويمكن أن تؤدى حتى إلى نشوء تأثير كرة الثلج.
وأردف: “يمكننا أن نتساءل عن المجموعة الاجتماعية التى ستنجح مرة أخرى فى الصخب وتغيير الأولويات السياسية لهذه الحكومة”.
ولم يبدالمشرعون المعتدلون من الدول الأوروبية الأخرى استعدادا لتقديم تنازلات لإرضاء المزارعين الغاضبين.
وسارع ماكرون، من جانبه، إلى التأكيد على أن فرنسا لن تتخلى عن طموحاتها الخضراء لإرضاء المزارعين، كما أصر على أنه كان عملياً فى تخفيف بعض القواعد الخضراء.
وقال ماكرون للصحفيين فى بروكسل: “إنها مسألة منطقية، لقد كنا دائمًا إلى جانبهم (المزارعين)،” مشددًا على أن الاتحاد الأوروبى يجب أن يجد التوازن الصحيح بين التحول الأخضر وحماية المزارعين”.
أهداف بيئية
وبحسب تقرير لقناة سى إن بى سى، قررت المفوضية أيضًا استثناء القطاع الزراعى من جدول زمنى صارم لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة %90 قبل عام 2040.
يريد الاتحاد الأوروبى أن يصبح محايدا للكربون بحلول عام 2050، كما يريد خفض انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحرارى بنسبة %55 على الأقل بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990.
وقال مفوض الزراعة بالاتحاد الأوروبى، يانوش فويتشيكوفسكي: “نحن بحاجة إلى الحد من استخدام المبيدات الحشرية، ولكن ليس إجبار المزارعين على القيام بذلك”، مضيفاً أن الحل هو تقديم المزيد من الدعم المالى للقطاع لتحفيزهم على اتباع ممارسات أكثر مراعاة للبيئة.
الاحتجاجات تخرج عن نطاق القارة العجوز
ذكر تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز أن الحمائية ليست فكرة جيدة حال تطبيقها عالميا رغم أنها تضمن حماية المزارعين المحليين، لأنها فى مقابل هذا تضر بالمستهلكين فى الداخل والخارج لأنها تحرمهم من الحصول على المنتجات الزراعية بأسعار منخفضة.
ونادراً ما يفوت بعض الساسة الأوروبيين فرصة اللعب بورقة الإذعان لمطالب المحتجين المنددين بغزو المنتجات الأجنبية لبلادهم، لكن الاحتجاجات لا تقتصر على أوروبا وحدها.
فى الهند، أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع الأسبوع الماضى لتفريق المزارعين الذين يطالبون برفع أسعار محاصيلهم.
وعلى مدى العام الماضى، كانت هناك احتجاجات مماثلة فى المكسيك وكينيا واليابان ودول أخرى.
تختلف العوامل التى تؤجج غضب المزارعين من بلد إلى آخر، ولكن هناك بعض المواضيع المشتركة. وتشمل هذه العوامل ارتفاع تكاليف المعيشة، وأسعار المنتجات الزراعية غير المستقرة، وأسلوب الحياة تحت ضغط التحديث الاقتصادى.
لكن الاحتجاجات فى أوروبا مميزة لأنها تشهد تطبيق السياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبى (CAP)، وجهود الكتلة المكونة من 27 دولة لمكافحة تغير المناخ، وتأثير الغزو الروسى واسع النطاق لأوكرانيا على المناطق الوسطى والشرقية من أوروبا.
قلق الدول النامية
وتشتكى البلدان الأقل نموا من أن إعانات الدعم العالمية تضر بشكل غير متناسب بصغار المنتجين، الذين لا تستطيع حكوماتهم تقديم نفس الدعم، مما يجعلهم غير قادرين على التنافس مع المزارع المدعومة بشكل كبير فى البلدان الأكثر ثراء، بحسب تقرير لموقع هينريش فاوندشن.
وتقول المجتمعات المحلية فى الدول النامية إن المنتجات الأجنبية، مثل الحليب الأوروبى، تغمر أسواقها، وتشل الرعاة والمزارعين المحليين وتترك المستهلكين عرضة لتغيرات الأسعار.
ووجد الباحثون الذين أعدوا تقرير “رصد وتقييم السياسات الزراعية لعام 2020” الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية أن الدول الـ 54 التى شملتها الدراسة (جميع دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية والاتحاد الأوروبى، إضافة إلى 12 اقتصادًا ناشئًا رئيسيًا) تقدم أكثر من 700 مليار دولار أمريكى سنويًا فى إجمالى الدعم للقطاع الزراعى.
الغالبية العظمى من هذا المبلغ، 536 مليار دولار أمريكى، تأتى فى شكل مدفوعات للمنتجين؛ أما الباقى فيأخذ شكل دعم المستهلك وتمكين الخدمات مثل الاستثمار فى البنية التحتية أو البحث والتطوير.
وتضطر الحكومات لتقديم الدعم للقطاع الزراعى لأنه معرض بشدة للأحداث التى لا يمكن السيطرة عليها مثل الكوارث الطبيعية، وتتطلب الزراعة أيضًا استثمارات كبيرة من المنتجين فى المعدات والمدخلات والعمالة الباهظة الثمن قبل تحقيق أى ربح، وتواجه الزراعة تأخيرًا زمنيًا واضحًا بين التحولات فى الطلب والعرض.
ومقابل هذا، يمكن أن تكون للإعانات الزراعية أيضًا آثار مشوهة للتجارة، ولهذا السبب، فهى أساس العديد من النزاعات الدولية، وفى الاتفاقية التى تم التفاوض عليها مؤخرا بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا لعبت إعانات الدعم الزراعية دوراً رئيسياً: فربما كانت إعانات دعم منتجات الألبان الكندية أكبر نقطة شائكة مرتبطة بالزراعة بالنسبة للولايات المتحدة، ولا تزال إعانات دعم الطماطم المكسيكية تتسبب فى إحداث التوترات.
وفى جميع أنحاء العالم، اعترضت البرازيل واستراليا وجواتيمالا على الدعم الذى تقدمه الهند لصناعة السكر لديها.
وتحملت الولايات المتحدة وطأة الانتقادات بسبب دعمها الزراعى، ويتلقى المزارعون الأمريكيون المليارات من الدعم.
ومع ذلك، عند قياس الدعم كنسبة مئوية من إجمالى الإيرادات الزراعية، فإن كوريا الجنوبية واليابان والصين وإندونيسيا والاتحاد الأوروبى تقدم جميعها دعماً للمنتجين أعلى من المتوسط العالمى البالغ %12، فى حين أن الولايات المتحدة، إلى جانب روسيا وكندا والمكسيك تقدم تاريخيا دعماعند هذا المتوسط أو أقل منه.
دعم أوكرانيا لم يعد بلا سقف
فى الدول الأعضاء فى وسط وشرق الاتحاد الأوروبى، هناك استياء متزايد بين المزارعين بشأن قرار بروكسل فى عام 2022 بتعليق رسوم الاستيراد والحصص على الصادرات الأوكرانية، وكان هذا إجراءً مهمًا، بل وأساسيًا، يهدف إلى دعم الاقتصاد الأوكرانى بعد الغزو الروسى واسع النطاق.
لكن المزارعين فى المنطقة يشكون من أن ذلك أدى إلى إغراق أسواقهم المحلية بالمنتجات الأوكرانية.
ومع تصاعد المظاهرات، قررت المفوضية التراجع جزئيًا عن قرار السماح بحرية الوصول للواردات الزراعية من أوكرانيا، والتى قفزت من 7 مليارات يورو فى 2021 إلى 13 مليار يورو فى عام 2022، مما تسبب فى تخمة وخفض الأسعار فى دول أوروبا الشرقية.
واجتمع ممثلو المجموعات الزراعية من مختلف أنحاء أوروبا الوسطى والشرقية الأسبوع الجارى للتخطيط لمزيد من الاحتجاجات، ولا تبدو احتمالات تهدئة النزاع واعدة، فحتى حكومة دونالد تاسك الليبرالية المؤيدة لأوكرانيا فى بولندا لا تميل إلى التنازل عن مطالب المزارعين، بحسب تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز.
وفى مختلف أنحاء أوروبا، يشعر المزارعون بأنهم تحت رحمة قوى خارجة عن سيطرتهم - القوى الاقتصادية العالمية، ومن غير الواضح على الإطلاق أن حتى التنازلات الأخيرة التى قدمها الاتحاد الأوروبى ستكون كافية لتغيير المزاج العام.
فى رومانيا، حيث يحتج المزارعون وعمال النقل على ارتفاع أسعار الديزل وأسعار التأمين وإجراءات الاتحاد الأوروبى، فضلاً عن المنافسة من أوكرانيا، قالت صحيفة كرونيكا الإخبارية هذا الشهر إن سماح الاتحاد الأوروبى للسلع الأوكرانية الرخيصة كان “أشبه بمحاولة شخص لا يجيد العوم إنقاذ شخص يغرق، فيغرق كلاهما”.
وفى بولندا، بدأ المزارعون احتجاجًا على مستوى البلاد فى 24 يناير ضد الواردات الزراعية الأوكرانية.
وقال أدريان فاورزينياك، المتحدث باسم نقابة المزارعين البولنديين، لوسائل الإعلام البولندية: “يجب أن تذهب الحبوب الأوكرانية إلى الدول التى تحتاجها كالأسواق الآسيوية أو الأفريقية، وليس إلى أوروبا”، وتتردد أصداء مشاعر مماثلة فى سلوفاكيا والمجر.
تراجع الأسعار
وكانت هناك ذروة للأسباب التى دفعت المزارعين إلى الاحتجاج فى الأسابيع الأخيرة، مما تسبب فى بعض الأضرار فى عواصم مثل باريس، وتشمل هذه الأسباب ارتفاع التكاليف وارتفاع الديون والمنافسة من الأسواق الأرخص وانخفاض أسعار البيع.
على سبيل المثال، انخفض متوسط سعر المنتجات الزراعية التى يبيعها المزارعون بنسبة 9% فى الربع الثالث من عام 2023، مقارنة بالعام السابق له.
وقال لوك فيرنت، الأمين العام لمركز أبحاث فارم أوروبا، لشبكة سى إن بى سى إن المزارعين بحاجة إلى مزيد من الدعم الاستثمارى.
وتابع: “لم يعد المزارعون قادرين على الوصول إلى الأموال الرخيصة، وأصبح المصرفيون أكثر ترددًا فى [إقراض] الأموال لقطاع الزراعة، لذلك، نحن بحاجة حقًا إلى التفكير داخل الاتحاد الأوروبى حول كيفية تنفيذ المرحلة الانتقالية، لأنه من الواضح أن هناك حاجة للمضى قدمًا.
ويقع المزارعون فى قلب أحد أهم التشريعات التاريخية فى الاتحاد الأوروبى: السياسة الزراعية المشتركة، التى توفر 55 مليار يورو (59.3 مليار دولار) كل عام فى شكل دعم للقطاع.
وامتدت احتجاجات المزارعين عبر القناة الإنجليزية إلى المملكة المتحدة، إذ قام المزارعون البريطانيون، الذين لم تعد بلادهم عضوا فى الاتحاد الأوروبى، بعمل عرض تجريبى مرتجل للجرارات فى مدينة دوفر الساحلية احتجاجا على الواردات الأجنبية من المواد الغذائية.
