القطاع العقاري في رحلة البحث عن الدولار

فى الفترة الأخيرة اقترن مصطلح الدولار بشكل كبير بصناعة العقارات، ففى البداية وجدنا أن الدولة ممثلة فى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة

Ad

فى الفترة الأخيرة اقترن مصطلح الدولار بشكل كبير بصناعة العقارات، ففى البداية وجدنا أن الدولة ممثلة فى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة الإسكان أعلنت فى ديسمبر 2022 عن إتاحتها لقطع أراضى بشكل شهرى وبأنشطة متنوعة لبيعها بالدولار، مع حصول المشترى على أسبقية فى التحصيص نتيجة سداده لسعر الأرض بالدولار من الخارج، ثم وجدنا أن فى شهر فبراير الجارى إعلان مجلس الوزراء مع مجموعة من قيادات وزارة الإسكان عن مبادرة تصدير العقار بالدولار، وهو ما انتظرت فيه الدولة ردود أفعال المطورين العقاريين، وطرح بعض توصياتهم لتفعيلها وجنى أرباح منها، وكذلك تحقيق هدفها المرجو ألا وهو توفير حصيلة دولارية.

كل هذا، لا يمكننا إغفال دور الدولار فى توفير المواد الخام، إذ تواجه جميع الشركات العاملة بالقطاع أزمة فى استيراد المواد من الخارج، وتحديدًا ما يعرف بمواد “الإلكتروميكانيكال»، وكذلك الارتفاع الشديد فى الأسعار كنتيجة لتراجع سعر العملة المحلية، وندرة عناصر البناء المتاحة.

وفى هذا الملف تسلط “المال” الضوء على ثلاثة موضوعات شائكة متعلقة بالدولار، وهى المبادرة القومية لتصدير العقار للأجانب والمصريين بالخارج، بخلاف توسع الحكومة فى بيع الأراضى الاستثمارية بالدولار المحول من الخارج، وأخيرًا علاقة الدولار بمعدلات الإنشاءات، مستعينة بآراء ورؤى مطورى ومسوقى واستشارى القطاع العقارى بالسوق المصرية.

تفاؤل بقدرة «مبادرة التصدير» على جذب اهتمام رؤوس الأموال الخارجية

رحب مسئولو شركات تطوير عقارى بالمبادرة الحكومة لتصدير العقار ومشاركة وزارتى المالية والإسكان بها، لما تحمله من قدرات قد تعزز النقد الأجنبى الوارد للخزانة العامة للدولة.

ومنذ أسابيع قليلة أعلنت الحكومة عن مبادرة لتنشيط ملف تصدير العقار، ووضعت عدة اشتراطات لتكون العقارات مساهمًا رئيسيًا فى حصيلة الدولة الدولارية خلال الفترة المقبلة.

وكان الدكتور وليد عباس، نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لقطاع التخطيط والمشروعات، والدكتور عبدالخالق إبراهيم مساعد وزير الإسكان للشئون الفنية، قد عقدا اجتماعًا مع المطورين العقاريين لمناقشة آليات تنفيذ المبادرة المقترحة لتصدير العقار المصرى، سواء للمصريين بالخارج، أو العرب والأجانب، لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السوق المصرية.

وتناول الاجتماع الجوانب التمويلية، والحوافز المالية المقترحة، لتشجيع المستثمرين الأجانب للاستثمار فى السوق العقارية المصرية، والحوافز المقترحة لمشاركة المطورين فى المبادرة المقترحة، من خلال طرح وحدات من مشروعاتهم، باستخدامات متنوعة (سكنى – تجارى – إدارى – غيرها)، على مستوى الجمهورية.

وبحسب تصريحات مصادر مطلعة تضمنت المبادرة المطروحة عدة نقاط، أولها إعلان المطورين المهتمين عن كافة الوحدات المتاحة لديهم سواء السكنية أو التجارية والمتنوعة، شرط أن تكون جاهزة للتسليم الفورى أو بعد عام على أقصى تقدير، مع تحديد سعرها بالجنيه، والتى سيتم تحديد سعرها بالدولار من وزارة الإسكان بهدف البيع فى الخارج.

وتابعت المصادر أن الإسكان بعد تحديد قيمة البيع بالدولار، ستطبق نسبة خصم عند سداد المبلغ “كاش”، وبمجرد توقيع العقود بين المطور والمشترى، سيتم تحويل تلك الحصيلة الدولارية إلى جهات تابعة للإسكان، والتى بدورها ستحيلها إلى وزارة المالية، بما يعنى دخول الدولارات لحساب الموازنة العامة للدولة.

وأكدت المصادر أن المطور الذى باع الوحدة سوف يحصل على أمواله من وزارة المالية ولكن بالجنيه المصرى مع سدادها على أقساط دورية لنحو 6 أو 8 سنوات، وبالتالى أصبح لديه ضمانة قوية من المالية للحصول على السيولة فى توقيتات متفق عليها.

وأوضحت المصادر أن التصور الأولى للمبادرة الحكومية يشمل تعهد وزارة المالية برد نحو %80 من قيمة الأموال التى سددها المستثمر عند الشراء، وذلك بعد مرور 10 سنوات، كما يجرى التفاوض على عملة تنفيذ هذه العملية سواء بالجنيه أو الدولار، وهى خطوة الهدف منها جذب اهتمام مزيد من العملاء وضمان الحصول على أكبر قدر من السيولة الأجنبية فى المرحلة القادمة.

وذكرت المصادر أن الإسكان ستكلف إحدى شركات إدارة الأصول التابعة لبنكى الأهلى ومصر بإعداد منصة إلكترونية يتم عرض وحدات المطورين الملائمة، كما ستحصل المنصة على نسبة من قيمة البيع تمثل عمولة لها نظير خدماتها.

من جانبه، أكد المهندس طارق شكرى، رئيس مجلس إدارة غرفة التطوير العقارى باتحاد الصناعات المصرية، أن المبادرة تعكس اهتماما حكوميا قويا بملف تصدير العقار، مشيرًا إلى أنها تفيد كل أطراف المنظومة العقارية، سواء الحكومة أو العميل أو المطور العقارى، كما يجب تطوير الأفكار للوصول لآليات جاذبة وناجحة.

وأشار إلى أن المبادرة مهمة للحكومة من خلال توفير العملة الصعبة المطلوبة بشكل عاجل، كما أن المطور العقارى سيحصل على قيمة الوحدة وهو ما يتم توجيهه لتنفيذ مشروعات قائمة أو التوسع بفرص استثمارية جديدة، كما أن العميل يمكنه الاستفادة من خلال الحصول على وحدة بمحفزات استثمارية تصل إلى 80% من قيمتها.

وأوضح أن الغرفة خلال الاجتماع طرحت عددًا من المقترحات التى تسهم فى تحقيق مقترح المبادرة والوصول لأفضل نتائج لصالح الاقتصاد المصرى والشركات العقارية، حيث إن التطبيق السليم وتقديم المحفزات عوامل تضمن تحقيق عائد دولارى مرتفع يدعم الاقتصاد المصرى.

ولفت إلى أن الاجتماع شهد مناقشة الحوافز المقترحة الأولية من المطورين العقاريين لتشجيع العميل الأجنبى على الشراء فى مصر وتشجيع المطورين على التوسع فى تسويق المشروعات بالخارج.

وأشار إلى أن الغرفة مستمرة فى مناقشاتها مع مسئولى وزارة الإسكان والجهات المعنية وذلك للوصول لآلية فعالة يتم من خلالها تطبيق هذه المبادرة الهامة، وخاصة فى ضوء الانفتاح من قبل المسئولين، وعلى رأسهم الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان، واستماعهم لأى مقترحات قابلة للتطبيق وفى نفس الوقت تحقق مزايا للاقتصاد المحلى وللسوق العقارية.

وكان الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء قد أعلن عن مبادرة حكومية بالسماح للشركات العقارية ببيع الوحدات فى الخارج بالدولار، وهو ما يدعم ملف تصدير العقار ويوفر عملة صعبة.

الدكتور محمد راشد، عضو غرفة صناعة التطوير العقارى باتحاد الصناعات، قال إن اتجاه الحكومة لتدشين شركة لتصدير العقار تعد خطوة إيجابية لتنويع وزيادة حصيلة إيرادات النقد الأجنبى للاقتصاد، خاصة تتيح للدولة فرصة الاستفادة من النهضة العمرانية التى شهدتها على مدار السنوات الماضية، وخلقت منتجًا عقاريًّا مصريًّا تنافسيًّا وقابلًا للتصدير فى الأسواق العالمية.

وذكر أن الإيرادات الأولية المتوقعة من مبادرة تصدير العقار التى تشمل تأجير وتملك الوحدات السكنية بالنقد الأجنبى للمستثمرين الأجانب والمصريين العاملين بالخارج، بحسب الوثيقة الصادرة من مجلس الوزراء بشأن “ملامحَ التوجهاتِ الاستراتيجية للاقتصادِ المصرى خلال الفترةِ 2024 - 2030” تصل إلى 3 مليارات دولار.

وأشار إلى أن تصدير العقار المصرى للخارج، يأتى متوافقًا مع رغبة العديد من شركات التطوير العقارى فى مصر لجلب النقد الأجنبى، سواء من المصريين فى الخارج، أو الأجانب فى الداخل والخارج، كما ستسهم تلك الخطوة فى إتاحة الفرصة لعقد شراكات استثمارية فى مجال الاستثمار والتطوير العقارى، وإقامة مشروعات عقارية جديدة داخل مصر بالتعاون مع مستثمرين أجانب.

وأوضح أن هناك إقبالًا كبيرًا من الأجانب والمصريين فى الخارج على شراء العقارات، إذ تأتى %35 من حصيلة الشراء من المصريين فى الخارج والأجانب، متوقعًا ارتفاع هذه النسبة مع تفعيل مبادرة تصدير العقار والتى من المتوقع أن تتضمن تيسيرات كبيرة ومحفزات.

رئيس إحدى شركات التطوير العقارى قال إن الآلية كان يتم الإعداد لها منذ أكثر من عام وشهدت اهتمامًا على أعلى مستوى حكومى، وتمَّ النظر لها باعتبارها منطقية لجذب الدولار من مستثمرى الخارج بضمانة من وزارة المالية، ولكن بسبب عدة ظروف تم تأجيل إعلان كافة التفاصيل لحين الوصول للصياغة النهائية، والتى ظهرت فى فترة تشهد فجوة لافتة بين سعرى الدولار فى السوقين الرسمية والموازية.

وأكد أن تلك الفجوة السعرية قد تؤدى لفشل المبادرة حال إطلاقها فى التوقيت الجارى، فى ظل عدم منطقية تحويل أموال بالدولار عبر القنوات الرسمية والتى تدور قرب 31 جنيهًا، فى حين يتم تسعيرها فى الموازية بما هو أكبر.

تباطؤ مرتقب فى معدلات التنفيذ نتيجة عدم توافر الخامات وقفزات الأسعار

تزايدت فى الفترة الأخيرة مطالب المطورين العقاريين بشأن مد فترة تنفيذ المشروعات أو إعادة النظر فى عقود بيع الوحدات الموقعة فى الفترة الماضية، وكلها نتائج مرتبطة فى الأساس بارتفاع مواد البناء بسبب الدولار، والتى قلَّلت من الملاءة المالية والقدرة للفنية للشركات على الاستكمال.

من المعروف أن شح الموارد الأجنبية وصعوبة الحصول عليها خلق أزمة فى عملية شراء مواد البناء والمواد الخام بصفة عامة اللازمة للمشروعات، فنقص الدولار صعب من عملية الاستيراد، خاصة أن حوالى %80 من مكونات المشروعات يتم استيرادها.

فالسؤال المطروح هنا، هل سيتوقف المطورون عن ضخ إنشاءات بمشروعاتهم كنتيجة لتصاعد تكاليف التنفيذ، أم سيمضون قدمًا فى تسريع عملية الانتهاء فى المشاريع المختلفة؟.

“المال” تحدثت مع مسئولى عدة شركات للتعرف على رؤيتهم للوضع التنفيذى للمشروعات بالقطاع العقارى بجانب علام تتركز خطط المطورين فى المرحلة المقبل.

فى البداية، أوضح بهاء حفظ الله، رئيس مجلس إدارة شركة عقار مصر للتطوير العقارى، أنه مع زيادة أسعار مواد البناء نتيجة للظروف الاقتصادية المحيطة، منها عدم استقرار سعر الصرف وارتفاع الدولار، لجأ غالبية المطورين إلى اتباع استراتيجية تسريع وتيرة التنفيذ بمشروعاتهم لتفادى الزيادات اليومية المتكررة فى أسعار مواد البناء.

وتابع حفظ الله أنه على الرغم من سلبيات ارتفاعات أسعار مواد البناء، فهى حملت فى ثناياها نقاط إيجاب تمثلت فى إسراع عملية الإنشاء، وتحقيق نسب إنجاز مرتفعة لدى معظم الشركات، خشية من حدوث أى قرارات اقتصادية تودى بالسيولة المالية مرة أخرى فى محافظ الشركات.

وأضاف حفظ الله: “عام 2023 هو عام الإنشاءات، وكذلك الأعوام القادمة، فبلغت نسب التنفيذ معدلات مرتفعة، كمحاولة لكبح جماح تأثير التضخم على مواد البناء”.

فيما تقدم المهندس داكر عبد اللاه عضو لجنة التطوير العقارى والمقاولات بجمعية رجال الأعمال المصريين وعضو لجنة الاستثمار العقارى باتحاد الغرف التجارية بمذكرة إلى رئيس اتحاد مقاولى التشييد والبناء حول عدد من المقترحات لدعم ومساندة قطاع المقاولات فى ظل المتغيرات الاقتصادية الحالية، وارتفاع تكاليف الانشاءات والخامات اللازمة.

وقال عبداللاه إن ارتفاع أسعار الدولار خلال الفترة الماضية أثر بشكل كبير على أسعار المواد الخام المستخدمة فى صناعة المقاولات، خاصة أن هناك العديد من الخامات يتم استيرادها من الخارج أو يتم تصنيعها محليًّا، ولكن بها نسبة مكون أجنبى يتم استيراده من الخارج، وكل هذا انعكس على ارتفاع تكاليف تنفيذ جميع مشروعات شركات المقاولات.

ودعا إلى ضرورة إدراج مجموعة من المواد اللازمة لهذا القطاع فى معاملات التغير حتى تستطيع شركات المقاولات صرف فروق أسعار عن تلك المواد المستخدمة فى تنفيذ المشروعات، وتحتاج الى تدبير دولار مثل طلمبات المياه والمولدات والمحابس وغيرها.

وأشار إلى ضرورة مواجهة موردى النوع الواحد من الخامات الذين يشكلون لوبى على شركات المقاولات لزيادة الاسعار وتوحيدها على جميع المقاولين.

واقترح أن يتم توفير خروج آمن لبعض شركات المقاولات الراغبة فى التخارج من أى تعاقدات عن طريق إنهاء التعاقدات بالتراضى بين المقاولين وجهات الإسناد، واعتبار ما تمّ تنفيذه من تلك المشروعات هو أعمال ختامية لها على ان يتم طرح تلك المشروعات بأسعار جديدة، وشروط تناسب الوضع الاقتصادى الحالى.

وأكد أن هذا التوجه ليس بجديد فقد وافق مجلس الوزراء فى حالات أخرى سابقة بجلسته المعقودة بتاريخ 28 يونيو 2006 أنه بالنسبة للمشروعات التى توقفت لعدم وجود اعتماد مالى لها أو تجاوزها الاعتماد المقرر لها بإنهاء التعاقدات المالية التى لا تتوافر لها الاعتمادات المالية الكافية لإنهائها فى التوقيت المحدد للتنفيذ.

وأوضح أن الدولة واتحاد والمقاولين يوليان اهتمامًا كبيرًا بشركات المقاولات لأنه تُمثّل الذراع الكبرى فى تنفيذ مشروعات وخطط الدولة فى التعمير والتشييد، وتوفر شركات المقاولات أكثر من 25 مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشر، ولذلك يجب الحفاظ عليها وتقديم كل الدعم والمساندة لها فى ظل الأوضاع الحالية.

ومن جانبه، رأى وليد السويدى رئيس مجلس إدارة شركة الدقة للاستشارات الهندسية، أن هناك مشكلة تواجه السوق المصرية وهى توقف بعض المشروعات، وهناك البعض الآخر لم يتم طرحه منذ البداية، وذلك بعد إتمام دراسات الجدوى الخاصة به، نتيجة لعدم استقرار الأوضاع وسعر صرف الجنيه أمام الدولار.

وتابع أن المشروعات تعتمد بنسبة %80 على المواد المستوردة من الخارج، ولكن فى ضوء تأخر عمليات الاستيراد وصعوبة تدبير العملة الأجنبية، توقف بعض منها لحين توفير احتياجاتها.

وذكر أن دور المكاتب الاستشارية فى الفترة الراهنة هى محاولة إيجاد البدائل وتشجيع المنتج المحلى حتى لا تتوقف عجلة الإنتاج بالمشروعات، وللالتزام بجداولها الزمنية الموضوعة.

وبالفعل بدأ الاستشاريون إرسال بعض التعليقات والنقاط الهامة لبعض المصانع المحلية لمساعدتهم فى الارتقاء بمستوى الخدمات المطلوب.

وفى ذات السياق، قال زياد يسرى رئيس مجلس إدارة شركة لوكيشن للتسويق العقارى، إن سياسة الإنشاءات المتبعة تحتلف من شركة إلى أخرى حاليًا، فالشركات التى يكون مواعيد تسليم مشروعاتها بعد 6 شهور أو عام من الآن، فتسابق الزمن وتحاول الانتها من تنفيذ المشروع بأقصى درجة ممكن، حتى لا تحدث زيادة مرة أخرى فى الأسعار.

وتابع يسرى أن الوضع يكون أصعب فى الشركات التى اقترب موعد تسليم مشروعاتها، فهذة الكيانات طرحت مشروعها منذ عامين أو ثلاثة، وكانت الأسعار وقتها مختلفة تمامًا عن الوقت الراهن، فلم نشهد تلك الطفرة السعرية من قبل، وبالتالى فالانتظار ليس فى صالحها إطلاقًا.

وذكر يسرى، وبالنسبة للشركات التى سيحين موعد تسليم مشروعاتها بعد عامين أو ثلاثة، فمن الممكن أن تنتظر لنهاية العام الجارى لحين اتضاح الرؤية بشكل أكبر وأملاً فى استقرار الأوضاع وتذبذبات سعر الصرف، بجانب تسعير الوحدات بشكل مدروس ودقيق، لافتًا إلى أن معظم الشركات حاليًا تطرح وحدات للبيع ثم تقوم بوقف البيع لمدة أسبوع، وإعادة الطرح مرة أخرى لعدم وجود تسعير ملائم.

تزايد مخاوف المطورين من التوسع فى طرح الأراضى مقابل العملة الأجنبية

خلافًا لترحيب المطورين بمبادرة الحكومة لتصدير العقار، جاءت مخاوف من استمرار سياسة الدولة لبيع أراضٍ استثمارية بالدولار، إذ دارت حول الارتفاع المتتالى فى أسعار الأراضى، بخلاف عدم القدرة على اقتناص المزيد منها مستقبلًا لعدم توافر موارد دولارية فى فترة تشهد وجود أزمة من الأساس فى الحصول على تلك العملة من قبل المطورين.

والمتابع لطروحات الهيئة بالدولار الأمريكى منذ البداية فى ديسمبر 2022، يلاحظ وجود طفرات وزيادة مستمرة فى عدد الأراضى المتاحة للبيع، وكذلك أسعار المتر الواحد، ففى شهر فبراير الجارى، فقد أعلنت هيئة المجتمعات العمرانية عن طرح 26 قطعة أرض للبيع بالدولار فى ثمانى مدن جديدة، بحصيلة بيعية مستهدفة تبلغ 10.7 مليار جنيه.

وبحسب مناقشات مع بعض من المطورين العقاريين العاملين بالسوق المصرية، البيع بالدولار يحمل فى طياته خطورة على المطور العقارى، وكذلك الدولة بالمثل، فمن ناحية المطور، هناك صعوبة فى جلب الدولار من الخارج، خاصة إذا لم يكن له أى مورد يجنى منه تدفقات أجنبية، بجانب الارتفاع الشديد فى ثمن الأرض، والتى تعد، سابقاً، من التكاليف الثابتة غير المكلفة إلى حد كبير، فمع سداد قيمتها بالدولار، علاوة على الزيادة المستمرة لسعر العملة الأجنبية، تتضاعف تكلفتها، وهو ما يزيد من الأعباء المالية على الشركات.

ومن ناحية الدولة، فإن لجوء المطور العقارى إلى جلب دولار من السوق الموازية، يضغط على سعر العملة الأجنبية، ويدفعها للصعود، ما يشكل أزمة بالنسبة للدولة فى اتساع الفجوة ما بين السعر الرسمى وسعر السوق السوداء، والذى تجاوز الفارق بينهم أكثر من 30 جنيهًا، بالإضافة إلى هروب الاستثمارات الأجنبية لعدم وجود سعر موحد للصرف، وتذبذبات العملة، وفقًا لما قاله بعض المطورين.

ومن جهه أخرى، اعتبر المطورون أن اتباع الدولة تلك الآلية فى التخصيص لا يضر بالمطور ولا يزيد من أعبائه، فمثلما المطور له الحق فى اختيار الآلية وقطعة الأرض الملائمين لخدمة أنشطته الاستثمارية، فللدولة نفس الحق اتباع الوسيلة التى تناسبها لجلب احتياجاتها من النقد الأجنبى، فالفكرة كلها تخضع لمبدأ “العرض والطلب”.

بداية، يرى علاء فكرى، رئيس مجلس إدارة شركة بيتا إيجيبت للتطوير العقارى، أن بيع الأرض بالدولار ما هو إلا وسيلة لزيادة قوة الدولار مقابل الجنيه، فمن المفترض تشجيع الاستثمار بالجنيه والعمل على اتباع سبل وآليات لدفع الطلب عليه حتى تصعد قيمته، وليس العكس.

وتابع أن بيع الأرض بالدولار يضع عبئًا إضافيًّا على المطور العقارى، وتجعل شراء الأرض أكثر كلفة، فناهيك عن أن سعر متر الأرض بالدولار أعلى منه بالجنيه، ففاتورة شراء تلك الدولارت باهظة للغاية، إذ يضطر المطور الخضوع للسعر المبالغ فيه فى السوق السوداء، ما يرفع من تكلفة الأرض، ومن ثم يُسهم فى زيادة التكاليف الكلية للمشروع.

ولفت فكرى إلى أن هناك آليات أخرى من شأنها أن تدر عائدًا دولاريًّا مرتفعًا، إذ اقترح التركيز على الشقق الفندقية، ومحاولة وضع لوائح وقوانين تنظم عملها، والتوسع فى إنشائها، ما يضمن الحصول على تدفقات أجنبية، بغير وضع أعباء على القطاعات المختلفة بالدولة.

واتفق رئيس إحدى شركات التطوير العقارى مع علاء فكرى فى نظرته لآلية البيع بالدولار، لافتًا إلى أن شركته كثيرًا ما كانت تقدم على شراء قطع أراضى معينة، وبمجرد تحويلها للسداد بالدولار، تصرف النظر عنها، لما لها من عبء إضافى، وتقوم بالبحث عن قطعة أخرى يكون سدادها بالجنيه وتفى بنفس رغباتها.

وأوضح أن آلية البيع بالدولاء تأتى فى فترة مليئة بالمعاناة والصعاب فى مجتمع التطوير العقارى، والذى واجه ارتفاعًا فى تكاليف مواد البناء، وزيادة أسعارها بشكل يومى، بجانب مد فترات السداد للعميل لتشجيع مبيعاته، كل ذلك يسحب السيولة المالية المتاحة، ما يجعله أكثر حساسية فى حالة حدوث أى ارتفاعات جديدة فى أى من بنود تكاليف المشروع، لاسيما أن قطعة الأرض كانت تمثل التكلفة الثابتة والمضمونة عند المطور.

وعلى النقيض، لم يجد عبدالحميد الوزير، رئيس مجلس إدارة شركة أرابيسك للتطوير العقارى، أية مشكلة فى طرح أراضٍ بالدولار، فكل طرف فى معادلة الاستثمار من حقه أن يبحث عن الحل الأمثل والأكثر ربحية له فى إدرار عوائد أجنبية.

وقال: “الموضوع كله عرض وطلب، الدولة لم تُجبر أحدًا على الشراء بالدولار، فهناك أراضٍ أخرى مطروحة ومن حق أى مطور أن يقبل على آلية البيع الملائمة لقدراته”.

ولفت إلى أنه من الطبيعى أن تبحث الدولة عن موارد وأصول تعظم بها تدفقاتها النقدية، فى ظل النقص الشديد فى الدولار الذى تعانيه، وللوفاء بالتزاماتها الخارجية، بجانب تراجع العملة المحلية ووجود سعرين للعملة الخضراء داخل السوق المصرية، فتلك الآلية طبيعية ومنطقية لزيادة التدفق الأجنبى.

ومنذ أيام قليلة وافق مجلس الوزراء على قرار مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على طلبات لتخصيص بعض قطع الأراضى لعدد من الشركات بنظام البيع بالدولار من خارج البلاد، بمساحات متنوعة، فى مدن منها برج العرب والقاهرة الجديدة، وحدائق أكتوبر، ودمياط الجديدة، وبدر، وسفنكس الجديدة، وأكتوبر الجديدة، والعاشر من رمضان.

كما شملت المدن أيضًا سوهاج الجديدة، و6 أكتوبر، والشيخ زايد، والعبور، وسوهاج الجديدة، والسادات، والشيخ زايد، وأسوان الجديدة، والشروق، لتنفيذ أنشطة تجارية، وإدارية، وسكنية، واستثمارية، وعمرانية متكاملة، وصناعية، وهندسية، بالإضافة إلى إقامة ورش، ومخازن، ومحطة خدمة لتموين السيارات، ونادٍ اجتماعى، ونادٍ اجتماعى رياضى، ومركز خدمة وصيانة للسيارات، وفندق.

وكان الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان، قد قال سابقًا، إن مبيعات المجتمعات العمرانية من الأراضى والوحدات السكنية بلغت 5.5 مليار دولار خلال العام الماضى.

كما أعلنت وزارة الإسكان أمس عن إطلاق الهيئة “بوابة الاستثمار الأجنبي” والتى تتيح للمستثمرين خدمة التقدم بطلب استعلام عن الفرص الاستثمارية، أو طلب لتوفير فرصة لجميع الأنشطة الخدمية بالمدن الجديدة، بالدولار تحويلًا من الخارج، وذلك بعدما حققت الهيئة نجاحًا كبيرًا بالسنوات الماضية.