ارتفعت أقساط التأمين على مخاطر الحرب لعبور البحر الأحمر بشكل حاد منذ منتصف ديسمبر 2023 عالميًا من %0.7 إلى %1 من قيمة السفينة، مما عكس مؤخرًا قلة عدد السفن العابرة لقناة السويس والبحر الأحمر بشكل عام.
وأشار تقرير أخير لـ«موديز» المتخصصة فى الأبحاث الاقتصادية والتحليلات المالية، إلى أن ما يجرى فى البحر الأحمر سيزيد من أرباح الاكتتاب، كما أن تغطيات مرور السفن عبر تلك المناطق عالية المخاطر وتضيف لشركات التأمين سيناريوهات خسارة شتى.
وأفاد بأن الهجمات المستمرة على ممرات الشحن فى البحر الأحمر أدت إلى تعطيل طرق الشحن وزيادة مخاطر الخسارة لشركات التأمين التى توفر التغطيات البحرية، ضد الخسائر المرتبطة بالصراع، مثل الأضرار الناجمة عن العمليات الحربية أو الاستيلاء عليها فى مناطق محددة عالية المخاطر.
وتوقع التقرير أن تؤثر المخاطر على عدد من مؤسسات التأمين والإعادة على مستوى العالم، إضافة إلى خسائر متواضعة للشركات المباشرة، لمحدودية تنوع مخاطرها التى تغطيها، إضافة إلى أن المدة القصيرة لتغطية مخاطر الحرب تمكن شركات التأمين من التكيف بسرعة إذا تصاعد الخطر.
وأوضح أن شركات الشحن تشترى بشكل روتينى تغطيات مخاطر الحرب السنوية، إلى جانب وثائق تأمين الهياكل البحرية والبضائع والمسئوليات، بينما يجب على مالكى السفن دفع علاوة إضافية ضد مخاطر الحرب تغطى المخاطر الآنية، مع تنفيذ إجراءات أمنية معينة تطلبها شركات التأمين.
وفى أعقاب الهجمات على السفن العابرة للبحر الأحمر، فى منتصف ديسمبر الماضى، أعلن عدد من مجموعات الشحن الدولية توقف سفنهم عن الشحن عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وقناة السويس حتى إشعار آخر.
وذكر أن الهجمات الأخيرة فى البحر الأحمر قللت بشكل حاد، منذ منتصف ديسمبر، عدد مرات العبور بـ”باب المندب” حيث بلغت 29 عبورًا يوميًا بنهاية يناير الماضي، مقارنة بـ74 فى 15 ديسمبر الماضى، إذ تم تحويل معظم التجارة حول طريق رأس الرجاء الصالح.
وأفادت “موديز” بأن الرحلات السالكة “رأس الرجاء الصالح” قد تستغرق فى متوسطها 76 يومًا، مقارنة مع 10 أيام كانت متوسط المدة التى تستغرقها السفن العابرة لقناة السويس.
وألمح إلى أن انخفاض حركة العبور بمضيق باب المندب يعنى أن قسط التأمين لكل عملية عبور يجب أن يكون أعلى، لبناء مجموعة كافية من الأموال لتساهم فى تعويضات شركات التأمين حال الخسارة، بينما بذلك ترتفع أقساط التأمين بشكل حاد، إضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام.
وذكرت “موديز” أن شركات التأمين تمارس انتقائية، إلى حد ما، فى السفن التى ستغطيها للمرور عبر البحر الأحمر، مع رغبة أقل فى تغطية السفن المرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل.
وأكدت أن شركات التأمين العالمية ستعانى خسائر، متواضعة، بالنظر إلى قيمة سفن الحاويات، من 80 إلى 100 مليون دولار للسفينة، مقارنة مع السفن السياحية الكبيرة لنقل الركاب.
«المال» تواصلت مع عدد من خبراء التأمين، الذين علقوا على تقرير “موديز”، مؤكدين أهمية تغطيات “البحرى” فى ظل المتغيرات الجيوسياسية الحالية، من جراء ما يحدث فى الحرب الدائرة بغزة وفلسطين والأعمال العسكرية بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وأوضحوا أن النقل البحرى من العوامل التى ترتكز عليها التجارة الخارجية وتتأثر به كلما زادت الكميات المنقولة بحرا، وفى نفس الوقت، فإن التطور الذى يحيط بالنقل البحرى تنعكس آثاره على التجارة الخارجية.
وقال الدكتور شريف محسن، مدير عام التأمين البحرى بشركة المهندس للتأمين وعضو اللجنة العامة للتأمين البحرى بالاتحاد المصرى للتأمين، إن الوثيقة الزمنية فى “البحرى” تغطى فترة زمنية عادة تكون سنة، لتغطية أجسام السفن على أساس الوثيقة الزمنية، بينما وثيقة الرحلة تغطى البضاعة لرحلة بحرية واحدة فقط، وتكون عادة من المنزل إلى المنزل، وعادة ينتهى سريانها بعد 60 يومًا من تفريغ البضائع فى ميناء التفريغ النهائى.
وأشار إلى أن الوثيقة المختلطة، مزيج بين “الزمنية” و”الرحلة”، تغطى الرحلة ومدة زمنية بعد انتهائها، لنقل بضائع رحلة بحرية، مع مدة 3 أو 4 أشهر بعد التفريغ فى الميناء النهائى، بينما الوثيقة العائمة تستخدم عند شحن البضائع على عدة دفعات وتكون قيمة البضاعة عالية جدا، ويجب على المؤمن أن يبلغ شركة التأمين بقيمة كل شحنة يتم إرسالها.
وأضاف أن الوثيقة المفتوحة لا سقف محدد لتغطيتها، ويتم الاتفاق بين المؤمن له وشركة التأمين على الحد الأقصى فى الشحنة الواحدة، وتصدر شركة التأمين وثيقة منفصلة لكل شحنة، مع سداد قيمة الأقساط عن كل شحنة أثناء فترة الوثيقة، التى غالبا ما تكون مدتها سنة.
وألمح إلى أن التأمين البحرى يزداد أهمية للتجارة العالمية، لتوفيره مظلة عالمية لنقل البضائع، وشدد على أهمية التأمين البحرى بالنسبة لشركات القطاع، لأنه يمثل العائد الأكبر لأقساط التأمين التى تتحصل عليها فى أغلب الأحوال.
وذكر أن التأمين يشجع الهيئات والأشخاص على استثمار أموالهم فى التجارة الخارجية، كما يعد التأمين البحرى أحد أهم بنود التجارة غير المنظورة التى تحدد تقسيمات ميزان المعالم التجارية، مما يجعل التأمين البحرى يرتبط ارتباطا وثيقا بالإنتاج، كأحد عوامل دفع خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار إلى أن التأمين البحرى وسيلة لإيجاد نوع من الروابط بين الدول، التى تحسن العلاقات التجارية الاقتصادية والسياسية، كما أنها تقدم ضمانات كافية للبنوك لتمويل التجارة الخارجية، إضافة إلى أن التغطيات تضمن تداول رءوس الأموال وتوزيع الثروات الاقتصادية على مختلف البلدان، سواء كانت على شكل مواد أولية أو نصف مصنعة أو تامة الصنع، مما يؤدى إلى ازدهار وتطور الملاحة البحرية وتطور صناعة السفن والصناعات التى تعتمد عليها.
وقالت الدكتورة باسمة مندور، المدير الإقليمى لمنطقة قناة السويس بشركة ثروة للتأمين، إن التأمين البحرى يشكل نسبة كبيرة من أقساط التأمين الإجمالية، كما أن أهميته تظهر بالنسبة للاقتصاد الوطنى والتجارة الخارجية، إذ إن النوع من التغطيات يوفر المظلة لعمليات نقل البضائع، مما يساهم فى تطوير الصادرات والواردات.
وأضافت أن تكاليف تشغيل السفن البحرية تختلف عن وسائل النقل الأخرى، ما ينتج عنه من اختلاف أجور الشحن، كما أن القدرة الاستيعابية للسفن البحرية لا تضاهيها أى وسيلة نقل أخرى، فقد يصل بعضها إلى حمل عشرات الآلاف من الأطنان للبضائع العادية، موضحة أن هناك اختلافًا جوهريًّا بين نسب المخاطر التى تتعرض لها وسائل النقل البحرى مقارنة مع الوسائل الأخرى.
وأوضحت أن أنواع التأمين البحرى تنقسم حسب موضوع الوثائق إلى تأمين البضائع، الذى يعد أكثر الأنواع شيوعا، ويشمل مختلف البضائع السائلة أو الجافة، المخزنة فى صناديق خشبية أو ورقية، أو غير مغلفة مثل الحبوب ومواد البناء، وتمتد التغطيات إلى الأشياء الثمينة، مثل الذهب والغراء واللوحات الثمينة.
وأشارت إلى أن التأمين على السفن ينصرف بصورة أساسية إلى هيكلها وآلاتها ومعداتها، بهدف حماية صاحبها من الخسائر المادية، لتجنب تداعيات الأخطار البحرية المؤمن ضدها، مثل الغرق والجنوح والتصادم والارتطام، وقد تغطى الوثيقة سفينة واحدة أو أسطولًا.
وتابعت إن بعض الوثائق تختص بتغطية أجرة الشحن، عبر ضمان تعويض المؤمن له عن ضياع أجرة النقل، وتشمل ما يستحقه مالك السفينة من أجرة الشحن مقابل نقل البضائع إلى الجهة المطلوبة.
وأوضحت أن وثائق التأمين البحرى يثبت بها عقد التأمين البحرى، وتم بمقتضاها التعامل بين شركات التأمين والعملاء فى شكل التزامات قانونية منظمة فى محررات مطبوعة.
وذكرت أن وثائق التأمين البحرى تتضمن عادة شروطا عامة، ويضاف بها العناصر المتغيرة، ولابد أن تحتوى على الخطر المؤمن منه، والمدة، والقسط، ويضاف لها شروط إضافية تتفق وإرادة على إرادة العميل والشركة المؤمنة، ولابد أن تحتوى الوثائق من ذلك النوع على تاريخ ومكان الاكتتاب.
وقال إيهاب خضر، وسيط تأمين، إن أثر تأمين النقل البحرى على التجارة الخارجية يتضح فى أن عملية التعويض النقدى تتيح للمشترى أن يسترد قيمة ما أصاب موارده نتيجة فقدان أو تلف البضائع المنقولة، بغض النظر عما إذا كانت وثائق التأمين قد قدمها البائع أو المشترى.
وأشار إلى أن التأمين البحرى يعد اليوم مساعدا للتجارة الخارجية التى لا يمكن الاستغناء عنه، إذ إنه يقدم الوقاية اللازمة ضد الخسائر المحتملة أثناء نقل البضائع والممتلكات من مكان لآخر، وتتيح للمشتغلين فى التجارة الدولية المخاطرة برءوس أموالهم فى ثقة، مما يؤدى إلى زيادة حجم عمليات التبادل التجارى.
وذكر أن البنوك هى المسئولة إلى حد كبير عن تمويل عمليات التجارة الخارجية، ومن هنا يوفر تأمين النقل البحرى للبنوك الخسائر المتضمنة فى تغطيات الوثائق، فضلا على أن البنوك تشترط أن تكون وثائق التأمين ضمن المستندات المطلوبة لتمويل العمليات التجارية الخاصة بالبضائع المنقولة بحرا.
وألمح إلى أن المشترى فى حالة فقد البضائع أو تلفها يطالب شركة التأمين بقيمة التعويض، طبقًا لشروط وثيقة التأمين المبرمة، عن طريقه أو بواسطة البائع إن كان له الحق فى مثل تلك المطالبات طبقًا لاتفاقيات النقل الدولية، كما يتحتم على البائع عند إرسال البضائع عن طريق البحر أن يخبر المشترى ببداية الرحلة، ليتمكن الآخر من التأمين عليها ضد أخطار النقل البحري.
وذكر أن النقل البحرى يعد جزءًا أصيلا من التجارة الخارجية الحديثة، يتوقف عليه ازدهار التجارة البحرية، إذ إنه يؤدى إلى تطور حجمها لتغطية جميع الأخطار التى تتعرض لها أثناء النقل البحرى، كما أن تغطيات النقل البحرى تعد تأمينا دوليا، تتضمن معظم الأخطار، حسب الاتفاقيات الدولية.
وأوضح أن زيادة الطلب على خدمات تأمين النقل البحرى إنما يحد من الخطر الذى يواجهه المتعاملون الاقتصاديون، مشيرا إلى أن النقل البحرى يعد عصب التجارة الخارجية الدولية، إذ يمثل 80% تقريبا من النقل الدولى.
وأكد على لعب تأمين النقل البحرى دورا حيويا فى دعم التجارة الخارجية، مما يؤدى إلى تحقيق الطموحات المنشودة، موصيا بدراسة النقائص فى فرع التأمين البحرى ومستجداته ومحاولة تجاوزها، ودعم الإصلاحات فيه، مما يساهم فى تحريك التجارة الخارجية، مع تخصيص أعوان ووسطاء لإبرام وثائق تأمينية من المستثمرين فى التجارة الخارجية، لرفع رقم أعمال القطاع بشكل عام وجلب العملة الصعبة، فضلا على تشجيع المؤسسات البحرية للتأمين على بضائعها من أجل الحماية والضمان.
خضر: البنوك هى المسئول عن تمويل عمليات التجارة الخارجية
محسن: نشاط يزداد أهمية ويوفر مظلة دولية لنقل البضائع
مندور: تأمين السفن يشمل تغطيات هيكلها وآلاتها ومعداتها
