يهدد التعطل المتزامن فى ثلاث ممرات حيوية -هما قناة السويس المصرية، وقناة بنما، ومضيق باب المندب- التجارة الدولية، ويضعها فى مأزق نظرًا لأسباب مناخية وأخرى سياسية.
الأزمات التى طرأت على الممرات الثلاثة، أجبرت خطوط الشحن اتخاذ طرق أطول وأكثر تكلفة فى ظل توقعات خبراء سلاسل التوريد أنه مع استمرار تلك الاضطرابات سيخلق أزمة فى توفير السلع وارتفاع أسعارها.
وتنقل قناة بنما التجارة بين شرق آسيا والساحل الشرقى الأمريكى وتستحوذ على %5 من حجم التجارة الدولية، وتمتد على مسافة 80 كيلومترًا بين المحيطين الهادى والأطلسي.
وشهدت “بنما” تراجعًا كبيرًا فى عمليات العبورغير مسبوقة بفعل الجفاف، إذ أعلنت ادارة القناةعن جولة جديدة من تقليص حركة النقل بدلا من 48 سفينة إلى 28 سفينة يوميًّا اعتبارًا من فبراير 2024.
كما تتراجع حركة عبور السفن بقناة السويس خلال يناير 2024بنسبة %36.8 بسبب التوترات السياسية، إذ سجلت عبور 1362 سفينة مقابل عبور 2155 سفينة فى يناير 2023 بفارق 793 سفينة، مصاحبة تراجع فى الحمولات بنسبة %50.6 خلال يناير الماضى مسجلة 61 مليون طن مقارنة بعبور حمولات بلغت 123.5 مليون طن خلال يناير 2023.
وسجلت قناة السويس إجمالى إيرادات بلغت 429 مليون دولار فى يناير 2024، مقارنة بتسجيل إيرادات بلغت 802.2 مليون دولار خلال يناير 2023 بفارق 375.4 مليون دولار، حسبما أكدت مصادر مطلعة.
كما يعد الممر الثالث -مضيق باب المندب- أقل شهرة من قناة السويس إلا أنه منفذ البحر الأحمر إلى المحيط الهندي، ويقع بين اليمن وجيبوتى وإريتريا على الساحل الأفريقي، والذى يتعرض حاليا لهجمات من جماعة الحوثيين.
ويقوم “باب المندب” بنقل كميات هائلة منالبترول الخام ومشتقاته من الشرق الأوسط والخليج إلى أوروبا ومؤخرًا النفط الروسي، إذ بلغت كمية البترول العابرة منه فى عام 2023 نحو 8.8 مليون برميل يوميا، وكذلك يعبر 4.1 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز المسال حسبما أكد تقرير لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وقال الدكتور عمرو جودة، مدير التخطيط السابق بـ “APMT MAERSK” إن أزمات الممرات البحرية الثلاثسيدفع العالم إلى تغيير الخريطة الملاحيةمن خلال الاعتماد على طرق بديلة تغير شكل حركة التجارة خاصة ممر القطب الشمالي.
وأوضح “جودة” أن الممرات الملاحيةمتنوعةوتستحوذ على %61 من حركة شحن البترول وعلى رأسهامضيق هرمز والذى ينقل وحده 25% من تجارة البترول من دول الخليج العربى وبحر العرب مرورًا بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب إلى أوروبا، إذ يعبر من 20 إلى 30 ناقلة يوميابجانب 22% منتجارة السلع الغذائية والمواد الخام.
أشار إلى وجود ممر “ملقا” بين إندونيسيا وماليزيا وهو أقصر طريق بحرى بين الشرق الأوسط ودول الصين واليابان بجانب مضيق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا.
أوضح أن أن تعطل الطرق الثلاثة المهمة مجتمعة سيؤدى إلى تفاقم التضخم، وزيادة تكاليف الشحن، وطول مدة الابحار وتأخر وصول المنتجات وبالتالى ندرة المعروض أمام زيادة الطلب.
وأضاف “جودة” أن عمل قناة السويس وقناة “بنما” يقلل المسافات التى تقطعها السفن فى البحار، لاسيما بعد تلك الاضطرابات أصبح رأس الرجاء الصالح الطريق الرئيسى الحالى لحركة التجارة بعد صعوبة الاتجاه إلى قناة السويس.
واتفق معه، الدكتور محمد صلاح خبير اللوجستيات، أن استمرار تلك التهديدات وتعطل الطرق الثلاث الرئيسية سيكبد التجارة الدولية خسائر كبيرة بشكل عام والنقل البحرى بشكل خاص، وذلك بسبب الزيادات المتلاحقة فى أقساط التأمين على السفن والشحن وارتباك فى حركة الموانئ وتأخيرات فى وصول مواد الخام وبالتالى نقص البضائع.
ومن ناحيته، قال الدكتور يحيى رشدي، المستشار الاقتصادى لهيئة قناة السويس، أن تعثر الطرق الرئيسية للتجارةتسبب فى تباطؤ سلاسل الإمداد وندرة السلع فى مناطق مقارنة بوجودها فى مناطق أخرى.
وتوقع “رشدي” ازدهار التجارة البينية بين الدول القريبة من بعضها لتعويض نقص مواد الخام والمنتجات، مثل دول منطقة شرق آسيا، ومنطقة أمريكا الشمالية، وأوروبا.
وأشار “رشدي” أن العالم سيشهد موجة غلاء واختفاء عدد من السلع خاصة المعمرة لعدم اكتمال إنتاجها بسبب تعطل سلاسل التوريد، متوقعًا أن تعانى قناة السويس على الأمد الطويل من تراجع شديد.
ومن ناحيتها، قالت الدكتورة شيماء عبد الرسول، مدير وثائق البحارة بشركة لاند مارك مارين، أن التوترات الجيوسياسية التى حدث أثر هجمات الحوثيين على السفن أثناء عبورها بالبحر الأحمر، أدى إلى أزمة فى تعطيل حركة سلاسل الإمداد العالمية، كما يشكل خطورة على حركة التجارة.
وقالت “عبد الرسول” إن تداعيات الأزمة شهدت ارتفاع تكلفة المنتج، وبالتالى زيادة أسعار السلع على المستهلك النهائي، لافتة إلى أن تكلفة متزايدة بسبب عدم استقرار الوضع، مما سيؤدى إلى زيادة ارتفاع أسعار النفط.
وأضافت أن تلك التوترات أدت إلى ارتفاع حركة الملاحة عبر طريق رأس الرجاء الصالح جنوب القارة الأفريقية بنسبة %67 بالرغم من الفارق بمدة رحلة أطول لما يقرب من أسبوع بين آسيا وأوروبا، مما أدى إلى تراجع بنسبة %46 فى عائدات قناة السويس.
ومن جانبه، قال المهندس مصطفى إبراهيم، المدير التنفيذى لشركة sustain” chain” المتخصصة فى تحليل وتطوير الأداء لسلاسل الإمداد بالأسواق، أن التجارة الدولية تعانى من شلل -على حد وصفه-بسبب التأثير السلبى لتداعياتتعثر الممرات الرئيسية الثلاث، متوقعًا ارتفاع الخدمات اللوجستية بنحو %35 مما سينعكس على أسعار البضائع بدول أوروبا وأمريكا وليست الدول العربية وحدها والتى من المتوقع زيادتها بنسبة %15.
