سالي رضوان: تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي اسم رنان ولها أضرار على البيئة

قالت الدكتورة سالى رضوان كبير المسؤولين الرقميين بالبرنامج البيئى للأمم المتحدة والمستشارة السابقة لوزير الاتصالات فى مجال الذكاء الاصطناعى

Ad

قالت الدكتورة سالى رضوان كبير المسؤولين الرقميين بالبرنامج البيئى للأمم المتحدة والمستشارة السابقة لوزير الاتصالات فى مجال الذكاء الاصطناعى إن مصطلح الذكاء الاصطناعى عبارة عن «كلمة رنانة» واسم غير دقيق ولا يعبر بأمانة عن دور وعمل هذه البرمجيات التى تجعل الجماهير العادية الغير مطلعة تتخيل أنه أداة قادرة على اكتشاف المشكلات وحلها بشكل آلي، مؤكدة أنه مصطلح تسويقى فى الأساس وليس علمى بشكل كاف.

وأوضحت رضوان فى حوار مع «المال» أن الذكاء الاصطناعى أداة تكنولوجية ورغم كونها تسهم فى حل مشكلات معقدة إلا أن لها مجموعة من المخاطر والعيوب لا يمكن إغفالها أو التغاضى عنها، لذلك يجب عمل دراسة دقيقة ووافية وشاملة قبل الشروع فى دمج هذه التكنولوجيا وتضمينها فى أى نظام لاسيما وأنها مكلفة للغاية وتسبب أضرارا بيئية طويلة الأجل.

وقالت إن برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة يستهدف التركيز على ثلاث محاور هى قضية تغير المناخ، والتنوع البيئى الذى يشمل الحفاظ على النباتات والحيوانات والأشكال المختلفة من الحياة على كوكب الأرض، وأخيرا تقليل التلوث بكل أشكاله وعلى رأسه الانبعاثات الكربونية الضارة، مؤكدة أن هذا البرنامج له صلة وثيقة بالحلول الرقمية ومنها تقنيات الذكاء الاصطناعى لمساعدة كوكب الأرضى لمواجهة المخاطر التى تهدده.

وأشارت إلى أن بناء القدرات العلمية والتقنية والتشريعية من ضمن أهداف مشاريع الأمم المتحدة، وذلك من خلال تعزيز التعاون الدولى وتبادل الخبرات ونقلها والعمل على إيجاد التوازن بين التطور التكنولوجى والحفاظ على البيئة من الانبعاثات الضارة، لاسيما وأن مراكز البيانات ومصانع المياه والطاقة تزيد البصمة الكربونية.

كما أن عملية استخراج المعادن الثمينة من باطن الأرض بهدف تضمينها فى الأجهزة الإلكترونية المختلفة له آثاره على التغير المناخي، لذلك تسعى الأمم المتحدة لتدوير المنتجات مثل الهواتف الذكية والنفايات الإلكترونية لإعادة استخدام المواد الأولية بالإضافة إلى توعية الأفراد لمواجهة التغير المناخى والحفاظ على التنوع البيولوجى.

وأضافت أنه يجب قياس الأثر المتوقع impact assessment لمعرفة تبعات دمج واستخدام الذكاء الاصطناعى فى تحديد وحل مشكلة بعينها، منوهة إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعى يكون لحل مشكلة حقيقة لها أبعاد لا يمكن للوسائل التكنولوجية التقليدية حلها.

بيروقراطية الوزارات

فى سياق متصل شددت على ضرورة التوسع فى استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى داخل الجهات الحكومية، مؤكدة أنه يجب الا تكون هدفا فى حد ذاته بل وسيلة ضمن خطة أشمل لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.

ورأت أن عملية التحول الرقمى للجهات الحكومية وإن كان خطوة ضرورية إلا أن توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى فى تطوير أدائها لن يسهم بالضرورة فى تحسين الخدمة لاسيما وأن المشكلة الرئيسية تكمن فى سلسلة العمليات المعقدة والإجراءات المتشابكة فى النظام الحكومى وليس فى نوعية التكنولوجيا والأدوات الرقمية المستخدمة.

وأكدت على ضرورة إزالة سلسلة الإجراءات البيروقراطية داخل الوزارات حتى يعمل الذكاء الاصطناعى بكفاءة فى حال دمجه بالنظام، لأن مجرد وجود هذه التقنيات لن يضمن إدارة العمليات المختلفة للوزارات بسلاسة.

وقالت على سبيل المثال إذا كانت جهة حكومية ما تريد تحسين خدماتها يجب أن تكون الخطوة الأولى تحديد المشكلة بدقة من الناحية النظرية ومحاولة إيجاد حلول، وبالتالى لابد أن تلجأ الوزارات المعنية لما يسمى الـprocess mapingأو وضع خريطة للعمليات المختلفة لحل وتبسيط المشكلة على الورق بالخطوات المختلفة وتحديد ما هى الخطوات التى يجب الاستغناء عنها والخطوات المهمة التى يجب الاحتفاظ بها.

وأشارت إلى أن كل أشكال التحول الرقمى بما فيها الذكاء الاصطناعى يعمل على حل نقاط محددة للغاية وجزء معين من مشكلة موجودة تكون غير قابلة للحل بالتكنولوجيات الأخرى الأكثر بساطة، واصفة الذكاء الاصطناعى بأنه مجموعة تكنولوجيات معقدة للغاية، يعمل على غرار الخلايا العصبية فى المخ البشري، كما أنها تقنية مكلفة للغاية من ناحية الوقت والمجهود والتكلفة الفعلية تحتاج إلى وجود أجهزة هارد وير متصلة بقاعدة بيانات محدثة ومدققة.

كما لفتت إلى أن إنشاء نماذج للذكاء الاصطناعى ببيانات منقوصة أو قديمة وغير محدثة باستمرار سيرتب عليها مخرجات منحازة لا تخدم قطاع الجمهور المستهدف ولا تعبر بالضرورة عن الحالات المختلفة لهذه المشكلة التى من المفترض أن يعالجها ومن ثم عدم تحقيق العدالة المطلوبة.

واستطردت قائلة : « يواجه استخدام التقنيات المتقدمة للغاية تحد حقيقى فى مصر خاصة وأنه يحتاج لفريق من الكوادر المؤهلة للتعامل معه وتشغيله ومعرفة كيفية استخراج معلومات ونتائج منه».

مخاطر بيئية

وسلطت الضوء على التأثير البيئى السلبى لهذه التكنولوجيا، إذ أنها تحتاج إلى كميات كبيرة من أجهزة الهاردوير مزودة بوحدات معالجة رسوميات GPU فائقة ينتج عن تشغيلها درجات حرارة مرتفعة للغاية تؤثر سلبا على ظروف المناخ وتزيد من نسب الاحتباس الحرارى وانبعاثات ثانى أكسيد الكربون الضارة.

وتساءلت عن جدوى التوسع فى استخدامات تقنية الذكاء الاصطناعى فى ظل كل هذه الآثار البيئية طويلة الأمد؟،معتبرة أن التنفيذ يكون مجديا حال كانت المنافع أكبر من الخسائر والمخاطر المحتملة.

الشركات العالمية كلمة السر

وأكدت أن تعظيم الاستفادة من الذكاء الاصطناعى لن يكون من خلال برامج مستوردة من الخارج ودمجها فى التطبيقات سواء الحكومية أو فى الشركات العاملة، بل من خلال بناء صناعة الذكاء الاصطناعى وتوطينها فى مصر ونشر الوعى بطرق استخدامها وأوجه الاستفادة منها بالطرق المثلى، وبالتالى خلق كوادر شابة واعية تتعامل مع التقنيات الحديثة المختلفة مثل البلوك تشين والطباعة ثلاثية الأبعاد والحوسبة الكميةquantum computing.

وأوضحت أن الذكاء الاصطناعى له أجيال متعددة وتطورات سريعة، وبالتالى يجب أن نكون مستعدين للتعامل مع هذه التكنولوجيات الجديدة التى يتم تطويرها وبناء نسخ منها بوتيرة سريعة، وأيضا نشر الثقافة التكنولوجية بين أفراد الشعب المصرى خاصة وأن اسم الذكاء الاصطناعى لا يعبر بدقة عن الأسس المنظمة له لأن الناس تعتقد أنه خارق ويحل كل الأزمات بالرغم من محدودية مثل هذه التطبيقات.

وأشارت إلى أهمية بناء النظام البيئى للشركات العاملة فى مصر وتوفير مناخ استثمارى جاذب للشركات الأجنبية حتى يتسنى لمصر الدخول فى حلبة الابتكار التكنولوجى والمساهمة الفعالة فى الاقتصاد الذى يقوده ويشكله الذكاء الاصطناعي.

وطالبت بضرورة الاهتمام بالنظم التعليمية وتزويد النشء بالدورات التدريبية اللازمة فى هذا الصدد، علاوة على بناء جامعات متخصصة فى الذكاء الاصطناعى تركز على الجانب التطبيقى العملي، مع تطوير مخرجات البحث العلمى والذى يعد – على حد وصفها بمثابة العمود الفقرى لبناء شركات ناشئة ناجحة تستطيع إثبات ذاتها فى مختلف الأسواق ومن ثم إنعاش الاقتصاد

مبادرات دولية

وقالت إنه توجد مبادرات على المستوى الدولى تتعلق بتعزيز سبل التعاون المشترك بين الدول بشأن استخدامات الذكاء الاصطناعى بجميع فروعه، منها على سبيل المثال شبكة للمراكز البحثية لاستخدامات الذكاء الاصطناعى فى الطب والمجالات الصحية، ومع ذلك مصر ما زالت غائبة عن هذه الشبكات الدولية وليس لها حضور كاف.

وتابعت أن ما تشهده مصر من خطوات فى ملف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى مجهودات فردية لا ترتقى إلى قدرات مؤسسية أو مركز بحثى داخل جامعة يختص بالذكاء الاصطناعى فى قطاعات الصحة والتعليم والزراعة، مشددة على ضرورة وجود مراكز بحثية فى هذا المضمار وهو ما تفتقده مصر حتى الآن.

قوانين ولوائح

وأشارت إلى أن مصر من أوائل الدول العربية التى اهتمت بوضع ضوابط أخلاقية وأطر تنظيمية لهذه التقنية الجديدة، كما كانت لها أيضا الريادة الإفريقية فى الانضمام إلى اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية عن وثيقة الاستخدام المسؤول لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعين والصادرة فى عام 2019.

وتابعت : «ساهمت مصر أيضا بفاعلية فى إصدار وثيقة اليونيسكو خلال عام2021 وهى الأطار التنظيمى الدولى الوحيد الذى انضمت إليه نحو 193 دولة عن أخلاقيات الذكاء الاصطناعى إلا أن نقطة ضعفها الوحيدة تتمثل فى كونها غير ملزمة، وتضع مبادئ عامة مجردة، وبالتالى لابد لكل دولة أن تضع أطر خاصة بها لتطبيق مبادئ الوثيقة وتحويلها من مجرد نظريات إلى واقع عملي، منوهة أن اليونيسكو عملت مع دول لإصدار برامج تجريبية لتفعيل الوثيقة لكن مصر لم تكن ضمن قائمة الدول المفعلة للميثاق.

وأردفت : «أصدرنا كذلك الميثاق المصرى للذكاء الاصطناعى المسؤول الذى يتضمن قرارات وقوانين وقواعد لتنظيم استخدامه وهذه كانت خطوة جيدة ولكن يظل التفعيل خطوة مهمة للغاية، مبينة ضرورة مشاركة مصر فى المناقشات الدولية التى تخص تنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعى ووضع ضوابط أخلاقية لها، لاسيما وأن التقنية الجديدة لها أبعاد قانونية وأخلاقية وتقنية وعملية ومالية مهمة جدا، مع الموازنة بين أن يكون لدينا فهم عميق للتكنولوجيا وكيفية تطبيقها لتحقيق الأهداف وفى الوقت ذاته تتماشى مع ضوابط المجتمع الدولي».

وأكدت على ضرورة تدريب كوادر بشرية قادرة على التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعى مع تطوير هذه النماذج محليا، معتبرة أن كلمة السر فى توطين هذه الصناعة هى استقطاب الشركات العالمية وبالأخص من الصين وأمريكا لإقامة مراكز أبحاث إقليمية فى مصر من خلال تهيئة المناخ الاستثماري، ووضع استراتيجية واضحة لآليات التعامل معها.

ونوهت عن ضرورة أن يكون لدى مصر رؤية استراتيجية وإطار مؤسسى لتوطين صناعة الذكاء الاصطناعى ودور فى المشهد العالمى الأمر الذى يحتاج إلى تعاون كافة أجهزة الدولة ووجود رؤى متوافقة بين جميع الجهات الرسمية.

استراتيجيات متنوعة

وأشارت إلى أن كل دولة تهتم بجزء محدد فى مجال الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال تهتم أمريكا بمجال الأبحاث الأولية، مع تطوير نماذج أولية للذكاء اصطناعى وإعطاء محفزات للجامعات والمراكز البحثية لنشر أبحاث وأوراق بحثية خاصة بهذا المجال، ولأن الاقتصاد الأمريكى يقوده القطاع الخاص فهى مهتمة بالربحية لذلك توجد شركات جوجل وميتا وتسلا وأمازون وopen aiتستخدم الذكاء الاصطناعى فى تحسين جودة الإعلانات الموجهة للجمهور وبالتالى تعظيم الربحية.

وقالت إن الصين تركز على التطبيقات وتحويل الأبحاث المتعلقة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى على مستوى العالم لتطبيقات تخدم الاقتصاد، فيما تهتم أوروبا بتطبيق مباديء الحوكمة وتقليل الأضرار المترتبة على استخدامات الذكاء الاصطناعى كما أنهم يهتمون بالتطبيقات فى المجالات التنموية مثل الزراعة والصحة والتعليم.

وأوضحت أن دول منطقة الخليج العربى وتحديدا السعودية والإمارات تضخ استثمارات ضخمة لاجتذاب المواهب التكنولوجية والشركات لبناء مؤسسات تقوم النهضة الذكاء الاصطناعى فى هذه الدول، إذ توجد فى المملكة هيئة منظمة لكل جوانب الذكاء الاصطناعى سواء للتطبيقات أو الاستراتيجية أو الاستثمارات الخاصة بهذه التقنية والحوكمة، كما تهتم بالاستثمارات فى الجامعات والمراكز البحثية والشركات الناشئة التى يتم اجتذابها.

بينما تعمل شركة G42المملوكة للدولة فى الإمارات مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص على دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي، جنبا إلى جنب مع الاستثمار فى تنمية قدرات جامعة محمد بن زايد، معتبرة أن وجود بنية تحتية قوية ومتطورة تمكن من تطوير تطبيقات بالذكاء على غرار نموذج اللغوى falcon والذى يشبه حاليا تطبيقchatGPT،وبدأ فى منافسة أفضل النماذج اللغوية وظهر اسمه مؤخرا فى الدوريات العلمية.

كما حذرت سالى من عشوائية الأداء ومحاولة مسايرة الترند الخاص بالذكاء الاصطناعى دون وعى كاف، كالإعلان عن تحويل 50 % من التطبيقات الحكومية للعمل بهذه التكنولوجيا بلا أهداف مدروسة.

وأشارت إلى أن العالم يتجه حاليا نحو تبنى لـSMALL LANGUAHE MODELأو نماذج اللغات الصغيرة والتى يتم تغذيتها بقاعدة بيانات بسيطة نسبيا كما أنها ليست بنفس التعقيدات الفنية للنماذج اللغوية الكبيرة.

تطبيقها يتطلب وجود كوادر فنية مؤهلة..والاحتباس الحرارى وانبعاثات الكربون أبرز المخاطر

توجد مجهودات فردية بمصر لا ترتقى إلى درجة المؤسسية

يجب الحذر من عشوائية الأداء ومسايرة «الترند» دون وجود أهداف محددة

«falcon» الإماراتى ينافس «شات جى بى تي»

دول الخليجى تستقطب المواهب والكيانات العالمية باستثمارات ضخمة