لعب الدولار الأمريكى دورا محوريا فى الأنظمة النقدية والاقتصادية الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد حاولت بعض البلدان تاريخياً تقليل اعتمادها على الدولار، وهو ما يطلق عليه “التخلص من الدولرة” إلا أن أى من هذه المحاولات لم تكن واسعة النطاق، بحسب تقرير نشره موقع International Banker.
وبحسب التقرير، كان عدم الرضا عن هيمنة الدولار والقوة التى يمنحها لواشنطن واضحا، إلا أن جهود التخلص من الدولرة لم تحقق حتى الآن نتائج ملموسة، ولذلك، فإن هيمنة الدولار الأمريكى وتفوقه لا تزال تتصدر المشهد العالمى الحالى.
ومع ذلك، فإن الأمر مختلف هذه المرة ، إذ انتشر السخط بشأن هيمنة الدولار فى جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، وأصبح التخلص من الدولار جزءاً أساسيا من سياسات واستراتيجيات بعض البلدان.
لكن جهود الحد من الدولرة لا تعنى أن التخلص الدولار أصبح وشيكاً أو أن نفوذ العملة الأمريكية قد انتهى، وفقا للتقرير، إذ لا يوجد بديل قوى للدولار حاليا.
ومع ذلك، بحسب التقرير، فإن مساوئ الاعتماد المفرط على الدولار كانت ملموسة بشدة فى البلدان النامية، وفى هذا السياق، بدأت العديد من البلدان فى البحث عن بدائل للدولار فى المدفوعات التجارية، واحتياطيات النقد الأجنبى، وأساليب المقاصة المالية، وإصدارات السندات.
وأشار التقرير إلى أن التخلص من الدولار يعكس المشاعر والجهود الرامية إلى الانتقال من عالم أحادى القطب إلى عالم متعدد الأقطاب.
الأساس الاقتصادى للتخلص من الدولرة
تقوم الدول والمستثمرون حاليا، بإعادة تقييم دور الدولار فى الاقتصاد العالمى وتأثيراته على النظام المالى العالمى إذ إن التخلص من الدولرة لا يشكل حالة مزاجية، فهناك أسباب اقتصادية وراء هذا الاتجاه.
فعدم التناسق بين الثِقَل الاقتصادى الأمريكى المتقلص فى العالم منذ الحرب العالمية الثانية والدور المهيمن المتنامى الذى يلعبه الدولار كان سبباً فى إثارة المخاوف المرتبطة بالاستقرار المالى العالمى.
إن حصص الدولار الأمريكى فى الاحتياطيات الأجنبية الدولية، ومعاملات التجارة العالمية، والسندات الدولية، والقروض عبر الحدود أكبر بعدة مرات من حصص الولايات المتحدة فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى والتجارة الدولية.
وبحسب التقرير، فإنه من المذهل أن نفكر فى المخاطر المحتملة التى قد تواجهها دولة واحدة (الولايات المتحدة)، مع انخفاض حصتها فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى من نحو %45 إلى ما يقرب من %25 منذ الحرب العالمية الثانية، ولا تزال تتحمل عبئاً أو مسؤولية ضخمة عن أداء الاقتصاد العالمى.
وأوضح التقرير أن مثل هذا التركيز للسلطة فى يد دولة واحدة يبدو مخيفاً لبقية دول العالم.
ويرى العديد من الباحثين أن النظام المالى الدولى الذى يهيمن عليه الدولار حاليا يميل لصالح الولايات المتحدة وغير قابل للاستدامة.
وأشار التقرير إلى أن الإجراءات الرامية إلى استخدام الدولار كسلاح لتعزيز السياسات الخارجية الأمريكية أو وضع المصالح الاقتصادية الأمريكية فوق بقية دول العالم، كانت محسوسة بشدة، بل وعانت منها، بلدان أخرى، وخاصة البلدان النامية، لأن قدرتها على الصمود فى مواجهة الصدمات الخارجية ضعيفة.
ومن الأسباب الاقتصادية للتخلص من الدولرة أن هناك مخاوف بشأن تحويل الموارد عبر الدولار من الدول إلى الولايات المتحدة إذ إن تفوق الدولار الأمريكى يؤدى إلى زيادة الطلب العالمى عليه باعتباره أصلاً آمنًا للاحتياطيات الأجنبية والاستثمارات، فهذه الميزة تسمح للولايات المتحدة باستيراد السلع والخدمات الأجنبية فى كثير من الأحيان بتكلفة منخفضة.
وذكر التقرير أن اقتراض الأموال بتكاليف منخفضة فى الأسواق العالمية، ثم إعادة تدوير الدولارات بعوائد أعلى، يُعَد أحد الامتيازات الممنوحة للولايات المتحدة بدولارها.
وكان فرض العقوبات على روسيا سبباً فى إثارة المخاوف من استخدام واشنطن لهيمنة الدولار كوسيلة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية.
أساليب التخلص من الدولرة
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتمدت التجارة العالمية على الدولار إذ يتم تسعير معظم السلع وتداولها بالدولار الأمريكى، رغم أن التجارة الفعلية قد لا تكون لها علاقة بالولايات المتحدة ، لذا فمن غير المستغرب أن يكون الاتجاه الحالى للتخلص من الدولار هو استخدام عملات بديلة فى مدفوعات التجارة.
وخلال العقدين الماضيين، حاولت البنوك المركزية فى العديد من البلدان تنويع محافظها الاستثمارية بعيداً عن الدولار، فمنذ مطلع الألفية، انخفضت حصة الدولار فى الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبى بأكثر من %10، ومقارنة بذروتها التى بلغت %85 فى عام 1977، كان انخفاض الدولار الأمريكى فى الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبى كبيرا.
وفى خضم سعيها إلى إيجاد بديل آمن للدولار، تحولت البنوك المركزية إلى الذهب والعملات الأخرى إذ سجلت مشتريات البنوك المركزية من الذهب مستويات قياسية، مما ساهم فى الارتفاع الحاد فى أسعار الذهب، وقد شهد عام 2022 شراء البنوك المركزية لكمية قياسية من الذهب بلغت 1089 طنًا.
تعد البنية التحتية العالمية للمدفوعات عبر الحدود، التى تهيمن عليها جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT) ونظام المدفوعات بين البنوك (CHIPS) التابع لغرفة المقاصة فى الولايات المتحدة، ضرورية للأنشطة المالية الدولية كما أنها وسيلة مهمة لفرض العقوبات المالية.
وقد تم تطوير عدد قليل من الأنظمة البديلة فى الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، لكن لم يتم استخدامها على نطاق واسع بعد.
وفى إطار جهود التخلص من الدولرة ، بدأت الصين والهند وجنوب أفريقيا فى تدويل عملاتها، كما تم تطوير العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) للمساعدة فى تسريع تسوية المعاملات عبر الحدود.
