يبدو أن عام 2024 سيشهد اندلاع عدد من الأزمات بالقطاعات الصناعية عالمياً، فى ظل حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي، وسط توسيع الصراعات الإقليمية والعالمية، وما لها من تأثيرات على حركة الملاحة فى البحر الأحمر وبحر الصين الجنوبى.
ورغم بدء الصراعات منذ عدة أشهر، إلا أن عددا من المؤسسات الدولية و الخبراء أكدوا أن نتائج تلك الصراعات ستطفو على السطح خلال شهر مارس القادم، بعد تأثر سلاسل التوريد بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة، مما يهدد بخلق حالة من الانكماش على الصعيدين العالمى والمحلى.
«المال» تواصلت مع عدد من الشركات العاملة فى صناعة الأدوية بالسوق المصرية للوقوف على حجم المخزون من الخامات الدوائية، جميعهم أكد أن أزمة نقص الخامات بدأت تلقى بظلالها على القطاع منذديسمبر من العام الماضى.
وقال مصدر مسؤول بشركة إيفا فارما- العاملة فى صناعة الدواء إن كافة الشركات العاملة فى سوق الدواء المصرى باتت لديها أزمة حقيقة فى عمليات استيراد خامات الأدوية من الخارج.
وأضاف المصدر الذى فضل عدم ذكر اسمه فى تصريحات لـ«المال» أن إيفا فارما أوقفت إنتاج العديد من الأصناف نتيجةعدم توفر الخامات المستخدمة فى عملية التصنيع، مشيرا إلى أن أغلب الأصناف التى توقف إنتاجها حتى الآن تشمل عدداً قليلاً من المستحضرات الدوائية، والعدد الأكبر منها خاص بالعناية بالبشرة والشعر.
ولفت المصدر إلى أن عملية تدبير العملة الأجنبية، علاوة على وجود العديد من الأزمات التى ظهرت فى سلاسل الإمداد بفعل الصراعات المتسارعة فى المنطقة وما ترتب عليها من تأخر وصول الشحنات، سيظهر صداها خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأشار إلى أن العديد من الشركات ومع ما يشهده العالم من صراعات وأزمات اقتصادية خانقة باتت تطالب وبشكل جاد بضرورة العمل على زيادة أسعار الأدوية بما يضمن استمرار وجود الاستثمارات المحلية والأجنبية، وكذلك تقديم منتجات تتمتع بالفعالية.
وفى آخر دراسة لها قالت مؤسسة أبحاث السوق «كيو»إن الأزمات الجيوسياسية بالمنطقة تتصاعد مع تزايد توترات البحر الأحمر، و الهجمات التى تشنها « الحوثيون» فى اليمن على السفن التجارية التى تنقل بضائع إلى إسرائيل نتيجة لعدوانها على قطاع غزة منذ شهر أكتوبر الماضي.
وشملت الدراسة استطلاع رأى ما يقرب من 1000 مدير فى مجالات سلاسل التوريد وإدارة المخاطر فى العديد من الصناعات، و أكد غالبيتهم أنهناك قيود عديدة متزايدة على التجارة العالمية الحرة وزيادة التعريفات الجمركية وعمليات الحظر على الاستيراد، مشيرًا إلى أن هذه الأمور ستخلق حالة من عدم الاستقرار المتزايد لسلاسل التوريد خلال العام الجاري.
ولفتت الدراسة إلى أن أحد أسباب تماسك العديد من الصناعات على المستوى العالمى حتى الآن رغم حالة الصراعات المتسارعة، هو قيام العديد من الكيانات بزيادة مخزونها من الخامات وذلك منذ أعقاب جائحة كوفيد.
واعتبرت المؤسسة أن الحرب فى غزة أدت إلى اشتعال التوترات فى منطقة الشرق الأوسط، وشكلت عواقب وخيمة على حركة الملاحة البحرية العالمية فى ضوء هجمات الحوثيين فى البحر الأحمر، كما خلقت اضطرابات فى قطاع التكنولوجيا.
وأضافتأنه لا تزال التوترات بين الصين وتايوان مستمرة، مما يعرض إمدادات المكونات الإلكترونية للخطر، لاسيما وأن تايوان تساهم بأكثر من %60 من الإنتاج العالميفى هذا الإطار.
و توقعت مؤسسة «جارتنر» الدولية للأبحاث، أن تقع %45 من المؤسسات العالمية ضحية للهجمات الإلكترونية التى تستهدف سلاسل التوريد الخاصة بهابحلول العام 2025.
وأشارت إلى أنه فى تايوان على سبيل المثال، ارتفع عدد الهجمات الإلكترونية اليومية بنسبة %80 حاليًا مقارنة بالعام الماضي، ويتم استهداف مصنعى أشباه الموصلات بشكل خاص بسبب أهميتها الاستراتيجية.
وقالت إن الصراعات السياسية لم تكن هى الوحيدة التى تدفع بخلق أزمات فى سلاسل التوريد، لكن واجهت قناة بنما صيف العام الماضى جفافا غير مسبوق، مما أدىلفرض قيود على حركة المرور لعدة أسابيع وتعطيل سلسلة التوريد من خلال تمديد فترات التأخير وزيادة التكاليف، والمعروف أن قناة بنما تتحكم في%6 من التجارة البحرية عالميًا.
وكان عدد من الأصناف الدوائية شهد زيادات سعرية بالسوق المحليةخلال الفترة الماضية، تجاوز بعضها %100 وسط اختفاء أخرى خاصة بعلاج الأمراض المزمنة، والتى باتت تشكل أزمة حقيقية أمام المرضى.
وأكد أحد رؤساء شركات الأدويةفى تصريحاتنشرتها «المال» مؤخرا أن زيادات أسعار المستحضرات والعقاقير باتت ضرورية للغاية لإنقاذ هذا القطاع الحيوي، مشيرًا إلى أن الارتفاعات الأخيرة التى تشهدها أسعار خامات الأدوية، علاوة على زيادة تكاليف الإنتاج تدفع الشركات للتحرك وبشكل عاجل لرفع ثمن الأصناف التى تنتجها.
