قال خبراء ومحللون مصرفيون إن عملية تشريع التمويل البديل تهدف إلى منح البنك المركزى الرقابة الكاملة والسيطرة على كافة أشكال التمويل التى تتم سواءً من خلال شركات التمويل الاستهلاكى وغيرها من الشركات الأخرى، بالإضافة إلى تلك العمليات المالية التى تتم عن طريق الإنترنت.
ويعمل البنك المركزى المصرى حاليا بالتعاون مع الهيئة العامة للرقابة المالية على وضع الإعدادات الأخيرة المسودة مشروع قانون تنظيم أنشطة التمويل البديل وأنشطة التكنولوجيا المالية المرتبطة بالخدمات المصرفية.
وأضاف الخبراء، فى حديثهم لـ «المال»، أن البنك المركزى يسعى، من خلال القانون الجديد، إلى تنظيم عمليات وأنشطة التمويل التى تتم بخلاف أشكال التمويل التقليدية التى يقدمها القطاع المصرفى.
وأوضحوا أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ستكون هى المعنية بجزء كبير من هذا القانون، خاصة فيما يتعلق بتمويل رأس المال العامل، وشراء الآلات والمعدات وخلافه، بالإضافة تمويلات الأفراد وعمليات الإقراض الاستهلاكى.
مصادر تمويل غير تقليدية
قال محمد عبد العال، الخبير المصرفى، إن التمويل البديل هو أى شكل من أشكال التمويل بعيدًا عن مصادر التمويل المصرفى التقليدى، معتبرًا أنه ينطوى على أهمية كبرى، لا سيما فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية المحلية والعالمية، والاختلالات على صعيد الاقتصاد الكلى فى مصر والعالم، وهى تلك التحديات التى تفرض حتمية البحث عن وسائل تمويلية جديدة.
وأضاف أن التمويل التقليدى الذى يقدمه القطاع المصرفى يخضع لاشتراطات صارمة جدًا، منها وجود ضمانات مادية أو عينية، وكذلك تاريخ ائتمانى طويل، ودراسات جدوى كبيرة، ورأس مال بأحجام كبرى، وملاءة مالية قوية غيرها من الاشتراطات.
وأشار إلى أنه فى ظل التطور التكنولوجى الكبير وما وفره من وسائل وأدوات تمكّن من قياس الجدارة الائتمانية بشكل كبير، سواء من خلال الـ I SCORE، أو غيرها من طرق قياس الملاءة المالية بشكل غير تقليدى.
وأكد أن الشركات والدول، على حد سواء، تعمل حاليًا على البحث عن طرق تمويلية غير تقليدية تمكنها من الحصول على متطلباتها المالية بشكل سريع وسلس، لافتًا إلى أن التمويل البديل يغطى احتياجات مجموعة كبيرة من الأنشطة والآليات المالية.
وأفاد أن هذه الوسائل والآليات التمويلية الحديثة تحظى بإقبال كبير من قبل رواد الأعمال والشركات الناشئة بشكل خاص، نظرًا لكونها توفر لهم الاحتياجات التمويلية التى يحتاجون إليها دون اللجوء إلى طرق التمويل الأخرى التقليدية، والتى عادة ما تنطوى على اشتراطات كثيرة ومعقدة.
وأشار إلى أن التمويل البديل يوفر الكثير من الاختيارات المالية التى تناسب قطاعات أوسع من الشركات والمؤسسات الطالبة للتمويل، ناهيك عن توفير اشتراطات ميسرة للشركات والمؤسسات، ناهيك عن إتاحة الوصول إلى قواعد جديدة من العملاء الذين يعملون على خلق نماذج أعمال جديدة ومبتكرة.
وبيّن أن هناك الكثير من أشكال التمويل البديل أبرزها التمويل الجماعى، والادخار الرقمى، والتأجير التمويلى، والتمويل العقارى، صندوق الاستثمار الخاص، والصكوك السيادية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والاستثمار الملائكى، والتمويل مقابل العائد، وغيرها.
استهداف الشركات الصغيرة والمتوسطة
قالت سهر الدماطى، الخبيرة المصرفية وعضو مجلس إدارة بنك التعمير والإسكان، إن واحدًا من ضمن أهداف تقنين التمويل البديل الذى يعمل البنك المركزى على وضع إطاره التشريعى، تسريع حصول الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر على التمويل، وذلك نظرًا لكونها تسهم فى تخفيض البطالة وكذلك لأنها واحدة من أهم القطاعات التى تسهم فى دعم الناتج المحلى الإجمالى.
وأضافت أن هذا التمويل البديل يستهدف تمويل رأس المال العامل، بما يعنى تسهيل حصول الشركات على التسهيلات اللازمة من أجل شراء المعدات والآلات اللازمة للإنتاج، لافتة إلى أن تمويلات الأفراد ستكون مندرجة ضمن هذا المسار كذلك.
يتمثل الهدف من التمويل البديل، بحسب دراسة أعدها صندوق النقد العربى، فى الحصول على التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وحتى للأفراد من خارج القروض المصرفية التقليدية لتأمين رأس المال التشغيلى العديد من هذه المصادر البديلة موجودة على الشبكة الإلكترونية، وتبحث المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فى سلك هذا الطريق للتمويل إذا تم رفض الحصول على قروض.
تمويلات الأفراد
وأشارت «الدماطى» إلى أن التمويل الاستهلاكى ومحافظ التجزئة وكل الأنشطة المماثلة ستكون مشمولة بهذا التمويل البديل، لا سيما فى ظل وجود الكثير من الشركات والمؤسسات التى تقدم تمويلات للأفراد، والهدف من هذا القانون وضع الإطار التشريعى اللازم لها، وإخضاعها لرقابة البنك المركزى والهيئة العامة للرقابة المالية.
متطلبات التمويل البديل
فى السياق ذاته، تذهب مروة الشافعى، الخبيرة المصرفية، إلى أن هناك عددًا من الأدوات والممكنات التى تسهم فى إتمام عمليات التمويل البديل، ومنها بينها الهوية الرقمية، والتى يمكن من خلالها الاطلاع على هوية العميل، وكافة المعلومات البيانات الخاصة به، بالإضافة إلى تفعيل خدمة الـ KYC.
ويشدد صندوق النقد العربى، فى دراسة له فى هذا الصدد، على أنه يتعين قبل المضى قدما فى مسألة التمويل البديل فلا بد من توافر عدد من الممكّنات على صعيد البنية التحتية التى تمكّن كلٌ من المستثمر وطالب التمويل من الولوج إلى المنصة، ومن بين أبرز هذه الممكّنات ما يلى..
التوقيع الرقمي
يمثل التوقيع الرقمى مخططًا رياضيًا للتحقق من صحة الرسائل أو الوثائق الرقمية، كما يعطى المتلقى سببًا قويًا جدًا للاعتقاد بأن الرسالة تم إنشاؤها من قبل مرسل معروف، وأن الرسالة لم تتغير أثناء النقل.
وتعد التواقيع الرقمية، بحسب صندوق النقد العربى، عنصرًا قياسيًا لمعظم مجموعات بروتوكولات التشفير، وهى شائعة الاستخدام لتوزيع البرامج والمعاملات المالية، وبرامج إدارة العقود، وفى حالات أخرى حيث يكون من المهم اكتشاف التزوير أو التلاعب.
كثيرًا ما تستخدم التوقيعات الرقمية لتنفيذ المعاملات الإلكترونية، التى تشمل أى بيانات إلكترونية تحمل توقيعًا. وفى كثير من الحالات، توفر هذه التواقيع الرقمية طبقة من التحقق من الصحة والأمان للرسائل المرسلة عبر قناة غير آمنة يتم تنفيذها بشكل صحيح، مما يعطى المتلقى سببًا للاعتقاد بأن الرسالة تم إرسالها من قبل المرسل المطالب به.
الهوية الرقمية
تذهب دراسة صندوق النقد العربى إلى أن الهوية الرقمية تساهم فى تحسين العمل المصرفى، وبالتالى لابد من إنشاء مشروع متكامل لدعم قانون إلكترونى جديد، بهدف تأمين سلامة المعاملات الرقمية والأمان والمحافظة على ثقة عملاء القطاع المصرفى سعيا لنمو مستدام.
نموذج «اعرف عميلك الإلكترونى المبسط»
يقول صندوق النقد العربى، فى دراسته سالفة الذكر، إن موافقة الجهات الناظمة على اعتماد إجراءات العناية المبسطة للتعرف على العميل من خلال نموذج "اعرف عميلك" الإلكترونى، له أثره الايجابى المباشر، إذ إن الحسابات المصرفية "المبسطة" التى تمنح لهذا العميل لها تأثير كبير على الشمول المالى.
تعتقد الخبيرة المصرفية مروة الشافعى أن كافة أنشطة التمويل البديل موجودة فى السوق بالفعل، وتتولى القيام بها شركات التكنولوجيا المالية وكذلك شركات التمويل الاستهلاكى، إلا أن الهدف من القانون الذى يعمل عليه البنك المركزى هو محاولة خلق إطار تشريعى ورقابى لهذه الأنشطة.
وأضافت أن هذه الشركات سالفة الذكر بحاجة إلى تسريع خدماتها للعملاء، حتى تتمكن من منافسة البنوك، لافتة إلى أن القانون يسعى إلى ضمان وجود هذه السيولة الموجودة فى السوق والتى يتم تداولها عبر شركات التمويل الاستهلاكى وخلافه فى القطاع المصرفى.
أما «الدماطى» فأكدت أن التمويل البديل سيكون متناغمًا مع فكرة البنوك الرقمية والسعى إلى التحول الرقمى ورقمنة كافة الخدمات المالية، وبالتالى يسهم القانون الذى يعمل عليه البنك المركزى على إخضاع هذه الأنشطة للسيطرة الرقابية، وتقنين هذا السوق بما يقدمه من خدمات.
الرقابة والغطاء التشريعي
ويعمل البنك المركزى، بحسب المجلة الاقتصادية الصادرة عنه مؤخرًا، من خلال القانون الجديد الذى يعمل عليه حاليًا بالتعاون مع هيئة الرقابة المالية، على توفير الغطاء التشريعى لتنظيم تلك الأنشطة الائتمانية والتمويلية والتى تعرف “بأنشطة التمويل البديل” على النحو الذى يضمن حماية مصالح كافة المتعاملين.
ويتولى القانون الجديد كذلك توفير الغطاء التشريعى لتنظيم أنشطة التمويل البديل، وأنشطة التكنولوجيا المالية المرتبطة، بالخدمات المصرفية، بالإضافة إلى ترسيم الحدود التنظيمية والرقابية لكل من البنك المركزى المصرى والهيئة العامة للرقابة المالية، وتحديد نطاق اختصاص كل منهما.
ويرسى القانون القواعد العامة المنظمة للأنشطة والخدمات الواردة بالقانون على النحو الذى يضمن حماية مصالح كافة المتعاملين، وكذلك وضع الاشتراطات العامة لترخيص الأنشطة والخدمات الواردة بالقانون، وتيسير إجراءات طلب استخراج التراخيص، ووضع إطار زمنى محدد للبت فيها.
ويهدف القانون الجديد إلى إحكام الرقابة على أنشطة التكنولوجيا المالية لضمان الاتساق مع السياسات المالية والنقدية للدولة، على النحو الذى يعزز الاستقرار المالى والنقدى.
