تعرضت شركات الشحن في مصر إلى عدة أزمات على مدار الأعوام الثلاثة الماضية بداية من 2020 وحتى 2023، إذ واجهت فى البداية جائحة كورونا، تلتها الأزمة بين روسيا وأوكرانيا فى منتصف 2022، انتهاءً باضطرابات البحر الأحمر فى الشهور الأخيرة من العام المنقضي.
استقبلت تلك الشركات ضربات كبيرة نتيجة جائحة فيروس كورونا، لأنها تعتمد على تدفقات التجارة الدولية، بحسب تقرير صادر عن غرفة التجارة الأمريكية فى مصر عام 2020 عن تأثير فيروس كورونا على قطاع النقل فى السوق المحلية.أشار التقرير، الذى يُعَدُّ جزءًا من سلسلة تقييمٍ أوليٍ للتأثيرات الفاجعة لجائحة COVID-19 على القطاعات الاقتصادية الإستراتيجية فى مصر، إلى أن الطلب على نظام النقل الداخلى فى البلاد تأثر بشكل رئيسى بانخفاض كميات البضائع الواردة.
أظهرت البيانات الواردة من الشركات العاملة فى القطاع والمُدرجة فى البورصة أداءً سلبيًا، حيث شهدت تراجعًا فى الأرباح أو تحقيق خسائر نتيجة لتراجع الإيرادات، وتناقص عدد الحاويات فى الموانئ، كما ارتفعت خسائر العديد من الشركات العاملة فى الوقت المحلى بنحو %20.
وأكدت دراسة سابقة أصدرها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية ضمن سلسلة تقارير “رأى فى أزمة” أن تداعيات أزمة كورونا على قطاعى النقل البحرى والجوي، تفوق أى تداعيات سابقة – بما فيها الأزمة المالية العالمية، وثورة يناير 2011 – على التجارة الخارجية.
وعلى صعيد قناة السويس، أصدرت الحكومة من خلال المركز الإعلامى لمجلس الوزراء تقريرا (إنفوجراف) فى عام 2020، بشأن مدى صمود قناة السويس أمام الأزمات، وتحسن حركة الملاحة بها الفترة الأخيرة، رغم الظروف الاستثنائية التى يمر بها العالم والتداعيات السلبية لأزمة فيروس كورونا على حركة التجارة الدولية.
وجاء فى التقرير، أن حركة الملاحة فى قناة السويس زادت %4.4 لتصل إلى 9.5 ألف سفينة عبرت القناة خلال النصف الأول من عام 2020، مقابل 9.1 ألف سفينة عبرت القناة خلال نفس الفترة من العام الذى يسبقه، وذلك بالرغم من الجائحة.
أشار التقرير إلى تحقيق طفرة كبيرة فى معدلات عبور سفن الصب الجاف وناقلات البترول و سفن الغاز الطبيعى المسال فى النصف الأول من عام ظهور أزمة كورونا فى مصر، إذ قفزت سفن الصب الجاف %36.3 كما زادت ناقلات البترول %9.6 علاوة عن ارتفاع ناقلات الغاز الطبيعى بنسبة 10.1%.
وأوضح أن أعداد السفن العابرة للقناة زادت لتصل إلى 19.3 ألف سفينة عبرت القناة خلال عام 2019 /2020، مقابل 18.5 ألف سفينة عبرت القناة خلال عام 2018/ 2019، بينما انخفضت إيرادات قناة السويس بالدولار بنسبة %1.7 إذ بلغت خلال 2020/2019، نحو 5.7 مليار دولار، بعدما كانت 5.8 مليار دولار خلال عام 2019/2018، وأوضحت الحكومة أن هذا التراجع يرجع إلى انخفاض حركة التجارة العالمية بواقع %18.5 خلال الربع الثانى لعام 2020، وتراجع مؤشرات الاقتصادات العالمية، وتأثير تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد على سوق النقل البحري.
ولفتت الدولة خلال تقريرها إلى أن تلك المعدلات تزامنت مع توقعات وكالة “فيتش” بزيادة الحمولة العابرة لقناة السويس فى الفترة من 2020 إلى 2024، رغم تأثر الموانئ بأزمة فيروس كورونا، وتأكيد صندوق النقد الدولى أن إنشاء قناة السويس الجديدة ساهم فى دفع عجلة النمو الاقتصادي.
وبعد أكثر من عام من تداعيات أزمة كورونا وبداية انتعاش حركة التجارة العالمية، تأثرت سلاسل التوريد والشحن بشكل أكبر بسبب الحرب فى أوكرانيا، حيث أدى ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة تكاليف الشحن، واضطرت ناقلات الحاويات لاستخدام طرق بديلة بسبب إغلاق الموانئ الرئيسية.
وتعلقت الشركات العالمية الكبرى للشحن، مثل «إم إس سي» السويسرية و «ميرسك» الدنماركية و «سى إم إيه - سى جى إم» الفرنسية، التى تعمل فى مصر، جميع الرحلات من وإلى روسيا حتى يتم تحديد إشعار آخر، إذ واجهت الشركات فى مصر تحديًا كبيرًا فى إيجاد مساحة متاحة على ناقلات الحاويات شحن بضائعهم داخل وخارج البلاد، وواجهت تلك الشركات صعوبات متزايدة فى حجز المساحات الشاغرة على ناقلات الحاويات لشحن البضائع من وإلى العديد من الأسواق، وليس فقط روسيا وأوكرانيا وذلك بحسب رصد تقارير دولية.
على الرغم من هذه الأزمة العالمية، ارتفعت إيرادات هيئة قناة السويس إلى 1.6 مليار دولار خلال الفترة من يناير 2022 وحتى مارس من نفس العام بزيادة قدرها %18.5 وخلال الفترة نفسها، ارتفعت حركة الشحن بنسبة %14.3 مقارنة بالعام السابق له، وترجع بعض التقارير الدولية سبب الحفاظ على نمو إيرادات القناة إلى رفع رسوم النقل لجميع السفن العابرة بنسبة 5 إلى 10 فى المئة.
وقد أظهر تقييم سريع أجرته الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) تأثير الحرب فى أوكرانيا على التجارة والتنمية، والذى يشير إلى احتمال حدوث تدهور سريع فى الآفاق المستقبلية للاقتصاد العالمي.
وأوضح هذا التقرير، الصادر فى 16 مارس 2022، ارتفاعًا فى أسعار الغذاء والوقود والأسمدة، بالإضافة إلى تقلبات مالية متزايدة وتراجع فى الاستثمارات، وإعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية المعقدة وارتفاع تكاليف التجارة، إذ أن هذه الصدمات تُهدِّد المكاسب التى تحققت خلال جهود التعافى من جائحة كوفيد-19.
ولفت إلى أن أوكرانيا وروسيا من أهم اللاعبين العالميين فى أسواق الأغذية الزراعية، حيث تُمثِّلان %53 من حجم التجارة العالمية فى زيت عباد الشمس والبذور، و%27 فى القمح، مما يؤثر على حركة التجارة، إذ أنه فى ظل فرض العقوبات الغربية ضد روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، تأثرت جميع قطاعات الشحن نتيجة ارتفاع تكاليف الوقود. ويؤثر ارتفاع أسعار الوقود سلبًا على مؤشرات أسعار خدمات الشحن لناقلات البضائع السائبة الجافة، وعلى شركات الشحن التى تضطر لفرض رسوم إضافية لخدمات الشحن.
جدير بالذكر أن أزمة أوكرانيا جاءت متزامنة مع ارتفاع تكاليف وقود النقل البحري، حيث وصل سعر وقود السفن البحرية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 694.50 دولار للطن، وهو مستوى عالٍ جدًا مقارنة بيناير 2020.
وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، إلا أن هذا الوضع كان فرصة لمصر لزيادة صادرات الغاز الطبيعى وجذب المزيد من الاستثمارات فى قطاع النفط والغاز لزيادة الاكتشافات والإنتاج، كما يفتح الطلب المتزايد على النفط أبوابًا لزيادة عبور السفن عبر قناة السويس.
وأوضح تقرير “الأونكتاد” أنه فى حال توقف إمدادات الغاز الروسى لأوروبا بسبب الأزمة الأوكرانية، ستضطر أوروبا للبحث عن بدائل، ومن بين تلك البدائل: الغاز المصري، والليبي، والجزائري. بوجهة نظر مصر نحو التحول إلى مركز إقليمى للطاقة، فإن الغاز المصرى يمكن أن يلعب دورًا حيويًا فى تلبية جزء من احتياجات الطاقة للدول الأوروبية، عبر تصدير الفائض من الغاز عبر محطات تسييل الغاز فى مصر على ساحل البحر المتوسط، مما يعزز دور مصر كمركز إقليمى للطاقة.
واستفادت قناة السويس من تعزيز دورها الإستراتيجى فى النقل البحرى العالمى من خلال جذب أنماط جديدة من التجارة، وذلك لسد الفجوات الغذائية والطاقة فى العديد من المناطق حول العالم.
مع نهاية 2023 واستقبال عام جديد، تسببت هجمات جماعة الحوثى فى اليمن فى صدمة للشركات العالمية التى تنقل البضائع عبر البحر الأحمر، إذ قررت شركات الشحن العالمية مثل “ميرسك” تجنب المسار البحرى فى البحر الأحمر بسبب التهديدات الحوثية، حيث إن تحويل مسار رحلات الشحن التجارية إلى طريق رأس الرجاء الصالح يعد أمرًا مؤقتًا بسبب التوترات الجيوسياسية والتكلفة المرتفعة للشحن من خلال الطرق البديلة لقناة السويس.
وأكد تقرير وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، أن شركات الشحن ستواجه تكاليف متزايدة بسبب مرور السفن من خلال رأس الرجاء الصالح، مما سيدفعها لرفع الأسعار، موضحًا أن أكثر أنواع الشحن المتأثرة بشكل سلبى بالتوترات الجارية، هى حاويات الشحن.
وتوقع التقرير أن تشهد حاويات الشحن أكبر زيادة فى أسعار النقل، وتليها ناقلات البضائع السائبة، مشيرًا إلى أن أسعار الشحن الجوى ستستفيد من الطلب على الشحنات التى تحتاج إلى سرعة فى نقلها.
