قال خبراء ومحللون ماليون ومصرفيون إن مقترح توريق الإيرادات الدولارية للدولة قد يكون حلًا مؤقتًا وسريعًا للخروج من أزمة شح المعروض النقدى من العملة الصعبة، بالإضافة إلى حل مشكلة الدين الخارجي، بيد أنهم شددوا على أن هذا الحل وحده لن يجدى نفعًا، وإنما لا بد من تضافر مجموعة من الحلول والخطط الاستراتيجية طويلة المدى التى تهدف إلى تعظيم الإنتاج والتوسع فى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأضافوا، فى تصريحات لـ«المال» أن هذا المسعى عبارة عن استبدال دين بدين آخر، علاوة على كونه تنويعًا فى مصادر التمويل، موضحين أن حجم الإقبال على هذه السندات قد يكون محددًا لمعدلات العائد عليها، فيما لفت بعض منهم إلى أن معدلات أسعار الفائدة عالميًا، وكذلك التصنيف الائتمانى للدولة سيكون هو المحدد لمعدل الفائدة.
توفيق: العائد عليها مرهون بالموقف الائتمانى للدولة ومعدلات الفائدة العالمية
قال هانى توفيق، الخبير الاقتصادي، إن مقترح توريق الإيرادات الدولارية الذى تحدثت عنه الوثيقة الحكومية، طبقه عدد من دول العالم قبل ذلك، كان آخرها دولة الفلبين التى طبقت هذه الفكرة خلال عام 2022، بضمان تحويلات الفلبينيين فى الخارج وغيرها من موارد النقد الأجنبي.
تدرس الحكومة المصرية، بحسب وثيقة رسمية صادرة عن رئاسة مجلس الوزراء، توريق نسبة من العائدات الدولارية تتراوح ما بين (%20 و%25) خلال 6 سنوات القادمة، وإصدار سندات مقابلها تقوم بشرائها بنوك استثمار ومستثمرين دوليين بالعملة الأجنبية.
وسيتم ذلك بحسب الوثيقة التى جاءت تحت عنوان «ملامحَ التوجهاتِ الاستراتيجية للاقتصادِ المصرى خلال الفترةِ -2024 2030»، على ثلاثة سيناريوهات بعائدات تتراوح بين 1.4 مليار دولار إلى 10.1 مليار دولار سنويًا.
وأضاف أن هذا المقترح –أى توريق الإيرادات الدولارية– لن يكون كافيًا بمفرده، وإنما لابد من اعتماد استراتيجية عامة ذات أربعة محاور، والعمل عليها معًا، حتى تؤتى الخطوة ثمارها، لافتًا إلى أن هذه المحاور الأربعة تتمثل في: توجيه عائدات توريق الإيرادات الدولارية إلى سداد الديون العاجلة المستحقة على الدولة المصرية، واعتماد خطة إصلاح مؤسسى شاملة، وكذلك الخروج الكامل للدولة من النشاط الاقتصادي، وأخيرًا تشجيع الاستثمار الأجنبى المباشر.
وأوضح أنه من المفترض أن يتم توريق نحو %20 من الإيرادات السيادية للدولة والبالغة نحو 80 مليار دولار، أى أنه لن يتم توريق إيرادات مورد دولارى واحد (قناة السويس، السياحة.. إلخ).
وبيّن أن العائد على هذه السندات التى من المزمع إصدارها سيكون مرتهنًا بعاملين: التصنيف الائتمانى للدولة، ومعدل سعر الفائدة العالمي، لافتًا إلى أنه كلما كان الموقف الائتمانى للدولة قويًا كلما العائد على ما تصدره من سندات أقل والعكس صحيح.
متولى: خطوة سريعة .. وجذب الاستثمارات فرس الرهان
فيما قال طارق متولي، الخبير المصرفي، إن خيار توريق الإيرادات الدولارية كان مقترحًا منذ فترة، فقد اجتمع مجلس الوزراء بعدد من الخبراء المصرفيين والاقتصاديين، وخلال هذه الاجتماعات طُرح هذا الخيار.
وأضاف أن هذا التوريق المستقبلي، الذى تعتزم الحكومة المضى فيه قُدمًا، بمثابة حل سريع، لكنه لن يغنى عن الحلول الأخرى الجذرية طويلة الأمد، والمتعلقة بتعزيز الإنتاج وجذب الاستثمارات.
ويعرف التوريق المستقبلى بكونه عملية إصدار سندات توريق اسمية قابلة للتداول وغير قابلة للتحويل إلى أسهم، توجه حصيلتها لتمويل الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة بعد موافقة السلطة المختصة لتمكينها من القيام بأعمالها وأنشطتها، مقابل ما ينشأ لصالح هذه الجهات من حقوق ومستحقات مالية مستقبلية.
وأشار إلى أن المضى فى هذا الحل المؤقت والسريع وحده لن يكون كافيًا لحل مشكلة الاقتصاد المصرى ونفص المعروض النقدى من العملة الأجنبية، وإنما يتعين اعتباره بمثابة حل سريع، ولكن الحلول الجذرية طويلة الأجل هى وحدها الكفيلة بحلحلة الأزمة الحالية.
وأوضح أن المسألة كلها (أى توريق الإيرادات الدولارية) تتعلق بـ «استبدال دين بدين»، ولكن أهميتها تكمن فى إعفاء الأجيال الحالية من تحمل كل التبعات الاقتصادية والاجتماعية للمرحلة الراهنة.
وأفاد أنه من المرجح أن يتم البدء بتوريق إيرادات قناة السويس، لا سيما وأنها مورد لا يمكن للعالم الاستغناء عنه، وبالتالى فموارده مضمونة، موضحًا أن الأمر لا يعنى رهن قناة السويس، وإنما رهن إيراداتها لعدد معين من السنوات، على أن تحصل الحكومة على هذه العوائد الدولارية مقدمًا، ثم تسددها على سنوات، مضافًا إليها هامش معين من الفائدة.
تنويع مصادر التمويل
ومن جانبها، قالت سارة سعادة، محلل أول للاقتصاد الكُلى ببنك الاستثمار «سى آى كابيتال»، إنه من المفترض أن يتم إصدار سندات التوريق التى تتحدث عنها الوثيقة الأخيرة الصادرة عن مجلس الوزراء بضمان الموارد الدولارية.
سعادة: توجه لتنويع مصادر التمويل وتقليل التكلفة
وأضافت أنه من المتوقع أن يتم إصدار هذه السندات الدولارية بعوائد أقل، نظرًا لكونها مضمونة بعوائد موجودة بالفعل، وهى قناة السويس، أو غيرها من المصادر الدولارية فى الدولة المصرية.
وأشارت إلى أن الوثيقة الصادرة عن الحكومة تحدثت عن توقعات مبدأية للعوائد الدولارية التى من الممكن الحصول عليها من خلال عمليات التوريق المرتقبة.
وفيما يتعلق بجدوى الحصيلة الدولارية المتوقع الحصول عليها بالنظر إلى حجم الفجوة التمويلية الموجودة فى الوقت الراهن، أشارت إلى أن هذه الحصيلة ستكون مرتهنة بمستوى الإقبال على هذه السندات، والعوائد عليها كذلك.
وأفادت أن الحصيلة التى تتحدث عنها وثيقة الحكومة والتى تتراوح بين 1.4 مليار دولار إلى 10.1 مليار دولار سنويا لن تكون كافية لسد الفجوة التمويلية، وإنما لابد من تضافر عدد من الإجراءات الأخرى التى يمكن من خلالها الحصول على عوائد دولارية أخرى يمكن عن طريقها حل أزمة شح الدولار.
