ثبّت البنك المركزى المصرى منذ مطلع العام الحالي، أسعار الفائدة 6 مرات، فيما فضل رفعها خلال اجتماعين من أصل 8 عقدتها لجنة السياسة النقدية، وهو ما يبدو عكس اشتراطات صندوق النقد الدولي، الذى يوصى باتباع ساسية نقدية أكثر تشددًا، إضافة إلى تحرير سعر الصرف.
قال خبيران مصرفيان إن هيمنة خيار تثبيت أسعار الفائدة على اجتماعات لجنة السياسة النقدية خلال هذا العام لم يؤثر سلبًا على مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي، والذى كان يوصى باتباع المزيد من سياسة التشديد النقدي.
وأضاف أحدهما أن قرارات صانع السياسة النقدية تتخذ بناءً على معطيات ومحددات داخلية، ولا تملى عليه من الخارج، موضحًا أن الأحداث الجيوسياسية الأخيرة تنطوى على بُعد إيجابى فيما يتعلق بمفاوضات مصر مع الصندوق.
التضخم وانعكاساته على السياسة النقدية
من جانبه، يرى محمد عبد المنعم، الخبير المصرفي، أن استمرار تثبيت البنك المركزى لأسعار الفائده هو قرار داخلى خاص بالسياسة النقدية داخل مصر، ويتحدد وفقًا لمعطيات عديدة.
وأضاف أن أهم هذه المعطيات يتمثل فى اتجاه معدلات التضخم، قائلًا: «لا أعتقد أن تثبيت أسعار الفائدة يؤثر بشكل سلبى على المفاوضات مع صندوق النقد؛ لا سيما أن البنك المركزى يقوم بتطبيق السياسة النقدية وفقًا لمحددات ودراسات داخلية وليس تعليمات خارجية».
ويؤيد كلام «عبد المنعم» تعليل بيان لجنة السياسة النقدية لتثبيت أسعار الفائدة فى اجتماع 21 ديسمبر الأخير، والذى جاء فيه: «شهد المعدل السنوى للتضخم العام فى الحضر تباطؤًا خلال شهرى أكتوبر ونوفمبر 2023 مدفوعًا بالأثر الإيجابى لفترة الأساس؛ ليسجل %34.6 فى نوفمبر 2023 من %35.8 فى أكتوبر 2023.
وإضافة إلى ذلك، استمر المعدل السنوى للتضخم الأساسى فى تراجعه للشهر الخامس على التوالى ليسجل %35.9 فى نوفمبر 2023 من %38.1 فى أكتوبر 2023».
وجاءت التطورات الشهرية متسقة، بحسب البيان، مع التوقعات لتعكس الانخفاض الموسمى فى أسعار المنتجات الزراعية، إضافة إلى ارتفاع أسعار السلع المحددة إداريًا خلال نوفمبر 2023.
عبد المنعم: ما زلنا فى طور تشديد نقدى.. وقرارات «المركزى» تعتمد على محددات داخلية
وعلى الرغم من عدة مرات آثر فيها صانع السياسة النقدية فى البنك المركزى الإبقاء على أسعار الفائدة كما هي، يؤكد “عبد المنعم” أننا ما زلنا فى طور تشديد نقدي، خاصة أن أسعار الفائدة وصلت لأعلى معدلاتها تاريخيًا، علاوة على كون الاتجاه ما زال مرشحًا للصعود، ومن ثم من الممكن أن يعمد البنك المركزى إلى عقد اجتماع استثنائي، أو رفع أسعار الفائدة فى الاجتماع القادم، والمقرر عقده مطلع فبراير 2024.
من جانبه، أوضح محمد البيه، الخبير المصرفي، أن البنك المركزى آثر تثبيت أسعار الفائدة خلال الاجتماعات الأخيرة، مدفوعًا بتراجع معدلات التضخم لينخفض عما كان عليه فى أعلى مستوياته فى شهر سبتمبر الماضي.
وأضاف أنه من الواضح أن لجنة السياسة النقدية ترى أن سياسة التشديد النقدى التى تنتهجها منذ مطلع 2022 بدأت تؤتى ثمارها، لافتًا إلى أن تراجع التضخم يأتى مدفوعًا كذلك، مقارنة مع سنة الأساس، التى يقارن فيها بأعلى معدل فى التضخم.
مسار الفائدة خلال 2023
استهل البنك المركزى عام 2023 بالإبقاء على سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى عند مستوى %16.25، %17.25 ، و%16.75 على الترتيب.
كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 16.75%، وذلك خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية يوم 2 فبراير الماضي.
وقررت لجنة السياسة النقدية، فى اجتماع 30 مارس الماضي، رفع سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى %18.25 %19.25و%18.75 على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى %18.75.
وأبقى البنك المركزي، خلال اجتماع مايو الماضي، على سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى عند مستوى %18.25، %19.25. و%18.75 على الترتيب.
كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى %18.75 واتخذت القرار ذاته فى اجتماع 22 يونيو الماضي.
وكانت آخر مرة رفع فيها البنك المركزى سعر الفائدة خلال اجتماع 3 أغسطس الماضي، بعدما تم رفع سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 100 نقطة أساس، ليصل إلى %19.25، %20.25، و%19.75 على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى %19.75.
وآثرت لجنة السياسة النقدية فى اجتماعها يوم 21 سبتمبر الماضى على سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى عند مستوى %19.25، %20.25، و%19.75 على الترتيب. كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى %19.75.
وقررت لجنة السياسة النقدية فى البنك المركزى المصري، خلال اجتماعها 2 نوفمبر الماضي، الإبقاء على سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى عند مستوى %19.25، %20.25، و%19.75 على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى %19.75.
وأخيرًا أبقت لجنة السياسة النقدية فى البنك المركزي، خلال اجتماعها المنعقد الخميس 21 ديسمبر الحالي، سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة والعملية الرئيسية عند مستوى %19.25، %20.25 و%19.75 على الترتيب، والإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى %19.75.
التوترات السياسة وآثارها الإيجابية
وفى أعقاب اندلاع حرب غزة الأخيرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، قالت مديرة صندوق النقد الدولى كريستالينا جورجيفا، فى تصريحات صحفية، إن الصندوق “يدرس بجدية” زيادة محتملة لبرنامج القروض لمصر البالغ ثلاثة مليارات دولار.
وعللت قولها بأن الصراع “يدمر” سكان غزة واقتصادها، وله “آثار خطيرة” على اقتصاد الضفة الغربية، ويشكل أيضًا صعوبات للدول المجاورة مصر ولبنان والأردن عبر الخسائر فى إيرادات السياحة وارتفاع تكاليف الطاقة.
واتساقًا مع ما سلف، يذهب محمد عبد المنعم، الخبير المصرفي، أن الأحداث الخاصة بغزه تأثيرها إيجابى على المفاوضات، خاصة أن مصر تتعرض لضغوط ومخاطر على حدودها، إضافة إلى قيامها بتقديم الممساعدات الطبية والغذائية عبر المعابر الحدودية، وقد تضطر لفتح المعابر لبعض الحالات الإنسانية؛ ما يضغط عليها اقتصاديًا خاصة بعد تأثر حركة الملاحة فى قناة السويس.
مفاوضات صندوق النقد
وأشار إلى أن صندوق النقد الدولى بدأت خلال الفترة الأخيرة يشدد على كون مصر قد نجحت فى مواجهة الضغوط التضخمية، لا سيما فى ظل الظروف السياسية المحيطة بمصر، خاصة فيما يتعلق بحرب غزة، وتلك الأخرى التى أخذت فى التفاقم فى السودان، ناهيك عن بعض القلاقل فى ليبيا.
وأفاد بأن صندوق النقد الدولى يعتبر تراجع معدلات التضخم فى مصر فى خضم هذه الظروف غير المواتية المحيطة بها نجاحًا كبيرًا للسياسة المالية والنقدية، وأنها بدأت تخطو خطوات جادة فى مسار الإصلاح الاقتصادى المنشود.
وتابع أنه على الرغم من كون الصندوق يرى أن مجابهة معدلات التضخم الجامحة أولوية كبرى لكن مراقبتهم لمستويات أسعار الصرف ما زالت تتم عن كثب، وهو من ضمن أولويات برنامج الإصلاح الاقتصادى مع مصر، والذى يتم بموجبه رفع حصة القرض من 3 مليارات دولار إلى نحو 10 أو 12 مليارا.
وأشار إلى أن صندوق النقد الدولى يرى أن مصر تسير فى الإطار الصحيح، كما أن هناك بعض النقاط التى يتفق فيها مع صانعى السياسة النقدية، والتى تتعلق بكيفية مواجهة التحديات المحتملة خلال الفترة المقبلة.
وأكد أن توالى البنك المركزى المصرى تثبيت أسعار الفائدة لم يؤد إلى عرقلة المفاوضات مع الصندوق، ولكن يحتمل أن يكون هناك تغير ما قد طرأ على جدول أولويات الصندوق، فيما يخص برنامج الإصلاح الاقتصادي، بما يعنى أن يتم الاتجاه إلى تحرير تدريجى لسعر الصرف لكى يعكس قوى العرض والطلب الحقيقية الموجودة فى السوق.
◗❙ البيه: احتمالية وجود تغير فى أولويات الصندوق .. واتجاه لتحرير تدريجى لسعر الصرف
