تراجعت أسعار النفط فى ديسمبر الجارى لتدور حول أدنى مستوى لها منذ 5 أشهر رغم إعلان تحالف أوبك+ مؤخرا عن تخفيضات فى الإنتاج، وبالتزامن مع تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلى على غزة وتمدد الصراع فى الشرق الأوسط إلى البحر الأحمر.
ويعطى انخفاض أسعار النفط دفعة للاقتصاد العالمى الذى تضرر من التباطؤ فى الصين وارتفاع أسعار الفائدة فى الدول الصناعية الكبرى.
ومن المرجح أيضًا أن يكون فشل أوبك + فى دفع السوق إلى الارتفاع موضع ترحيب من قبل الرئيس الأمريكى جو بايدن، الذى يكافح معدلات تأييد منخفضة وجعل خفض أسعار البنزين واحتواء التضخم بندًا حاسمًا فى محاولته إعادة انتخابه العام المقبل.
وبحسب تقريره نشره موقع Offshore Technology، أدى تصاعد التوترات الجيوسياسية فى منطقة الشرق الأوسط إلى إبقاء أسواق الطاقة العالمية فى حالة تأهب منذ السابع من أكتوبر، رغم أن الأسواق مازالت تتكيف مع تخفيضات العرض من قبل أوبك وحلفائها وتداعيات الغزو الروسى لأوكرانيا.
وذكر التقرير أنه بعد هجوم المقاومة الفلسطينية فى 7 أكتوبر، ردت إسرائيل بعنف عبر قصف منطقة غزة لأكثر من شهرين الآن، وقد أدى تزايد عدد الضحايا إلى إبقاء أسواق السلع الأساسية فى حالة من الاضطراب.
وأوضح التقرير أنه مع ارتفاع أسعار النفط إلى ما يقرب من 98 دولارا للبرميل فى منتصف سبتمبر بعد تخفيضات الإنتاج الإضافية من قبل المملكة العربية السعودية وروسيا، سلطت وكالة الطاقة الدولية الضوء على احتمال ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول بسبب تقلبات الأسعار، وتباطؤ الاقتصاد.
وقالت وكالة الطاقة الدولية: “من المتوقع أن تؤدى التخفيضات الطوعية إلى إبقاء سوق النفط فى حالة عجز”.
وأشار التقرير إلى أن الإنتاج العالمى من النفط المدفوع بإنتاج الدول غير الأعضاء فى أوبك + سيزيد بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا و1.7 مليون برميل يوميًا فى عامى 2023 و2024، على التوالى، ومن المتوقع أن تنخفض أسعار السلع الأساسية بنسبة %4.1 العام المقبل، وفقًا للبنك الدولى.
وبحسب التقرير، أصبح لدى البلدان الآن قاعدة أكثر تنوعا من مصدرى النفط ومصادر الطاقة، بما فى ذلك الطاقة المتجددة، مما يعزز دفاعاتها ضد الصدمات النفطية.
وقال البنك الدولى إنه لتعويض تأثير نقص النفط على الأسعار، قامت العديد من الحكومات بتكوين احتياطيات استراتيجية، وإنشاء أنظمة لتنسيق العرض، وتطوير أسواق العقود الآجلة، وتشير هذه التطورات إلى أن تصاعد الصراع قد يكون له عواقب أكثر تواضعا مما كان عليه فى الماضى، وفقا للتقرير.
تأثير الحرب على أسعار النفط
قالت وكالة الطاقة الدولية إن الحرب الحالية بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية “لم يكن لها أى تأثير مباشر على تدفقات النفط” فى هذه المرحلة.
وفى 30 أكتوبر الماضى، حذر البنك الدولى من أن أسعار النفط قد تصل إلى 150 دولارا فى عام 2024 بسبب تداعيات الحرب التى أدت إلى تعطل إمدادات النفط، وقال البنك إنه من المتوقع أن يبلغ متوسط أسعار النفط 84 دولارًا للبرميل فى عام 2023، ومن الممكن أن يؤدى تصعيد الصراع الحالى إلى تقويض إمدادات النفط العالمية بنحو ثمانية ملايين برميل يوميا.
قال أيهان كوس، نائب كبير الاقتصاديين فى البنك الدولى ومدير مجموعة التوقعات: إن ارتفاع أسعار النفط، إذا استمر، يعنى حتما ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وإذا حدثت صدمة حادة فى أسعار النفط، فإنها ستؤدى إلى تضخم أسعار المواد الغذائية التى ارتفعت بالفعل فى العديد من البلدان النامية، ومن شأن تصعيد الصراع أن يؤدى إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائى، ليس فقط داخل المنطقة ولكن أيضًا فى جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، قال البنك إن الدول أصبحت الآن أكثر قدرة على معالجة صدمة إمدادات النفط مما كانت عليه فى عام 1973، خلال حرب السادس من أكتوبر، عندما فرض أعضاء مجموعة أوبك حظرا نفطيا على الولايات المتحدة لموقفها المساند لإسرائيل.
وفقا للتقرير، أدى ارتفاع أسعار خام برنت فى أوائل أكتوبر، إلى جانب المخاوف بشأن العرض، إلى تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلى فى الولايات المتحدة.
تدفقات الغاز وأسعارها
ارتفعت أسعار الغاز الطبيعى بأكثر من %40 لتصل إلى 18.345 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية منذ 7 أكتوبر.
ووفقا للتقارير، فقد تسللت المخاوف الجيوسياسية إلى أسواق النفط والغاز. ومنذ اندلاع الحرب فى الشرق الأوسط، عطل بعض مشترى الغاز فى شمال آسيا مؤقتا خططهم للحصول على وقود إضافى لفصل الشتاء، مما يعرض الإمدادات للخطر ويرفع الأسعار العالمية.
وفى 9 أكتوبر، أوقفت وزارة الطاقة الإسرائيلية إنتاج الغاز فى منصة تمار التابعة لها، والتى تديرها شركة شيفرون، بسبب الحرب، مما حد من الإمدادات من المنطقة.
كما أوقفت شركة شيفرون تصدير الغاز الطبيعى عبر خط أنابيب غاز شرق البحر الأبيض المتوسط بين إسرائيل ومصر، وقالت الشركة إنها ستورد الغاز إلى الأردن عبر خط أنابيب بديل.
وارتفعت إمدادات الغاز إلى مصر بنسبة %60 لتصل إلى 350 - 400 مليون قدم مكعب يومياً فى أوائل نوفمبر من حوالى 250 مليوناً، رغم توقعات المحللين بأن الحرب ستقوض احتياجات مصر المحلية المتزايدة من الغاز.
كما منحت إسرائيل 12 ترخيصًا لست شركات، من بينها إينى وبى بى، للتنقيب عن الغاز الطبيعى قبالة ساحل البحر الأبيض المتوسط.
وإلى جانب تعطل إمدادات النفط والتخفيضات الطوعية من قبل دول أوبك وروسيا، لم يؤثر الوضع فى الشرق الأوسط بشكل مباشر حتى الآن على تدفقات النفط والغاز، وفقا للتقرير.
وقالت وكالة الطاقة الدولية إن الصراع فى الشرق الأوسط محفوف بعدم اليقين، والأحداث تتطور بسرعة، ومع وجود أسواق نفط متوازنة بشكل محكم، تتوقع الوكالة أن يظل المجتمع الدولى يركز على المخاطر التى تهدد تدفقات النفط فى المنطقة.
وبينما تشهد الدول الغربية أياماً أكثر برودة من المعتاد، فإن الاضطرابات المحتملة تبقى الأسواق فى حالة تأهب حتى عندما يكون الغاز الأوروبى بكامل طاقته تقريباً.
وذكرت شبكة يورونيوز أن أوروبا لديها احتياطيات تزيد عن %90، بما فى ذلك كمية كبيرة من الغاز المتبقية من الشتاء الأوروبى 2022 - 2023.
وقالت إنه رغم أن من غير المرجح أن يواجه الاتحاد الأوروبى أى صعوبات فى إمدادات الغاز هذا الشتاء، إلا أن التأثير الجيوسياسى لتوزيع الغاز العالمى قد يبقى الأسعار مرتفعة.
صدمة مزدوجة فى حالة امتداد الحرب
وبحسب التقرير، فإن تأثير الوضع الحالى على المستوى العالمى والمحلى سوف يعتمد على الوقت الذى ستوقف فيه إسرائيل إطلاق النار وتعقد مفاوضات السلام.
وقال إنديرميت جيل، المدير التنفيذى للبنك الدولي: “إذا تصاعدت الحرب بين الإسرائيلين والفلسطينيين، فإن الاقتصاد العالمى سيواجه صدمة طاقة مزدوجة للمرة الأولى منذ عقود، ليس فقط من الحرب فى أوكرانيا ولكن أيضًا من الشرق الأوسط”.
