تتسع دائرة نقص المعروض من المستلزمات الطبية المختلفة فى السوق المصرية، وهى الحالة التى بدأ ظهورها فى أعقاب انتشار فيروس كورونا المستجد عام 2020، ومازالت مستمرة حتى الآن، مع اختلاف مستويات الضرر، حيث إن السواد الأعظم من تجار المستلزمات الطبية، يعانون خلال الفترة الحالية من تراجع كبير فى المبيعات والذى تراوح من 60 إلى %80، مع هبوط فى الإيرادات وشبه انعدام للأرباح، بحسب ما ذكروه خلال جولة لـ «المال» فى منطقة العباسية بحى الوايلى، والتى تشتهر بكثرة هذه النوعية من المتاجر.
بداية، قال جوزيف حورس، المدير التنفيذى لشركة حورس للمستلزمات الطبية إن السوق المصرية اعتادت خلال السنوات الثلاث الأخيرة أن تشهد نقصًا جديدًا فى نوع معين من المنتجات الطبية على فترات متباعدة بحيث تتنوع السلعة الناقصة وتبقى الأزمة واحدة.
وتابع “حورس”- فى تصريحات لـ «المال» - أن الفترة الحالية تعد الأصعب خلال السنوات الأخيرة، إذ اشتدت أزمة نقص المعروض فى السوق من المستلزمات الطبية المستوردة خلال الشهرين الماضين إلى الحد الذى أدى إلى اختفاء أنواع كاملة لدى كل من التجار والصيدليات.
وأوضح أن أبرز هذه النواقص تتمثل فى أشرطة قياس السكر، كونها تتصل بشكل أساسى بصحة وحياة مريض السكرى ومتابعته اليومية، بحيث يؤدى غيابها إلى مضاعفات غير محمودة على صحة المريض.
وأكد “حورس” أن بعض المنتجات المصرية تساهم فى سد فجوة نقص المستلزمات الطبية المستوردة، أمثال السرينجات وبعض أنواع الإبر، بخلاف الأطراف الصناعية والكراسى المتحركة وأنواع أخرى من السلع الطبية، مبينًا أن الفارق السعرى بين السرينجات المستورة والمحلية على سبيل المثال، يتراوح من 20 - 25 جنيها زيادة لصالح العلبة المصرية مقابل نظيرتها الأجنبية.
ولفت “حورس” إلى أن هذه الأزمة تسببت فى اختفاء عدد من الشركات الموردة التى كان يتعامل معها، خلال الشهرين الماضيين، وتواجد البعض الآخر بصورة طفيفة جدًا، موضحًا أنه لا توجد أى أنباء عن استقبال أى من المستوردين شحنات جديدة من المستلزمات الطبية قريبا.
كان محمد إسماعيل رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية بالقاهرة قد قال - فى تصريحات سابقة لـ «المال» - إن نقص المعروض من المستلزمات الطبية فى السوق لا يمكن أن يدوم طويلًا، نظرًا لكونها سلعة لا يمكن الاستغناء عنها بأى حال، إذ أن غيابها يكلف الإنسان حياته فى بعض الحالات.
وأشار إلى أن أسباب تراجع المعروض من المستلزمات الطبية فى مصر خلال الأشهر الأخيرة تتمثل بشكل أساسى فى صعوبة تدبير العملة الصعبة لإتمام العملية الاستيرادية، سواء لمستلزمات الإنتاج أو حتى الأدوات كاملة الصنع، مبينًا أن مصر تسلمت آخر شحنة مستلزمات طبية منذ 3 أشهر.
وأوضح أن الشعبة بالتعاون مع هيئة الشراء الموحد، أنفقت 110 ملايين دولار خلال الفترة من يناير وحتى سبتمبر 2023 فى استيراد مستلزمات طبية من الخارج، منوهًا بأن الهيئة استنفدت ما لديها من أموال فى هذه العمليات الاستيرادية.
وبالانتقال إلى أحد محال شركة «الدكتور» للمستلزمات الطبية، رأى محسن مغيرة، المدير التسويقى، أن أزمة نقص الاستيراد التى يعانى منها القطاع خلال الفترة الأخيرة ليست الأصعب من حيث توافر المنتجات، إذ تعوض بعض المنتجات المصرية نظائرها المستوردة، مشيرًا إلى أن المستلزمات الخاصة بطلاب الجامعات والمعاهد الطبية لا تعانى أى نقص خلال الفترة الحالية.
وأشار “مغيرة”- فى تصريحات لـ «المال» - إلى أن بعض تجار التجزئة يستغلون الأزمة الحالية لرفع الأسعار ومضاعفتها إلى مستويات قد تصل إلى %500 على بعض القطع، لافتًا إلى صعوبة خلق تسعير ثابت للمنتجات فى ظل تذبذب سعر الصرف وشح المعروض من بعض المنتجات التى لا تكفى البدائل المصرية لتعويضها.
وأوضح أيضًا أن أسعار المستلزمات الطبية فى المحال المتخصصة ببيعها منخفضة عن أسعار نفس المنتجات داخل الصيدليات بنسب قد تصل إلى %300 على بعض القطع، منوهًا بأن هذا الفارق السعرى الكبير كان من المفترض أن يصب فى صالح تجار بيع المستلزمات الطبية، إلا أن الارتفاع الحالى فى الأسعار لدى كلا المنفذين تسبب فى هبوط المبيعات لديه بما يقارب %60، إذ يُضطر المستهلك إلى الاستغناء عن بعض المستلزمات ما أمكنه ذلك ولم يشكل تركها خطرًا على حياته.
يشار إلى أن الدكتور محمود عبد المقصود، رئيس الشعبة العامة لأصحاب الصيدليات بالاتحاد العام للغرف التجارية، قد قال لـ«المال» - فى تصريحات سابقة - إن هناك نقصًا حادًا فى معظم أنواع الأدوية والمستلزمات الطبية، مبينًا أن شح المعروض توسع مؤخرًا بشكل كبير، خاصة فيما يخص المنتجات الطبية المستوردة، خلال الشهرين الماضيين على وجه التحديد.
وأوضح “عبد المقصود” أن الأدوية الحيوية أمثال الأنسولين وعلاجات السكرى، وأدوية الغدة الدرقية، بالإضافة إلى مراهم ودهانات علاج الحروق وأدوية الكحة والسخونة للأطفال، علاوة على أنواع أخرى تواجه شحًا فى المعروض، الأمر الذى يعرض حياة المرضى للخطر مع تزايد وقت غياب الدواء عن السوق.
وقال أمير بطرس مالك محل “ميديكال” للمستلزمات الطبية إن مشكلة نقص المستلزمات الطبية المستوردة تكمن فى تضاعف الأسعار بشكل شبه يومى، والذى يؤثر بدوره على كل من البائع والمستهلك.
وتابع “بطرس” - فى تصريحات لـ «المال» - إن قسطرة “ماهوكر” على سبيل المثال التى يستخدمها مرضى الغسيل الكلوى، تضاعف سعرها خلال عام من 150 إلى 550 جنيها، ما يعادل نسبة زيادة تقدر بـ %266، والأمر ذاته طال العديد من السلع أمثال “إبرة بورتكاث”، المستخدمة فى جلسات الكيماوى التى يلجأ إليها مرضى السرطان، إذ قفز سعرها من 60 جنيهًا قبل أكثر من عام إلى 500 حاليًا، بزيادة قدرها %733.
وأوضح أن هذه الزيادات السعرية تسببت فى تراجع المبيعات إلى حد قارب الـ%80 فى محله، إذ اقتصر الشراء على أشد الضروريات التى يحتاجها المريض لإكمال حياته بشكل شبه طبيعى.
وناشد جميع التجار الذين التقتهم “المال” خلال جولتها، الجهات المعنية، بالتدخل لحل أزمة نقص المعروض من المستلزمات الطبية فى الأسواق، وتحديد سعر موحد لبيع المنتجات، حتى لا يقع المستهلك فريسة لبعض المتعاملين بالسوق السوداء، الذين يستغلون الأزمة الحالية فى التربح بما لا يتناسب مع الظروف الراهنة.
