شدد مصرفيان على أهمية القطاع الزراعى للاقتصاد الوطنى لا سيما وأنه يمثل نحو %45 من الناتج المحلى الإجمالي، كما يعمل فيه نحو %25 من العمالة .
وأكد المصرفيان على أن الصادرات الزراعية قد تكون واحدة من أهم الموارد الدولارية، وهو الأمر الذى يعنى أهميتها فى ظل أزمة شح العملة الأجنبية التى تعانى منها الدولة فى الوقت الراهن.
واختلفا فيما يتعلق بحتمية التوسع فى منح الائتمان لهذا القطاع، فرأى أحدهما أن القطاع يحصل على كافة احتياجاته التمويلية من البنوك، نظرًا لكونه منخفض المخاطر، فيما رأى آخر أن المخاطر المرتبطة بالمشروعات الزراعية مرتفعة جدًا، وهو ما قد يحد من شهية البنوك لمنح الائتمان.
وقال أحد الخبيرين المصرفيين الذين تحدثت إليهما «المال» إن هناك فائض سيولة لدى القطاع المصرفى يقدر بنحو 2.5 تريليون جنيه، مما يعنى عدم وجود حاجة إلى الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية لسد الاحتياجات التمويلية للقطاع الزراعي.
فيما لفت الآخر إلى أنه قد يكون من الجيد اللجوء إلى المؤسسات الدولية ذات الأهداف الإنمائية بغية الحصول على قروض ميسرة للتوسع فى المشروعات الزراعية والمرتبطة بها.
واقترحا بعض الآليات والاستراتيجيات التى يمكن من خلالها التغلب على مخاطر منح الائتمان لهذا القطاع، أبرزها: تأسيس صناديق استثمار للعمل على تقديم تمويلات بشروط ميسرة، أو إنشاء مجالس استشارية لتحديد المحاصيل الأكثر جلبًا للعملة الصعبة.
القطاع الزراعى والاقتصاد الوطني
قال محمد البيه الخبير المصرفى إن البنوك بحاجة إلى التوسع فى منح الائتمان للقطاع الزراعي، وذلك نظرًا للعديد من الأسباب، أبرزها: أهمية القطاع للاقتصاد الوطني، لا سيما وأن نحو %25 من القوى العاملة تعمل فى ذلك المجال.
وأضاف أن القطاع يساهم بناءً على المعطى السابق ذكره، فى توفير فرص عمل لكثير من المواطنين، لافتًا إلى أن الدولة تمكنت خلال العام الماضى من تصدير محاصيل زراعية بقيمة 3 مليارات دولار، بمعدل زيادة نحو %15 عن العام السابق.
وذكر أن زيادة حصيلة الصادرات الزراعية لا يعمل على زيادة الناتج المحلى الإجمالى فحسب وإنما يسهل فى الوقت ذاته الحصول على المزيد من الموارد الدولارية، وهى مسألة على قدر كبير من الأهمية لا سيما فى المرحلة الراهنة التى تتسم بعجز فى الحصيلة من العملة الصعبة.
وفى السياق ذاته رأى «البيه» أنه من المهم أن تحدد الحكومة خلال الفترة المقبل، المحاصيل الزراعية التى تحظى بإقبال عالمى ومن ثم التوسع فيها، خاصة وأن هناك منتجات غير متوافرة فى الأسواق العالمية، وهو ما يمكن من توفير المزيد من العملة الأجنبية.
وفى السياق ذاته أوضح هانى حافظ الخبير المصرفى أن القطاع الزراعى يمثل نحو 45% من الناتج المحلى الإجمالي، كما تحاول الحكومة المصرية العمل على توسيع الرقعة الزراعية، وبالتالى تقدم التسهيلات الكافية للمشروعات.
وأضاف أن التسهيلات تتمثل فى منح الرخص الذهبية، وكذلك توفير كافة الاحتياجات بتسهيلات جيدة، لافتًا إلى أن التوسع فى منح الائتمان للزراعية يقابله من الناحية الأخرى زيادة التمويل.
مبادرة %11
واعتبر أن مبادرة %11 جيدة إلى حد كبير، كما أن البنك المركزى عمل على إطلاق أخرى للقطاع الزراعي، وهى تغيير الرى التقليدى إلى التنقيط، وتوفير كافة الاحتياجات التمويلية اللازمة من أجل ذلك.
وتبلغ قيمة التمويلات المخصصة ضمن مبادرة %11 لقطاعى الصناعة والزراعة نحو 150 مليار جنيه، منها 140 مليار لتمويل عمليات رأس المال العامل، ونحو 10 مليارات لشراء السلع الرأسمالية، لمدة 5 سنوات تبدأ فور الموافقة عليها من مجلس الوزراء.
وحدد مجلس الوزراء حجم الائتمان المتاح لكل شركة فى ضوء حجم أعمالها والقواعد المصرفية المنظمة، على أن لا يتجاوز الحد الاقصى المستخدم المسموح به مبلغ 75 مليون جنيه، ونحو 150 مليون الحد الأقصى للعملاء المرتبطين، شريطة أن تكون معاملات كل شركة مع بنكين بحد أقصى من البنوك المشاركة بالمبادرة.
وأوضح أن البنك المركزى أطلق هذه المبادرة حتى يتمكن المزارعون من تقسيط تكلفة التمويل اللازم للانتقال من الرى بالغمر إلى التنقيط، لافتًا إلى أن المبادرة تمتد إلى 10 سنوات وبدون فوائد.
وأفاد أن هذه المبادرة تهدف بخلاف العمل على دعم القطاع الزراعي، إلى الترشيد فى الاستخدام لا سيما وأن مصر تعانى من فقر مائى منذ 1990 تقريبًا، وبالتالى تحاول الدولة تحسين استخدام أحجام المياه المتاحة حاليًا، ومن بين هذه الطرق التوجه إلى الرى بالتنقيط.
وبيّن أنه على خلاف الحاجة لوجود بعض المبادرات التى تدعم القطاع فهناك حاجة أخرى متمثلة فى اعتماد طرق أخرى للزراعة، مشيرًا إلى أن بعض البنوك العاملة فى السوق المحلية تقدم تمويلات فى مجال التعاقدية.
وتعرف «الزراعة التعاقدية» بأنها علاقة بين ثلاثة أطراف؛ البائع وهو الفلاح والمنتج، والمشترى وتمثله الدولة، والضامن بين الطرفين، لذلك تم تعديل التشريعات حتى تضمن عدالة أسعار المحاصيل.
وتعمل تلك الآلية على تحقيق زيادة فى الإنتاج المحلى، وحماية الكثير من الصناعات فى ظل الظروف الراهنة محليًّا وعالمياً، وما ترتب عليها من تقلبات فى أسعار المحاصيل، وخاصة «الذرة»؛ المكون الرئيسى للأعلاف.
وقال إن البنك يتعهد بتمويل المزارع على أن يتعهد هذا الأخير بتوريد المحصول.
وبعد التوريد يتولى المستفيد بدفع كل المستحقات للبنك، ومن هنا يكون البنك قد حصل على المكسب من خلال منح الائتمان والحصول على معدل فائدة معين، فيما يكون المزارع قد حقق هو الآخر هامش ربح بعد سداد القرض ومستحقاته، أما الطرف النهائى وهو الشخص الذى اشترى المحصول بالفعل يكون قد ضمن حصوله على السلعة بالكيفية التى أرادها، نظرًا لوجود البنك كضامن له فى هذا الصدد.
مخاطر القطاع
ولفت إلى أن القطاع الزراعى منظورًا إليه من قبل البنوك كقطاع عالى المخاطر، فهناك احتمالية لوجود بعض الآفات التى قد تصيب المحصول وتودى به، بالإضافة إلى التغيرات المناخية، وهو ما يعنى أن البنوك قد تتحوط عند منح الائتمان لهذا القطاع.
ولفت إلى أنه من أجل التغلب على هذه المخاطر، ومن ثم العراقيل المتعلقة بمنح الائتمان، وجود بعض المحددات أو الآليات التى تعمل على التقليل من المخاطر، منها على سبيل المثال: وجود مجلس استشارى متخصص لكل محصول، ليحدد مناطق وكيفية الزراعة وهكذا.
وأفاد أن من هذه المقترحات تأسيس بعض صناديق الاستثمار الزراعية التى تتولى تمويل المشروعات المحيطة بهذا القطاع.
الاقتراض من المؤسسات الدولية
ورأى «البيه» أنه من الممكن أن يلجأ القطاع المصرفى إلى الاقتراض من المؤسسات الدولية من أجل تمويل القطاع الزراعي.
وأوضح أن كل البنوك تسعى إلى تقديم تمويلات لمشروعات فى الدول النامية خاصة التى تعانى من عجز تمويلى بشكل ما.
وأضاف أن هذه المؤسسات تسعى إلى تحسين وتوفير الغذاء المناسب فى هذه البلدان، وخلق فرص العمل، ومن ثم يقدم القروض المناسبة لهذه الدول، وبالتالى يمكن للبنوك الاقتراض من مثل هذه المؤسسات.
وبخلاف الرأى السابق أوضح هانى حافظ الخبير المصرفى أن البنوك ليست بحاجة إلى الاقتراض من الخارج، خاصة وأن هناك فائض سيولة لدى القطاع يقدر بنحو 2.5 تريليون جنيه.
ارتفع إجمالى ودائع الجهاز المصرفى بما فيها الحكومية، بحسب أحدث بيانات البنك المركزي، إلى نحو 9.71 تريليون جنيه بنهاية أغسطس الماضى مرتفعة من 9.61 تريليون خلال يوليو 2023.
استراتيجية الدولة
وأوضح هانى حافظ الخبير المصرفى أن توسع البنوك فى تمويل القطاع الزراعى يتناغم مع استراتيجية الدولة الرامية إلى التوسع فى بعض المحاصيل أو استصلاح مساحات أكبر من الأراضي.
وأضاف أن هذه الجهود تعنى ليس فقط التوسع فى منح الائتمان، وإنما المساعدة على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر سواء من مستثمرين محليين أو أجانب.
وأفاد أن الدولة تعمل على التوسع فى زراعة بعض المحاصيل واستصلاح أراض أخرى فى مناطق مختلفة مثل: الواحات والوادى الجديد وسيناء وغير ذلك.
