تشديد السياسة النقدية والحرب فى أوكرانيا وغزة أبرز مخاطر الاقتصاد العالمى خلال 2024

رسمت مجلة “ذى إيكونوميست” البريطانية سيناريوهات لمخاطر محتملة خلال عام 2024 وتأثيرها على الاقتصاد العالمى، من ضمنها استمرار البنوك المركزية فى تشديد السياسة النقدية، وحرب روسيا وأوكرانيا والص

Ad

رسمت مجلة “ذى إيكونوميست” البريطانية سيناريوهات لمخاطر محتملة خلال عام 2024 وتأثيرها على الاقتصاد العالمى، من ضمنها استمرار البنوك المركزية فى تشديد السياسة النقدية، وحرب روسيا وأوكرانيا والصراع بين الاحتلال الإسرائيلى وغزة.

وأوضحت المجلة- فى تقرير حديث حصلت “المال” على نسخة منه- أن تشديد البنوك المركزية لسعر الفائدة وصل إلى نهايته بختام العام الجارى، بعدما تبنت سياسة تهدف لخفض معدل التضخم.

كما أفادت بأن هناك مخاوف من عودة البنوك لرفع سعر الفائدة خلال عام 2024 مدفوعًا بالطلب العالمى القوى، وارتفاع أسعار السلع الأساسية الرئيسية بسبب نقص العرض.

وتشير التوقعات إلى رفع الفائدة إلى مستويات من المرجح أن تؤدى إلى تراجع الطلب الاستهلاكى والاستثمارى بشكل كبير، بجانب خفض حاد فى قيمة العملات المحلية للدول الناشئة.

أما فى أسواق الدول المتقدمة، فقد أشار التقرير إلى أن تراجع الميزانيات العمومية للبنوك المركزية سيؤدى إلى عمليات بيع حادة فى سوق السندات السيادية وزيادة علاوات المخاطر فى 2024، وخاصة فى الاقتصادات الأوروبية المثقلة بالديون، وبالتالى التأثير على أسعار الأصول ثم إلى ركود عالمى.

تحول سباق دعم التكنولوجيا الخضراء إلى حرب تجارية عالمية

تقدم الاقتصادات الغربية حوافز سخية للشركات للاستثمار فى تكنولوجيا الطاقة النظيفة، من خلال تعزيز القدرة الصناعية المحلية وتمكين المنافسة مع الصين بشكل كبير التى تنتج العديد من التكنولوجيات الخضراء، حسب تقديرات التقرير.

وتهدف المبادرات الغربية إلى تسريع انتقال البلدان نحو تحقيق صافى انبعاثات غازات صفرى، ولكن أغلب الحوافز تتضمن متطلبات صارمة بشأن مصادر المدخلات وخاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية.

كانت المتطلبات قد أثارت بالفعل التوترات بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية، ومن المرجح أن تؤدى إلى ارتفاع تكاليف المدخلات وبالتالى التكنولوجيات الخضراء ذاتها.

وأفاد تقرير «ذى إيكونوميست» بأنه فى حالة توتر العلاقات مع الصين سواء عن طريق تعزيز علاقتها بروسيا أو من خلال تعميق المخاوف بشأن السياسة الصناعية العالمية، فإن الدول الغربية ستزيد من التعريفة الجمركية على واردات بكين إلى اقتصاداتها، أو تسريع القرارات بشأن التحقيقات المعلقة فى مكافحة الإغراق والاستيراد، بالإضافة إلى رفع الدعم الحكومى وبالتالى زيادة الأسعار.

وأشار إلى أن الصين من جانبها ستنتقم ربما عن طريق منع صادرات المواد الخام التى تشكل أهمية بالغة لأجندة التحول الأخضر، مثل العناصر الأرضية النادرة، مما يجعل جهود إزالة الكربون أكثر تكلفة بالنسبة للأسواق المتقدمة.

وترجح «ذى إيكونوميست» أن التكاليف ستجبر الاقتصادات على النظر فى العودة إلى التكنولوجيات القائمة على الكربون، والحد من الدعم المقدم من الدول الغربية لتمويل تحول الطاقة فى الأسواق الناشئة، وتأخير الجداول الزمنية لتحقيق صافى انبعاثات صفرية.

وتفيد تقارير الوكالة الدولية للطاقة بأن الصين تتفوق فى استخراج 3 أنواع من «المعادن الحرجة» من باطن الأرض وتتضمن الليثيوم والجرافيت، بالإضافة إلى معدن نادر آخر لم تسمه.

وتستحوذ الصين على نسب كبيرة فى معالجة المعادن من الإنتاج الدولى بين دول العالم، على رأسها النحاس والنيكل والكوبلت والليثيوم والجرافيت بالإضافة إلى معادن نادرة أخرى.

التغير المناخى الحاد يعطل سلاسل التوريد العالمية

يشير تقرير الإيكونوميست البريطانية إلى أن موجات الجفاف والحر الشديدة فى المناطق المختلفة من دول العالم، أثرت على إنتاج المحاصيل الزراعية خلال الفترة الماضية.

وأوضح أنه من المحتمل أن يشهد عام 2024 تفاقمًا فى المناخ وارتفاع درجات الحرارة فى العالم بضغط من ظاهرة «النينو» المناخية الخاصة بجزء الاحترار، وتحدث عند انخفاض كمية المياه الباردة التى ترتفع إلى سطح البحر بالقرب من أمريكا الجنوبية، يؤدى ذلك إلى زيادة درجات حرارة سطح البحر عبر المحيط الهادئ، مما يؤدى بعد ذلك إلى زيادة درجة حرارة الغلاف الجوى.

وتشير التوقعات إلى أن الضغوط المناخية إلى جانب العوامل الجيوسياسية - مثل انهيار صفقة تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا – ستفرض ضغوطاً تشغيلية أعلى من المتوقع على الصناعات المعتمدة على السلع الأساسية فى قطاعات الزراعة والتعدين والتصنيع.

ولفتت إلى أن الأحداث المناخية القاسية التى من شأنها التأثير على الإنتاج، ستؤدى إلى إجهاد سلاسل التوريد العالمية وزيادة الضغوط التضخمية.

ومن المحتمل أن تمتد الأزمة إلى الأسر وبالتالى تصاعد المخاوف بشأن تكاليف المعيشة والأمن الغذائى، إذ يمكن أن يؤدى نقص الغذاء فى بعض أنحاء العالم إلى هجرة جماعية، أو حتى إلى الحرب، ثم إلى آثار سياسية خطيرة فى تلك البلدان يمكن أن تمتد إلى بلدان أخرى.

الإضرابات العمالية تعطل الإنتاج

سيستمر ارتفاع أسعار السلع العالمية، واضطرابات سلاسل التوريد، وصعود أسعار المواد الغذائية، وضعف العملة مقابل الدولار الأمريكى فى بعض البلدان، فى تأجيج احتاجاجات مواطنى بعض الدول فى الفترة بين عامى 2024 و2025، حسبما أفاد التقرير.

وفى ظل عدم ارتفاع الأجور بنفس سرعة صعود التضخم فى معظم البلدان، من الصعب على الأسر الفقيرة شراء السلع الأساسية مما يؤدى إلى إثارة اضطرابات اجتماعية، وتوسيع نطاق الاحتجاجات الصغيرة والاضرابات الصناعية، مثلما حدث فى أوروبا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والأرجنتين.

ولفت التقرير إلى أن الاحتجاجات العمالية فى الاقتصادات الكبرى يمكنها تنسيق إضرابات واسعة النطاق للمطالبة بزيادة الرواتب بما يتناسب مع التضخم.

وأوضح أن مثل هذه الحركات يمكن أن تشل صناعات أو خدمات عامة بأكملها لفترة طويلة، وتمتد إلى قطاعات أو بلدان أخرى، مما يؤثر على الاقتصاد العالمى.

تحرك الصين لضم تايوان ينذر بتحول مفاجئ

قالت “ذى إيكونوميست” ليس من المرجح أن يندلع صراع مباشر بين الصين وتايوان فى 2024، وذلك بسبب المخاطر التى يتعرض لها كل الأطراف المعنية بشكل مباشر، موضحة أنه رغم ذلك فإن التوترات مرتفعة، وقد تكون الانتخابات التى ستجرى فى تايوان خلال يناير المقبل بمثابة نقطة خلاف.

وبينت أن التدريبات العسكرية الصينية بالقرب من تايوان – والتى تشمل التوغلات الصينية فى منطقة تحديد الدفاع الجوى فى تايوان - تزيد من خطر حدوث سوء تقدير يمكن أن يتطور إلى حادث أوسع.

وأظهرت أن إعلان استقلال تايوان رسميًا من شأنه أيضًا أن يعجل بالهجوم الصينى، وبغض النظر عن سبب حدوثه، فإن صراعًا واسع النطاق سيؤثر بشكل كبير على اقتصاد تايوان، وسيتم عزله مؤقتًا عن سلسلة التوريد العالمية.

وأوضحت أنه قد يؤدى إلى المشاركة العسكرية من قِبَل الولايات المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان، ويدفع الاتحاد الأوروبى وغيره من الحكومات المتحالفة مع الولايات المتحدة إلى فرض قيود تجارية واستثمارية على الصين.

وأشارت إلى أن الأسواق الأخرى ستفاضل بين الصين والاقتصادات الغربية، وردا على ذلك يمكن للصين أن تمنع صادرات المواد الخام والسلع التى تشكل أهمية بالغة للاقتصادات الغربية، مثل المعادن النادرة.

تغيير الإدارة الأمريكية يؤدى إلى تحولات مفاجئة فى السياسة الخارجية وتوتر التحالفات

تقرير “ذى إيكونوميست” أشار إلى أن الإدارة الأمريكية تحت حكم الديمقراطيين بقيادة جو بايدن، انخرطت بقوة مع الشركاء الأمنيين والاقتصاديين الرئيسيين، ووضعت الولايات المتحدة كجهة فاعلة فى معالجة تغير المناخ.

ومن المحتمل أن تؤدى الانتخابات الرئاسية المقبلة فى 2024 إلى تولى الجمهوريين لسدة الحكم، مما يعيد تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بملف المناخ، بحسب التقرير.

ومن المرجح أن تؤدى الإدارة الجديدة لعرقلة الجهود العالمية الرامية إلى الحد من انبعاثات الغاز، والتراجع عن دعم التحالفات التى شكلتها الولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، خاصة فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية.

إن عملية سحب الدعم المالى والعسكرى الأمريكى من أوكرانيا من شأنها تعزيز موقف روسيا فى الصراع، وربما يؤجج العلاقات مع بعض أعضاء التحالف الغربى المتضمن الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة وأستراليا واليابان.

وتشير التوقعات إلى أن التقلبات فى عملية صنع السياسات الدولية فى الولايات المتحدة قد تساهم فى تآكل الثقة فى قدرة البلاد على وضع سياسات طويلة الأجل، ومن جهة أخرى ستحاول الصين الاستفادة من الموقف من خلال السعى إلى إثناء شركاء الولايات المتحدة عن اتباع السياسات الأمريكية تجاهها.

تصاعد الحرب بين إسرائيل وغزة إلى صراع إقليمي

كما أشار التقرير إلى أن إنتاج النفط وضخه من منطقة الشرق الأوسط سيتعطل فى حالة إطالة أمد الصراع بين الاحتلال الإسرائيلى وغزة إلى العام المقبل وتوسيع رقعة الحرب، ومن ثم سيكون التأثير التصاعدى على أسعار النفط العالمية، مما يزيد من ضغوط تكاليف المعيشة، لاسيما بالنسبة للدول الناشئة المستوردة للنفط.

اتساع رقعة الأحداث فى الشرق الأوسط يشعل أسعار النفط دوليًّا

ووفقًا للتقرير، فإنه مع تطور الصراع العسكرى بين الاحتلال الإسرائيلى وغزة إلى حرب طويلة الأمد، ستتدخل جهات رئيسية أخرى سواء كانت حكومية أو غير حكومية فى التعاطف مع القضية الفلسطينية، موضحا أن دخول إيران بشكل مباشر فى الحرب سيكون “ضئيلا” لكنها يمكن أن تستخدم نفوذها على وكلاء مثل “حزب الله” فى لبنان لإطالة أمد الصراع وتوسيع نطاقه.

وأوضح أنه فى حالة تدخل إيران سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من شأنه تأجيج الموقف الإسرائيلى وتحويل نطاق الحرب إلى صراع إقليمى، سيتسع تأثيره الاقتصادى والجيوسياسى.

الذكاء الاصطناعى يعطل الانتخابات ويقوض الثقة فى المؤسسات السياسية

بدأت الشركات والحكومات العالمية فى اختبار ودمج الذكاء الاصطناعى فى المنصات والعمليات الحالية، وتعتقد «ذى إيكونوميست» أنه سيعمل على تعزيز القدرات البشرية، مما يوفر فرصة للشركات لتحسين الإنتاجية.

ومع ذلك، فإن اعتماد الذكاء الاصطناعى على نطاق واسع واستخدامه فى وسائل التواصل الاجتماعى، سيزيد من خطر انتشار حملات التضليل عبر النصوص والصور والصوت والفيديو فى السنوات المقبلة.

ولفت التقرير إلى أن هناك جهات ستظل تتطلع إلى تنفيذ برامج واسعة النطاق، تهدف إلى تأجيج الشكوك الحالية لدى بعض المواطنين تجاه الحكومات.

ومن المحتمل أن يؤدى هذا الأمر إلى تغيير نتيجة انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبى، وفى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والهند وتايوان، كما قد يؤدى إلى تآكل ثقة الناخبين فى الأنظمة السياسية على نطاق أوسع.

ركود ينتظر الدول حال تطور صراع «موسكو ـ كييف»

تحول الحرب الأوكرانية الروسية إلى صراع عالمي من المحتمل أن يدخل الاقتصاد العالمى فى ركود عميق فى حالة اشتداد أزمة الصراع الروسى الأوكرانى، وتوسيع رقعة الحرب التى تغذى التوترات الجيوسياسية، بحسب التقرير.

وتشير التوقعات إلى أن الحلفاء فى الغرب سيشكلون جبهة موحدة، فى حين ستحاول روسيا استقطاب الصين وإيران للانضمام لها، وبالتالى من الممكن أن تكون حربًا عالمية تتخذ شكلأ نوويًا ستؤدى إلى عواقب إنسانية كارثية.