تتجه الدول الأكثر فقراً فى العالم نحو أزمة ديون جديدة، وفى الأثناء تعمل القوى الكبرى على استغلال هذه الأزمة كوسيلة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، وفقا لما أكده تقرير حديث صدر عن “معهد جنيف للدراسات العليا”.
وفى العام الماضى، حذرت كريستالينا جورجييفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولى، من أن صدمة ارتفاع أسعار الفائدة بعد الجائحة والحرب فى أوكرانيا، من شأنها أن تسبب مخاطر اقتصادية كبيرة فى البلدان النامية وربما تجلب أزمة ديون فى الأسواق الناشئة.
وفقا للتقرير، جاء هذا التحذير بعد أربعين عامًا من بداية أزمة الديون فى الدول النامية فى عام 1982، والتى أشعلتها صدمة النفط فى أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، واستمرت أزمة الديون التى اندلعت فى عام 1982 ما يقرب من عقد، وأُطلق عليها اسم “العقد الضائع”، واتسمت بتراجع فى مستويات المعيشة فى العديد من مناطق الجنوب العالمى.
وذكر التقرير أن المشاكل الحالية من تراجع للنمو، وارتفاع للتضخم، وعدم الاستقرار الجيوسياسى، وأزمة الطاقة تتشابه مع فترة العقد الضائع.
وبحسب التقرير، فإنه عندما اجتاح كوفيد-19 المناطق الفقيرة فى العالم، ضخت الدول الغربية الأموال فى اقتصاداتها لدعم الشركات والمستهلكين، مما أدى إلى خلق فقاعات الأصول، وفى نهاية المطاف، تغذية دوامة تضخمية هائلة.
وأوضح التقرير أن البلدان الفقيرة كانت تعانى من تراكم الديون منذ ما يقرب من عقد قبل تفشى الجائحة.
ووفقا للبنك الدولى، ارتفع الدين العام بين عامى 2011 و2019 فى عينة مكونة من 65 دولة نامية بنسبة %18 من الناتج المحلى الإجمالى فى المتوسط، وكانت الزيادة أعلى بكثير فى بعض المناطق، مثل دول أفريقيا جنوب الصحراء، إذ قفز الدين بنسبة %27 فى المتوسط.
وقد أدت الجائحة إلى تحقيق أكبر زيادة فى الديون منذ الحرب العالمية الثانية، فى حين انخفض مؤشر الأمم المتحدة العالمى للتنمية البشرية لمدة عامين على التوالى خلال عامى 2020 و2021 وكان الجنوب العالمى الأكبر تدهورا.
ووفقا للبنك الدولى، فإن %58 من أفقر دول العالم تعانى اليوم من أزمة ديون أو معرضة لمخاطر عالية، مقارنة بنحو %30 فقط فى عام 2015.
وأشار التقرير إلى أنه فى الثمانينيات، كان الجزء الأكبر من الديون الخارجية للعالم النامى يتركز بشكل كبير فى عدد قليل من البلدان، خاصة فى أمريكا اللاتينية (المكسيك والبرازيل والأرجنتين).
وأوضح التقرير أن الدين اتخذ فى الغالب شكل قروض مصرفية تجارية مثل قروض اليورو المشتركة، ولفت التقرير إلى أنه تمت إعادة التفاوض بشأن الديون تحت رعاية المؤسسات التمويلية الدولية مثل صندوق النقد الدولى.
وبحسب التقرير، لا تزال الدول الغربية (أوروبا والولايات المتحدة واليابان) تلعب دوراً رئيسياً كممول دولى.
وفقا للتقرير، تعانى حاليا مجموعة كبيرة من البلدان فى الجنوب العالمى من صعوبات فى السداد، إذ يتم تقديم القروض من خلال العديد من القنوات مثل القروض التجارية فى الأسواق المالية الدولية أو السندات.
وقال التقرير إن الجهات الفاعلة غير الغربية، وأبرزها الصين، تلعب الآن دوراً حاسما فى المناطق النامية، لذا تواجه أفقر بلدان العالم اليوم تحديات جديدة وغير متوقعة.
وأشار التقرير إلى إمكانية استخدام الصين للديون كسلاح سياسى أو “فخ”، وتُظهر الإحصائيات أن إقراض الصين للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل ارتفع من حوالى 40 مليار دولار أمريكى فى عام 2010 إلى 170 مليار دولار أمريكى فى عام 2020.
وعلى عكس تدفقات رأس المال إلى الخارج فى أوروبا أو الولايات المتحدة، تهيمن الحكومة الصينية والعديد من الكيانات المملوكة للدولة على الإقراض الخارجى الصينى، وغالباً ما يتم الإقراض بشروط السوق بدلاً من الشروط الميسرة.
وبحسب التقرير، أصبح دور الصين ونفوذها واضحا بشكل خاص فى دول مثل سريلانكا، التى عجزت عن سداد ديونها منذ أبريل 2022 لأول مرة فى تاريخها، وغالبًا ما يُستشهد بحالة ميناء هامبانتوتا فى سريلانكا كمثال على “فخ الديون الصينية”، وقد تم تمويل بناء الميناء من خلال استثمارات ضخمة من الحكومة الصينية، مما يؤدى إلى تفاقم مستويات الديون غير المستدامة فى البلاد.
وفقا للتقرير، فإن سريلانكا ليست هى المثال الوحيد، فالتوسع الاقتصادى للصين فى دول أفريقية مثل جيبوتى وأنجولا وزامبيا وكينيا ملاحظ جيدًا، كما زادت العلاقات الاقتصادية الباكستانية مع الصين بشكل كبير فى العقد الماضى، ومع ذلك، فإن استخدام الدين كسلاح ليس رواية مقبولة عالميًا، وقد جادل الخبراء فكرة دبلوماسية فخ الديون، مؤكدين أن السياسات المحلية غير الفعالة هى المسؤولة عن ذلك، أى أن القروض الصينية ليست محركا رئيسيا لأزمات الديون فى الدول النامية.
