تباينت الآراء حول إمكانية إقدام البنوك على تمويل الصناعات الإبداعية والتى تشمل جميع الأعمال الفنية والكتابية وخلافه، فقد ذهب البعض إلى أن هذا المجال ربما يكون أحد المجالات الواعدة التى يمكنها جلب المزيد من العوائد للقطاع المصرفى.
فيما ذهب البعض الآخر إلى أن هذا القطاع واحدًا من القطاعات الأكثر خطورة، وبالتالى قد تدفع المخاطر المحيطة به، وكذلك غياب الأصول الملموسة إلى الإحجام عن تمويل الصناعات الإبداعية وكل ما يحيط بها من مشروعات وأعمال.
وكان البنك الإفريقى للتصدير والاستيراد «افريكسيم بنك» رائدًا فى تمويل هذا النوع من المشروعات، فقد خصص خلال 2020، برنامجًا بقيمة 500 مليون دولار لدعم الصناعة الإبداعية والثقافية فى إفريقيا مثل (الرياضة والأزياء والموسيقى والأفلام والفن، بما فى ذلك فنون الأداء والإعلام والتكنولوجيا”.
ومؤخرًا، أشارت كانايو أوانى نائب رئيس البنك، إلى أن هناك نحو 5 مليارات دولار من الممكن أن نستثمرها فى الصناعات الابداعية، ومن الممكن مساهمتها فى توفير 20 مليون فرصة عمل فى الدول الافريقية.
فيما أعلن بنديكت أوراما رئيس مجلس إدارة البنك عن مضاعفة التمويل المخصص لدعم الصناعات الإبداعية والثقافية فى إفريقيا إلى مليار دولار على مدى 3 سنوات قادمة، بحسب بيان.
المنتجات الثقافية
قالت سهر الدماطى الخبيرة المصرفية وعضو مجلس إدارة بنك التعمير والإسكان إن فكرة تمويل البنوك للصناعات الإبداعية واحدة من الأفكار الجيدة، لا سيما وأن بنك مصر كان رائدًا، منذ أيام طلعت حرب، فى تبنى القطاعات الفنية وإمداداها بالدعم المالى اللازم.
تعنى الصناعات الإبداعية، بحسب جون هارتلى فى الكتاب الجماعى الذى حرره وحمل نفس العنوان، بالأنشطة التى تتصل بتكنولوجيا المعلومات والإنترنت وحقوق النشر، والأزياء وغيرها، كما تنتشر فى كثير من الأنشطة الأخرى، مثل السياحة، النقل، الشحن الجوي، الطاقة، المالية، التأمين، الإعلان، الرعاية الصحية، الشؤون القانونية، المحاسبة، الاتصالات الهاتفية، البناء، الهندسة، العمارة، الضرائب، التعليم، التجارة الإلكترونية، الخدمات البيئية، وغير ذلك.
وأضافت «الدماطي» أن أغلب الأفلام والمسلسلات تمول عن طريق العوائد المتحصل عليها من التوزيع، وكذلك الإعلانات، لافتة إلى أنه من الممكن للقطاع المصرفى أن يعمد إلى إصدار منتجات ثقافية توجه للقطاع الفني.
وذكرت أن يمكن لشركات الإنتاج التوجه إلى البنوك وتقديم طلب بالحصول على التمويل اللازم، على أن يتولى البنك من جهة أخرى إجراء الدراسة الائتمانية الخاصة به فى هذا الصدد، مشيرة إلى أن البنك سيعامل هذه الشركات كما يعامل الأخرى، ومن ثم يسرى عليها ما يسرى على غيرها من معايير واشتراطات ائتمانية.
ولفتت إلى أن هناك شركة إنتاج كانت قد تقدمت قبل فترة، بطلب الحصول على تمويل من أحد البنوك، إلا أن الصفقة التمويلية تعرقلت نظرًا لقيام الشركة بتغيير فى بعض البيانات التى كانت قد عرضتها على البنك؛ حيث تم تغيير اسم المخرج وبعض الممثلين واستبدالهم بغيرهم، ممن أقل منهم شهرة وكفاءة، ومن ثم أقل قدرة على جذب الأموال.
وفيما يتعلق بماهية الدراسة الائتمانية التى يمكن إجراؤها على مثل هذه الأعمال الفنية والمندرجة ضمن ما يسمى بـ «الاقتصاد الإبداعي» أو «الصناعات الإبداعية»، لفتت إلى أنها ستأخذ فى اعتبارها نوعية القصة ذاتها، التى يتولى الفيلم أو المسلسل تقديمها، وكذلك المخرج الذى يقوم بهندسة هذه القصة وإخراجها فنيًا، بالإضافة إلى أسماء الممثلين وهكذا.
وأوضحت أن هدف البنك من مثل هذه الدراسة، والتركيز على نوعية وماهية القصة وأسماء الممثلين ضمان قدرة العمل الفنى على تحقيق الأرباح بأكبر درجة ممكنة، لافتة إلى أنه حتى وإن كان من الصعب التكهن بإمكانية نجاح الفيلم وتحقيقه إيرادات من عدمه إلا أن هذه العناصر المذكورة أعلاه قد تكون بمثابة قرائن تسهل البنوك اتخاذ قرار منح الائتمان.
وبينت أن البنك يركز فى العادة عند إجراء دراسة ائتمانية على أحد الأعمال الفنية على العناصر الأساسية المكونة لهذا العمل أو ذاك، وهى ذاتها العناصر التى قد تدفع باتجاه تسهيل الحصول على الصفقة التمويلية ومن ثم الدفع بالصناعات الإبداعية قُدمًا.
المخاطر والأصول غير الملموسة
وخلافًا للرأى السابق، أوضح هانى أبو الفتوح الخبير المصرفى والرئيس التنفيذى لشركة الراية للاستشارات أن البنوك عادة ما تنحى بعض القطاعات عند تقديم التسهيلات الائتمانية، ولعل من أبرزها: الطيران وقطاع الفنى بشتى أشكاله.
وأضاف أن هذه القطاعات التى تنحيها البنوك جانبًا وقلما تمنحها أى تمويلات نظرًا لانطوائها على قدر عالٍ جدًا من المخاطر، ومن ثم يفضل القطاع المصرفى إيثار السلامة والابتعاد عن مثل هذه المجالات التى قد يشهد المقترضون فيها حالات تعثر مرتفعة.
وأشار إلى أن القطاع المصرفى يستبعد من لائحة تسهيلاته الائتمانية القطاعات التى لا تنتج أصولًا ملموسة، فمثل هذه الطريقة أكثر أمانًا للبنك وضمانًا كذلك، موضحًا أنه لو كان هناك مشروعا من المشروعات لديه أصول ملموسة، سواءً كانت عقارات أو معدات وخلافه، ثم تعثر، فبإمكان البنك فى هذه الحالة رهن هذه الأصول وبالتالى الحصول على أمواله التى كان قد استثمرها فى هذا المشروع الذى تعثر.
وعلى الجهة الأخرى، يواصل «أبو الفتوح» شرح وجهة نظره، إذا موّل البنك مشروعًا ليس لديه أصول ملموسة، ثم تعثر ففى هذه الحالة سيخسر البنك كل أمواله التى ضخها فى هذا المشروع على هيئة تمويلات.
ولفت إلى أن حتى الدراسة الائتمانية فى صورتها الكلاسيكية، قد لا تصلح فى حال تطبيقها على المشاريع الإبداعية والأعمال الفنية، فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون هناك فيلم مؤهل فنيًا من كافة النواحي، بل وقد يحصل على أرفع الجوائز الفنية (ولتكن الأوسكار مثلًا) إلا أنه قد لا ينجح تجاريًا.
وبناءً على ذلك يعتقد هانى أبو الفتوح أنه حتى لو ركز البنك على العناصر الأساسية للعمل الفنى (المخرج، والقصة، والممثلين) بل وإذا نجح الفيلم أو المسلسل أو المشروع الفنى بشكل عام، فقد لا يحفز شهية البنوك لتقديم التمويلات اللازمة، فكل ذلك ليس مبررًا ولا ضمانًا لتحقيق الأرباح.
