تضع وزارات النقل والصناعة والتجارة والمالية تدشين خطوط ملاحية ثابتة، بندًا ثابتًا فى كل الاتفاقيات التجارية التى يتم عقدها مع التكتلات الاقتصادية المختلفة، إلا أنه لم يتم ترجمته على أرض الواقع، حتى يؤتى ثماره المتمثلة فى زيادة حجم التبادل التجارى من ناحية مع الدول الخارجية.
استطلعت «المال» السوقين الملاحية والتجارية حول أسباب عدم نجاح مثل هذه التجارب، فى تدشين خدمات ملاحية ثابتة.
قال محمود القاضى، نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات كادمار للملاحة، والوكيل الملاحى لخط هيونداى الكورى،إن عدم وجود طلب كافٍ على الخدمة الملاحية المباشرة بين موانئدولتين يعد من أهمأسباب توقفها وعدم استمرارها، نظرًا لأن حجم التجارة بين الدولتين قليل لضمان جدوى الخدمة الثابتة.
وأضافأن هناك ارتفاعا فى تكلفة الخدمة الثابتة والتى غالبا ما تكون أعلى من استخدام خدمات الخطوط الملاحية العالمية، ما يجعلها غير جاذبة للتجار، فضلا عن بعض العوائق الإدارية والقانونية التىقد تواجه مثل هذه النوعية الخدمات.
وأشار “القاضي” إلى أن مصر سعت كثيرا لتدشين بعض الخدمات الملاحية الثابتة بينها وبين بعض الدول، بهدف تعزيز التجارة والتعاون الاقتصادى، إلا أن هذه المبادرات لم تحظَ بالنجاح وبعضها توقف بسبب انخفاض حجم التجارة الذى أدى إلى عدم جدواها الاقتصادية،نتيجة ارتفاع أسعار نولون الشحن البحري.
وحول منافسة الخدمات الملاحية الثابتة لخدمات الخطوط الملاحية العالمية، أكد نائب رئيس كادمار للملاحة، أنه كلما زاد حجم التجارة بين الدولتين زادت احتمالية نجاح الخدمات الثابتة فى منافسة خدمات الخطوط، وكذلك تكلفتها وسرعتها.
وأوضح أن الخدمات الثابتة تنطلق وفقًا لجدول زمنى محدد مسبقًا، بينما تنطلق رحلات الخطوط الملاحية العالمية حسب جدول إبحار يتغير بتغير الظروف وعادة ما تكون الثابتة سريعة لأنها لا تتوقف فى العديد من الموانئ، وتكون أكثر موثوقية من رحلات الخطوط الملاحية العالمية، لأنها لا تتاثر بالعوامل الجوية أو بحالة البحر.
وقال إن نجاح الخدمات الثابتة واستمرارها يعتمد على عدة عوامل، منها حجم التجارة بين الدولتين والتكلفة والسرعة ومدى تنافسيتها مع خدمات الخطوط الملاحية العالمية، وارتفاع أسعار نوالين الشحن، قد يضطر العملاء الى التخلى عن السرعة لصالح التكلفة الأقلرغم أن الوقت يلعب دورا مهما فى التجارة العالمية.
وقال محمد الجعبرى، مدير فرع شركة انشكيب للملاحة بورسعيد، إن الاتفاقيات التجارية التى يتم إبرامها بين الحكومات لا بد أن ترتبط بحجم تبادل تجارى حتى يكون حجم تجارة يسمح بشحن حجم بضائع على السفن المترددة بخدمات ملاحية على موانئ أى دولتين، لضمان ليس فقط استمرارية الخط ولكن تحقيقه أرباحًا أيضا.
ولفت إلى أن عدم وجود حجم تبادل تجارى بين البلدين على الخط الملاحى المزمع تدشينه بين بلدين يؤدى لتوقفه لارتفاع تكاليف تشغيل السفن على الخط، ولا بد من وجود دراسات جدوى تبين وجود حجم تجارى بين موانئ القيام والوصول مما يؤدى إلى استمرارية عمل الخط الملاحى.
من جانبه، أشار اللواء على الحايس المستشار الملاحى لشركة أوشن إكسبريس، إلى أهميةإجراء دراسات جدوى تنطوى على توقعات لشكل الخدمة الثابتة وإيراداتها واسترداد التكاليف الاستثمارية لها.
ولفت إلى أن الحال كذلك بالنسبة لمشروعات النقل البحرى، خاصة محطات الحاوياتالتى يجبأن تتضمن دراسات جدواها مؤشرات الأداء عن عدد السفن الراسية على الرصيف ومعدلات التداول المتوقعة، وكذا مؤشرات أداء الساحات.
وأشار إلى أن تسيير هذه الخدمات غالبًا ما يخضع للاتفاقيات السياسية فقط وليست على حجم تجارة حقيقى مثل الخدمة التى سبق الإعلان عنها ولم تنطلق، والتى كان مقررا أن يكون مسارها “إيطاليا - طرطوس- فينيسا”، وكذلك الخدمه المقرر تسييرها من الإسكندرية لميرسين بتركيا.
ولفت “الحايس” إلى أن مذكرات التفاهم وخطابات النوايا لا تعتبر مشروعات إلا إذا تمت ترجمتها لعقود حقيقية، وهو ما يحدث بالنسبة للخدمات الملاحية الثابتة.
وأكد مصدر بأحد الخطوط الملاحية العالمية أن معظم الخدمات الملاحية الثابتة التى تعلن عنها وزارة النقل وتأخذ الطابع الرسمى بين مصر ودول بعينها يتم توقفها عند حدود مذكرات التفاهم أو خطابات النوايا، مثل الإعلان عن تسيير خط ملاحى بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا، والخط الملاحى بين الإسكندرية واليونان لنقل البضائع والركاب بتمويل من الاتحاد الأوروبي بجانب الخدمات الملاحية التى تم الإعلان عن تسييرها بين مصر وأفريقيا، وكذا الإعلان الحكومى عن إطلاق خطين ملاحيين منتظمين لتعزيز الصادرات لأفريقيا يربطان مصر بدول شرق وجنوب أفريقيا.
وأشار إلى أن خريطة الملاحة تأثرت بشكل عام بالحروب التى اندلعت بالعالم مؤخرا مثل حرب أوكرانيا وروسيا،ومن ثم أدت إلى تغييرات فى أنماط الشحن وزيادة المسافات المقطوعة للسلع، خاصة النفط والحبوب.
ولفت إلى أن التفكير فى تسيير خدمات ملاحية ثابتة بين مصر ودول المنطقة يرتبط بتلك المتغيرات التى قد تطول، حيث يبحث الاتحاد الروسى عن أسواق تصدير جديدة لبضائعه بينما تبحث أوروبا عن موردى الطاقة البديلة.
من جهته، أكد علاء عز، وكيل أول وزارة الصناعة والتجارة، أن تدشين خدمات ثابتة يعمل على زيادة حجم التبادل التجارى بين البلدان التى يتم عبرها تدشين الخدمة، إلا أنه يحتاج إلى المزيد من الدراسات من كلا الطرفين.
وأضاف أنه على سبيل المثال تم تدشين خدمة ثابتة بين مصر وإيطاليا، وهو الأمر الذى توقف بعد عدة أشهر بسبب التكلفة، رسوم التداول التى يتم التعامل معها بالموانئ المصرية.
وتابع أنه تمت إعادة الاتفاقية مرة أخرى، بحيث يكون أسعار الرسوم بالموانئ المصرية هى نفسها الرسوم المطبقة بإيطاليا بهذا الخط الملاحى المنتظر تدشينه قريبا، وبالتالى سيكون هناك حجم تجارى ضخم بين البلدين من ناحية، إضافة إلى خدمة التجارة المصرية ووصول الصادرات إلى أوروبا، وزيادة حجم التداول بالموانئ المصرية خاصة الاسكندرية.
وتابع أنه نفس الأمر حدث مع الخط الثابت بين مصر وتركيا والذى كان يقوم على استغلال الموقع المصرى ودخول الصادرات التركية عبر مصر الى دول الخليج، دون الاستفادة الكبيرة للجانب المصري.
وأشار إلى أنه تمت إعادة تنظيم تلك الخدمة مرة أخرى، على أن تتضمن الخدمة تصدير المنتجات المصرية، خاصة السلع سريعة التلف على السفن العائدة إلى تركيا، وبالتالى الوصول الى دول الاتحاد السوفيتى، ومنطقة البحر الأسود فى أقل وقت وبأقل تكلفة.
وقال أحمد خليل، مدير الملاحة بالخط الملاحى أركاس، إن الخدمات الثابتة بين الموانئ المصرية وغيرها سواء فى أوروبا أو أفريقيا ترتبط بالمواسم، مثل نقل الخضراوات والفاكهة فى مواسم محددة، موضحًا أن الخطوط الملاحية تدفع وحدة أو وحدتين من أسطولها البحرى فى ذلك الموسم للعمل لخدمة الطلب المرتفع.
وقال “خليل” إن أستمرار تلك الخطوط الثابتة يتوقف على حجم الطلب والعرض للبضائع، ما يتطلب من الموانئ ومحطات البضائع منح الحوافز والامتيازات لتشجيع تلك الخدمات من أسعار التداول والمتابعة المستمرة لأسعار النوالين فى الموانئ المنافسة.
وأوضحأن حجم الصادرات والواردات بين الموانئ المصرية والأوروبية يلعب دورا كبيرًا فى استمرار الخط المنتظم، مشيرا إلى أن الدراسة التسويقية ونوعية البضائعيعد الفيصل فى إنجاح خدمة الخطوط الثابتة.
وقال أحد مسئولى العمليات بميناء الإسكندرية، إن الخطوط الثابتة تتم بناء على الاتفاقيات بين الموانئ المصرية وغيرها مثل إيطاليا، موضحًا أن مصر تصدر لأوروبا %70 من الحاصلات الزراعية، لذلك تم تأسيس خدمة ثابتة بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا والتى تصل مدة الرحلة بها إلى 4 أيام.
وأوضح أن هناك اتفاقيات مع ميناءى ميرسين والاسكندرونة التركيوبيرية اليونانى، مشيرا إلى أن حجم الصادرات هو الفيصل فى نجاح تلك الخدمة حيث أن الخطوط الكبرى تدفع بمركب اسبوعيا لنقل 200 حاوية لإيطاليا وعلى رأسهم الخط الملاحى MSC والذى يخصص مركب لخدمة ثابتة يوم السبت بينما خط الـZIM ينطلق من الاسكندرية إلى إيطاليا يوم الأحدوميرسك اليوم الذى يليه وهكذا وذلك يعكس التفاهم الضمنيبين الخطوط الملاحية للاستفادة من تدفق الصادرات المصرية إلى أوروبا.
وأشار إلى أن الخطوط المنتظمةتعتمد على إبحار السفن بشكل منتظم إلى الموانئ وذلك حسب جداول رحلات منتظمة وثابتة،ما يعزز من ثقة العملاء فى الخدمة، ويساعدهم فى تنفيذ مشاريعهم، من خلال تسليم بضائعهم والالتزام بالمواعيد المحددة.
وقال إن الخدمات الثابتة تتميز بأنها تسير بجدول ثابت بالاتفاق مع هيئة الميناء ولها الأولوية لدخول الرصيف عكس السفن الأخرى الجوالة، والتى قد تنتظر خارج الميناء بالأيام.
وأشار إلى أن مواسم الحاصلات الزراعية المصرية تبدأ أواخر شهر نوفمبر حتىمنتصف يونيو، وباقى العام يتم نقل المواد الخام وتعاقدات المناطق الحرة خاصة بالعامرية،لا سيما أن اقتصاديات حجم التجارةتعد المتحكم فى نجاح أو فشل الخط الثابت بين الموانئ وبعضها.
من جهته، أشار أحد ممثلى الخطوط الملاحية العالمية فى مصر، إلى أن الفترة الأخيرة كانت تقوم الوفود الاقتصادية بالاتفاق مع الوفود المماثلة على الاتفاق لتدشين خط ملاحى ثابت لزيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين، فى حين أن كلتا الدولتين لا تمتلك سفنا من الأساس، وبالتالى من الصعب نجاح التجربة طالما لا تمتلك الدولتين السفن الكافية لتدشين مثل تلك الخدمات.
وأضاف أنه مع التعاقدات الجديدة التى قامت بها وزارة النقل لزيادة الأسطول المصرى، سواء لشركة الملاحة الوطنية، أو شركة القاهرة للعبارات، والجسر العربى، فيمكن تدشين مثل هذه الخدمات، التى فى الغالب ما تنافس الخطوط الملاحية العالمية، التى تغطى كل دول العالم تقريبا، إلا أنها تعمل بخدمات ثابتة وجداول إبحار منتظمة.
عز: ضرورة إعادة تنظيم الرحلات مع إيطاليا وتركيا لضمان نجاحها خلال الفترة المقبلة
مدير عمليات ميناء الإسكندرية: النقل البحري بين مصر والدول الأوروبية مرتبط بمواسم الحاصلات الزراعية
