قال خبراء مصرفيون إن إقدام البنوك على إنشاء صندوق استثمار فى القطاع الزراعى يمثل خطوة كبيرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ودعم الأمن القومى الغذائى.
وأضافوا أن الأحداث العالمية التى شهدها الاقتصاد المحلى مؤخرًا، من فيروس كرورنا، والحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من اضطراب فى سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار السلع الغذائية، دفع لأهمية الإسراع فى النهوض بالنشاط الزراعى المصري، من أجل توفير السلع الغذائية الأساسية، واستغلال الميزة التنافسية لموقع مصر الجغرافي، للتصدير وتوفير حصيلة نقد أجنبى قوية.
يذكر أن «المال» حصلت على معلومات تفيد بإقدام عدد من البنوك على تأسيس صندوق استثمار زراعى خلال الفترة المقبلة، إلا أنه لم تتح معرفة تفاصيل أكثر عنه.
وأطلق القطاع المصرفى مؤخرًا، ممثلًا فى البنك الزراعى المصري، برنامجًا قوميًا من أجل تمويل مشروعات زراعية، استهدف من خلالها دعم المستفيدين بأسعار فائدة معلنة من البنك المركزى المصري، والتى تقدر بنحو %5
كما قام البنك الزراعى خلال السنوات الأخيرة بتقديم تمويلات لمنظومة إنتاج المحاصيل بنفس عائد المشروعات الخاصة بالتصنيع الزراعي.
قال هانى حافظ، الخبير المصرفي، إن إنشاء صناديق استثمار يكون هدفها بالأساس توفير تمويلات منخفضة التكاليف لدعم قطاعات اقتصادية بعينها، يصبح له بالغ الأثر من حيث زيادة القيمة المضافة لتلك القطاعات، والتى فى الأغلب تكون حيوية ومهمة للغاية.
وأضاف «حافظ» أن القطاع الزراعى والأنشطة المرتبطة به تمثل حوالى %45 من الناتج المحلى الإجمالى للدولة المصرية، مشيرًا إلى أن توفير صندوق يحتوى على إتاحة وسهولة تمويلات منخفضة التكاليف بشروط ميسرة للقطاع الزراعى والأنشطة المرتبطة به، تعنى إقدام الدولة على استغلال ميزتها التنافسية كدولة زراعية فى المقام الأول، وإنشاء صناعات مرتبطة بها، وبما تمثله من أهمية للأمن القومى الغذائي.
وأشار إلى أن الإقدام على تلك الخطوة يأتى فى ظل ارتفاع التضخم وتكاليف الإنتاج، ومشكلات سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الطاقة، وكذلك الأزمات الطاحنة التى يمر بها العالم كالحرب الروسية الأوكرانية وكورونا، وأزمة الشرق الأوسط الراهنة.
ولفت «حافظ» إلى أن إنشاء مثل هذا النوع من الصناديق الاستثمارية سيعمل -بما لا يدع مجالا للشك- على تأمين مصادر تمويل لأهم القطاعات الاقتصادية على الإطلاق، أبرزها توفير منتجات مصرية بديلة للمستوردة.
وأوضح أن سهولة التمويل للقطاع الزراعى تسهم فى توفير المنتجات الخام من المخرجات الزراعية، والاستفادة من القيمة المضافة، لتغطية السوق المحلى وتصدير الفائض منها.
وقال «حافظ» إن هناك بعض المحاصيل الزراعية كالرمان، يستخلص منه منتجات أخرى، كالأدوية ومنتجات دبس الرمان وغيرها، لافتًا أنه لا بد من تقليص تصدير المواد الخام الزراعية، وضرورة استخراج قيمة مضافة منها، من أجل زيادة التدفقات النقدية، وتمكين عملية التصدير، إضافة إلى توفير حصيلة عملات أجنبية متنوعة، توجه لسداد الالتزامات الحالية.
وفى هذا الصدد، نوه “حافظ” إلى ضرورة تفعيل اتفاقيات التبادل المحلى بين مصر ودول أخرى بالعملات المحلية، أو ما يسمى بنظام المقايضة، ما يعطى فرصة لتوفير سلع إستراتيجية مهمة لتغطية السوق.
وأكد أن إنشاء صندوق استثمارى للقطاع الزراعى يعد خيارًا استراتيجيًا لحفظ الأمن القومى الغذائى للدولة المصرية، وتعزيز فرص الصادرات واستغلال الميزة التنافسة.
ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة الزراعة العالمية، أفاد بأن الاستثمارات البنكية فى الزراعة على مستوى العالم ارتفعت من 120 مليار دولار فى 2010 إلى 220 مليارا فى 2020، ومن المتوقع أن تستمر فى الزيادة السنوات المقبلة.
وفى السياق ذاته، قال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، إن القطاع يلعب دورًا هامًا فى تحقيق أهداف عملية التنمية الاقتصادية.
وأضاف «عبد العال» أن القطاع المصرفى يتمثل دوره فى الدفعة المالية القوية لقطاعات الاقتصاد، فلا يستطيع أحد أن يوفر التمويل اللازم للمشروعات الاستثمارية القومية إلا البنوك.
وتابع أن تمويل القطاع الزراعى يسهم فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من المواد الأساسية، وهى الخطوة التى تجلت أهميتها تزامنًا مع الأزمات العالمية كفيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، ومدى تأثيرهم على الاقتصاد المصري.
وأكمل أن مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح، إذ تقوم بإنفاق مبالغ كبيرة من النقد الأجنبى فى استيراد عنصر غذاء أساسي، فى ظل مواجهة فجوة تمويلية كبيرة فى العملة الخضراء.
وتابع «عبد العال» أن لدينا خبرة فى إنتاج زراعات من الخضراوات والفاكهة للتصدير، توفر العملة الأجنبية وتخفف من الضغط عليها.
ولفت إلى أن إنتاج الأعلاف والمبيدات والمغذيات والأدوية يتوقف على ضخ تمويلات كبيرة ومستدامة للنشاط الزراعي، من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
وقال إن القطاع الزراعى المصرى يحتاج فى المرحلة القادمة إلى الاهتمام والتركيز عليه، لأنها من أكبر القطاعات المستخدمة للأيدى العاملة، ما تسهم فى القضاء على البطالة، ورفع معدلات التشغيل، وهذه من أهم الأهداف الاستراتيجية على المستوى القومي.
وذكر «عبد العال» أن الاهتمام بالنشاط الاستثمارى الزراعى تترتب عليه زيادة الإنتاج الزراعي، وهو مكون أساسى فى تركيبة الرقم القياسى لأسعار سلع المستهلكين، والذى يحدد معدلات التضخم، موضحًا أنه مع زيادة جانب العرض تتوافر السلع ما يؤدى إلى انخفاض الأسعار.
وأشار إلى أن معدلات التضخم ما زالت بعيدة عن مستهدفات البنك المركزي، مضيفًا أن السبب الرئيسى هو الارتفاعات المتتالية فى السلع المتولدة من النشاط الزراعي، سواء خضراوات أو فواكه أو الأنشطة المشتقة من الإنتاج الزراعي، كالحيوانى والداجني.
وأضاف «عبد العال» أن الأفراد وحدهم لا يستطيعون العمل على تنمية كل هذه الأنشطة بشكل منفرد، ولا بد من جهود الشركات، كالقطاع الخاص، وكذلك الحكومى من أجل التوسع فى النشاط الزراعي.
ولفت إلى أن من أهم صور الاستثمار والتمويل فكرة إنشاء صندوق استثمار للقطاع الزراعي، إذ يعمل على تحقيق الأهداف الاستراتيجية على المستوى القومي، نتيجة توجه الدولة للتوسع فى إصلاح الأراضى الزراعية، سواء فى الدلتا الجديدة أو شبه جزيرة سيناء، من أجل تحقيق الأمن الاقتصادى الزراعى وكذلك السياسي.
وأكد «عبد العال» أن خطوة إنشاء مثل ذلك الصندوق يتعين أن يكون برأسمال ضخم، تسهم فيه معظم البنوك، وتنبثق منه المشروعات فى الإنتاج الحيوانى والزراعى والداجني، وفى تأسيس الصناعات المكملة للأنشطة الزراعية كالمجازر والأدوية البيطرية والمسالخ وخطوط التعبئة.
وأوضح «عبد العال» أن إنشاء صندوق استثمار زراعى يعمل على توجيه استثمارات القطاع العائلى للمساهمة فى عملية التنمية، فيشارك البنوك برأسماله الأولي، ثم بعد ذلك يدخل كبار وصغار المستثمرين للاكتتاب فى الصندوق، لافتًا إلى أنه سلاح ذو حدين، فإنشاؤه يشجع على الادخار والاستثمار فى الوقت نفسه، ومع انخفاض التضخم وأسعار الفائدة، يدفع القطاع العائلى على توجيه أموالهم لاستثمارات أخرى تدر عائدًا حقيقيًا.
