قال خبراء اقتصاد ومصرفيون إن ارتفاع سعر الدولار فى السوق الموازية خلال الفترة الأخيرة ووصوله إلى 49 جنيها – قبل أن ينخفض إلى 46 مؤخرًا – يعود إلى عدة أسباب أبرزها قرار تقييد استخدامات البطاقات الائتمانية خارج مصر وداخلها قبل إلغائه والعدول عنه.
وأضافوا أن الحرب فى غزة التى اندلعت يوم 7 أكتوبر الماضى كان لها تداعياتها على الاقتصاد المصرى، وتأثيرها على قدوم السياح فى ظل حالة عدم الاستقرار التى تشهدها المنطقة.
وكان البنك المركزى أصدر يوم 17 أكتوبر تعليمات للبنوك بفتح وتفعيل الحد الائتمانى الأقصى الممنوح للبطاقة الائتمانية للاستخدام فى الخارج، بمجرد قيام العميل بالتواصل مع مركز خدمة العملاء بالبنك المصدر للبطاقة، وإخطارهم بسفره للخارج وفق الإجراءات التنظيمية المطبقة لدى البنك، معربًا عن أن اتخاذ القرار جاء حرصًا منه على تلبية احتياجات المواطنين وتيسير استخدامهم لبطاقاتهم الائتمانية لتغطية نفقاتهم خلال السفر للخارج، خاصة فى ظل ما لوحظ مؤخرًا من إساءة استخدام بعض المضاربين لتلك البطاقات من خلال إجراء سحوبات نقدية من الخارج دون السفر فعليًا.
وقرر "المركزي" بعد ذلك إلغاء التعيلمات الصادرة يوم 17 أكتوبر، حيث أصدر بيانًا أعرب فيه عن وجود شكاوى من بعض عملاء البنوك بشأن بعض المعوقات فى التواصل مع البنوك قبل السفر لفتح حدود بطاقاتهم الائتمانية للاستخدام فى الخارج، ومن أهم هذه المعوقات ضيق الوقت المتاح قبل السفر.
وأعلن عن فتح حدود الاستخدام المقررة بالكامل للبطاقة الائتمانية لأى عميل دون الحاجة لتقديم أى مستندات، وذلك بمجرد قيامه بالاتصال بخدمة العملاء بالبنك المصدر للبطاقة أو قيامه بزيارة أحد الفروع لهذا الغرض، على أن يلتزم العميل خلال فترة 90 يوما من فتح تلك الحدود بالتقدم إلى البنك المصدر للبطاقة بما يثبت أن استخدامه للبطاقة كان أثناء سفره للخارج من خلال أختام المغادرة والوصول على جواز السفر الخاص به، أو بإرسال ما يثبت استمرار تواجده بالخارج إذا جاوز فترة 90 يوما.
وأضاف فى البيان أنه فى حالة عدم التزام العميل بما تقدم، فسوف يقوم البنك المصدر للبطاقة بإبلاغ الشركة المصرية للاستعلام الائتماني"I-Score " لوضعه فى القائمة السلبية، كما سيتم إدراجه ضمن قائمة العملاء الذين يحظر إصدار بطاقات ائتمانية لهم أو استفادتهم من الخدمات المصرفية مستقبلا، فضلا عن إبلاغ الجهات المعنية لاتخاذ اللازم.
من جانبه، قال الدكتور أحمد السيد أستاذ الاقتصاد والتمويل، إن قرار البنك المركزى بوضع قيود على استخدام الحدود القصوى لبطاقات الائتمان داخل مصر وخارجها، كان له تأثير سريع على السوق الموازية.
وأوضح أن القرار صدر بصورة مفاجئة، مما أدى إلى إرباك الكثيرين ممن كانوا يستعدون للسفر، مضيفًا أن البنوك لم تكن مستعدة بشكل كاف لمراجعة مستندات السفر بصورة سريعة؛ مما عرقل حصول المسافرين على أى مبالغ دولارية، وتزامن ذلك مع منع استخدام كروت الخصم المباشر وتقليل الحد الأقصى لاستخدام بطاقات الائتمان إلى 250 دولارا فقط، ودفع إلى ضغوط سريعة على السوق الموازية واستغل المضاربون الموجة لرفع السعر بصورة مبالغ فيها.
وأضاف، لذلك اتجه «المركزى» لتعديل القرار كى يسمح للمسافرين باستخدام بطاقتهم فى الخارج، وتقديم المستندات خلال 90 يومًا، وهو ما يعطى مساحة أكبر للمسافرين والبنوك لمراجعة المستندات، مع فرض عقوبات على المتلاعبين للحد من ظاهرة استنزاف الموارد الدولارية، مشيرًا إلى أن هذا القرار ساعد فى تهدئة الأسعار فى السوق الموازية نسبيًا.
وأكد أن التوترات فى المنطقة أثرت أيضًا فى الضغط على الموارد الدولارية، خاصة أن وقف واردات الغاز من إسرائيل سيقلل جزئيًا من قدرة مصر على تصدير الغاز للخارج، وهو ما يقلل من الموارد الدولارية المتاحة للاقتصاد المصرى نسبيًا فى وقت كانت تستعد فيه مصر لاستئناف تصدير الغاز بقوة مرة أخرى بعد انتهاء موسم الصيف.
واتفق الخبير المصرفى محمد البيه مع وجهة النظر السابقة، وقال إن السبب الرئيسى لارتفاع سعر الدولار الأسبوع الماضى فى السوق السوداء، يرجع إلى قرار البنك المركزى بتقييد حدود السحب على جميع الاستخدامات الخارجية لبطاقات الخصم المباشر، بالإضافة إلى تخفيض الحدود القصوى للاستخدامات بالعملة الأجنبية على البطاقات الائتمانية.
وأضاف "البيه" أن القرار دفع عددا من المسافرين للخارج إلى اللجوء للسوق الموازية من أجل تدبير ما يحتاجه من عملة أجنبية.
وتابع إن هناك أسبابا أخرى تحدد سعر الصرف فى السوق الموازية، والتى من ضمنها موسم دخول المدارس، الذى يدفع لاستيراد أجهزة الكمبيوتر والتابلت والمواد الدراسية، مما يضغط على سعر الدولار فى السوق السوداء.
وأكمل أن هناك بعض الأنشطة الاستيرادية التى يؤدى رواجها، وسط الظروف الاقتصادية الصعبة ونقص العملة الأجنبية، إلى زيادة سعر الدولار فى السوق الموازية نظرًا لزيادة الطلب على الدولار، مثل الحبوب والذرة وفول الصويا.
وأشار "البيه" إلى أن البنك المركزى بعدما قرر إلغاء حدود السحب على البطاقات الائتمانية، ولكن مع وضع ضوابط بسيطة، أدى ذلك لهبوط ملحوظ فى سعر الدولار فى السوق السوداء.
وأضاف أن هناك مضاربات أيضًا تتم على العملة الأجنبية فى السوق الموازية سواء بالاكتناز أو عن طريق استيراد سلع متوقع ارتفاع سعرها مستقبلًا، لافتًا إلى أن تلك التصرفات مدفوعة بتوقعات توصل مصر لاتفاق نهائى مع صندوق النقد الدولى، وبالتالى قد يتخذ البنك المركزى قرارًا بتخفيض سعر الصرف ليعكس قوى العرض والطلب.
وقال "البيه" إن مصر تسعى لاتباع سعر صرف واحد للدولار، من أجل حل عوائق الاستثمار الأجنبى المباشر، مشيرًا إلى أن خطة برنامج الطروحات تستهدف دخول مستثمرين إستراتيجين لشراء حصص من شركات مملوكة للدولة، وكذلك استخدام تلك الأموال فى زيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى، مما يمكن البنك المركزى من السيطرة على سعر الدولار فى السوق الرسمية إذا اتخذ قرارا بتخفيض العملة المحلية.
ولفت إلى أن وجود أكثر من سعر صرف للعملة لا يحفز الأسواق، بالإضافة إلى تسببه فى حدوث عجز فى العملة الأجنبية داخل الجهاز المصرفى الرسمى، وكذلك فى الموازنة العامة للدولة.
وقال مصدر مصرفى كبير إن الحرب فى قطاع غزة أثرت على الوضع الاقتصادى داخل مصر، لافتًا إلى أن طول مدة الحرب فى فلسطين ترفع من مخاطر مصر الاقتصادية.
وأشار إلى أن هناك عاملين آخرين خارج مصر يحددون سعر الدولار فى السوق السوداء، وهما بورصة لندن، والعقود الآجلة على العملة الأجنبية أو ما تسمى بـ "Forward Deals" وتبعًا للتوترات على حدود مصر بدأت تتحرك تلك المؤشرات صعودًا لصالح العملة الأجنبية، مما رفع السعر فى السوق الموازية، مشيرًا إلى أن قرار المركزى بتقييد حدود السحب على البطاقات الائتمانية، دفع البعض إلى الاعتقاد بأنه مؤشر على اتخاذ قرار التعويم الفترة المقبلة.
وأكد أن البنك المركزى اتخذ قرار تقييد حدود السحب على البطاقات من أجل وقف التلاعب بالعملة الأجنبية وسوء الاستخدام فى ظل الظروف الرهنة.
ولفت إلى أن تداعيات الحرب ستؤثر بشكل مباشر على السياحة فى مصر، فهى تمثل موردا هاما من موارد العملة الأجنبية.
السيد: التوترات فى المنطقة تضغط على موارد العملة الخضراء
البيه: قرار «المركزى» دفع المسافرين إلى اللجوء لـ«السوداء»
