أكد شكيب أبو زيد الأمين العام للاتحاد العربى للتأمين أن القطاع يمثل مصدرا مهما لتمويل عملية التنمية، عبر استقطاب المدخرات وتجميع الأقساط لتوجيهها نحو الاستثمار، وحماية النشاط الاقتصادى للدول، عن طريق تأمين المؤسسات والأشخاص ضد مختلف المخاطر، مما يمكن المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين من الدخول فى مجالات إنتاجية جديدة أو توسيع دائرة أنشطتهم.
وأشار - فى حواره مع “المال”- إلى أن مؤسسات التأمين تسهم فى تحقيق التنمية الاجتماعية، عبر توفير الأمن للأفراد ضد مختلف مخاطر الحياة، مثل الشيخوخة والعجز والمرض أو الموت، فضلا عن توظيفها نسبًا من العاملين.
وأوصى بتحفيز التنافسية بين شركات التأمين، دون التمييز بين المؤسسات العامة والخاصة، مشددا على ضرورة تطوير رقمنة القطاع، بدءا من تصميم المنتجات وتسويقها، مرورا بإدارة عمليات التعويض وانتهاءً بالاعتماد على قنوات توزيع جديدة للمنتجات باستعمال التكنولوجيا، مع تحديث التشريعات الخاصة بالتأمين للتجاوب مع المستجدات الاقتصادية.
وقال “أبو زيد” إن التأمين أحد أهم المؤشرات التى تقيس مستوى التطور الاقتصادى، ويلعب دورا مهمًا فى كل الاقتصادات، لأنه يسمح بتجميع رءوس الأموال ودعم التنمية الاقتصادية، والتقليل من الخسائر؛ كما يساهم فى دعم الشمول المالى عبر تمكين الفئات الهشة وذوى الدخل المحدود من فرصة الحصول على التغطيات التأمينية، وتسهيل دمجهم فى قنوات الاقتصاد الرسمى.
نظرة على قطاع التأمين العربى
وأشار إلى أن أسواق التأمين العربية، تأسست وتطورت بطرق مختلفة، فالشركة الأهلية المصرية أنشئت فى سنة 1904 وكانت أول شركة عربية، وأتت “مصر للتأمين” بعدها كمشروع وطنى على يد طلعت حرب، فى حين الأغلبية العظمى من الشركات فى فترة الاستعمار كانت فروعا للمؤسسات الأجنبية.
ولفت إلى أن عام 1947 شهد تأسيس شركة التأمين العربية، ثم بعد النكبة اضطرت للانتقال إلى بيروت والعمل منها فى العديد من الأقطار العربية، بينما شهدت نهاية الخمسينات وبداية الستينيات ميلاد شركات رائدة مثل “الإعادة المصرية” تلتها المغربية والعراقية، مع تأميم الشركات الأجنبية لتصبح وطنية، برأسمال وطنى فى العديد من البلدان.
وألمح إلى أن فترة السبعينات والثمانينيات شهدت تأسيس شركات وطنية فى بلدان الخليج العربى وشركات إعادة مثل “أريج” كما شهدت الفترة ميلاد “الإعادة الجزائرية” و”الإعادة العربية” و”الإعادة التونسية”، بينما ظهرت بأواخر التسعينيات وبداية الألفية شركات جديدة بصيغة تكافلية.
وأشار إلى أن عدد الشركات فى البلدان العربية يناهز 535، بدون فروع الشركات الأجنبية التى تنشط أساسا فى الخليج، موضحا أن أغلبية الرأسمال فى الشركات وطنى، مع وجود لبعض الشركات العالمية، كشركاء فى بلدان الخليج ومصر والمغرب بشكل أساسى.
وأوضح أن كل الأسواق التأمينية بالبلاد العربية تراقبها هيئات تنظمية، لسن قوانينها وفرض معاييرها، وساهمت فى تنظيم الأسواق وإخضاعها لمعايير الشفافية والملاءة، كما أشار إلى أن أقساط التأمين الكبرى تستحوذ عليها 3 أسواق، هى الإمارات والسعودية والمغرب بنسبة %65.
وأضاف “أبوزيد” أن أهم ما يعوق الأسواق التأمينية العربية ضعف الإنفاق الفردى على التأمين، وضعف التأمينات الفردية.
ورغم تطوير تأمينات الحياة فى الإمارات ولبنان والمغرب فإن أقساط التأمين فى البلدان العربية ما زالت أساسا تعتمد على الإجبارى (السيارات والطبي).
وقال إن الأسواق التأمينية العربية واعدة، بالنظر إلى التركيبة الديموغرافية فى بلدان المنطقة، مشيرا إلى أن شريحة الشباب والتى ستدخل سوق العمل ستكون مهتمة بشراء وثائق التأمين على السيارات والمنازل والحياة.
ولفت إلى أن الطبقة الوسطى هى التى تقتنى التأمين أثناء ارتقائها السلم الوظيفى والاجتماعي؛ لافتًا إلى أن البلدان العربية لا زالت فى أمس الحاجة إلى العديد من التغطيات لتدارك الهوة التأمينية ما بين الممتلكات والمسئوليات من جهة والأخطار من جهة ثانية.
وأضاف أن إجبارية التأمين تمثل رافعة للقطاع، وضمان استمرارية رفع أقساطه، خاصة “الصحى” و”المسئوليات” بالنسبة للأماكن التى يرتادها العموم، كما أن الطلب على تأمينات الحياة والادخار سيأتى كنتيجة لإدراك أهمية الاستعداد للتقاعد ولحماية الأسر من الآثار المترتبة عن الوفاة.
وأكد أن التأمين المتناهى الصغر سيؤتى أكله بعد سنوات كجهة جذب عملاء جدد للقطاع، لا سيما أن نسبة التأمين فى الناتج القومى الخام ومتوسط الإنفاق الفردى وإن كانتا ضعيفتين، إلا أنهما تمثلان تحديات وفرص يجب استثمارها، بعد تزايد المخاطر وتعقدها، أصبحت تشكل عبئا على الحكومات والشركات، ووجب التحوط والحماية منها عبر التغطيات.
وأوصى باللجوء للحلول التأمينية، للحماية من الكوارث المتفاقمة بفعل التغير المناخى والقرصنة كنتيجة للتطور التكنولوجى وزيادة أعمال العنف الناتجة عن الحركات الاحتجاجية والتمرد ووتيرة الحروب الأهلية.
وشدد على وجوب عدم إغفال الحلول التأمينية للشرائح الكبيرة من المجتمعات العربية ذات الدخل المحدود ولم تصل إلى مرحلة الاستفادة من التغطيات التى تناسبها، خاصة الصحية منها، فضلا على ممتلكاتها المتواضعة.
الكوارث الطبيعية.. خطر محدق وفرص للقطاع
وأشار إلى أن الكوارث الطبيعية من أعنف وأخطر الظواهر التى تتعرض لها المجتمعات البشرية، مخلفة ورائها أضرارا بالغة تلحق بالممتلكات والأشخاص، ورغم إمكانية التنبؤ بأغلب أنواع الكوارث، فإن وتيرتها تزداد بشكل سريع، ففى خلال سنة 2023 تعرضت تركيا وسوريا والمغرب وليبيا لكوارث أودت بحياة الكثير من الأشخاص.
وأكد أن المغرب إثر الكارثة الأخيرة التى ألمت به استرجع من شركات إعادة التأمين العالمية ما يقرب من 260 مليون دولار، بخلاف سوريا وليبيا اللتين تكبدتا الخسائر بسبب عدم وجود تغطية للكوارث، بينما استرجعت تركيا من جراء الزلزال الأخير بها ما يناهز 1.5 مليار دولار من شركات الإعادة، وذلك لوجود نظام تأمينى للحد من آثار الزلازل.
وبيّن أن الدول وشركات التأمين تحتاج إلى فهم المخاطر التى تتعرض لها، وأن تستثمر فى مواردها وتضع أولويات لسياستها، لتقلل من تعرضها للأخطار الطبيعية، لإنقاذ حياة الأفراد وتقليل الأثر الاقتصادى والبيئى للكوارث، مع تكثيف جهود مؤسسات الدولة لتحقيق ذلك الهدف.
قطاع التأمن والشمول المالى
وقال إن الخدمات التأمينية التى تقدمها شركات التأمين تعد آلية تساعد على زيادة مستوى الحماية لجميع الأفراد والمؤسسات، والوصول لمستويات أعلى من الشمول المالى الذى أصبح يمثل تحديًا يواجه كل الاقتصادات، ودعمه عبر التأمين ضرورة حتمية.
كما أن العشرية الأخيرة دفعت الجهات الدولية والحكومات للاهتمام بقضايا الشمول المالى، كما تساهم الشركات عبر خلق منتجات مالية جديدة، وجعل المنتجات المتوفرة الحالية تتلاءم بشكل أفضل مع احتياجات العملاء الذين يتأثرون بالتحولات التكنولوجية.
وأشار”أبوزيد” إلى أن جائحة كورونا وقيود التباعد الاجتماعى أدت إلى تسريع وتيرة اعتماد أنظمة المدفوعات الرقمية فى مختلف دول العالم، مما سمح بتفعيل الاستخدام الواسع للتكنولوجيا الرقمية وإحداث تغير كبير فى صناعة التأمين، عبر تنويع المنتجات التأمينية، وتوفير منتجات تأمين جديدة تتوافق مع احتياجات العملاء الذين يفضلون الحصول على التغطيات عبر الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية.
أقل تكلفة وأسرع وسيلة
وقال إن شركات التأمين أصبحت ملزمة برقمنة منتجاتها وعملياتها، لضمان استمراريتها وتعزيز مكانتها فى السوق لدعم الشمول المالى، بشكل مختلف عن التغطيات التقليدية التى يُجبر العملاء فيها على التوجه إلى الوكالات والوسطاء.
وأضاف أن الشمول المالى يسهم فى إيصال الخدمة المالية بأقل تكلفة ممكنة وبطريقة مستدامة إلى جميع فئات المجتمع، كما يسمح بحماية المستهلك، ويتيح التنويع والتطوير فى الخدمات التأمينية ووصولها لمختلف فئات المجتمع.
وأوضح أن التأمين يعد وسيلة فعالة ومناسبة لتعزيز الشمول المالى، مما يسمح بتحقيق منافع اقتصادية عديدة للدول، وكذا شركات التأمين وإعادة التأمين، التى تتمكن من زيادة رقم أعمالها وجذب المزيد من المؤمن لهم.
وأشار إلى أن رقمنة خدمات التأمين أساسية لتحقيق الشمول المالى، حيث تضمن شركات التأمين الرقمى تقديم منتجات تتميز بانخفاض التكلفة مقارنة بالخدمات التقليدية، تتناسب ومتطلبات العملاء، لضمان الحصول على التغطيات فى أى وقت، مما يدعم تنافسية تلك الشركات ويعزز مكانتها السوقية، عبر توظيف التكنولوجيا فى التأمين لابتكار خدمات تحظى بقبول مختلف فئات المجتمع.
الرقمنة.. ركيزة للشمول المالى والتأمينى
وذهب إلى أن مؤشرات الشمول المالى فى الدول النامية ضعيفة، الأمر الذى يتطلب بذل المزيد من الجهود لإرساء دعائمه، بتشجيع استخدام وسائل الدفع الإلكترونى وتوفير خدمات تلبى احتياجات المؤمن لهم، خصوصا الفئات محدودة الدخل، والتى تمارس نشاطاتها المالية والاقتصادية غالبا فى الاقتصاد الموازى.
وألمح إلى أن التحالفات القائمة بين شركات التأمين ونظيراتها المتخصصة فى تكنولوجيا التأمين، تتيح ابتكار منتجات تتلاءم مع العصر الرقمى الحالى، حيث يسمح توظيف مؤسسات القطاع لتكنولوجيا التأمين فى أنشطتها المختلفة، كالاكتتاب والدفع الإلكترونيين والعقود الذكية والإبلاغ عن الحوادث وطلب الخدمات عبر الهواتف الذكية وغيرها، مما يؤدى إلى تحسين الخدمات التأمينية.
ولفت إلى أن التكنولوجيا مكنت شركات التأمين من استقطاب المزيد من العملاء بفضل تقليص تكاليف الخدمة وتقديمها بشكل أسرع وأكثر بساطة مقارنة مع الخدمات التقليدية.
وأشار إلى أن التحالفات التى تعقدها شركات التأمين لتوسيع قنوات توزيع خدماتها لها فائدة كبيرة لكل الأطراف، حيث تتوجه شركات التأمين للتوسع فى قنوات توزيع منتجاتها عبر البنوك التى توفر على شركات التأمين الكثير من التكاليف.
قطاع التأمين.. داعم مهم للاقتصادات العربية
وأضاف “أبوزيد” أن توسيع نطاق التأمين خطوة مهمة لجذب المزيد من العملاء، مع التأمين “المتناهى الصغر”، عبر تحسين ثقة العملاء فى خدمات القطاع، وزيادة إقبالهم على منتجاته، فضلا على أن التأمين “المتناهى الصغر” يساهم فى تحقيق الشمول المالى، مما يؤثر بالإيجاب على عجلة التنمية الاقتصادية للدول الناشئة.
وألمح إلى الدور الملقى على عاتق قطاع التأمين لدعم الاقتصاد والمجتمع، بتنظيم شركاته لبرامج التثقيف التأمينى، عبر التعاون مع الجامعات، والانخراط فى برامج التنمية والتأمين المستدامين، والتشجيع على توفير تغطيات تناسب الاقتصاد البيئى، بضمان فرص أكبر للفئات الفقيرة ومحدودة الدخل فى الحصول على الخدمات التأمينية.
وأكد على أهمية الأرضية القانونية المنظمة لنشاط التأمين، بآليات تتوافق مع التحولات فى مجال التكنولوجيا الحديثة، مقترحا تكثيف برامج التكوين للموظفين وتدريبهم على الوسائل التكنولوجية الحديثة.
وشدد على ضرورة اهتمام شركات التأمين بكل ما هو جديد فى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مع تحسين وتوسيع خدماتها التقليدية، لافتا إلى ضرورة اهتمام شركات التأمين بتنوع قنوات التوزيع وتقديم خدمات جديدة.
النشاط يرفع مستوى الحماية للأفراد والمؤسسات
تحالفات القطاع مع الشركات المتخصصة تعزز التطور الرقمى
يجب تنويع محفظة الأخطار لتوسيع شرائح العملاء
استعمال التكنولوجيا وسيلة لتحسين الخدمات التقليدية
