رجح عدد من الخبراء والمحللين المصرفيين أن تلجأ لجنة السياسة النقدية فى البنك المركزى خلال اجتماعها فى 2 نوفمبر المقبل إلى تثبيت أسعار الفائدة عند مستوى 19.25 %، %20.25 و%19.75 للإيداع والإقراض وسعر العملية الرئيسية على الترتيب.
وعللوا رأيهم بكون التضخم لم يصل إلى ذروته بعد، ومن ثم ليس هناك ما يدعو إلى المزيد من سياسة التشديد النقدي، ناهيك عن كون سياسة التشديد النقدى التى انتهجها البنك المركزى لم تؤد إلى كبح جماح التضخم بالشكل المطلوب ولا إلى الوصول إلى المعدلات المستهدفة، بناء على ذلك ليس هناك حاجة ماسة، الآن على الأقل، إلى المزيد من التشديد النقدي.
أدوات السياسة النقدية
ورجحت سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية وعضو مجلس إدارة بنك التعمير والإسكان، أن تجنح لجنة السياسة النقدية فى اجتماع 2 نوفمبر المقبل إلى تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها السابقة.
كان البنك المركزى قرر فى اجتماعه الأخير يوم 21 سبتمبر الماضي، الإبقاء على سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى عند مستوى %19.25، %20.25 و%19.75 على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى %19.75.
وعللت «الدماطي» رأيها بكون الظروف الراهنة لا تتحمل زيادة أخرى فى أسعار الفائدة، كما أن «المركزي» استخدم هذه الأداة (تقصد رفع الفائدة) أكثر من مرة ولم تؤت ثمارها المرجوة، نظرًا لكون التضخم، الذى يفترض أن يتم كبح جماحه عن طريق أداة رفع الفائدة، مستورد وليس ناتجًا عن معطيات وظروف محلية.
وأشارت إلى أن المنطق يقتضى تقييم نتائج أى أداة من الأدوات بعد استخدامها، وإذا لم تجد نفعًا فلا بد من اتباع نهج مغاير.
وأفادت بأن رفع الفائدة سيؤدى إلى رفع التكلفة على المنتجين المحليين، ومن ثم ستكون التبعات السلبية أكبر من النتائج والفوائد الإيجابية، موضحة أن هناك عاملا آخر أساسى فى هذه المسألة وهو تعاظم حجم السوق السوداء، والذى يتراوح ما بين 30 إلى 35 مليار دولار، وبالتالى فإن التحكم فى التضخم عبر رفع أسعار الفائدة لن يكون ممكنًا لا سيما فى ظل هذه الظروف.
وأكدت أنه طالما اتفقنا على أن التضخم مستورد وليس ناتجًا عن ظروف ومعطيات محلية، فهذا معناه، من الجهة الأخرى، عدم نجاعة أدوات السياسة النقدية الكلاسيكية فى التعامل معه وكبح جماحه.
وشددت على أن محاربة التضخم، فى ظل الظروف والمعطيات الراهنة، لا يمكن أن يدار اقتصاديًا فحسب، وإنما هناك طائفة من المعطيات والوقائع المرتبطة بالموضوع، وهى عوامل جيوسياسية فى المقام الأول.
وفيما يتعلق بمسألة تخفيض قيمة العملة أو تحرير سعر الصرف، شددت الخبيرة المصرفية وعضو مجلس إدارة بنك التعمير والإسكان، على أن هناك الكثير من الاختلالات الكبرى التى ستحدث على صعيد الاقتصاد الكلى حال اللجوء إلى هذه الخطوة.
وأشارت إلى أن هذه الخطوة (تحرير سعر الصرف) لن يؤدى إلى حل المشكلة الراهنة التى تعانى منها مصر حاليًا، والمتمثلة فى نقص المعروض النقدى من العملة الأجنبية، معللة رأيها بكونه من العسير الوصول إلى السعر التوازني، أى التوازن بين العرض والطلب.
وأوضحت أن خطوة تحرير سعر الصرف أو تخفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار ستؤدى مباشرة إلى إحداث حلقة مفرغة، بمعنى أنه كلما انخفضت قيمة الجنيه كلما زادت قيمة الدولار فى السوق الموازية، ومن ثم ستتعمق المشكلة أكثر.
معدلات التضخم
إلى ذات الرأى جنح محمد البيه الخبير المصرفي، مرجحا أن تلجأ لجنة السياسة النقدية فى البنك المركزى إلى تثبيت أسعار الفائدة، مشيرًا إلى أنه توقعه ذاك مبنى على معدلات التضخم الحالية والمستقبلية، فقد ارتفع التضخم العام خلال شهر سبتمبر بشكل طفيف للغاية، ليسجل %40.3 مقابل %39.7 خلال الشهر السابق، وهو ارتفاع طفيف للغاية مقارنة مع تلك الارتفاعات التى تمت خلال الفترة منذ مطلع العام وحتى يونيو الماضي.
وذكر أنه على الجهة الأخرى، انخفض معدل التضخم الأساسى خلال سبتمبر الماضي، وهو الأمر الذى لا يستدعى قيام البنك المركزى المصرى باللجوء إلى أداة رفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه المقبل.
وشهد المعدل السنوى للتضخم الأساسي، بحسب البنك المركزي، تباطؤًا للشهر الثالث على التوالى مسجلا %39.7 فى سبتمبر الماضى مقارنة مع معدل بلغ %40.4 فى أغسطس 2023.
وأوضح أن معدلات التضخم، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لم تشهد ارتفاعات جذرية، حتى وإن كانت هذه المعدلات فى طريقها إلى الارتفاع، إلا أنها لم ترتفع بالشكل القوى الذى يستدعى مزيدًا من التقييد من البنك المركزي.
ولفت إلى أن البنك المركزى رفع سعر الفائدة منذ نهاية 2022 وحتى اجتماعه الأخير بنحو %11 رغبة فى كبح جماح التضخم، معتبرًا هذه الزيادة فى أسعار الفائدة كبيرة جدًا.
وأشار إلى أن هذه الزيادة لها مدى زمنى معين، بمعنى أن هذه الزيادات ستأخذ وقتًا معينًا حتى تؤتى نتائجها المرجوة، لافتًا إلى أن هذه الزيادات بدأت تؤتى ثمارها، وإن بشكل طفيف، فى كبح جماح التضخم.
وذكر أن معدلات التضخم فى مصر لم تصل إلى الآن إلى ذروتها، لا سيما وأن هناك تقارير دولية تشير إلى أن هذه المعدلات ستصل إلى ذروتها خلال الربع الأول أو الثانى من العام المقبل، ومن ثم ليس هناك ما يدعو إلى رفع سعر الفائدة، طالما لم نصل إلى ذروة التضخم.
الاحتمالان واردان
وبخلاف جزم «الدماطي» باتجاه البنك المركزى إلى تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها السابقة، رأى محمد عبد المنعم، الخبير المصرفي، أن احتمالية التثبيت والرفع واردة، ولكل قرار منهما ما يبرره من الناحية الاقتصادية البحتة.
وأشار إلى أن احتمالية رفع أسعار الفائدة قد يكون لها ما يبررها، نظرًا لكون التضخم ما زال مرتفعًا، ناهيك عن كون معدل الفائدة الحقيقى فى مصر بالسالب.
وفيما يتعلق باحتمالية تثبيت أسعار الفائدة، أوضح أن هذه الاحتمالية واردة هى الأخرى، ويبررها عدم رغبة صانع السياسة النقدية فى رفع عبء التمويل الداخلي، وتفاقم عجز الموازنة، والتأثير السلبى أيضا على مناخ الاستثمار العام.
الدماطى: زيادتها ترفع التكلفة على المنتجين المحليين
البيه: عدم التحريك الأقرب إلى المنطق
عبد المنعم: كلا الاحتمالين وارد
