مع تصاعد العنف فى الحرب الإسرائيلية على غزة، يمكن أن يكون للمخاطر الجيوسياسية تأثيرات كبيرة طويلة وقصيرة المدى على الأسواق المالية والاقتصاد العالمي، وقد يكون هناك أيضًا تحول هيكلى فى أصول الملاذ الآمن.
ولكن على الرغم من أهمية توخى الحذر بشأن الأحداث العالمية الكبرى، فإن هذا لا يعنى إجراء تغييرات كبيرة غير محسوبة على محافظ المستثمرين.
وينبغى أن يراجع المستثمرون حجم المخاطرة وتنوع المحفظة الاستثمارية بشكل جيد، وهذا يعنى توزيع الأموال عبر العديد من أنواع الاستثمارات والقطاعات والمناطق المختلفة، مع ضرورة التمسك بالنظرة طويلة الأمد.
الأسواق الغربية الأقل تأثرًا بالأحداث
لم تتأثر أسواق الأسهم الغربية نسبيا بالأحداث التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الأسواق المحلية تأثرت بشدة، بحسب موقع «هارجريف لاندزداون».
على سبيل المثال، كانت هناك انخفاضات كبيرة فى مؤشرات الأسهم فى إسرائيل وفلسطين وتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فى أعقاب الهجمات مباشرة.
كما اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى التدخل لحماية عملتها، وباعت ما يصل إلى 30 مليار دولار لدعم الشيكل، الذى انخفض إلى أدنى مستوى له منذ عام 2016، بعد الهجمات.
وبالنسبة للبلدان غير المشاركة بشكل مباشر، يمكن أن يكون التأثير المالى أصغر وأقصر، ومع ذلك، فإن تأثيرات الجولة الثانية للأزمات الجيوسياسية يمكن أن تكون عميقة.
وتمكنت الأسهم الأمريكية من الارتفاع فى أول يوم تداول بعد الهجمات، مع ارتفاع الأسهم القيادية الأمريكية بأكثر من 1%.
والسبب فى أن التأثير لم يدم طويلا هو أن أساسيات الأسهم الأمريكية والعالمية معقدة، ويأتى الصراع الإسرائيلى فى وقت تسود فيه المخاوف الجيوسياسية المستمرة، وهناك أيضا مخاوف اقتصادية، ومن المتوقع أن يخفض صندوق النقد الدولى توقعاته للنمو العالمى فى قمته مع البنك الدولى فى أكتوبر الحالى.
كما تهيمن حالة عدم اليقين بشأن السياسة النقدية فى الغرب على معنويات السوق.
فى ظل هذه الخلفية الشائكة، قد تتوقع تعثر الأصول الخطرة مثل الأسهم، ومع ذلك تتأثر أسواق الأسهم بالكثير من الأشياء المختلفة.
وألمح اثنان من مسئولى الاحتياطى الفيدرالى يوم الإثنين الماضى إلى أنه قد لا يكون هناك المزيد من رفع أسعار الفائدة هذا العام، وقد أثر هذا على توقعات السوق لأسعار الفائدة الأمريكية إذ ارتفعت توقعات بقاء أسعارها عند %5.25 - %5.5 لبقية العام إلى 74 %، صعودا من 57 % فى الأسبوع السابق، وعندما تنخفض توقعات أسعار الفائدة فإن ذلك يمكن أن يعزز الأصول الخطرة مثل الأسهم.
ومن المعتاد أن تتأثر سوق النفط عندما يكون هناك تصاعد فى أعمال العنف فى الشرق الأوسط.
وفى أعقاب الهجمات الإسرائيلية مباشرة، قفز سعر خام برنت بنسبة 3.5 % ليصل إلى أكثر من 88 دولارًا للبرميل، وأدى هذا إلى وقف الانخفاض الأخير فى أسعار النفط، ومع تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلى بأن الحملة ضد غزة «بدأت للتو» فإن ارتفاع أسعار النفط قد يكون دائمًا، وهذا يمكن أن يغذى ارتفاع التضخم.
ويمكن أن يؤدى الصراع فى الشرق الأوسط إلى التضخم بسبب أهمية إنتاج النفط للمنطقة، ويمثل الشرق الأوسط ما يقل قليلا عن ثلث إنتاج النفط العالمي، ومن الممكن أن تؤدى الحرب فى المنطقة إلى زيادة خطر حدوث انقطاع كبير فى إمدادات النفط.
وإذا استمرت أسعار النفط فى الارتفاع، فقد يظهر تأثير هذه الهجمات فى توقعات التضخم الاستهلاكى فى الغرب فى الأشهر المقبلة، ومن الممكن أن يؤثر ذلك على توقعات أسعار الفائدة ومعنويات المستثمرين.
تورط الولايات المتحدة يضعف قيمة الملاذات الآمنة
تثور مخاوف إضعاف قيمة الملاذات الآمنة، خصوصا الدولار والسندات الأمريكية حال انجرار الولايات المتحدة للصراع فى الشرق الأوسط وبجانب هذا، هناك دلائل على أن أصول الملاذات الآمنة التقليدية بدأت تفقد قيمتها.
وتؤدى العوامل الجيوسياسية عموما إلى تدفق الأموال إلى أصول «الملاذ الآمن»، وهى مجموعة من الاستثمارات التى من المتوقع أن تحافظ على قيمتها أو تزيد منها فى حالة حدوث أزمة جيوسياسية أو إرهاب أو كوارث طبيعية يُعتقد أنها توفر درجة من «الأمان» للمستثمرين، ولكن بالطبع هذا ليس مضمونًا دائمًا.
وتشمل استثمارات الملاذ الآمن الأكثر شيوعًا الذهب، وسندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل (ديون الحكومة الأمريكية)، وبعض العملات مثل الدولار الأمريكي، والين الياباني، والفرنك السويسري.
وتعتبر بعض الأسهم الدفاعية أيضًا ملاذات آمنة، على سبيل المثال، أسهم المرافق وأسهم الطاقة والسلع الاستهلاكية الأساسية، ومن غير المستغرب أن ترتفع أسهم الطاقة فى مختلف أنحاء العالم بشكل حاد فى أعقاب الهجمات مباشرة، وفى الولايات المتحدة، ارتفع قطاع الطاقة بأكثر من 3 %.
وتميل أصول الملاذ الآمن إلى أن تكون أكثر سيولة، مما يعنى أنها أسهل فى الشراء والبيع، ولكن هناك دلائل تشير إلى أن أصول الملاذ الآمن التقليدية، بما فى ذلك ديون الحكومة الأمريكية والدولار، بدأت تفقد قوتها فى الأزمات.
على سبيل المثال، أظهر بحث أجراه المكتب الوطنى للبحوث الاقتصادية فى الولايات المتحدة ارتفاع قيمة الدولار الأمريكى فى مارس 2020 فى ذروة الوباء، ومع ذلك، فإن درجة ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى كانت أقل مما كانت عليه خلال الأزمة المالية فى عام 2008.
على نحو مماثل، فى حين ترتفع سندات الخزانة عادة فى أوقات الاضطرابات، فإن أداء سندات الخزانة خلال الأزمات الأخيرة لم يتبع نمطا محددا، ولم نر سندات الخزانة طويلة الأجل تجتذب تدفقات الملاذ الآمن فى مارس 2020 وبدلاً من ذلك ارتفعت عوائد سندات الخزانة بشكل حاد (مما يعنى انخفاض الأسعار) كما ارتفع العائد على سندات الخزانة لمدة خمس سنوات.
ويعتقد البعض أن الحجم الكبير والمتزايد للعجز الأمريكى أدى إلى إضعاف موقف الدولار الأمريكى وسندات الخزانة باعتبارها أصول ملاذ آمن، وذلك لأنها تهدد مكانة الولايات المتحدة فى قلب النظام المالي.
