أدت الحرب الروسية الأوكرانية وما تلاها من عقوبات على موسكو إلى إعادة تشكيل هائلة لطرق الشحن، الأمر الذى فرض على السفن والناقلات قطع مسافات أطول ، ولكنها مع ذلك أكثر ربحية.
وحسب تقرير لبنك «ING» الهولندى لا تزال تجارة النفط والغاز والفحم وخام الحديد والمعادن الروسية تتدفق على الأسواق، ولكن إلى مشترين مختلفين، ويضمن هذا بقاء النمو فى سوق الشحن خلال 2024 وإن كان خافتا.
ويُتوقع أن تزيد المسافة المقطوعة للبضائع المنقولة بحرًا بالطن بأكثر من %3 مقارنة بالعام السابق، وهو ما يزيد عن معدل نمو التجارة المتوقع والبالغة نسبتها %1.
النمو وتحسن التجارة
ولفت التقرير إلى أن حركة التجارة العالمية تشهد فى 2023 حالة من النمو المنخفض بسبب المخاوف الجيوسياسية والحمائية والاضطرابات فى سلسلة الإمدادات وهى أمور لن تتغير كثيرا فى العام المقبل.
وسجلت التجارة العالمية انكماشا فى نهاية عام 2022، فى ظل المخزونات المتراكمة والركود الاقتصادى والصناعى فى الولايات المتحدة وأوروبا، ويعنى هذا أن حركة الشحن العالمى تتعرض لضغوط.
ومع ذلك هناك توقعات بتحسن أوضاع حركة الشحن فى النصف الثانى من 2023 مقارنة بالشهور الـ6 الأولى بدعم من ارتفاع الإنفاق الاستهلاكى على السلع جنبًا إلى جنب مع تطبيع أنماط الإنفاق وانخفاض المخزونات ونمو الأجور.
أظهر تقرير بنك ing الهولندى تأثير الطرق الأطول بشكل واضح فى شحن الناقلات، حيث يتدفق النفط الروسى إلى الصين والهند بسعر مخفض بدلا من القيام برحلات قصيرة إلى أوروبا.
ومن ناحية أخرى ابتعدت الدول الغربية (مجموعة الـ7) عن استيراد النفط الخام والمنتجات النفطية الروسية، وبدأت فى استيراد المزيد من نفس المنتج من السعودية والولايات المتحدة ، والمنتجات النفطية المكررة مثل الديزل من الهند.
وهذا يدفع النمو المتوقع فى شحن المنتجات النفطية العالمية إلى مستويات مكونة من رقمين فى عام 2023، فى حين يزداد الطلب على الحمولة بنسبة %4 فقط.
وبالمثل يتم دفع تجارة النفط الخام إلى أعلى وبدرجة أقل بكثير، ويؤثر ذلك أيضًا على شحن البضائع السائبة (غير المعبأة)،والجافة (الفحم وخام الحديد).
ديناميكيات السوق الصعبة فى شحن الحاويات
نجحت حركة شحن الحاويات فى التغلب على السنوات الاستثنائية التى شهدها العالم خلال جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» فى عام 2023.
أشار تقرير بنك ing الهولندى إلى أن المزيج من الطلب المرتفع على السلع الاستهلاكية وانقطاعات العرض المتعددة دفعا إلى رفع المعدلات والأرباح إلى مستويات غير مسبوقة خلال العامين الماضيين.
لكن يشهد هذا تغيرا سريعا فى الوقت الحالي؛ إذ أنه ومع مزيج من تعديل الطلب (والانكماش المعتدل فى عام 2023)، حل ازدحام الموانئ وبدأ تشغيل مجموعة من السفن المطلوبة حديثًا، فانخفضت الأسعار الفورية المرتفعة مع تحول قوة السوق إلى جانب المشترى.
وتواجه شركات الشحن أيضًا مستويات أسعار أعلى بوجه عام، لكن الجزء الأكثر أهمية من التكلفة قد انخفض.
ففى معظم الحالات يدفع المستأجر ثمن الوقود، لكن المسألة كلها تعتمد أيضًا على الترتيبات التعاقدية، وعادةً ما تدفع شركات شحن الحاويات فاتورة الوقود.
ولذا فإن تطوير الأسعار أمر منطقي، بالمقارنة مع عام 2022، وانخفضت أسعار زيت الوقود الثقيل بنحو 30٪ عن العام السابق فى النصف الأول من عام 2023.
ناقلات السلع السائبة
على عكس الشحن بالحاويات يتمتع سوق البضائع السائبة (غير المعبأة) والسائلة بأساسيات قوية.
ومن المتوقع أن ينمو الاستخدام العالمى للنفط بأكثر من %2 على أساس سنوى فى عام 2023.
وفى أعقاب التعافى من الوباء ارتفع الاستهلاك العالمى لوقود الطائرات بنحو %30 فى النصف الأول من هذا العام.
لكن الأكثر تأثيرا هو إعادة ضبط طرق التجارة فى أعقاب العقوبات المفروضة على روسيا.
وقد تحول هذا إلى نشر أقل كفاءة للأسطول وإنشاء «أسطول ظل» كبير من الناقلات القديمة بشكل عام والتى تعمل نيابة عن روسيا، حيث وافقت دول مجموعة الـ7 على عدم شحن أى منتجات من النفط الخام الروسى بأقل من الحد الأقصى البالغ 60 دولارًا.
وبالنظر إلى دفاتر الطلبات المنخفضة وعدم كفاءة الأسطول الحالى وتوقعات عدم وصول الطلب العالمى على المنتجات النفطية إلى نقطة تحول خلال السنوات القليلة المقبلة، ستظل السوق مربحة أصحاب ومشغلى الناقلات.
وهذا ينطبق بشكل خاص على ناقلات المنتجات، حيث ارتفعت طلبات ناقلات المنتجات الجديدة حتى الآن فى عام 2023، لكن الطلب القوى على الشحن فى الرحلات الأطول يتجاوز السعة، مما يعنى ارتفاع معدلات الاستخدام وضغط السوق.
فى الفترة التى سبقت الغزو الروسى لأوكرانيا والعقوبات اللاحقة بدأت أسعار ناقلات النفط فى الارتفاع بسرعة.
وعلى الرغم من تراجعها منذ ذلك الحين لا تزال أسعار الشحن مرتفعة نسبيا (حوالى 40 ألف دولار فى اليوم، أى أكثر من ضعف متوسط السنوات العشر).
وتسهم التجارة مع روسيا (ضمن الحد الأقصى لأسعار النفط) فى خلق علاوات كبيرة لأصحاب السفن.
واستناداً إلى ديناميكيات السوق الضيقة الحالية، من المتوقع أن تظل أسعار ناقلات النفط قوية.
وبطبيعة الحال تظل سوق النفط دائما عرضة لعدم اليقين وأسعار النفط المتقلب، إذ يمكن أن تؤدى التقلبات القوية فى أسعار النفط إلى تخزين عائم إلى حد ما، وهو ما ثبت أن له تأثير قوى على أسعار سوق الناقلات فى عام 2020 عندما أدى التأجيل القوى إلى ارتفاع الأسعار.
ناقلات الغاز الطبيعي
ذكر تقرير بنك ing الهولندى أن سوق ناقلات الغاز الطبيعى المسال اجتذب بعض الاهتمام مؤخرًا، حيث كان الطلب على شحن الغاز الطبيعى المسال قويا هذا العام وسيرتفع مرة أخرى بأكثر من %4 فى عام 2024.
وفى آسيا تعد الصين واليابان من كبار مستوردى الغاز الطبيعى المسال، وبالنسبة للدول المصدرة، وخاصة الولايات المتحدة وقطر وكذلك العديد من الدول الأفريقية يتم إجراء استثمارات لزيادة الإنتاج.
وبالنسبة إلى ناقلات الغاز الطبيعى المسال هناك سجل طلبات كبير يتجاوز %50 من الأسطول الحالى فى يونيو 2023 (330 سفينة)، حيث يتم تسليم معظمها من قبل عدد قليل من أحواض بناء السفن المتخصصة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار شحن 170.000 ناقلة M3 الجديدة من حوالى 200 مليون دولار إلى ما يتراوح بين 250-260 مليون دولار.
ومن المقرر أن يتم تسليم معظمها فى الفترة من 2024 إلى 2026، مما سيؤدى إلى توسع سنوى مضاعف فى سعة الأسطول فى تلك السنوات.
