كيف انتعش القطاع العقاري في مصر بالنصف الأول من 2023 رغم ارتفاع التكاليف؟

 شهد القطاع العقارى فى مصر انتعاشًا ملحوظًا فى جميع مؤشرات نتائج الأعمال بدءًا من زيادة المبيعات التعاقدية مرورًا بارتفاع الإيرادات ووصولًا إلى تحقيق

Ad

شهد القطاع العقارى فى مصر انتعاشًا ملحوظًا فى جميع مؤشرات نتائج الأعمال بدءًا من زيادة المبيعات التعاقدية مرورًا بارتفاع الإيرادات ووصولًا إلى تحقيق أرباح قياسية على مدار النصف الأول من العام الجارى فى ظل ارتفاع معدل التضخم وصعود أسعار الفائدة وتكاليف النشاط، الأمر الذى جعلنا نبحث عن أسباب الانتعاش فى ظل الصعوبات التى تواجه الاقتصاد فى الفترة الحالية.

وجدير بالذكر أن البنك المركزى المصرى رفع سعرى عائد الإيداع والإقراض مرتين خلال العام الجارى، الأولى فى مارس الماضى بواقع 200 نقطة أساس إلى %18.25 و%19.25 على الترتيب، والثانية فى أغسطس 2023 بـ 100 نقطة أساس إلى %19.25 و%20.25.

وارتفع المعدل السنوى للتضخم الأساسى إلى %41 بنهاية يونيو 2023، فيما صعد العام إلى %36.8 وفقًا لبيانات البنك المركزى المصرى.

وكانت “المال” رصدت فى وقت سابق نتائج أعمال 33 شركة عقارية مدرجة فى البورصة المصرية خلال الستة أشهر الأولى من 2023؛ لتظهر تحقيق 28 شركة صافى أرباح مجمعة بقيمة 8.5 مليار جنيه، فيما شهدت الـ 5 الأخرى خسائر بنحو 11.7 مليون.

وشلمت قائمة الشركات الخمس الأكبر على صعيد صافى الأرباح كلا من«إعمار مصر للتنمية» فى المرتبة الأولى بقيمة 3.5 مليار جنيه و«طلعت مصطفى القابضة» فى الوصافة بــ 1.6 مليار، و«أوراسكوم للتنمية مصر» فى الثالثة بـ 1.01 مليار، و«بالم هيلز للتعمير» فى الرابعة بـ 608.1 مليون، و«مدينة مصر للإسكان والتعمير» فى الخامسة بـ 584.7

فى السياق نفسه، أظهر رصد “المال” ارتفاع إيرادات الشركات العقارية بنحو %10.7 إلى 41.99 مليار جنيه من مطلع يناير إلى نهاية يونيو 2023 مقارنة مع 37.9 مليار فى الفترة المماثلة من 2022.

وأرجع خبراء سوق العقارات السبب فى ارتفاع الإيرادات ومن ثم صافى الأرباح إلى أن نتائج أعمال الستة أشهر الأولى لا تعبر عن مبيعات الفترة وإنما عن مدة زمنية تسبقها؛ إذ تعتمد القوائم المالية على إثبات إيرادات الوحدات التى تم تسليمها بالفعل فقط.

وفرّق الخبراء بين المبيعات العقارية التعاقدية والإيرادات؛ موضحين أن الأولى تشمل جميع الوحدات والمشروعات التى أبرمت اتفاقية بيعها بين المشترى والمطور العقارى خلال فترة زمنية معينة دون أن يتم تسليمها بشكل فورى وإنما إرجائها إلى وقت لاحق لا يقل عن 3 سنوات، فى حين تضم الثانية ما تم تسليمه بالفعل على مدار المدة.

وأوضحوا أن المبيعات العقارية التعاقدية التى أعلنت عنها مجموعة طلعت مصطفى القابضة خلال النصف الأول من العام الجارى والبالغ قيمتها 51.35 مليار جنيه تختلف عن الإيرادات 10.71 مليار المحققة خلال الفترة ذاتها.

وأضافوا أن السبب فى زيادة إيرادات القطاع العقارى يتمثل فى ارتفاع أحجام المبيعات التعاقدية على مدار السنوات الخمس الماضية مع زيادة أسعار الوحدات، بالإضافة إلى أن أغلب المطورين انتهوا من عملية الإنشاءات قبل عام 2023.

على صعيد آخر، ارتفعت تكاليف القطاع العقارى بنسبة %19.9 إلى 26.99 مليار جنيه فى الفترة مقابل 23.8 مليار فى المدة المماثلة من 2022.

وجاء انتعاش الشركات العقارية فى ظل تصاعد أزمة قطاع الأسمنت بسبب ارتفاع التكاليف وزيادة المعروض فى السوق فى ظل تراجع الطلب مما حرك الكيانات بالتوجه لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بعقد نظام جديد لتقليص الإنتاج.

واستجاب جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية للشركات بتمديد القرار الذى صدر فى يوليو 2021 بعد تقدم 23 شركة فى قطاع الأسمنت للمطالبة بتخفيض الطاقات الإنتاجية بأكثر من %10.

وأدى ارتفاع تكاليف الإنتاج خاصة الوقود -الذى يمثل نحو %70 من الإجمالي- إلى زيادة العبء على شركات الأسمنت التى تستورده بالعملة الصعبة فى ظل شحها فى السوق المصرية مما أثر على نتائج أعمالها بتراجع أرباح بعضها وتحول أخرى إلى الخسائر خاصة فى الربع الثانى من 2023.

وكانت أسعار الأسمنت البورتلاندى العادى المعبأ ارتفعت فى يونيو 2023 بنسبة %42.9 إلى 1750 جنيها للطن مقارنة مع 1225 فى نهاية يونيو 2022.

فيما سجل سعر الأسمنت الأبيض 3500 جنيه للطن والمخلوط 1115 والمقاوم للكبريتات 1800، وفقًا لبيان وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.

وارتفع سعر طن الحديد بنهاية شهر يونيو الماضى بنسبة %93.3 إلى 37.5 ألف جنيه مقارنة مع 19400 فى يونيو 2022، وبمعدل %31.1 مقابل 28600 منذ مطلع العام الجارى.

«البيع على الخريطة»

من جانبه، قال الدكتور هاشم السيد، نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذى لشركة المصريينللإسكانوالتنمية، إن نتائج الأعمال المسجلة فى القوائم المالية لشركات القطاع العقارى خلال الفترة المنتهية فى يونيو تعبر عن المشروعات السابقة التى تعاقد عليها المطورون منذ مدة وتم تسليمها خلال النصف الأول؛ موضحًا أن المعايير المحاسبية تقضى بعدم ثبوت الإيرادات إلا عند انتقال الملكية.

وأضاف أن الإيرادات والتكاليف بالإضافة إلى أرباح شركات القطاع العقارى لا تعكس أداء الفترة الحالية؛ إذ تعتمد السوق المحلية ما يسمى بـ «البيع على الخريطة» والتى من خلالها يتم التعاقد بالبيع على أن يتم التسليم فى وقت لاحق بعد انتهاء عملية إنشاء الوحدات المتعاقد عليها.

وتابع إن ارتفاع التكاليف على القطاع العقارى فى ظل صعود أسعار الحديد والأسمنت فى الفترة الجارية سينعكس خلال السنوات المقبلة والتى سيتم فيها تسليم الوحدات المتعاقد عليها فى العام الجارى.

وأوضح أن دورة المشروع تحتاج إلى 3 سنوات على الأقل حتى يمكن إثبات الإيرادات الخاصة به بدءًا من عملية شراء الأرض إلى التسليم النهائى له.

ولفت إلى أن المشكلة التى قد تواجه المطورين العقاريين تتمثل فى عملية التعاقد على عدد من الوحدات ثم يتم إرجاء إنشائها لسنوات تالية ترتفع فيها تكاليف الإنتاج مما يسبب خسائر لبعض الشركات.

وأشار إلى أن أغلب شركات الاستثمار العقارى أنهت معظم مشروعاتها قبل أكتوبر 2022 فى ظل انخفاض تكلفة الإنتاج مقارنة مع الفترة الحالية التى يتم تسليم الوحدات بها مما يعكس نتائج أعمال إيجابية فى معظم الكيانات.

وعلى صعيد الحديث حول مستقبل القطاع، قال “السيد” إن العقبة الوحيدة التى تعانى منها جميع القطاعات تتمثل فى التمويل فى ظل مخاطر ارتفاع سعر الفائدة.

وتابع إن القطاع العقارى سيواجه تحديات فى عملية التسليم نظرًا لارتفاع التكلفة الأمر الذى سيوجه المطورين برفع سعر الوحدات المباعة مما يزيد من أمد عمليات البيع.

وأكد أن حلول الأزمات التى من المتوقع أن تواجه القطاع تتمثل فى التمويل عن طريق الخدمات المالية غير المصرفية والتى تشمل التأجير التمويلى والتمويل العقارى والتخصيم، بالإضافة إلى التوسع فى صناديق الاستثمار العقارى وإنشاء البورصة العقارية.

شركات القطاع العقارى تتحسب لارتفاع التكاليف

فى السياق نفسه، قال محمود جاد محلل قطاع العقارات فى بحوثالعربىالأفريقى لتداول الأوراق المالية، إن ارتفاع أرباح القطاع العقارى خلال الفترة الحالية نتجت من صعود حجم المبيعات على مدار الـ 5 سنوات الماضية.

وأوضح “جاد” - فى تصريحات لـ “المال” - أن معظم المبيعات التعاقدية لا يتم الاعتراف بها فى القوائم المالية للشركات إلا بتسليم الوحدات المباعة.

وأشار إلى أن البيع على الخريطة يمثل النسبة الأعلى فى السوق المحلية فيما يشكل التسليم الفورى للمشروعات المعدل الأقل؛ مؤكدًا على أن الأولى تتضمن تعاقد المطورين العقاريين مع المشترين على وحدات لم يتم إنشاؤها بعد من خلال استلام مقدم ثم يبدأ بعده عملية التطوير.

وأضاف أن المبيعات التعاقدية للمطورين العقاريين ارتفعت خلال النصف الأول من 2023 بسبب زيادة أسعار وعدد الوحدات المباعة نظرًا لاتجاه المستثمرين للتحوط من التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.

وتابع إن المشترين للوحدات بهدف السكن وليس الاستثمار يتجهون لتعجيل عملية الشراء خوفًا من ارتفاع الأسعار خلال السنوات اللاحقة.

ولفت إلى أن شركات القطاع العقارى تتحسب لارتفاع التكاليف على مدار السنوات المقبلة لذا يتم رفع سعر الوحدات المتعاقد عليها؛ موضحًا أن هوامش الربحية لبعض الشركات تأثرت بالفعل خلال الفترة الماضية.

وأكد أن بعض الشركات العقارية غير قادرة على رفع أسعار الوحدات التابعة لها نظرًا لعدم قدرة المستثمرين على تحمل الزيادات الجديدة مما يحجم من أرباحها.

القطاع العقارى يواجه تحديات خلال الفترة الحالية

فيما قال يوسف البنا، محلل قطاع العقارات فى بنك استثمارالنعيم إن المطورين الخمسة الكبار فى السوق المصرية ارتفعت أرباحهم وإيراداتهم خلال النصف الأول من العام الجارى مما يعكس زيادة مبيعاتهم.

وأضاف أن بعض المطورين العقاريين سجلوا ارتفاعًا فى عدد الوحدات المباعة فيما شهدت النسبة الأعلى منهم تراجعًا بجانب ارتفاع الأسعار مما زاد من قيمة المبيعات.

وتابع إنه فى ظل ارتفاع معدل التضخم تتجه الشركات العقارية لرفع أسعار الوحدات على المستهلك للحفاظ على هوامش الربحية الخاصة بهم خلال السنوات اللاحقة.

وأكد أن بعض الشركات تراجعت هوامش ربحيتها بشكل طفيف فى الفترة السابقة نتيجة تسليم وحدات تم تسعيرها قبل انخفاض قيمة العملة المحلية؛ موضحًا أنه يتم تمرير الزيادة السعرية لمدخلات البناء إلى المستهلك الأمر الذى يؤهل للحفاظ على هوامش الربحية.

وأوضح أن عملية رفع الأسعار من قبل المطورين تتم على الوحدات التى سيتم التعاقد عليها وليس التى أبرم عليها سابقًا وفقًا لجدول محدد لعملية التسليم؛ مضيفًا أن رفع السعر يتم بشكل منطقى يمكن للسوق استيعابه.

وتابع إن المطور العقارى يتعاقد مع المقاولين بسعر سابق للإنشاء؛ موضحًا أن بعض الشركات تتعرض لخسائر نظرًا لعدم مقدرتها على الانتهاء من المشروعات التى بدأت فى إنشائها نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج.

وعلى صعيد التوقعات، قال “البنا” إن القطاع العقارى يواجه تحديات خلال الفترة الحالية منها ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج ومواد البناء بجانب أزمة الدولار وتراجع الطلب بسبب صعود معدل التضخم.

هاشم السيد: الأعمال المنتهية قبل أكتوبر 2022 أنقذت المجال من الآثار السلبية

 محمود جاد: صعود المبيعات التعاقدية فى 5 سنوات ساهم فى زيادة الأرباح

يوسف البنا: المطورون يتجهون لرفع أسعار الوحدات للحفاظ على هوامش الربحية