مصرفيون يرسمون مسارات بديلة لتعويم العملة

أكد خبراء مصرفيون أن هناك عدة مسارات بديلة يمكن للحكومة المصرية اتخاذها بديلًا عن خطوة تحرير سعر الصرف والتى تتمثل فى إبرام العديد من اتفاقيات تبادل العملات، وكذلك العمل على تعزيز الموارد الد

Ad

أكد خبراء مصرفيون أن هناك عدة مسارات بديلة يمكن للحكومة المصرية اتخاذها بديلًا عن خطوة تحرير سعر الصرف والتى تتمثل فى إبرام العديد من اتفاقيات تبادل العملات، وكذلك العمل على تعزيز الموارد الدولارية، والتى من شأنها الإسهام فى بناء احتياطى نقدى قوي.

وأضافوا أن مصر ليست ملزمة باتخاذ خطوة تخفيض قيمة العملة، لا سيما وأن صندوق النقد لم يف بوعوده مع مصر فيما يتعلق بإمدادها بسد الفجوة التمويلية والبالغة نحو 14 مليار دولار.

وكانت كريستالينا جورجييفا مدير صندوق النقد الدولى قالت فى تصريحات صحفية نهاية الأسبوع الماضى إن مصر سوف تنزف احتياطياتها الثمينة ما لم تسرع فى تخفيض قيمة الجنيه مرة أخرى، فيما أشادت بالخطوات الأخرى التى اتخذها ثانى أكبر مقترض من مؤسستها لتصحيح اقتصاده المتأزم.

الدماطى : تحرير سعر الصرف قد لا يكون الخيار الأمثل

وقالت سهر الدماطى الخبيرة المصرفية وعضو مجلس إدارة بنك التعمير والإسكان إن خطوة تحرير سعر الصرف قد لا تكون هى الإجراء الأمثل فى مثل الظروف الراهنة، لا سيما وأنه فى كل مرة اتخذت هذه الخطوة ارتفعت الأسعار وحدثت اختلالات على صعيد الاقتصاد الكلى.

وأضافت أنه حتى صندوق النقد الدولى لم يف بالتزاماته تجاه مصر، فلم تحصل إلا على 3 مليارات دولار من إجمالى المبالغ المتفق عليها.

وأشارت إلى أن السعر التوازنى للعملة يتم احتسابه عن طريق المعادلة بين العرض والطلب، فى حين أن الوضع الحالى يشهد وجود قدر كبير من الطلب فى حين لا يوجد أى عرض، بمعنى أن الطلب على الدولار أعلى بكثير جدًا من المعروض، وبالتالى فإن قرار التعويم قد لا يكون مجديًا.

وأبرمت مصر اتفاقًا مع صندوق النقد الدولى لبرنامج إصلاح اقتصادى بقيمة 3 مليارات دولار، على مدار 4 سنوات، واستلمت مصر أول شريحة بقيمة 357 مليون دولار فى مارس 2023، ومن ضمن شروط الصندوق إتمام برنامج الطروحات الحكومية وإتباع سياسة سعر صرف مرن.

وتم تأجيل أول مراجعتين لبرنامج الإصلاح الاقتصادى لمصر التى كان من المفترض إجراؤها فى مارس وسبتمبر 2023، وأعلن الصندوق أن المراجعة ستتم فى الوقت المناسب.

وذكرت أن حجم السوق السوداء يقدر بنحو 30 مليار دولار، والتى يتم من خلالها تلبية احتياجات الأفراد والشركات، لافتة إلى أن تضخم هذه السوق يؤدى إلى مفاقمة أزمة نقص المعروض النقدى من الدولار.

وشددت على أن المسارات البديلة التى يمكن المضى فيها عوضًا عن قرار تحرير سعر الصرف العمل على تعظيم موارد مصر الدولارية، بالإضافة إلى اتفاقيات تبادل العملات، ناهيك عن الاستعانة بالمؤسسات الدولية، مثل مؤسسة التمويل الدولية من أجل العمل على جلب المزيد من العملات الأجنبية.

وقع البنك المركزى المصرى ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، مؤخرًا، اتفاقية ثنائية لمبادلة العملة، وتتيح للطرفين مقايضة الجنيه المصرى والدرهم الإماراتى بقيمة إسمية تصل إلى 42 مليار جنيه مصرى و5 مليارات درهم إماراتي.

يأتى توقيع هذه الاتفاقية، بحسب بيان صادر عن «المركزي» بهذا الصدد، فى إطار تعزيز العلاقات الوثيقة التى تجمع بين جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة على جميع المستويات، وتساهم فى تيسير وزيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين الشقيقتين، بما يدعم أواصر التعاون المستمر بينهما فى مختلف المجالات، خاصة وأن عملية مبادلة العملات المحلية تعد بمثابة حجر أساس للتعاون المالى المشترك بين هاتين الدولتين.

وأشارت «الدماطي» إلى أن انضمام مصر لتجمع «بريكس» أحد المسارات الأخرى التى يمكن المضى فيها قُدمًا، خاصة وأنها تخفف الكثير من العبء الواقع على الحكومة فيما يتعلق بتدبير العملات الصعبة من أجل مستلزمات الإنتاج والمواد الخام.

وأوضحت أنه بناءً على هذه الخطوة ستتمكن مصر من الحصول على المنتجات بالعملات المحلية.

وارتفعت قيمة التبادل التجارى بين مصر ودول مجموعة البريكس إلى 31.2 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 28.3 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها %10.5.

وارتفعت قيمة الصادرات المصرية لدول «بريكس»، بحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إلى 4.9 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 4.6 مليار خلال عام 2021 مسجلة نسبة ارتفاع قدرها %5.3.

فيما سجلت قيمة الواردات المصرية من دول مجموعة 26.4 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 23.6 مليار خلال عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها %11.5.

السيولة الدولارية

قال ماجد فهمى رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية سابقًا إن مصر ليست مضطرة إلى اتخاذ خطوة تحرير سعر الصرف ولكن هذا الإجراء أحد توصيات صندوق النقد الدولي، وهو جزء من برنامج الإصلاح الذى أوصى به عشية الاتفاق مع مصر على الحصول على قرض.

فهمي: الخطوة جزء من برنامج الإصلاح ومصر ليست مضطرة

وأضاف أنه بالإمكان رفض الخطوة – أى خطوة التعويم – نظرًا لما تنطوى عليه من آثار وتبعات سلبية، ومن أبرزها: عدم التوصل إلى سعر واحد للدولار حتى بعد تحرير كامل لسعر الصرف.

وأشار إلى أنه لكى تؤتى هذه الخطوة ثمارها فلا بد أن يكون بحوزة مصر قدر كبير من السيولة الدولارية التى تمكّنها من اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف ومن ثم تحقيق أكبر قدر من المكاسب من خلاله.

وأفاد «فهمي» أنه من شأن هذه السيولة الدولارية حال توفرها العمل على تلبية معظم الطلبات على خاصة فى ظل أزمة نقص المعروض من النقد الأجنبي، مؤكدًا أن حجم الطلب ليس بقليل، وبالتالى فإن حجم المطلوب كبير جدًا، ولكن لا يمكن تحديده بدقه.

ولفت إلى أن ظاهرة الدولرة واكتناز العملة الصعبة واحدة من أبرز الأسباب التى تعرقل مساعى حل الأزمة الراهنة، خاصة وأن جزءًا كبيرًا من الدولار لا يذهب إلى خزائن البنوك، وإنما يتجه مباشرة إلى السوق السوداء، وهو ما يؤدى فى نهاية المطاف إلى تعميق حدة الأزمة.

وأكد أنه لكى ينجح قرار التعويم فلا بد من العمل على تلبية طلبات المستوردين من النقد الأجنبى خاصة فيما يتعلق بفتح الاعتمادات المستندية، وكذلك الحال بالنسبة لمسألة اكتناز الدولار.

واستطرد قائلًا أن المشكلة الأساسية تتمثل فى زيادة الحجم الطلب على الدولار رغبة فى اكتنازه وبالتالى إبقائه خارج خزينة القطاع المصرفى أو تحويله إلى خارج مصر.

أبعاد إيجابية

ومن جانبها آثرت سارة سعادة محلل أول الاقتصاد الكلى فى بنك الاستثمار سى آى كابيتال الإشارة إلى الجوانب الإيجابية لقرار تحرير سعر الصرف، ومن أبرزها: وجود تنافسية أكبر للسلع المصدرة، وكذلك تحفيز الصادرات المدرة للدولار.

سعادة: تحفيز الصادرات وتعزيز تنافسية الاستثمار المحلى

وتابعت أنه بناءً على ما فات فمن شأن خطوة خفض قيمة العملة أن تؤدى إلى وفرة دولارية تمكّن الحكومة من المضى قُدمًا، وتلبية احتياجات المستورين، لافتة إلى أن هذه الخطوة ستدفع أيضًا باتجاه تعزيز تنافسية الاستثمار المحلي.

وذكرت أن قرار تحرير سعر الصرف سيؤدى كذلك إلى خلق المزيد من الفرص الاستثمارية، موضحة أن العامل الحاسم الواجب توافره قبل خطوة خفض قيمة العملة يتمثل فى توفير أكبر قدر من السيولة الدولارية.

وأشارت إلى أن هذه المسألة يمكن تحقيقها من خلال المضى قُدمًا أو الإسراع فى مسألة بيع الأصول.

ووضعت الحكومة المصرية برنامجًا للطروحات الحكومية عام 2018، تضمن طرح 23 شركة بحصيلة مستهدفة تصل إلى 100 مليار جنيه.

التعويم وقيمة الجنيه

وقطع الجنيه منذ 2 نوفمبر 2016 - حين تم تعويم الجنيه وتركه لقوى العرض والطلب – رحلة شاقة فقد فيها الكثير من قيمته.

وهوت قيمة الجنيه، منذ 2 نوفمبر 20216 حين تم تركه لقوى العرض والطلب من 8.85 جنيه لكل دولار إلى 13.52 جنيه، فى اليوم التالى للتعويم، ليفقد بذلك نحو %34.54 من قيمته أمام الدولار.

وانخفضت قيمته إثر التعويم الثانى فى 22 مارس 2022 أمام الدولار من 15.66 إلى 18.17 جنيه ليفقد بذلك حوالى %16.02 من قيمته، ليظل مراوحًا مكانه خلال تلك الفترة ليتخطى الدولار مقابل الجنيه حدود الـ 18 جنيهًا بقليل.

وقررت لجنة السياسة النقدية فى اجتماع استثنائى يوم 27 أكتوبر 022، رفع أسعار الفائدة بواقع 200 نقطة أساس، ليخضع بعدها الجنيه لعملية تحول دراماتيكى وينخفض أمام الدولار بواقع 1.15 جنيه دفعة واحدة، مسجلًا نسبة انخفاض قدرها %5.03.

وبدأ الجنيه رحلة تهاوِ أخرى منذ ديسمبر 2022، حين رفع البنك المركزى أسعار الفائدة بواقع 300 نقطة أساس، ليسجل 31 جنيهًا أمام الدولار.

شهد سعر الصرف فى مصر خلال الفترة الأخيرة وبالتحديد منذ مطلع عام 2022 وحتى الأسابيع القليلة الماضية سلسلة من التحولات والارتفاعات الدراماتيكية التى جاءت على خلفية الأحداث الاقتصادية المتعاقبة التى أربكت الاقتصادات العالمية، وترتب عليها تعطل فى سلاسل الإمداد، وارتفاع الأسعار، ناهيك عن الأزمات المتراكبة فى قطاعات الاقتصاد المختلفة.

أدى ذلك كله ليس إلى إحداث تبدل دراماتيكى على صعيد سعر الدولار وتذبذب أسعار الصرف فى مصر فحسب، وإنما أيضًا إلى اتباع البنوك المركزية فى العالم إلى مزيد من استخدام سياسة التشديد النقدى.