هل تستبق حزمة الحماية الاجتماعية التى وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بتقديمها للمواطنين خفضا جديدا للجنيه، أم يعول عليها كحائط صد لحماية الفئات محدودة الدخل من طوفان التضخم والذى لم تفلح إجراءات رفع الأجور والمعاشات 4 مرات متتالية منذ أبريل 2020 فى التخفيف من حدة تداعياته.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى وجه مؤخرا بإقرار حزمة حماية اجتماعية جديدة بتكلفة إجمالية 60 مليار جنيه سنويا، شملت زيادة العلاوة الاستثنائية لغلاء المعيشة والأجور لبعض الدرجات الوظيفية، ورفع حد الإعفاء الضريبى إلى 45 ألف جنيه للعاملين بالجهاز الإدارى للدولة، والهيئات الاقتصادية، وشركات قطاع الأعمال والقطاع العام، وزيادة الفئات المالية الممنوحة للمستفيدين من “تكافل وكرامة”،وأيضا المنحة الاستثنائية لأصحاب المعاشات.
وأكد وزير المالية دكتور محمد معيط أن العامين الأخيرين شهدا أربع زيادات للأجور والمعاشات منذ أبريل 2022 بما يعكس حرص القيادة السياسية على تخفيف الأعباء عن المواطنين بقدر الإمكان.
وأكد خبراء اقتصاد ومؤسسات دولية أن الحزمة الجديدة الهدف منها التصدى لآثار التضخم بعد الخفض المستمر لسعر العملة الذى لم يدعم قرارات رفع الأجور 4 مرات متتالية منذ 2020، بينما اختلفت آرائهم فى احتمالية حدوث خفض جديد لسعر الصرف.
وتحرك سعر العملة المحلية أمام الدولار خلال هذه الفترة من 15.699 جنيه فى أبريل 2020 إلى 30.895 جنيه فى أبريل 2023، وفقا لمتوسط الأسعار الشهرية للعملة الصادر عن البنك المركزى المصرى، ووزارة المالية.
وقالت الخبير الاقتصادى منى بدير إن حزمة الحماية الاجتماعية التى تم الإعلان عنها ترتبط بقفزات التضخم الناتج عن الارتفاعات السعرية للسلع، والتى تمس بشكل أساسى الفئات محدودة ومنخفضة الدخل المستفيدة من برامج الحماية الاجتماعية مثال “تكافل وكرامة”، كما أن جانب كبير من برنامج صندوق النقد والتمويلات الممنوحة من البنك الدولى، والمؤسسات تركز على التوسع، ورفع كفاءة هذه البرامج لتخفيف حدة الأزمة الحالية على الفئات الأكثر تضررا.
وفيما يتعلق بكون هذه الحزمة استباقا لخفض جديد لسعر الجنيه، قالت بدير إن السيناريو الأساسى الذى يتحتم حدوثه قبل نهاية 2023 هو تحركات لعلاج أزمة سعر الصرف والاختلالات الحادثة فى هذا الشأن، مؤكدة أن عدم اتخاذ هذه الخطوة سوف يؤدى ذلك إلى وقوع مجموعة مخاطر تشمل خفضا جديدا للتصنيف الائتمانى.
وكانت وكالة موديز للتصنيف الائتمانى أعلنت الأسبوع الماضى تخفيض التصنيف الائتمانى لمصر من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية مستقرة، وذلك عقب فترة مراجعة امتدت من اغسطس الماضى.
وترى بدير أن موديز تربط قراراها بإعادة التصنيف الائتمانى لمصر بنتائج مراجعة صندوق النقد الدولى المتوقفة منذ مارس الماضى، كما ترى أن التأخر فى علاج مشكلات سعر الصرف يؤثر سلبا على تسعير الصفقات الحكومية فى إطار برنامج الطروحات، والتدفقات المتوقعة من دول الخليج.
ولفتت إلى أن تثبيت سعر الصرف مع ارتفاع معدلات التضخم يؤدى إلى رفع القيمة الحقيقية للعملة، نظرا لأن معدلات التضخم حاليا تتجاوز الشركاء التجاريين، ما قد يؤدى فى النهاية إلى ارتفاع أسعار المصنعة محليا لتتجاوز نظيرتها المستوردة والذى من شأنه أن يولد مزيداً من الضغوط على الحساب الجارى والعملة المحلية، والدخول فى دائرة مفرغة من تخفيض قيمة العملة، ومن ثم زيادة قيمتها فى السوق الموازية.
وأكدت إنه لضمان نجاح خطوة خفض سعر العملة المقبلة يجب على البنك المركزى المصرى تأمين السيولة الكافية لمواجهة القفزة التى ستحدث فى سعر الصرف، وتمنحه سلطة السيطرة على تقلبات سعر الصرف، وتفسح المجال لسعر صرف أكثر مرونة.
وتوقعت أن تصل نسبة خفض الجنيه بين مستوى 18 و%20، قبل نهاية العام وأنه من غير الواضح أن يكون الخفض الأخير أم لا، لافتة إلى أن ذلك يتوقف على مدى فاعلية هذا الخفض فى طمأنة المستثمرين، وتحفيز التدفقات الدولارية المتوقعة من دول الخليج، وعودة ثقة المستثمرين الأجانب فى أدوات الدين المحلية.
وترى بدير أن رفع الأجور والمرتبات 4 مرات منذ عام 2021، لايوازى قفزات التضخم غير المسبوقة التى حدثت خلال هذه الفترة، خاصة وأن الفئات المستفيدة من هذه الزيادة تصرف النسبة الأكبر من دخلها على فواتير الخدمات الحكومية، والأغذية.
وقالت سارة سعادة محلل الاقتصاد الكلى فى بحوث سى آى كابيتال إن هذه الحزمة ضرورية لمواجهة قفزات التضخم السابقة، وتلك المتوقعة مستقبلا.
وتوقعت سعادة تباطوء وتيرة التضخم بشكل تدريجى حتى فبراير 2024، تأثرا بسنة الأساس، ولكنها ستظل أعلى مستوى الـ%30 حتى نهاية العام، ثم تشهد تراجعا دون هذا المستوى تحت الـ%30 حتى مارس، مؤكدة أن المستويات وصلت لذروتها فى أغسطس.
وأكدت أن زيادات الأجور والمعاشات التى أقرتها الحكومة بواقع 4 مرات منذ أبريل 2021 تأتى بشكل أساسى لمواجهة ارتفاعات الأسعار، إلا أنها بالطبع لن تستطيع مجابهة الأثر بالكامل.
وقال دكتور مدحت نافع الخبير الاقتصادى إنه من المؤكد أن هذه الحزمة لتخفيف الأعباء عن كاهل محدودى الدخل، وليس تمهيدا لخفض جديد فى سعر الجنيه.
ويرى نافع أن تحريك سعر الصرف هى مسألة ترتبط بشكل وثيق بالوضع الاقتصادى ووجود سعرين فى السوق الرسمية والموازية بفارق كبير بينهما، ومفاوضات متعثرة مع صندوق النقد الدولى بحاجة إلى حركة فى هذا الملف بشرط ضرورة وجود سيولة دولارية كافية تؤمن نجاح هذه الخطوة.
وأكد أن الزيادات التى تم إقراراها فى الأجور والمعاشات خلال العامين الأخيرين تحاول مجاراة القفزات التضخمية غير المسبوقة، لكنها لاتعوضها أو تكافئها بشكل كامل، أو حتى ربما فى عام واحد.
وقال آلن سنديب رئيس قطاع البحوث فى بحوث بنك استثمار النعيم إنه لايتوقع أى خفض جديد لسعر الصرف العام الحالى، لافتا إلى أنه قبل حدوث أى خفض جديد ينبغى أن يؤمن البنك المركزى السيولة الكافية.
وقالت شركة فيتش سولوشنز إن سعر العملة المصرية يُتداول حاليا بأقل من قيمته بنسبة %12، وتوقعت أنه عقب خسارة الجنيه %20 من قيمته فى وقت مبكر العام الحالى، فإنها تتوقع أن يشهد مزيدا من الضعف بنحو %18.6 من مستوياته البالغة 30.96 جنيه للدولار، فى أغسطس الماضى، ليصل إلى 38 جنيه للدولار الواحد بنهاية العام الحالى، بشرط تهيئة السلطات بالفعل المناخ لهذه الخطوة.
وترى أن الخفض الناجح لسعر العملة سيسمح بمزيد من صفقات الخصخصة ويشجع عودة المستثمرين إلى أسواق الدين خاصة مع تسجيل العائد إلى أعلى مستوى، كما تستعيد مصر أيضا نفاذها لأسواق رأس المال الدولية، حيث أن الالتزام ببرنامج صندوق النقد سيعزز الثقة فيها.
وقالت إن مخاطر هذه الخطوة متوازنة وإنه بينما قد تؤجل المخاوف من حدوث ردة فعل اجتماعية والانتخابات الرئاسية تعديل سعر العملة إلى 2024، للسماح للتضخم بالانخفاض، والاستفادة من الأثر الإيجابى لسنة الأساس، إلا أنه على الجانب الآخر فإن الحاجة إلى جذب رؤوس أموال أجنبية مستقبلا، والجدول الزمنى لسداد الديون قد يقود إلى ضرورة تعويم حر للعملة حتى بدون تأمين تدفقات أجنبية كافية.
المالية: زيادة الأجور والمعاشات 4 مرات خلال عامين
فيتش سوليوشنز: الجنيه يتداول %12 أدنى من قيمته
منى بدير: التعويم ضرورى لعلاج اختلالات سعر الصرف
سارة سعادة: خطوة للتصدى لقفزات التضخم
مدحت نافع: الوضع الاقتصادى المعيار الوحيد لتحريك الجنيه
