رجح خبراء اقتصاديون أن يشهد تصنيف مصر الائتمانى تحسنا تدريجيا على المدى المتوسط من قبل وكالات التصنيف الدولية خاصة المؤسسات الثلاث الكبرى فيتش، موديز، وستاندرد آند بورز.
وأضافوا أن تحرير سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية مع توفير حصيلة دولارية مناسبة، بالإضافة إلى قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية لدى العالم الخارجى، يسهم فى تحسين التصنيف الائتمانى والنظرة المستقبلية بشكل كبير،
مناشدين الحكومة بمحاولة السير فى طريق تأجيل أقساط الدين الخارجى لمدة عام على الأقل.
وتقع المقار الأساسية لوكالات فيتش، موديز، وستاندر آند بورز، فى أمريكا ، وتقوم بقياس الجدارة الائتمانية للدول والمؤسسات لمعرفة قدرتها فى الحصول على قروض أو تمويل فيما يخص الاستثمار أو الأوضاع الاقتصادية المختلفة.
خفضت وكالة موديز تصنيف مصر الائتمانى يوم الخميس الماضي من B3 إلى Caa1، مفسرة ذلك بتدهور قدرة مصر على سداد ديونها واستمرار نقص العملة الأجنبية، كما عدلت النظرة المستقبلية إلى مستقرة.
وبين فبراير ومايو الماضيين أعلنت وكالتا «موديز» و«فيتش» خفض تصنيف مصر الائتمانى درجة واحدة إلى «B2» و«B» على الترتيب، كما اتفقت الثلاث مؤسسات على تغيير النظرة المستقبلية للاقتصاد المحلى من «مستقرة» إلى «سلبية».
وفى يوم الثلاثاء الموافق 3 أكتوبر، قام “مورجان ستانلي” بتخفيض التصنيف الائتمانى السيادى لمصر، حيث أشار إلى أن هناك عوامل خطر تحيط بالوضع الراهن، بالتزامن مع عدم اكتمال برنامج الاصلاح الاقتصادى ببرنامج صندوق النقد الدولي.
قال الدكتور أحمد السيد أستاذ الاقتصاد والتمويل إن خفض تصنيف مصر الائتمانى يرجع إلى النظرة المستقبلية السلبية.
وأضاف السيد أن ذلك يعنى أن فرص التخفيض لمستويات أقل كبيرة، مشيرًا إلى أن بعض وكالات التصنيف الإئتمانى قامت بتأجيل التصنيف حتى يتم إنهاء مراجعة الصندوق، ولكن بالتزامن مع عدم إجراء مراجعة سبتمبر الماضى تزداد احتمالية إصدار المزيد من التصنيفات لوكالات التقييم العالمية.
وأكد أن تخفيض التصنيف الائتمانى لمصر له تأثيرات كبيرة تزيد المشهد الاقتصادى تعقيدا، مضيفًا أن الاقتراض الفترة الحالية سيتسم بالصعوبة وزيادة التكلفة، لكن المزيد من التخفيض فى التصنيف ستكون تأثيراته أكبر من مجرد رفع تكلفة الإئتمان.
وفى إشارة إلى احتمالية تحسن النظرة المستقبلية من وكالات التصنيف إذا تم اتخاذ قرار بالتحرير الكامل لسعر الصرف، قال « السيد» إن حال تخفيض التصنيف فإن البدء فى تحسن الوضع مرة أخرى سيحتاج الإسراع فى برامج الاصلاح، سواء بمزيد من التخفيض للجنيه أو ببيع الأصول، وأردف قائلًا: “المعضلة تكمن فى أن الأمر ليس بالسهولة التى نتحدث بها، وإلا كان متخذ القرار قد قام بها بالفعل”.
وأفاد أن تخفيض سعر الصرف مرتبط بتوافر سيولة دولارية من برنامج بيع الأصول، بينما برنامج البيع يرتبط بمزيد من التخفيض فى سعر الصرف، وهكذا تبدو كحلقة مفرغة.
ولفت إلى أن ما يهم فى هذه النقطة أن الحكومة المصرية أكدت بوضوح أنه لا تخفيض دون وجود سيولة دولارية، مشيرًا إلى أنها خطوة هامة للغاية، ذلك لأن 3 تخفيضات فى سعر الصرف تمت بالفعل خلال عام ونصف ولم تأتِ بالنتيجة المرجوة.
وبسؤاله: “متى يمكن أن تحسن وكالات التصنيف الإئتمانى تصنيف مصر؟”، قال أحمد السيد إنه لا توجد فرصة حاليا إلا من خلال طريقين، الأول إما أن تستطيع الحكومة التخارج من مجموعة من الأصول ذات القيمة المرتفعة مثل فودافون ومحطة سيمنس وجبل الزيت، وربما أحد البنوك، مما يوفر حصيلة تتراوح بين 4 إلى 5 مليار دولار، وهى تعتبر كافية إلى حد ما لتوفير حصيلة مبدئية تمكن البنك المركزى من ضخ حصيلة دولارية، للقضاء على السوق الموازية، وبعد ذلك تبدأ التدفقات بالعملة الأجنبية بالعودة مرة أخرى للجهاز المصرفي.
أما الطريق الثانى فيكمن فى سرعة التحرك فى ملف المطالبة بتأجيل أقساط الدين الخارجى لمدة عام على الأقل، خاصة فى ظل القلق المتنامى فى العالم من ظاهرة ديون الدول النامية والتى تفاقمت بشكل كبير منذ أزمة كورونا، متابعًا أنه على المجتمع الدولى تخفيف الآثار عن الدول النامية وفى مقدمتها مصر.
واختتم السيد كلمته أن هذه التحركات ستخفف بشكل كبير الضغوط على الجنيه المصرى، مما يسمح مع الوقت بتحسن تدريجى فى التصنيف الائتماني.
قال محمد عبدالعال الخبير المصرفى إنه نادراً ما تتفق مؤسسات التصنيف الائتمانى على تقييم واحد لدولة ما، ولكن هذا ما حدث بالنسبة لمصر فى الآونة الاخيرة.
وأضاف عبدالعال توجد على الساحة الدولية ثلاث مؤسسات تصنيف أمريكية، تستحوذ على معظم أنشطة التصنيف والتقييم فى العالم، وهى ستاندرد آند بورز، موديز، وفيتش، والثلاث لديهم اهتمام خاص بالمتابعة التاريخية والدورية للاقتصاد المصرى، ومتطلبات التغيرات المحتملة لدرجة تصنيف مصر الائتمانية.
وعرف «عبد العال» التصنيف الائتمانى بأنه عملية يتم بها قياس قدرة الدولة على الولوج لأسواق المال الدولية والاقتراض منها، وكذلك مدى جاذبية الأصول أو أوراق الدين العام التى يمكن أن تطرحها الدولة فى الأسواق الدولية لتلبية احتياجاتها من النقد الأجنبى بأسعار فائدة مقبولة.
وتابع «عبد العال» أن المفهوم يمتد ليشمل قياس مدى قدرة الدولة فى ظل ظروف اقتصادية معينة على خدمة ديونها السيادية الخارجية،أو بعبارة أخرى مدى قدرة التزامها على سداد أقساط الديون المستحقة وفوائدها، وأخيرًا يمتد مفهوم التصنيف الائتمانى إلى قياس وتوقع احتمال تعثر الدولة.
وذكر أن من ضمن الأسباب التى دعت وكالات التصنيف الائتمانى الثلاث إلى تصنيف مصر حاليًا عند مستوى موحد مع نظرة مستقبلية سلبية، تتمثل فى انخفاض معدل السيولة بالنقد الأجنبى، وبالتالى انخفاض قدرة الدولة على امتصاص الصدمات الخارجية.
وقال إن الوكالات أشارت إلى زيادة الدين الخارجى، وبطء تنفيذ برنامج الطروحات، وأيضًا عدم مرونة سعر الصرف بالقدر الذى يعكس واقع السوق.
وأكد أن حقيقة الأمر كل تلك الدوافع معروفة ومعلنة، وهى أمور طبيعية ومتوقع حدوثها فى كافة الدول التى عانت وتعانى من صدمتى كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية.
وأشار إلى أن مستويات درجات التصنيف الائتمانى تندرج بشكل شبه موحد مع اختلافات شكلية بسيطة لدى الوكالات الثلاث، فنجدها تتحرك مابين (AAA) وهى أعلى درج فى سلم التصنيف، حيث ترتفع درجة الثقة والأمان فى الدولة صاحبة هذا التصنيف، ثم تلى ذلك مستويات الدرجات على سلم التصنيف هبوطاً إلى الدرجة (BBB) والتى تشير إلى درجه ملاءة مالية متوسطة.
ثم بعد ذلك ينخفض التصنيف إلى المستوى (CCC) والذى يشير إلى مستوى عالٍ من المخاطر، وصولًا إلى المستوى الأدنى وهو (DDD) الذى يعنى أن الدولة صاحبة هذا التصنيف تعانى من مظاهر التعثر، أو تعثرت بالفعل.
وأوضح أن ما بين المستويات الأربعة، هناك تدرج ما بين كل درجة وأخرى، لافتًا أنه كلما كانت درجة التصنيف مرتفعة يكون التزام الدولة فى السداد متميز ومضمون، والعكس صحيح إذا كانت درجة التصنيف ضعيفة، يعنى أن احتمالات عدم الالتزام تكون هى الغالبة.
ولفت إلى أن عملية التصنيف تتم بناء على تطبيقات تعتمد على التكنولوجيا المالية والرياضية، آخذة فى الاعتبار أحدث الأرقام والمؤشرات عن الاقتصاد القومى، وتطوره خلال سلسلة من الفترات الزمنية ومقارناتها بالتطورات التاريخية لفترات سابقة، وصولًا إلى توقع احتمالات تغير بعض الفاعليات المؤثرة على عملية التحكم فى درجات التصنيف المستقبلية.
وأكد أنه رغم أن معظم المؤشرات السابق ذكرها خاصة تلك المرتبطة بالأوضاع النقدية وارتفاع معدل التضخم وانخفاض قيمة الجنيه ونقص السيولة مازالت مستمرة، وهو الأمر الذى يمكن أن يضع المركز الائتمانى لمصر تحت الاختبار والمراجعة الفترة القادمة من قبل مؤسسات التصنيف الائتمانى.
وذكر أن مسؤولى إدارة المخاطر عليهم أن يتوقعوا أصعب السيناريوهات أثناء تقييمهم للمخاطر المحتملة، موضحًا أن خفض التصنيف الائتمانى لمصر له مخاطره وتداعياته.
وأضاف أن التداعيات السلبية للخفض الائتمانى فائقة الضرر، خاصة فى الجهاز المصرفى والذى مهما كانت قوته وتميز أدائه يتأثر بالتصنيف السيادى لمصر على الفور.
وأشار إلى أن خفض التصنيف الائتمانى على سبيل المثال وليس الحصر يؤدى إلى انخفاض نسب كفاية رأس المال للبنوك عما كانت عليه، وهو ما يؤثر على قدرتها - البنوك- على التوسع فى أنشطتها الائتمانيه، وعلى حجم الأعمال وزيادة التحوط عن طريق زيادة المخصصات وانخفاض متوسطات الربحية مقارنة بالنتائج السابقة على التخفيض.
واتفق محمد عبدالعال مع وجهه نظر الدكتور أحمد السيد، مؤكداً أن تحرير سعر الصرف دون توفر حصيلة كافية من النقد الأجنبى تكفى لتلبية احتياجات السوق ووقف منافسة الموازية سيكون أمرًا غير منطقى وغير مستحب فى الظروف القائمة الحالية، مضيفًا أن استقرار سعر الصرف عند أى مستوى، سوف يدعو مؤسسات التصنيف الائتمانى لتحسين النظرة المستقبلية لمصر من سلبية الى مستقرة.
وتابع أن مؤسسات التصنيف الائتمانى سوف تنظر فى تحسين تصنيف مصر إذا تحسنت فعلًا مؤشرات التقييم السابق ذكرها، مشيرًا إلى أن ذلك سوف يستغرق وقتًا لن يقل عن عام.
وقال إنه على الجانب الآخر كانت هناك عوامل ذكرتها وكالات التصنيف فى طيات تقاريرها تعد مطمئنة ومتفائلة وتعمل الدولة على تنميتها ، ومن المؤكد قيام مؤسسات التصنيف بمراجعة تقييم وضع مصر الائتمانى وتعديله إلى الأفضل إذا تحسنت المؤشرات.
