أكد خبراء ومتخصصون قريبو الصلة بالبيئة والزراعة، أن التغيرات المناخية والاعتماد المحلى على استيراد ما يتراوح بين 70 و%80 من الاحتياجات المحلية من البذور يُعَدّ من أبرز الأسباب التى ساهمت فى تغير طبيعة المحاصيل الزراعية خاصة الخضراوات.
وترصد “المال” فى هذا التقرير مدى تأثير التغيرات المناخية، وارتفاع درجات الحرارة على الزيادات الأخيرة فى أسعار البذور والتقاوى خاصة للخضراوات، وهل تستطيع مصر أن تصبح مركزًا لتوطين الاستثمار فى صناعة السلالات المتطورة منها؟
وقالت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، إنه تم رصد تغيرات فى أنماط المحاصيل الزراعية بسبب تغيرات المناخ، ولفتت إلى أنه تم تنفيذ خطة التكيف الوطنية بهدف دراسة تداعيات تلك الظاهرة وزيادة معدلات هطول الأمطار على القطاعات الغذائية المختلفة خاصة الزراعة، وللتقليل من مخاطرها.
وقال الدكتور شريف عبدالرحيم، رئيس الإدارة المركزية للتغيرات المناخية بوزارة البيئة، ومنسق الاتصال الوطنى لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغيرات المناخية، فى تصريحات لـ”المال”، إنه تم رصد تغيرات فى أنماط المحاصيل الزراعية بسبب التغيرات المناخية.
وأضاف أن الوزارة تنفذ مشروع خطة التكيف الوطنية فى مصر (NAP)، بالتعاون مع الأمم المتحدة وصندوق المناخ الأخضر، وتهدف الدراسة لوضع تقييم وطنى متكامل لمخاطر المناخ، وتحديد أولويات التكيف لإدراجها فى وثيقة الخطة، والعمل على دمج هذه الأولويات فى العمليات الوطنية للتخطيط والموازنة، بالإضافة إلى زيادة الاستثمار فى إجراءات التكيف.
وتابع أن التغيرات المناخية تتطلب إيجاد حلول سريعة وجذرية للحدِّ من تداعياتها على القطاعات المختلفة، ولتعزيز القدرات الوطنية للتكيف معها، مشيرًا إلىأن الدولة أطلقت المجلس الأعلى للتغيرات المناخية، وكذلك الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 ضمن مخطط تقليل الانبعاثات الضارة، وتهيئة قطاعات الدولة المختلفة لتحمل آثار الاحتباس الحرارى.
وأكد الدكتور وهبة الجزار، رئيس البرنامج الوطنى لإنتاج البذور-الذى أطلقه رئيس الجمهورية لتوطين صناعة التقاوى لتخفيض الفاتورة الاستيرادية-، لـ”المال”، أن البرنامج يستعد لتحقيق طفرة فى الإنتاج خلال عام 2024.
وأضاف أن حجم استيراد بذور الخضراوات بلغت 2 مليار دولار فى السوق الرسمية، بالإضافة إلى نفس القيمة فى السوق الموازية، وذلك خلال العام الجارى بسبب صعوبة الاستيراد.
وتابع أننا نستورد حاليًا ما يقرب من %97 من استهلاكنا من بذور الخضراوات، لافتًا إلى أن صناعة البذور والتقاوى تُعتبر من الصناعات باهظة الثمن، والتى تتطلب استثمارات ضخمة لتطوير الأبحاث لإنتاج السلالات المقاومة للمناخ.
وأوضح أن المتحكم فى سوق التقاوى والبذور عالميا يتراوح بين 2 إلى 3 شركات، مشيرًا إلى أن ميزانية كل شركة من تلك الكيانات تعادل موازنة دولة واحدة.
وكشف عنارتفاع أسعار بذور الخضراوات خلال الفترة الأخيرة بنسبة تراوحت بين %50 إلى %100، وذلك بعد ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، وصعوبة استيرادها.
وتابعأنه فى ضوء أهمية توطين صناعة إنتاج البذور والتقاوى محليًا تم إطلاق المشروع القومى لتنفيذه العام الماضى، ونجح فى توطين 26 صنفًا وهجينًا للخضراوات.
وأشار إلى ارتفاع تكاليف التقاوى والبذور، موضحًا أن تكلفة توفير بذور الطماطم للفدان الواحد تصل حاليًا لـ6.5 ألف جنيه بعد أن كانت الأسبوع الماضى تبلغ 4 آلاف فقط، لافتًا إلى أن صناعة البذور هى كل “ما خف وزنه وثقل ثمنه”.
وفى جانب آخر، قدر مصدر قريب بسوق استيراد البذور الزراعية خاصة الخضراوات، حجم الاستثمارات فى سوق البذور المحلية والمستوردة للطماطم فى مصر بحوالى 300 مليون جنيه سنويًا، مشيرًا إلى أن القطاع الخاص يلعبدورًا رئيسيًا فى تلك المنظومة.
وتوقع زيادة الفرص الاستثمارية فى إنتاج واستيراد البذور للخضراوات والفاكهة من قبل شركات القطاع الخاص، وضخ استثمارات جديدة فى القطاع، إضافة الى توفير تشكيلة واسعة من السلالات والهجن تعزز من التنافسية خاصة فى سوق بذور الطماطم.
وأوضح المصدر أن مصر تعتمد على استيراد بذور الطماطم من عدة مقاصد، على رأسها هولندا وإيطاليا والولايات المتحدة وتركيا والصين، مشيرًا إلى أن البذور المستوردة تسد %70 من احتياجاتناالمحلية منها.
ونوه بأن هناك 5 شركات محلية تعمل فى مجال بذور الطماطم، متوقعًا مضاعفة عدد تلك الشركات، وضخ استثمارات جديدة فى القطاع خلال الفترة المقبلة؛ بهدف تقديم سلالات تناسب ظروف الزراعة المصرية والتصدير.
وأشار إلى أن تلك الشركات تتمثل فى شركة مصر للبذور، والنيل للبذور، والسعودية للبذور، والبذور الشرقية، لافتًا إلى أنها تعمل على توزيع وإنتاج البذور وتوفيرها للفلاح بشكل مستمر.
يذكر أن مصر استوردت حوالى 10 آلاف طن من بذور الطماطم فى عام 2019، ارتفعت إلى 12 ألف طن بذور فى 2020، ويختلف حجم وارداتها سنويًا بناءً على الظروف الزراعية والاحتياجات المحلية.
ونجحت مصر من خلال المشروع القومى لإنتاج البذور، فى توفير 5أصناف من هجن الطماطم تصلح للزراعة فى البيئة المصرية، وهى: “هجينF16، هجينF20، هجينF25، هجينF30، هجينF35”.
وانتهى البرنامج الوطنى المصرى لإنتاج تقاوى الخضر منذ إطلاقه بتوفير عدد 25 من هجن الأصناف الجديدة لعدد 9 محاصيل، وهى: الطماطم، الخيار، الفلفل، الكنتالوب، البطيخ، البسلة، اللوبيا، الفاصوليا، وجارٍ تسجيل هجين الكوسة.
وقال الدكتور خالد عياد، الأستاذ بمركز البحوث الزراعية، فى تصريحات لـ”المال”، إن ارتفاع أسعار البذور يعتبر من الأسباب الرئيسية فى ارتفاعات أسعار الخضراوات، ومن بينها الطماطم، بجانب التغيرات المناخية وتغير طبيعة التربة وزيادة نسب الملوحة، إضافة الى السلوك التجارى السلبى، وزيادة السعر بشكل غير ممنهج.
وتابع أن التغيرات المناخية أدت إلى ظهور بعض الآفات الزراعية التى ساهمت فى انخفاض إنتاجية المحاصيل، خاصًة بعد تحولها من آفات مستجدة إلى مستدامة، وزودت الأعباء على الفلاح فى النهاية.
وأضاف أن هناك انخفاضًا أيضًا فى إنتاج العروات الزراعية، وارتفاعًا فى أسعار البذور المستوردة، مشيرًا إلى أن أبرز الحلول فى هذا السياق هو ضبط السعر، والحد من الارتفاعات من خلال التدخل الحكومى فى زراعة المحاصيل بأسعار مخفضة فى الأراضى.
ولفت إلى أنه من الصعب أن تحقق مصر الاكتفاء الذاتى من إنتاج البذور، وذلك بسبب صعوبة الاعتماد علىنوعية محددة من الأصناف والمحاصيل، مشيرًا إلى أن هناك اتفاقًا مع بنك البذور العالمى لإنتاج الجينات المتطورة بشكل مستمر تتمتع بصفقات مقاومة للتغيرات المناخية.
وأكد أن مركز البحوث الزراعية يمتلك معامل متطورة لإنتاج البذور بشكل متطور، خاصة فى أصناف زراعة الأقطان والاقماح، متوقعًا نجاح المشروع القومى لإنتاج البذور فى الفترة المقبلة.
وذكر أن وزارة الزراعة لديها قاعدة بيانات متكاملة حول كافة الأصناف المزروعة فى السوق المحلية، وحجم الاستيراد من البذور للتأكد من جودتها، ويتم تمريرها على إدارة الحجر الزراعى لعدم دخول أى منتجات غير مطابقة للمواصفات الفنية.
وفى سياق متصل، قال الدكتور محمد طه، بمركز البحوث الزراعية، إن أسعار البذور تضاعفت جدًا خلال الفترة الماضية بعد ارتفاع اسعار صرف العملات الأجنبية، وأزمة سلاسل الإمداد، مضيفًالـ”المال”، أن مصر تستورد ما يقرب من %80 من احتياجاتها من بذور الخضراوات من الخارج، عبر شركات أجنبية خاصة من أوروبا.
وتابع: لكن تراجع حجم الاستيراد خلال العام الحالى مقارنة بما كان عليه فى الأعوام السابقة، مشيرًا إلىأن صعود أسعار الخضراوات يرجع أيضًا لارتفاع معدلات تصديرها للأسواق المجاورة، وانخفاض إنتاجية المحصول بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وأرجع ارتفاعات أسعار الطماطم مؤخرًا إلى قلة المعروض نتيجة لانتهاء بعض العروات أو تأخر بدء ظهور ثمار بعضها، وارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة فى ظل استخدام الصوب الزراعية أو التغطية بالبلاستيك، بجانبزيادة الطلب عليها نظرًا لأهميتها فى التغذية والصناعات، وتأثير الظروف المناخية مثل ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها أو حدوث الأمطار أو الرياح، وانتشار بعض الآفات أو الأمراض التى تصيب المحاصيل.
وأضاف أن مصر تعد خامس أكبر منتج للطماطم فى العالم، لافتًا إلى أن زراعة هذا المحصول فى مصر تتم عبر خمس عروات رئيسية لزراعته هى العرات الصيفية المبكرة، والعادية، والخريفية، والشتوية، والمحيرة.
وكشفت بيانات صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عن ارتفاع حجم صادرات مصر من الطماطم الطازجة إلى 8.564 مليون دولار فى النصف الأول من العام الجارى مسجلةً نحو 28.215 مليون دولار مقابل 19.651 مليون فى الفترة المقابلة من العام الماضى.
وأفاد تقرير حديث صادر عن منظمة الفاو بأن مصر احتلت المرتبة الخامسة ضمن أكبر منتجين للطماطم على مستوى العالم بحجم إنتاج 7.9 مليون طن سنويًّا فى عام 2016، مستحوذةً على %4 من الناتج العالمى فى ذلك التوقيت.
فيما جاءت الصين فى المرتبة الأولى فى قائمة أكبر المنتجين واستحوذت على نسبة %32 من الإنتاج الكلى، تلتها الهند بنسبة %10 ثم الولايات المتحدة بنسبة %7 ومثلها تركيا.
وقال تقرير الفاو إن بلدانإيطاليا وإيران وإسبانيا والبرازيل والمكسيك تعتبر أيضًا من العشرة الكبار المنتجين على مستوى العالم، وكلها تمثل مجتمعة %76 من إنتاج الطماطم العالمى.
