بعد الانضمام لـ«البريكس».. هل تبحث القاهرة عن طوق النجاة لاقتناص مزيد من التمويلات؟ 

يرى خبراء اقتصاديون أن حصول مصر مؤخرًا على عضوية البريكس ، وكذلك بنوك تنموية ناشئة يُنظر لها كخطوة لتنويع مصادرها التمويلية، وحصد مزيد من التمويلات

Ad

يرى خبراء اقتصاديون أن حصول مصر مؤخرًا على عضوية البريكس، وكذلك بنوك تنموية ناشئة يُنظر لها كخطوة لتنويع مصادرها التمويلية، وحصد مزيد من التمويلات، فى ظل مديونيات ضخمة أثقلت كاهلها بأعباء الفوائد وأصول الديون، واستنفادها كل الطرق التى يمكن من خلالها توفير تمويلات جديدة، فضلًا عن طول أمد مراجعات صندوق النقد للإفراج عن الدفعة الثانية من التسهيل الائتمانى الممدد.

وكان تجمع البريكس أعلن فى أغسطس الماضى انضمام مصر رسميًّا إليه بدءًا من يناير 2024، كما انضمت مصر إلى بنك التنمية الجديد الذى يضم دول التجمع، وكذلك البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية بحصة تمويلية 650 مليون دولار، الذى تنعقد اجتماعاته لأول مرة فى إفريقيا بمدينة شرم الشيخ المصرية يومى 25 و 26 من الشهر الجارى، وتبلغ محفظته الاستثمارية فى مصر 1.3 مليار دولار.

ويضم البنك الآسيوى الذى أطلقته الصين عام 2015، 57 بلدًا، من بينها 4 دول من الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن الدولى.

وفى مارس الماضى، حصلت مصر رسميًّا على عضوية بنك التنمية الجديد المُنشأ عام 2014، والتابع لتجمع دول البريكس، بهدف تمويل مشاريع البنية التحتية، والتنمية المستدامة، فى دول البريكس والبلدان النامية،ليرتفع بذلك عدد الأعضاء فى المجموعة إلى 11 دولة تساهم بنحو 29 بالمئة فى الناتج الإجمالى للاقتصاد العالمى.

وتستحوذ المجموعة، بعد انضمام قائمة الدول الجديدة، على 42 بالمئة من إنتاج النفط، و38 بالمئة من إنتاج الغاز، و67 بالمئة من إنتاج الفحم فى السوق العالمية.

وقال وزير المالية، محافظ مصر لدى البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، دكتور محمد معيط: إن مصر لا تُفوِّت أى فرصة للحضور القوى والمؤثر فى المؤسسات الدولية، للاستفادة من قدراتها وخبراتها فى دعم الخطط التنموية والاقتصادية.

وأشار الوزير إلى أن هناك تعاونًا آخر مع البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، يتعلق بضمان إصدار مصر لسندات الباندا الخضراء باليوان الصينى بقيمة 500 مليون دولار، على ضوء حرص مصر على تنويع مصادر وأدوات التمويل والأسواق وشرائح المستثمرين أيضًا.

وتعول مصر بقوة على البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية لتوفير تمويلات لمشروعات القطاع الخاص خلال مؤتمر البنك فى مصر الشهر الجارى.

وقال محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين بقطاع البحوث فى إى أف جى هيرميس، إن انضمام مصر لهذه الكيانات له أبعاد سياسية واقتصادية لتحقيق التوازن عالميا.

وأكد أن الانضمام لهذه الكيانات الجديدة الهدف منه بالطبع تحقيق مصالح اقتصادية، كما الحال فى الانضمام للبريتون وودز (صندوق النقد الدوليوالبنك الدولى للإنشاء والتعمير)، فى أربعينيات القرن الماضى، للحصول على تمويلات، وهو نفس الحال مع تكتل مختلف.

ويرى أبو باشا إن نظام البريكس مازال تجمعا، وليس منظومة محسوبة الأوزان للدول بداخلها، وبالتالى ليس له أى محددات واضحة، وبالتالى فإن التمويلات التى سيتم الحصول عليها منه لن تكون كبيرة؛ لأن المنظومة لم تأخذ شكلًا يتيح منح تمويلات ضخمة.

ولفت إلى أن الهند والصين هما أكبر دولتين فى التحالف، ولديهما القدرة على الإقراض، ولكن تظل جميع دول التكتل لا تربطها روابط قوية فيما بينها، وعلى سبيل المثال دول مثل الهند والصين، والسعودية وإيران، ومصر وإثيوبيا جميعها بينها خلافات.

وأكد أبوباشا أن مصر استهلكت مصادر تمويلية كبيرة سواء أسواق التمويل، أو صندوق النقد، أو دول الخليج، وطرقت كافة الأبواب، وبالتالى هناك بحث عن الطرق غير التقليدية مثال سندات الباندا، والساموراى.

وقال أبو باشا إنه من غير الواضح إذا ما كانت مصر ستحصل على تمويلات قريبًا من هذا التجمع، كما أن التبادل التجارى بالعملة المحلية قد يتم تطبيقه، ولكن على نطاق ضيق للغاية، نظرا لأن مصر لديها عجز تجارى مع جميع الدول، كما أن أغلب الصادرات المصرية توجه لدول أوروبا والولايات المتحدة، وأن التجارة مع دول البريكس ليست بحجم كبير.

وحول طرح مصر سندات بالعملة المحلية فى الأسواق الدولية، يرى أبو باشا إنه سيمنح القطاع الخاص فرصًا جيدة لتوفير تمويلات إضافية، إلا أنها لن تكون حجمها كبيرة بقيم محدودة.

وقالت منى بدير، الخبير الاقتصادى، إنه منذ بداية نشأة البريكس لم يكن لديه مؤسسات تنموية دولية ومستقرة، ذات دور تنموى مستقر على غرار نظام البريتون وودز (البنك الدولى وصندوق النقد الدولي)، فضلًا عن أن دول البريكس نفسها ليست بينها اتفاقيات تجارية أو اقتصادية تقوى الروابط الاقتصادية بين هذه الدول.

وبالتالى لن يكون لهذه المؤسسات دور قوى فى مساعدة مصر سوى فى حالة وجود أجندة قوية وواضحة، ببرنامج تنموى واضح يمكن من خلاله تمويل باقى الدول.

وحول إمكانية التبادل التجارى بالعملة المحلية، ترى بدير أن هذا المقترح يمكن تطبيقه بين الدول الكبرى مثل الهند والصين، ولكن تطبيق ذلك مع مصر صعب نظرًا لأن صادراتها لدول البريكس لا تتجاوز 4.5 مليار دولار، فى الوقت الذى تبلغ وارداتها منه 26 مليار دولار، وبالتالى تعانى مصر من عجز تجارى قوى ومزمن مع الأربع دول الكبرى بالتجمع، فضلًا عن أن جزء كبير من السلع التى تصدرها مصر لهذه الدول مسعرة وفقًا للأسعار العالمية المقومة بالدولار، وبناء على ذلك طالما ظلت الواردات المصرية منخفضة ستستمر الأزمة.

وفى المقابل أشارت إلى أن الجانب الإيجابى سيتمثل فى قدرة مصر على جذب استثمارات لمشروعات تنموية ممولة من هذه المؤسسات.

وعلى صعيد عملية طرح سندات بالعملة المحلية فى الأسواق الدولية، قالت بدير إنه سيكون وسيلة لتنويع مصادر التمويل، ولكنها ستظل مرهونة بالمخاوف المتعلقة بالوضع الاقتصادى، وقدرة مصر على سداد التزاماتها، خاصة مع تضخم فاتورة الديون، والمصداقية خاصة فى ظل سعر الصرف الحالى، وترى بدير إن هذه الخطوة لن تحدث قبل مطلع العام المقبل.

وقال دكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادى، إن الأمر ليس بجديد، وأن لجوء مصر للمؤسسات متعددة الأطراف كوسائل تمويل سواء كانت إقليمية أو عالمية يحدث منذ زمن، بهدف توزيع سلة التمويلات بين ملاذات مختلفة.

وأكد أن البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية يختلف عن بنك التنمية الجديد، إذ يخلط البعض بينهما نظرًا لأن كلاهما تم إطلاقهما فى توقيت واحد.

وقال نافع إن البنك الآسيوى منذ إطلاقه فى 2015 منح تمويلات لم تتجاوز الـ20 مليار دولار، مقارنة بـ60 مليار دولار منحها البنك الدولى فى 2020، وهو ما يوضح حجم المقارنة بين الجانبين، ويوضح أن الأول يتحرك بخُطى بطيئة وحثيثة، خاصة أنه يركز على تمويل مجالات بعينها كالبنية الأساسية، واحتياجات قارة آسيا، وهو أحد أسباب إنشائه عندما أعلن أن دول قارة آسيا بحاجة إلى 8 تريليونات دولار لتحسين بنيتها الأساسية.

ولفت إلى أن أحدث تعاون للبنك مع مصر هو تمويلات سندات الباندا الخضراء بقيمة 500 مليون دولار، وفى كل الأحوال يأتى ذلك فى إطار تنويع المصادر التمويلية.

وفى المقابل أكد نافع، أن منشأ المخاوف هنا من أن مصر تستنفذ كل المصادر التى يمكن من خلالها الحصول على قروض أجنبية، وهو النهج الذى قاد إلى قفزة فى الدين الخارجى منذ عام 2017، وبقفزات نمو سريعة جدًّا، والمتمثل فى أنه طالما استطعنا الاقتراض سنقترض.

وانتقد نافع هذا النهج مؤكدًا أن القاعدة الذهبية للاقتراض والتى بدأ كسرها تدريجيًّا فى عام 2005 هى لا تقترض إلا إذا استطعت السداد، وأن يكون حجم الاقتراض فى عام ما يوازى حجم السداد فى نفس العام، وهى قاعدة يجب العودة إليها مع تجاوز الدين الخارجى مستوى 160 مليار دولار.

وارتفعت ديون مصر الخارجية إلى نحو 163 مليار دولار بنهاية العام 2022، بزيادة سنوية %12، مقارنة بالعام السابق، وفقًا لبيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.

ويرى نافع أن الاستعانة بهذه المؤسسات كمصادر للتمويل يجب أن يكون بهدف تمويل استثمارات، أو تصكيك لمشروعات، أو مساعدات فنية، وليس أدوات دين تضع أعباءً على الموازنة، وحجم الدين.

وعلى صعيد إمكانية أن تحل هذه الكيانات محل الأخرى العالمية الكبرى، يرى نافع أن حجم محفظة هذه الكيانات الجديدة مازال محدودًا، وبالتالى لا يمكن المقارنة بين الجانبين.

وذكر أن مصر بحاجة إلى أن تصبح معدلات الدين بالسالب، وهو الحل الوحيد لتحقيق التوازن الذى كانت تشهده مصر قبل تفاقم أزمة الدين.

وعلى صعيد إمكانية أن تحل العملات المحلية محل الدولار فى عملية التبادل التجارى بين دول البريكس يقول نافع إنه قابل لكن على مستوى ضيق للغاية، ويحتاج وضع خطة لزيادته تدريجيًّا، وعلى صفقات محددة، وأن يقترن بمجموعة تدابير لتجنب أى هزات فى النظام الاقتصادى العالمى، مؤكدًا فى الوقت ذاته أن الدولار سيظل المرجعية لسعر جميع العملات.

وأشار إلى أن الدولار الأمريكى يسيطر على نحو %80 من حجم التجارة العالمية و%90 من تقويم أدوات الدين، و%60 من الاحتياطى العالمى للدول، فضلًا عن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على أسواق المال المتقدمة، وطرق الملاحة والتجارة ونظم الدفع والتسويات، وشركات التصنيف الائتمانى، ومؤسسات بريتون وودز (مجموعة البنك الدولى وصندوق النقد الدولي)، وبناء على ذلك فإن أى اهتزاز كبير للعملة الخضراء من شأنه أن يحدث صدمات اقتصادية عنيفة، من المحتمل أن تصيب ارتداداتها دول الجنوب النامية والناشئة بدرجة أكثر حدة من دول الشمال.

وقالت دكتورة سهر الدماطى، النائب السابق لرئيس بنك مصر، إن انضمام لتجمع البريكس يُعد أمرًا جيدًا، كما أن عقد شراكات استثمارية مع دول التكتل الـ11 سيساعد على توطين الصناعة، سيخلق فرص عمل ما ينعكس على معدلات البطالة، وبالتالى الناتج القومى.

وحول عملية اعتماد العملة المحلية للتبادل التجارى بين دول التكتل ترى الدماطى أنه سيقلل الاعتماد على الدولار الأمريكى الذى تواجه مصر حاليًا شحًّا فى المعروض منه، ما أدى إلى أزمة طاحنة تسببت فى زيادة سعره، وارتفاع أعباء الدين على الموازنة.

وحول جدوى طرح سندات بالعملة المحلية فى الأسواق الدولية يدعم مصر للاقتراض من الأسواق الدولية، ما يخفف الضغط على الدولار الذى تعانى مصر من أزمة قوية فى المعروض منه، دفعت إلى زيادة سعره ما رفع من فوائد الدين على الموازنة.

وحول اعتماد الدولار كمرجع لأسعار عملات دول التكتل عند اعتماد العملات المحلية للتبادل التجارى قالت الدماطى إنه تم وضع نظم الدفع واللوجيستيات التى سيتم اعتمادها فى تسعير عملات الدول مقارنة ببعضها البعض، لوضع نظام موحد.

وقال مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصريفى تحليل له عقب حصول مصر على عضوية البريكس، إن استهداف التكتل تقليل التعاملات البينية بالدولار الأمريكى سيخفف من الضغط على النقد الأجنبى فى مصر الذى يمثل الدولار الحصة الكبرى منه، وهو ما يصب فى صالح تحسين عدد من المؤشرات الاقتصادية المحلية.

وأضاف أن وجود مصر كدولة عضو ببنك التنمية التابع لتكتل البريكس سيمنح فرصًا للحصول على تمويلات ميسرة لمشروعاتها التنموية، بالإضافة إلى أن وجودها داخل التكتل يعنى استفادتها من ثمار نجاح مستهدفاته التى تقترب من التحقق، فيما يخص خلق نظام عالمى يمنح مزيدًا من الثقل للدول النامية والناشئة.

وكان صندوق النقد الدولى وافق فى ديسمبر 2022 على قرض لمصر فى إطار “تسهيل الصندوق الممدد” بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أن يُصرف على مدى 46 شهرًا. غير أن المراجعة الأولى لهذا البرنامج تم إرجاؤها وسط حالة عدم يقين بشأن تعهد مصر بالانتقال إلى سعر صرف مرن.

يشار إلى أن بنك التنمية الجديد، وافق منذ أن تم إنشاؤه، على أكثر من 90 مشروعًا بإجمالى 32 مليار دولار، لدعم مجالات مثل النقل وإمدادات المياه والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية والاجتماعية والبناء المدنى.

محمد معيط:مصر لا تُفوِّت فرصة للحضور القوى والمؤثر فى المؤسسات الدولية

محمد أبوباشا: لن توفر أموالًا ضخمة

مدحت نافع: يجب أن تكون التدفقات استثمارية ولا تضع أعباءً على الدين

منى بدير: بلا أجندات واضحةلن يكون لها دور قوى فى المساعدات

سهر الدماطى: عقد شراكات استثمارية مع دول التجمع سيدعم توطين الصناعة