أكد خبراء ومحللون مصرفيون أن جدولة المديونيات ومراعاة اختلاف الاحتياجات التمويلية أبرز الشروط اللازمة لتعافى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مستبعدين أن يكون هذا القطاع متعثرًا بشكل كامل.
وأضافوا، فى تصريحات، لـ«المال»، أن مؤسسات هذا القطاع تعانى، فى الوقت الحالى، من عدم العمل بكامل طاقاتها الإنتاجية، خاصة تلك التى تعتمد على موادّ خام مستوردة؛ نظرًا لنقص المعروض النقدى من العملة الأجنبية، موضحين أن هذا القطاع يسرى عليه ما يسرى على غيره من القطاعات الأخرى، ولا سيما فى ظل الأزمات الاقتصادية، والمتمثلة فى ارتفاع أسعار الفائدة وتبدل أسعار الصرف، والتى ألقت بظلالها على كل الأنشطة والكيانات العاملة بالسوق.
وأشاروا إلى أن ذلك ما يجعل المشروعات الصغيرة والمتوسطة أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية وأقل صلابة فى مواجهتها، وهو ما يجعلها فى مهبّ الريح دومًا، ومن ثم فإن آثار هذه التبِعات تكون أشد وضوحًا لدى هذه المؤسسات، مقارنة بغيرها من الشركات الكبرى.
كان رواد أعمال ومؤسسو شركات ناشئة قد قالوا، تصريحات سابقة، لـ«المال»، إن هناك عددًا من التحديات التى تواجه قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أبرزها تحوط صناديق الاستثمار، وارتفاع التكلفة التمويلية، فضلًا عن تقليص البنوك حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة لتلك الكيانات، مدفوعة بالتخوف من المخاطر المرتفعة المرتبطة بها، فضلًا عن تفضيلها الاستثمار فى أذون الخزانة؛ لكونها مضمونة من قِبل الحكومة من جهة، ومرتفعة العائد من جهة أخرى.
وارتفعت استثمارات البنوك فى أذون الخزانة، بحسب بيانات «المركزى»، إلى 4.885 تريليون جنيه بنهاية يونيو الماضى، مقابل 4.817 تريليون جنيه بنهاية مارس 2023. وجاءت العوائد على أذون الخزانة، بحسب العطاء الأخير، على النحو التالى: %25.092 لأجل 91 يومًا، و%25.526 لأجل 182 يومًا، و%25.730 لأجل 364 يومًا.
العمود الفقرى للقطاع الخاص
قال ممدوح عافية، رئيس مجموعة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالبنك الأهلى المصرى سابقًا، إن هذا القطاع يمثل نحو %99 من القطاع الخاص المصرى، ومن ثم فإن الجزم بتعثره ما زال بعيدًا عن الواقع.
وأضاف أن هذا لا يعنى كون المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا تعانى من بعض المخاطر والتحديات فى الوقت الراهن، وإنما القصد أن هناك بعض القطاعات التى تعانى من تعثر أو بعض الصعوبات، خاصة فى قدرتها على الوصول إلى احتياجاتها التمويلية أو الحصول على المواد الخام.
وأوضح أن أبرز القطاعات التى تعانى من التعثر هى تلك القطاعات التى بحاجة إلى استيراد مواد خام؛ نظرًا لنقص المعروض النقدى من العملة الأجنبية وأزمة أسعار الصرف.
وأكد أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة جزء من نسيج القطاع الخاص، ومن ثم تنطوى على أهمية كبرى، منوهًا بأنها تعلب دورًا محوريًّا فى الاقتصاد الوطنى، لكنها بحاجة إلى رعاية أكثر نظرًا لعدم قدرتها على مواجهة تحديات الاقتصاد الكلى بشكل عام.
ولفت عافية إلى أن البنك المركزى يُولى قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة أهمية خاصة، ولا شك أنه يضع من الضوابط والتوصيات ما يضمن نجاح هذا القطاع وصموده فى وجه التحديات المختلفة.
إجراءات البنك المركزي
وألزم البنك المركزى المصارف العاملة فى السوق المحلية بزيادة محفظة القروض والتسهيلات الائتمانية الموجهة لتلك المشروعات لتصل إلى نسبة لا تقل عن %25، مشترطًا ألا تقل النسبة عن %10، كما ألزم البنوك بإنشاء قطاعات متخصصة للتعامل مع هذه المشروعات وتدعيمها بالكوادر البشرية اللازمة.
على أن يكون أساس حساب نسبة الـ%25 هو صافى محفظة القروض والتسهيلات الائتمانية المباشرة وغير المباشرة الممنوحة للعملاء بعد استبعاد كل الضمانات التى يعتدّ بها لدى تكوين المخصصات الواردة بالتعليمات الصادرة بشأن أسس تقييم الجدارة الائتمانية للعملاء وتكوين المخصصات.
من جانبه، رأى ماجد فهمى، رئيس بنك التنمية الصناعية سابقًا، أن قرار البنك المركزى وقف استثناء أكبر خمسين عميلًا من قواعد التركز الائتمانى، قد لا يكون ذا أثر كبير على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مبينًا أن البنوك ستتوسع فى محافظ تمويلاتها، لكن مع أخذ اشتراطات «المركزى» بعين الاعتبار.
واشترط البنك المركزى، فى كتاب دورى سابق بهذا الصدد صدر خلال فبراير 2021، أن تتضمن السياسة الائتمانية للبنك الضوابط المناسبة التى تتماشى مع تمويل هذه النوعية من الشركات، على أن تقوم البنوك بالعمل على توفير بدائل أخرى لدراسة تلك الشركات وتقييم المخاطر الخاصة بها، ومنها استخدام وتحليل البيانات البديلة للتقييم الائتمانى، من خلال نماذج التقييم الرقمى، استنادًا إلى سلوكيات العملاء وبياناتهم الاجتماعية ومعاملاتهم المالية وغير المالية، وفقًا للضوابط التى سيتم إصدارها من البنك المركزى فى هذا الشأن.
وأضاف أن هذا القطاع وإن كان أكثر عرضة للمخاطر وأقل متانة فى مواجهة العقبات الاقتصادية، يعانى مما تعانى منه بقية القطاعات الأخرى، ومن ثم ليس صوابًا القول إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة متعثرة، هكذا بشكل مطلق.
ولفت إلى أن قطاع الأعمال والشركات متأثر سلبًا بالأوضاع الحالية، ولا سيما فى ظل تباطؤ حركة دوران رءوس الأموال فى السوق من جهة، وأزمات الاستيراد وصعوبة الحصول على العملة الصعبة من جهة أخرى.
محدودية القاعدة الرأسمالية
وأكد أن محدودية القاعدة الرأسمالية لهذه الكيانات، بالإضافة إلى صغر حجمها، من أبرز تحديات هذا القطاع من جهة، وهى نفسها العوامل التى تجعله أقل صلابة فى مواجهة تحديات الاقتصاد الكلى بشكل عام.
وعلى صعيد القطاع المصرفى، أوضح فهمى أن البنوك لا تدّخر جهدًا فى منح وتوفير التسهيلات الائتمانية للشركات الصغيرة والمتوسطة؛ لما لها من أهمية كبرى للاقتصاد الوطنى، معتبرًا أن المشكلة مشكلة اقتصاد كلى وليس قطاع بعينه.
وأشار إلى أن الرفع المتوالى لأسعار الفائدة ألقى بظلال سلبية على مختلف القطاعات الاقتصادية، بيد أن وجود المبادرات التى أصدرها البنك المركزى (مبادرة %5 و%8) تجعل من السهل على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحصول على التمويل.
وأفاد بأن جدولة المديونيات ومراعاة اختلاف الاحتياجات التمويلية من أبرز متطلبات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، خاصة بعد تغير أسعار الصرف، وارتفاع أسعار الفائدة، وما تلا ذلك من ظروف وتبِعات اقتصادية.
انفراجة مرتقبة
وخلافًا للرأى السابق، أكد طارق جلال، رئيس قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ببنك التنمية الصناعية، أن تعثر هذه الكيانات (بالمعنى الكلاسيكى لهذا المفهوم) لم يعد موجودًا، وإنما الأمر أن بعض المشروعات الصناعية، وفى قطاعات أخرى، لا تعمل الآن بكامل طاقتها.
وأضاف أن القطاع الصناعى، على سبيل المثال، يعانى من عدم الاستغلال الأمثل لكل طاقاته وإمكانياته، مبينًا أن سبب هذا التراجع بمعدلات الإنتاج قد يرجع إلى عدم قدرة المصانع على الوصول إلى المواد الخام ومستلزمات الإنتاج؛ نظرًا لنقص العملة الصعبة اللازمة للاستيراد.
وأوضح أن قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والمنشآت الصناعية على وجه الخصوص، بدأت تخرج من عنق الزجاجة؛ وذلك بفضل توجيهات القيادة السياسية، والتشديد على توفير المواد الخام، ودعم المنتج المحلى.
كان البنك المركزى قد أطلق، خلال السنوات الماضية، عددًا من المبادرات بغرض تنشيط سوق التمويل العقارى ودعم السياحة وتحويل السيارات للغاز الطبيعى، ومبادرات خاصة بتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بمنح التمويلات بأسعار فائدة يدعمها "المركزي" عبر تحمله الفارق، وهو ما تم التوافق على التوقف عنه وخروج "المركزي" من هذه المعادلة، خلال المفاوضات الأخيرة بين السلطات المصرية ومسئولى صندوق النقد الدولى.
عافية: تمثل %99 من القطاع الخاص... والتعثر ما زال محدودًا
فهمى: صعوبات استيراد المواد الخام ومحدودية القاعدة الرأسمالية أهم التحديات
جلال: تراجع الطاقة الإنتاجية إحدى مشكلاته... ومؤشرات على التعافى قريبًا
