تتجه الخطوط الملاحية العالمية للدخول بقوة فى منظومة سلاسل الإمداد العالمية، إذ أصبحت تقوم بنقل البضاعة حتى وصولها للعميل تطبيقا لمبدأ “النقل من الباب إلى الباب” من خلال تشغيل وإدارة محطات الحاويات والتوسع فى امتلاك وتشغيل السفن، وأخيرا الاستحواذ على المراكز اللوجستية والموانئ الجافة.
“المال” استطلعت رأى السوق الملاحية فى دخول الخطوط العالمية كمشغل للموانئ الجافة مؤخرا، ومدى تأثير هذا الاتجاه على قطاع النقل والتجارة فى السوق المحلية، وسط تحذيرات من استحواذ تلك الكيانات على جميع تفاصيل صناعة النقل واللوجستيات.
وحدد العاملون فى القطاع عدة خطوات لابد من تنفيذها بالتوازى مع دخول تلك الخطوط العالمية للمجال لحماية الشركات الصغيرة العاملة فى السوق منذ سنوات، منها ضرورة مواكبة الشركات للوضع العالمى والدخول فى اندماجات مع بعضها، وتدخل وزارة النقل ومطالبة الخطوط الاستعانة بالشركات المحلية لتقديم بعض الخدمات المرتبطة بالموانئ اللوجستية.
بداية، وصف هيثم أباظة مدير المخازن الجمركية لشركة “راية لوجستيكس” تشغيل الخطوط الملاحية للموانئ الجافة والمراكز اللوجستية بالخطوة الجيدة لكونها تخلق تنافسية بين مقدمى الخدمات اللوجستية الكبرى مثل “DHL” على سبيل المثال والتى تقدم خدمات أكثر من النقل والشحن وتتجه إلى التوزيع والتخزين والتخليص وغيرها من الخدمات.
وقال “أباظة” إن فكرة إدارة الموانئ الجافة من الخطوط العالمية يصب فى مصلحة العملاء لأن التنافسية تحقق أسعار وخدمات متميزة، مشيراإلى أن هناك سببا عالميا لفكرة الاستحواذ وهى أن تنوع سلاسل الإمداد للمصانع والشركات، خاصة وأنعملية التصنيع لم تعد تعتمد على منشأ واحد وأصبحت متعددة مما يستوجب لتلك الشركات أن تملك ذراعا لوجستيا قويايمدها بسلسلة التوريد منتشرة فى العالم.
وأضاف أن الخطوط الملاحيةلاعتبارات اقتصادية لم تعد تركز على تملك وتشغيل السفن والنقل البحرى فقط ، خاصة وأن أقل رأس مال للسفينة يصل إلى تكلفة 200 مليون دولار مما يحقق عائدا غير مرض لملاك السفن لذلك كان الاتجاه لاقتحام ما بعد النقل البحرى من خدمات شحن برى وتوزيع وتغليف وغيرها وتلك الخدمات استثماراتها قليلة ولكن عوائدها كبيرة جدا وهى وراء ظهور مفهوم خدمات النقل البحرى بدلا من النقل البحرى فقط.
وأشار “أباظة”إلى أن ذلك الاستحواذ سينتج عنه بقاء العملاء الكبار التى تستهدفهم الخطوط، وهم أصحاب المصانع والشركات وخاصة تواجدها فى العاشر وبرج العرب والسادس من أكتوبر، مضيفا أن هناك شركات صغيرة قد تتعرض للخروج من السوق، كما أن هناك أخرى ستقوم بتطوير خدماتها وتتجه للعمل تحت مظلة الخطوط الملاحية، إذا حققت مصلحة تلك الخطوط.
وأشارإلى أن تلك الخطوطلم تكتفبذلك ولكنها تسعى للحصول على خطوط طيران لاستكمال سلاسل الإمداد وتوصيل البضائع إلى مخازن العميل نفسه.
وقال إن الخط الملاحى “ MSC” يملك شركة و” “MEDLOG “ و”Agl” لخدمات النقل الداخلى والخدمات اللوجستيةبمنطقة البحر المتوسط وأفريقيابجانب تأسيس شركة “ميرسك” الدنماركية شركة ميرسك لوجستكس” وأخيرا قام الخط الملاحى “ CMA CGM” بشراء شركتين لخدمة سلاسل الإمداد وهما Ceva logistics” “ و”Bollore logistics”.
من جانبه، أوضح محفوظ الشربينى، المدير التنفيذى لشركة المصرية لتجارة خارج القطر (E2O ) أن الخط السويسرى “MSC” يعد من أكبر الخطوط الملاحية فى العالم وحصوله على رخصة تشغيل ميناء العاشر الجاف يستهدف منه تحسين أداء عمل تداول حاويات داخل الموانئ المصرية مما يشجع الخطوط الأخرى على الارتقاء بالخدمات اللوجستية.
وفازتشركة “MEDLOG” بمشروع تصميم وإنشاء واستغلال وصيانة وتمويل ميناء العاشر من رمضان الجاف والمركز اللوجستى، ويتوقع إبرام عقوده خلال أكتوبر المقبل، حسبما قال عاطر حنورة رئيس الوحدة المركزية للمشاركة مع القطاع الخاص «p.p.p » بوزارة المالية، فى تصريح سابق لـ”المال”.
ويعد ميناء العاشر من رمضان الجاف الثانى من نوعه بعد ميناء 6 أكتوبر الذى تم افتتاحه العام الماضى، وتديره شركة بنفس اسم الميناء مكونة من «مجموعة السويدى إلكتريك، وشركة دى بى شنكر».
وذكر “الشربيني” أن تحقيق تلك الأهداف مرهون بتسهيلات حقيقة وليست وهمية من الجمارك لتحقيق المنافسة العادلة، وإعادة النظر فى بعض القوانين مثل الحصول على %10 من إجمالى الإيراد للتخزين الجمركى ورفع قيمة استخراج الشهادات.
ولفت إلى أن دخول الخطوط الملاحية على الموانئ الجافة والمراكز اللوجستية يتطلب تسهيلات فى نقل الحاويات إلى وجهتها النهائية بالموانئ الجافةدون تعقيدات جمركية، إذ أن المستهدف هو تقليل ساعات انتظار السفن فى الموانئ وسرعة التداول، وذلك يعد أهم العناصر الجاذبة للاستثمار فى المواقع الجافة والمناطق اللوجستية.
وقال عماد مدكور، مدير عام شركة العامرية للمخازن الجمركية إن الموانئ الجافة تعتمد علىأن تكونالوجهة النهائية للبضائع، مشيرا إلى أنه مع وجود الخطوط الكبيرة واختفاء عدد من الكيانات الأخرى منذ 2016 مثل “هانجين” الكورى ظهر اتجاه عالمي بتشغيل محطات حاويات بجميع خدماتها.
وأضاف “مدكور” أن عدم وجود أسطول بحرى وطنى يضعف الجانب المصرى فى المنافسة أمام تلك الخطوط الكبرى ويجعلها تتحكم فى وضع سياسات التسعير وشروط أداء العمل.
وأكد أن شركات الشحن الصغيرة ستبقيعلى عملائها الحاليين لأنبضائعهم قليلة لا تقارن بحجم التى ستتعامل معهاالخطوط من المصانع والشركات الكبرى.
من ناحيته، قال أحمد خليل، مدير الملاحة بالخط الملاحى “أركاس”إن تشغيل الخطوط الملاحية الكبرى للموانئ الجافة هو استكمال لخطة الدولة فيتحويل مصرإلى مركز لوجستى عالمى بدأتها من رفع كفاءة الأرصفة والموانئ جذب الخطوط الملاحية.
ولفت “خليل” إلى أن تشغيل الخطوط للموانئ الجافةيقضى على تكدس الحاويات بأرصفة الموانئ وما صاحبها من سداد غرامات لتلك الخطوط لاسيما أنها خطوة متأخرة أسوة بدول الخليج التى أقدمت على تلك الخطوة منذ سنوات .
ووصف “خليل “ دخول الكيانات العالمية لقطاع الموانئ الجافة بالإيجابى لخدمةمراكز التوزيع ومشروعاتمنطقة العاشر الصناعية لكونها فى موقع متميز بالقرب من موانئ السخنة وبورسعيد والقاهرة الكبريمما يستوعب الزيادة المرتقبة فى الحاويات الفترة المقبلة نتيجة أعمال التطوير بالموانئ.
واستكمل أن تشغيل الموانئ الجافة من أكبر الخطوط يشجععلى زيادة حجم أعمالها داخل مصر وبالتالى تحول الموانئ المصرية إلى مواقع رئيسية لخدماتها.
وأوضح أن ملاك السفن خلال الفترة الحالية يبحثون عن تقليل مدة الانتظار وسرعة التداول لكون الحاوية هى رأسمال الخط الملاحى ومع سرعة الإجراءات الجمركية وسهولة الكشف عن الحاويات وإجراءات الرقابة على الصادرات والوارداتوإنهاء الإجراءات المعطلة للاستثمارات.
وعن الكيانات المتضررة قال “خليل” إن نقل خبرة الخط الملاحي لتشغيل المراكز اللوجستية يستوجب من الشركات والكيانات الصغيرة تطوير نفسها بما يتماشى مع الأداء العالمى.
بدوره، أكد أسامة عدلى، الخبير الملاحى أن جميع القطاعات والأنشطة التى طرحتها وزارة النقل تتيح لجميع الشركات التقدم، شرط إمكانية إدارة هذا النشاط، مشيرا إلى أن السوق الملاحية فوجئت بدخول شركات خارج النشاط تقوم بإدارة وتشغيل الموانئ الجافة مثل شركة السويدى والتى نجحت فى هذا المجال بشكل كبير فى إدارة أول ميناء جاف بالسادس من أكتوبر مع تحالف عالمى آخر .
وأشار إلى أن دخول الناقلين للكبار المناطق اللوجستية والموانئ الجافة سيكون له مخاطر على السوق، خاصة وأن الخط الملاحى هو من يمتلك الحاويات والبضائع والسفن ولديه شركات مختلفة مثل الوكالة الملاحية وتملك وتشغيل السفن وشبكة من الوكلاء على مستوى العالم، وبالتالى الشركات الصغيرة ستواجه صعوبة فى المنافسة.
وقال محمد كامل إبراهيم استشارى النقل الدولى إن الخطوط الملاحية ستستفيد من إدارتها للموانئ الجافة، خاصة وأنها تتجه للسيطرة على تفاصيل صناعة النقل، وليس النقل البحرى فقط، حيث قامت بتأسيس أو الاستحواذ على شركات مرحلى بضائع “ وكلاء الشحن “ وشركات الطيران، وأصبحت تدير بعض خطوط السكة الحديد، وأخيرا دخلت إلى الموانئ الجافة واللوجستية.
وأوضح أن ذلك له تأثير على خروج الكيانات الصغيرة خاصة من وكلاء الشحن، إذ ستتعامل مع العميل مباشرة “ صاحب المصنع والمصدر والمستورد”.
وتابع:“ لايمكن إنكار أن هناك سيطرة على السوق وبالتالى ستكون تسعيرة الخدمة لها اعتبارات كبيرة”.
وتوقع أن تفقد الموانئ البحرية ومحطات الحاويات جزءا كبيرا من إيراداتها خلال الفترة المقبلة، إذ كان قرابة ثلث إيراداتها يأتى من خدمات التخزين، وهو ما سيتم فقدانه لصالح الموانئ الجافة والبرية الجديدة.
وشدد أحد رؤساء شركات الحاويات الوطنية السابقين على ضرورة تدخل وزارة النقل فى تعريفة تلك الشركات حال قيامها بإدارة الموانئ البرية والجافة، حفاظا على الأسعار خاصة وأن هناك العديد من الشكاوى من المستوردين من أسعار التخزين سواء بالموانئ أو المستودعات الخارجية والإيداعات الجمركية، وهى ما تصل فى بعض الأحيان إلى سعر البضاعة المستوردة من الخارج.
وأشار إلى أن هناك عدة آليات تنظيمية يمكن أن تضعها وزارة النقل والجهات المسئولة عن الاستثمار لحماية الكيانات الصغيرة، منها الطلب من الكيانات العالمية الاستعانة بهذه الفئة لعمل توازن فى السوق بدلا من سيطرة الخطوط الملاحية على جميع خدمات النقل البحرى.
