فاينانشيال تايمز: البنوك المركزية بأمريكا اللاتينية تعلن النصر في معركة التضخم

بدأت البرازيل وهى إحدى الأسواق الناشئة الأكثر سرعة ونشاطا فيما يتعلق برفع أسعار الفائدة ، فى تخفيف سياستها النقدية إذ تجنى أمريكا اللاتينية فائدة التحرك

Ad

بدأت البرازيل وهى إحدى الأسواق الناشئة الأكثر سرعة ونشاطا فيما يتعلق برفع أسعار الفائدة ، فى تخفيف سياستها النقدية إذ تجنى أمريكا اللاتينية فائدة التحرك بوتيرة أسرع من دول مجموعة السبع لمحاربة التضخم، وفقا لتقرير نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز البريطانية».

وأعلن البنك المركزى فى البرازيل مؤخرا عن تخفيض فى سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة ، ليسجل سعر الإقراض %13.25.

وكان الخفض الذى أعلنه البنك المركزى البرازيلى أكبر مما توقعه معظم الاقتصاديين، مشيرا إلى المزيد من التخفيضات خلال الأشهر المقبلة.

ويوم الجمعة الماضى أصبحت تشيلى أول اقتصاد كبير فى أمريكا اللاتينية يخفض أسعار الفائدة بعد الجائحة ، إذ تم خفض تكاليف الاقتراض بمقدار نقطة مئوية كاملة إلى %10.25.

قال الخبير الاقتصادى إرنستو ريفيلّا : «حتى لو لم تنتهِ المعركة ضد التضخم ، يمكن للبنوك المركزية فى أمريكا اللاتينية أن تبدى مظاهر الاحتفال بالنصر، لقد تميزت القارة فى هذه الدورة من خلال الانضباط والاستقلالية والالتزام والتواصل الواضح، السياسة النقدية فى بلدان تشيلى والبرازيل والمكسيك وبيرو وكولومبيا تعطى درسًا للعالم ».

فى سلسلة من التحركات المتشددة التى بدأت فى مارس 2021 قام المسؤولون عن تحديد أسعار الفائدة فى البرازيل برفع سعر الإقراض Selic من أدنى مستوى له على الإطلاق بنسبة %2 لمواجهة الآثار التضخمية لارتفاع الإنفاق العام وخفض أسعار الفائدة الذى تم إطلاقه فى أعقاب الجائحة.

ولم يبدأ مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى فى رفع أسعار الفائدة إلا بعد عام فى مارس 2022، وكان البنك المركزى الأوروبى أبطأ ، إذ طبق سياسة متشددة لأول مرة فى يوليو من العام الماضي.

بعد أن بلغ ذروته تباطأ نمو أسعار المستهلكين فى أكبر اقتصاد فى أمريكا اللاتينية إلى %3.2 فى 12 شهرًا حتى يونيو ، وهو أقل من الهدف الرسمى لهذا العام.

فى شيلى يبلغ معدل التضخم السنوى العام %7.6 ، أى ما يقرب من نصف ذروة %14.1 المسجلة فى أغسطس من العام الماضي.

قال كلاوديو إيريجوين رئيس قسم الاقتصاد العالمى فى بنك أوف أمريكا بنيويورك: «من المفارقات أن أمريكا اللاتينية كانت أكثر نجاحًا لأن البنوك المركزية لم تكن تتمتع بالمصداقية التى يتمتع بها الاحتياطى الفيدرالى ولم يكن لديها الرفاهية لتقول نعم، هذه مجرد ظاهرة عابرة ، سوف يرتفع التضخم وينخفض من تلقاء نفسه ».

وأضاف: « ربما تأخر مجلس الاحتياطى الفيدرالى عن اللعبة بسنة واحدة.».

ورغم أن البنك المركزى البرازيلى قد نال استحسانًا دوليًا للسيطرة على التضخم إلا أنه تعرض لانتقادات شديدة فى الداخل بسبب سياسته المتشددة.

بحسب التقرير ربما تكون السياسة النقدية المتشددة فى البرازيل قد قيدت الاقتصاد ، لكنها لم تقتل النمو، ويتوقع سيتى بنك أن يتوسع الناتج المحلى الإجمالى فى البلاد بنسبة %2.3 هذا العام.

قال كريستيانو أوليفيرا كبير الاقتصاديين فى المقرض التجارى «بانكو باين» فى ساو باولو إن خفض أسعار الفائدة مؤخرا كان القرار الأكثر صحة من الناحية الفنية.

وأضاف: « أظهرت إجراءات التضخم الأساسية تباطؤًا قويًا ، مما يشير إلى نجاح السياسة النقدية، وأدرك البنك المركزى مقدمًا أن المكون الرئيسى للتضخم هو الطلب القوى ، وبالتالى ينبغى تشديد السياسة النقدية».

وبينما أشار إلى بدء دورة تدريجية للتيسير النقدى ، حذر بنك البرازيل المركزى أيضًا من أن التضخم سيرتفع خلال النصف الثانى من العام.

وتوقع أندريا داميكو كبير الاقتصاديين فى شركة آرمور كابيتال لإدارة الأصول تخفيضًا بمقدار 50 نقطة أساس فى أسعار الفائدة.

قال ألكسندر سوريانو ، رئيس قسم الأبحاث الكلية فى باهيا أسيت مانجمنت فى ريو دى جانيرو: « لا يزال تضخم الخدمات مرتفعًا ، وتوقعات التضخم لا تزال غير راسخة بشكل كامل، موضحا أنه فى بيئة من التوسع المالى الكبير ، سيكون من المنطقى أن يؤجل البنك المركزى بداية دورة التخفيضات».

أما المكسيك ، ثانى أكبر اقتصاد فى أمريكا اللاتينية ، فتواجه تحديًا مختلفًا.

حافظت صلاتها الوثيقة بالاقتصاد الأمريكى على ارتفاع معدل التضخم الرئيسى عند %5.1 فى العام المالى المنتهى فى يونيو.

قال كلاوديو إيريجوين رئيس قسم الاقتصاد العالمى فى بنك أوف أمريكا بنيويورك « لا يزال التضخم فى المكسيك ثابتا للغاية ، خاصة تضخم الخدمات».

توقع الاقتصاديون الذين استطلع آراؤهم سيتى بنك أن يقوم بنك المكسيك المركزى Banco de México بتأجيل تخفيضات أسعار الفائدة حتى ديسمبر ، ومن ثم من المتوقع أن يخفضها بمقدار ربع نقطة فقط.

وأشار التقرير إلى أن ولع حكومة الأرجنتين بطباعة النقود لتمويل الإنفاق العام وأسعار الصرف الرسمية المشوهة أدى إلى ارتفاع التضخم إلى أكثر من %115 سنويًا.

أشاد إريك بارادو كبير الاقتصاديين فى بنك التنمية للبلدان الأمريكية فى واشنطن بالاستجابة السريعة والفعالة بشكل عام للبنوك المركزية فى أمريكا اللاتينية للتضخم لكنه حذر من التخفيضات المفرطة فى أسعار الفائدة.

وقال:« لا تستطيع البنوك المركزية إعلان النصر بعد، يجب أن يكونوا حذرين لأنه لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت مقاييس التضخم الأساسى بدون تكاليف الطاقة والغذاء قد حددت اتجاها هبوطيا واضحا».

..والأرجنتين تتخلف عن الركب

تخطت معدلات التضخم فى الأرجنتين %113 فى يوليو الماضى لا يتفوق عليها عالميا سوى فنزويلا وزيمبابوي، مما دفع حكومتها لتطبيق سلسلة من التدابير والدفاعات الاقتصادية كما أنها استحدثت إجراءات أخرى غير معتادة.

وردا على أحدث خفض فى قيمة البيزو قررت الأرجنتين يوم 18 أغسطس الماضى تثبيت سعر النفط الذى تحصل عليه من شركات الاستخراج عند سعر 56 دولار، وهو يقل كثيرا عن المستويات العالمية على أن يسرى الثبيت حتى يوم 31 أكتوبر القادم بحسب وكالة بلومبرج.

وكان يتعذر اتخاذ هذا القرار من قبل الحكومة الأرجنتينية لولا اتخاذ حكومة الرئيسة كريستينا فرنانديز دى كرشنر عام 2012 قرارا بإعادة تأميم شركة «يو بى إف» التى تمت خصخصتها فى عهد الرئيس كارلوس منعم لتشتريها شركة ريبوسول الإسبانية عام 1999.

وتزدهر فى الأرجنتين صناعة استخراج النفط من الصخور الزيتية، لكن القرار الأخير يعنى أن شركات النفط ستحصل على مقابل يقل بنسبة %11 عن سعر 63 دولار الذى يتداول عنده الخام الخفيف المحلى فى الربع الثاني، ويقل هذا السعر كثيرا أيضا عن خام برنت الذى يحلق حاليا عند مستوى 84 دولاراً.

وبعد صدور القرار السابق ذكره تراجعت أسهم شركة يو بى إف المملوكة للدولة التى لها أكبر حصة فى انتاجية حقل فاكا مورتا لاستخراج النفط الزيتى بأكثر من 3% فى تداولات بورصة نيويورك، قبل تقليص هذه الخسائر لاحقا.

وأقبلت الأرجنتين على تثبيت أسعار الوقود المتاحة للبيع فى المحطات ردا على رفع الأسعار بنسبة %12.5 من قبل شركات التكرير، وعلى رأسها شركة يو بى إف فى أعقاب هبوط قيمة البيزو.

ويسعى مرشح الحزب الحاكم فى الانتخابات الرئاسية القادمة ووزير الاقتصاد سرجيو ماسا إلى الحيلولة دون انتقال التأثيرات الكاملة لتخفيض قيمة البيزو إلى أسعار المستهلكين.

وبسبب القرار باتت الشركات المنتجة للنفط فى البلاد مطالبة بأن تتحمل جزئيا تكلفة الحد من زيادات أسعار الوقود، وهو ما يضر بعمليات الإنتاج الجارية فى حقول فاكا مورتا لاستخراج النفط من الصخور الزيتية، بينما تسعى الأرجنتين إلى تطوير هذه الحقول بأقصى سرعة حتى يتسنى لها تحفيز الصادرات وزيادة الحصيلة الدولارية الناجمة عن التصدير، بحسب تقرير لوكالة بلومبرج.

لكن تدخلات من هذا القبيل تحد من الطاقة الإنتاجية لهذه الحقول التى تعد قليلة جدا، إذ تصل إلى 300 ألف برميل يوميا، مقارنة بأحجام الإنتاج المستخرجة من تشكيلات الصخور الزيتية فى الولايات المتحدة.

ويعد المرشح الرئاسى سرجيو ماسا شركات استخراج النفط بتزويدهم ببعض المكاسب، مثل تأجيل الضرائب المفروضة على التصدير وتسريع الوصول إلى العملة الصعبة والإعفاء من بعض الضرائب المفروضة على الواردات.

وتسببت معدلات التضخم المرتفعة فى استنزاف احتياطيات النقد الأجنبى وإضعاف عملة البيزو وتزايد مخاوف السوق من خفض صادم فى قيمتها.

وأقبلت الحكومة الأرجنتينية على تنفيذ حزمة من التدابير شملت رفع أسعار الفائدة والسماح بتدخل أكبر للبنك المركزى فى أسواق العمالة والإسراع بإبرام صفقات للحصول على قروض من جهات الإقراض.

وتسارعت معدلات التضخم فى الأرجنتين على الرغم من بذل جهود شملت وضع قيود على الأسعار ورفع أسعار الفائدة بشكل منتظم، مما عزز مخاوف السقوط فى هوة التضخم المفرط الذى شهدته البلاد قبل 30 عاما ماضية.

وهوت فى هذه الأثناء احتياطيات البلاد من الدولار التي تناقصت جراء موجة الجفاف التاريخية التى أضرت بمحاصيل رئيسية يتم تصديرها لجلب سيولة نقدية مثل فول الصويا والذرة.

وجاء التراجع فى احتياطيات البلاد على الرغم من أن البنك المركزى قد أنفق الكثير من العملة الصعبة لرفع قيمة البيزو التى هوت لمستويات قياسية متدنية.

ووجدت الحكومة نفسها فى موقف لا تحسد عليه فهى تحاول خفض معدلات التضخم وتجنب انهيار قيمة العملة، مما يستلزم السحب من احتياطيات النقد الأجنبي، بينما تسعى فى الوقت ذاته لعدم التفريط فى هذه الاحتياطيات داخل بنكها المركزي.

نيويورك تايمز:رفع الفائدة لكبح الأسعار «طريقة مؤلمة لامفر منها»

وصف تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز خفض التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة بأنه طريق مؤلم ستتجرع الأسر الأمريكية نتائجه القاسية، لكنه طريق لا مفر منه.

تعد سياسة رفع أسعار الفائدة التى ينفذها بنك الاحتياطى الفيدرالى هى الأداة الأساسية لمحاربة زيادات الأسعار.

تفضى الفائدة المرتفعة إلى صعود تكاليف الحصول على قروض الرهن العقارى و التى تحتاجها الشركات، وهو ما يتم ترجمته فى صورة تباطؤ نمو الأعمال وتقليص الحاجة للتوظيف.

كما تؤدى الفائدة المرتفعة إلى تباطؤ نمو الأجور وتقليص عمليات الشراء مما يساعد المعروض على البدء فى اللحاق بالطلب المتزايد والمساهمة بالتالى فى خفض الأسعار فى نهاية المطاف.

وتؤدى أسعار الفائدة المرتفعة إلى دفع أسعار الكثير من الأسهم إلى التراجع، مما يفاقم من الأضرار التى تتعرض لها الأسر الأمريكية التى تقبل على استثمار أموالها فى البورصة والتى تعانى بالفعل من قفزات أسعار السلع والبطالة وانخفاض القوة الشرائية.

وتؤدى أسعار الفائدة المرتفعة على قروض الرهن العقارى إلى إبطاء نمو سوق الإسكان وتراجع أسعار المنازل، بما يعنى تآكل ثروات الملاك.

وبحسب المقالة يتساءل الأمريكيون عن السبب وراء السير فى طريق رفع الفائدة كوسيلة لمحاربة التضخم إذا كان من الممكن انتهاج طريقة أخرى أقل إيلاما؟.

يرجع السبب إلى أن الأسعار ترتفع عندما يطلب المستهلكون والشركات كميات من السلع والخدمات تزيد عن قدرة الموردين على توفيرها.

تستهدف سياسة رفع الفائدة التأثير على جانب الطلب من المعادلة، فعندما يطلب عدد أقل من الناس شراء السيارات لأن القروض ذات فائدة عالية، تصبح كميات أصغر من السيارات قادرة على تلبية الطلب دون التسبب فى رفع الأسعار.

لكن مخاطر السير فى هذا الطريق تتمثل فى دفع الاقتصاد إلى الركود، فعندما أقبل الفيدرالى الأمريكى على رفع الفائدة إلى أعلى من %9 فى مطلع ثمانينات القرن الماضى ارتفعت معدلات البطالة لتصل إلى %11.

وبسبب الأضرار التى يتسبب فيها أسلوب رفع الفائدة طالبت بعض الجماعات المدافعة عن العمال بانتهاج طريقة أكثر شمولية لمحاربة التضخم.

ولتحقيق هدف خفض التضخم دون رفع الفائدة يمكن اللجوء إلى زيادة الإنتاج بموجب أوامر تصدر من البيت الأبيض والكونجرس، مما يؤدى إلى توفير المعروض الذى يكفى الطلب فى القطاعات المهمة من الاقتصاد.

تكمن المشكلة بحسب تقرير الـ نيويورك تايمز فى أن محاولات توفير المعروض الكافى من السلع والخدمات بأسعار أقل يستغرق تنفيذها بعض الوقت، خصوصا أن تآكل القوة الشرائية للموظفين تدفعهم للمطالبة بزيادة الأجور، فيضطر أصحاب العمل إلى تحميل الزيادة على المنتج النهائى فيتسارع ارتفاع التضخم متخطيا قدرة المعروض على اللحاق به.