يطرح محللون من حين لآخر طريقة أخرى لخفض التضخم خلافا للطريقة السائدة التى تقتضى رفع أسعار الفائدة، وذلك بهدف تلافى الأضرار التى تسببها زيادة تكاليف الاقتراض، على رأسها دفع الاقتصاد نحو الركود وزيادة معدلات البطالة.
وفى مقابل هذا الاقتراح يبرز تدخل البنك المركزى برفع الفائدة بوصفه الأداة الأساسية التى لا مفر من اللجوء إليها للتعامل مع التضخم المرتفع، لكن تبعاته القاسية وتضرر الأمريكيين منه لدوره فى زيادة البطالة تدفع الجماعات المدافعة عن العمال للمطالبة بتبنى أسلوب شامل يراعى التركيز على جانب العرض والطلب بقدر متوازن.
وتقترح مقالة رأى نشرها موقع واشنطن بوست خفض أسعار الفائدة على القروض التى يطلبها المطورون العقاريون على وجه الخصوص كوسيلة لخفض التضخم، مما يسهم فى زيادة المعروض من المنازل.
وتكمن وجاهة هذا الاقتراح فى أن الإيجارات المرتفعة فى أماكن مثل نيويورك وسان فرانسيسكو ليست ناجمة عن قوة سوق العمل بل عن السياسات التقييدية التى فاقمت صعوبة إضافة معروض وحالت دون إضافة المزيد من المنازل ذات الأسعار الأقل.
ويتم على سبيل المثال مطالبة المطورين بعدد كبير من التصاريح والموافقات خلال جميع المراحل المتنوعة من أحد المشاريع، مما يدفعهم للتركيز على بناء المنازل الفاخرة ذات الأسرة الواحدة بديلا عن تلك التى تضم عدة أسر.
ويتجسد نجاح هذا الاقتراح فى منطقة سانت بول فى مدينة مينابولس الواقعة فى ولاية مينيسوتا الأمريكية، فقد شهدت هذه المنطقة أول تراجع لمنطقة رئيسية من حيث إجمالى التضخم لما دون %2.
وتحقق هذا النجاح لقدرتها على خفض القيم الإيجارية عن طريق زيادة المعروض من المنازل بعد أن ألغت قوانين تسمح ببناء منازل الأسرة الواحدة دون غيرها عام 2019، فأصبح الطريق معبدا لبناء المنازل ذات الشقق المتعددة.
ولم تسجل القيم الإيجارية فى مدينة مينابولس نمواً إلا بنسبة %1 فقط منذ عام 2017، بحسب وكالة بلومبرج.
وينبغى الاهتمام بالمطورين العقاريين ومنحهم القروض بأسعار فائدة أقل، إذ تم تسجيل أصغر زيادة شهرية فى مؤشر أسعار المستهلك فى الولايات المتحدة فى يوليو، وكان من الملفت أن تكاليف السكن شكلت نسبة %90 من الزيادة فى المؤشر.
وبدأت تتراجع بالفعل تكاليف السكن، إذ كشف تقرير حديث صدر عن بنك الاحتياطى الفيدرالى فى سان فرانسيسكو عن أن التضخم فى تكاليف السكن قد بلغ ذروته فى أبريل عند نسبة %10 على أساس سنوي، وأنه سيواصل الهبوط ليصل إلى الصفر بحلول مايو من 2024.
لا يمكن إنكار أن تراجع التضخم على هذا النحو يحمل أخبارا جيدة للاقتصاد لأنه يعنى أن بنك الاحتياطى الفيدرالى لن يحتاج إلى رفع أسعار الفائدة مجددا بهدف خفض التضخم إلى المستهدف المقدر بـ%2 كما أنه يبدد مخاوف سقوط الاقتصاد فى هوة الركود جراء فقدان الملايين من الأمريكيين وظائفهم.
وعلى الرغم من تراجع التضخم فإن أسعار العديد من السلع، بداية من الغذاء والسيارات حتى السكن لا تزال مرتفعة.
وأشارت الرابطة القومية للعقاريين إلى أن مؤشر الإتاحة الفصلية لمشترى المنازل هبط إلى قاع قياسية خلال الفترة المنتهية فى 30 يونيو.
وتستند لحد كبير توقعات تراجع القيم الإيجارية على فرضية توفر الكثير من المعروض مستقبلا.
وزادت إنشاءات المنازل ذات الأسر المتعددة لتصل إلى ذروة قياسية، إذ ارتفعت من 600 ألف وحدة قبل الجائحة لتقارب المليون وحدة حاليا.
لكن عمليات تشطيب هذه الإنشاءات شهدت الكثير من التعطيل بسبب رغبة المطورين العقاريين فى تفادى اقتراض أموال نظير فوائد مرتفعة للحد الذى يهدد بتحول إنفاق الأموال بغرض تشطيب المشاريع إلى إجراء غير مربح لهم.
